..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

سقط الأسد ولم ينتصر

محمود الوهب

٢٤ إبريل ٢٠١٩ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2680

سقط الأسد ولم ينتصر

شـــــارك المادة

لعلَّ معظم التحليلات المعنية بأحداث كل من الجزائر والسودان، والاعتراف بمطالب المتظاهرين وأحقيتها، تؤكد أنّ الأمر يعود إلى قيادتي جيشي البلدين اللذين آثرا عدم التدخل، والوقوف إلى جانب شعبيهما، وبالتالي عدم إراقة نقطة دم واحدة. وتثير الروحية التي تعامل بها الجيشان تجاه المتظاهرين السلميين، على الرغم من تباين موقفيهما، تساؤلاتٍ كثيرة بشأن الجيش العربي السوري (الباسل) الذي لم يقف إلى جانب شعبه منذ الأيام الأولى للمظاهرات السلمية التي طالبت بإصلاحاتٍ عامة، كان رئيس البلاد قد رفعها شعاراتٍ رئيسةً، لكنه لم ينفذ منها شيئاً، منذ مجيئه وارثاً للحكم بتعديل دستوري (لا مبرّر له في بلد جمهوري)، بل إنه لم يقم بأي إنجازٍ، يُحسب له على مدى عشر سنوات كاملة، وهو الذي جاء باسم التحديث والتطوير ومحاربة الفساد الذي تنامى على زمنه، مرتبطاً بالمقرّبين منه تحديداً، ويفترض بالجيش الموصوف بـ "الباسل" أن يكون معنياً بالشعب أكثر من غيره، إذ توكل إليه مهمة استرداد الأرض المحتلة، ويعلن قائده، في الليل والنهار، عن مقاومته أو ممانعته. وكلا الشعارين يحتاج إلى ظهيرٍ يقف بقوة خلف الجيش، حين يأتي أمر الردِّ في "مكانه وزمانه المناسبين..!".
واضحٌ أن القادة في كل من السودان والجزائر قد استفادا كثيراً من التجربة السورية، إذ جرت تلميحات، في بداية الأحداث، إلى أنهم لن يكونوا مثل سورية، ما يعني أنهما استنارا بمجريات الحدث السوري في أمورٍ صارت حقائق على الأرض
أولاً: إنَّ قادة الجيشين المذكورين يدركون أن الشعب السوري محقٌ في مطالبه، وأنَّ تدخل الجيش على النحو الذي جرى أضعفه كثيراً، وأضاع هيبته أكثر مما هو في واقع الحال، فهو جيشٌ مهزومٌ منذ خمسين عاماً وأكثر. وما استطاعت قيادته أن توفر له المناخ المناسب لاسترداد أرضٍ خسرها، بل إن قيادته وقَّعت اتفاقاً مع إسرائيل مكّنتها، على نحو أو آخر، من تلك الأرض، إذ منع الاتفاق الذي وقعه حافظ الأسد في 31 مايو/ أيار عام 1974 الجيش السوري من أن يطلق طلقة واحدة حال رفض العدو إرجاع الأرض بالطرق السلمية، ووفق قرار مجلس الأمن رقم 338 تاريخ 22 أكتوبر/ تشرين الأول.
ثانياً: إنهما يدركان أن بشار الأسد قد سقط حقيقة، بما ارتكبه من جرائم، لا من أعين شعبه فحسب، بل من أعين العالم أجمع. أما مسألة سقوطه الفيزيائي فتتوقف على الوقت الذي ينفق في تحقق مصالح المتدخلين الأجانب، سواء الذين جلبهم بشار الأسد أم هؤلاء الذين دفعوا من بعض الدول العربية والإقليمية.
ثالثاً: النصر الذي يزعمه الأسد في بقائه على رأس السلطة هو هزيمة ربما أشد خطراً من هزيمتي 1967 و1973، فالشعب الذي كان يحكُمُه أملٌ باستعادة أرضه قد انطفأ اليوم، إن لم يكن كلياً، فلعقود مقبلة، بعد أن تحولت سورية إلى أنقاضٍ طاولت الحجر والبشر والمقدّرات كافة، وأولها الجيش الذي فقد هيبته، وتضاءل كثيراً في عيون أبناء شعبه، ودليل ذلك هروب الشباب من التجنيد الذي شمل المحافظات كافة، بما فيها محافظتا طرطوس واللاذقية، إذ يدرك الشباب أن هذه المعركة ليست معركتهم الوطنية! أما إسرائيل التي كانت محكومةً بقلق دائم من أن ينهض الشعب السوري ذات يوم متحرّراً من استبداد حكّامه، ليطالب بأراضيه، فقد صارت تنعم بالراحة وهدوء البال.
رابعاً: أيَّ مراقب للحدث السوري اليوم لا بد أن يتساءل عندما يسمع من الإعلام السوري كلمة نصر: أيّ نصر هذا، وثمّة مليون قتيل لم يولدوا من حجر أو شجر، بل لهم أمهات وآباء وأخوة وأعمام وأخوال ما زالوا يعيشون أحزانهم ويتساءلون: لماذا وما الأسباب الجوهرية؟ إضافة إلى ملايين المهجرين ممن هُدّمت بيوتهم ويعاني معظمهم الأمَرين في المخيمات وبلدان اللجوء، فهؤلاء وأولئك لا يمكن أن تهدئ نفوسهم عبارة مكافحة الإرهاب، إذ هم على دراية بالإرهاب وصانعه، وخصوصاً أنه توالد كالفطر بين عشية وضحاها؟
خامساً: لم يبق أحد في العالم لا يرى بعينيه أن سورية التي كافحت لنيل استقلالها الوطني في السابع عشر من إبريل/ نيسان عام 1946، وراحت تبني دولتها اقتصاداً ومجتمعاً، قد جعلها حزب البعث وآل الأسد مشاعاً لدول طامعة، يقتلون ويهدمون ويمثلون، وهم اليوم أصحاب السيادة والقرار. ويكفي الأسد ذلاً اليوم فيما فعله الروس من تسليم لرفات الجندي الإسرائيلي، بعيد إعطاء الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، "صك" إقرار بضم الجولان إلى إسرائيل. وينعم الأميركيون اليوم بشرق سورية، وخيراتها من بترول وسواه، إضافة إلى مليشيا حزب العمال الكردستاني التي مكَّن لها حافظ الأسد في سورية ولبنان، فيما يتلظى السوريون على ليتر بنزين أو جرّة غاز.
سادساً: وضع السوريين في الداخل اليوم هو أسوأ حالاً من أيِّ وقت مرَّ على سورية منذ ما قبل استقلالها عن الدولة العثمانية، فالغلاء غير المقدور عليه، إضافة إلى فقدان المحروقات وفقدان الأمن وتعدّيات المليشيات على المواطنين، وخصوصا على الأطفال والمراهقين وإفسادهم بالمخدرات وسواها، وهذا الواقع على لسان كل مواطن، فقد حصل الأسد على مجتمع التجانس، لكنه لم يستطع أن يؤمّن له الحد الأدنى من ضرورات الحياة.
وأخيراً، يمكن أن يقول بعضهم إنَّ وقائع اليوم لا تشير إلى استبدال الأسد، على الرغم من أن المشكلة ليست متعلقة بفرد، بل بنظام متكامل، إذ إنَّ المعارضة اليوم أعجز من أي وقت مضى على الفعل، ويبدو أنَّ من يناصرها مقيدٌ بمصالحه وشركائه! كذلك يبدو أنَّ لدى الروس والإيرانيين رغبة بإبقائه حفاظاً على مصالحهم، وتنفيذاً للاتفاقات الاقتصادية التي وُقّعت، وكان الجانب السوري فيها الأضعف، إذ هو الممنون عليه ببقائه رئيساً، علماً ومن خلال الوقائع على الأرض ليسا وحدهما من يقرّر الوضع السوري. وتبقى للوقائع التي ذكرت أعلاه القول الفصل الذي ينتظر ظرفه القادم من قلب المأساة التي يعانيها كلُّ من هم في الداخل والخارج. ولنمعن في مغزى هذا الجزء من رسالة موجهة إلى المستشارة في الرئاسة، بثينة شعبان (بصيغة الجماعة)، نشرها أحد سوريي الداخل (م .ع) على "فيسبوك": "دُمرت سورية وبيعت دماء الناس بالمزاد، بل وسحقت إلى الأبد. ومات بشرها وحجرها وشجرها. ومع ذلك لا تخجلون من التصريحات بأنكم انتصرتم؟! في الحقيقة معكم حق.. لقد انهزمنا شعباً ووطناً، وانتصرتم أنتم. لا أحد منكم يقبض راتباً مقداره (30000 أو 40000) ولم يُقتل أحد من أبنائكم، ولم تُهدم بيوتكم. بإمكانكم أن تعتزوا بكرامتكم لأنكم لم تُذلوا بسبب جرة غاز، أو لتر بنزين، أو تكسروا أنفسكم لتستدينوا بضع ليرات من أجل طعامكم. بل جمعتم كل ما تستطيعون من أموال"

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع