الأناضول
تصدير المادة
المشاهدات : 2316
شـــــارك المادة
عندما نقوم بمقارنة السياسات التركية والروسية تجاه الملف السوري، يمكننا ملاحظة العديد من أوجه الشبه والاختلاف.
وبينما يختلف البلدان حول مستقبل النظام القائم في سوريا ومكافحة الإرهاب فيها وطرق تدخلهما في الحرب الداخلية الجارية هناك، نرى أنهما يتفقان في ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، ومسيرة الحل السياسي لإنهاء الأزمة القائمة.
وبالنظر إلى أهداف كلا البلدين في سوريا، نجد أن الروس يسعون للحفاظ على وجودهم العسكري في سوريا، وتوسيع نطاق هذا الوجود، بينما تسعى تركيا لعرقلة تحول الأراضي السورية إلى قاعدة للتنظيمات الإرهابية.
ومن بين أهداف تركيا أيضا، دعم نضال الشعب السوري ضد نظام دمشق ومساعدته لنيل حريته، وإشراك المعارضة في الإدارة التي ستؤسس بعد انتهاء الحرب.
لكن وبعد محاولات تنظيم "ب ي د / بي كا كا"، تأسيس حزام إرهابي في الشمال السوري بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، وضعت تركيا ثقلها لمكافحة الإرهاب في سوريا.
تضارب في المواقف حول "ب ي د / بي كا كا"
من الملاحظ أن سياسات روسيا تجاه "ب ي د / بي كا كا"، مليئة بالتناقضات، فالروس إلى الآن يتهربون من الاعتراف بإرهابية "بي كا كا"، ويحاولون دائما ترك الباب مفتوحا لتنظيم "ب ي د / ي ب ك".
من جانب آخر لا ترغب موسكو في التفريط بعلاقاتها الثنائية مع أنقرة، لا سيما أن هذه العلاقات شهدت تطورا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، كما أنها تُقدم أحيانا على خطوات تُرضي أنقرة فيما يخص تنظيم "ب ي د"، وذلك بهدف الحفاظ على التّقدم الذي حققته مع تركيا في مساري أستانة وسوتشي.
ولعل إقدام روسيا على قليل من الخطوات نحو "ب ي د"، سببه هو تفضيل التنظيم التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، فالروس مستاؤون من هذا التعاون.
وموقف موسكو من عملية "غصن الزيتون"، التي قامت بها تركيا في عفرين السورية (في 2018)، خير دليل على السياسات المتناقضة التي تتبعها روسيا.
عندما رأت موسكو مدى جدية أنقرة في مكافحة "بي كا كا / ب ي د"، أعطت الضوء الأخضر للعملية، ولعل هذا الأمر ناتج عن عدم رغبتها في توتير علاقاتها مع تركيا.
ولكن الروس أنفسهم عارضوا قيام تركيا بأي عملية ضد عناصر التنظيم المذكور في منطقة تل رفعت القريبة من عفرين.
وسعت روسيا من خلال معارضة عملية تل رفعت، إلى إبقاء مطار "منغ" العسكري، تحت سيطرتها من جهة، وإرضاء التنظيم الإرهابي لا سيما بعد عملية عفرين، من جهة أخرى.
وفي أي مرحلة من مراحل الأزمة السورية، لم تنظر روسيا إلى "بي كا كا / ب ي د"، على أنه شريك لها في حل الأزمة، وهذا الأمر يُعد مهما بالنسبة للعلاقات التركية الروسية.
والخلافات التي تشهدها العلاقات التركية الأمريكية في الأونة الأخيرة، سببها اعتبار واشنطن للتنظيم المذكور، شريكا لها في سوريا.
ولعل مراعاة روسيا لحساسية تركيا تجاه مسألة مكافحة الإرهاب، تعد من أهم العوامل التي ساهمت في الحفاظ على العلاقات الجيدة بين البلدين.
ومما لا شك فيه أن رغبة روسيا في تفعيل اتفاقية أضنة المبرمة بين أنقرة ودمشق في 1998، دليل على أخذ موسكو حساسية أنقرة فيما يخص مكافحة الإرهاب على محمل الجد.
وبما أن موسكو، هي التي ذكّرت بتفعيل الاتفاق الذي ينص على تعهد النظام السوري بعدم دعم "بي كا كا"، فإن هذا يدل على أن روسيا لن تسمح لـ"بي كا كا / ب ي د" بالتمركز في الأراضي السورية.
ومما لا شك فيه أن روسيا أظهرت بأنها أكثر موثوقية بالنسبة لتركيا من الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص حل الأزمة السورية، خاصة أنها أبدت حساسية أكبر من واشنطن، للمخاوف الأمنية التركية.
لكن بالمقابل اعتماد أنقرة على موسكو ودمشق فيما يخص إنهاء وجود "بي كا كا / ب ي د"، في الشمال السوري، فيه مخاطر كثيرة. لذا فإن أنقرة ترغب في رؤية انتهاء وجود هذا التنظيم داخل الأراضي السورية قبل إنهاء عملياتها العسكرية في سوريا.
والروس أيضا يدركون بأن تطهير الأراضي السورية من وجود "بي كا كا / ب ي د"، أمر بالغ الأهمية بالنسبة للعلاقات مع أنقرة والحفاظ على وحدة الأراضي السورية.
المواقف من الوجود الأمريكي في الأراضي السورية
من الملاحظ وجود تقارب وتعارض في سياسات تركيا وروسيا حيال الوجود العسكري الأمريكي في الأراضي السورية.
أنقرة كانت تعتبر واشنطن من شركائها الرئيسيين مع بدايات الحرب الداخلية في سوريا، لكنها اضطرت إلى تغيير نظرتها هذه، بعد أن رأت بأن واشنطن تميل لدعم "بي كا كا / ب ي د" أكثر من المعارضة السورية.
ومع ازدياد فجوة التباعد بين تركيا والولايات المتحدة، ظهرت بوادر التقارب بين سياسات أنقرة وموسكو.
وفي المرحلة الحالية، نلاحظ أن أنقرة وموسكو تعارضان السياسات الأمريكية المتبعة في الشمال السوري، فكلا البلدين تعتبران مساعي "بي كا كا / ب ي د" لتأسيس منطقة ذاتية الحكم، ممتدة من شرق الفرات حتى جنوبي محافظة دير الزور، تهديدا حقيقيا.
وترى تركيا في هذه المحاولة تهديدا حقيقيا لأمنها القومي، بينما تسعى روسيا لإخضاع تلك المناطق الغنية بالنفط، لسيطرة النظام السوري.
وأوجه الاختلاف بين أنقرة وموسكو حيال السياسات الأمريكية تجاه سوريا، ظهرت عندما قامت الولايات المتحدة الأمريكية باستهداف مواقع للنظام السوري بحجة استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيميائية.
فتركيا التي تنظر إلى "بشار الأسد"، على أنه ديكتاتور يقتل شعبه، دعمت الغارات الأمريكية، بينما عارضت موسكو بشدة استهداف واشنطن لمواقع النظام.
كما أن تركيا تنظر إلى الوجود الأمريكي في غرب وجنوب سوريا بإيجابية، وترى في هذا الوجود عامل هام مقابل التحالف الروسي الإيراني الأسدي. ومن الطبيعي أن موقف تركيا هذا يثير استياء موسكو.
المواقف من التوترات بين إيران وإسرائيل
وفيما يخص مواقف أنقرة وموسكو من صراع النفوذ في سوريا بين إيران وإسرائيل، فإننا نلاحظ هنا أيضا تقاربا واختلافا بين تركيا وروسيا، فكلا البلدين لا يرغبان في أن يكون لإسرائيل ثقل في سوريا.
ويمكننا القول إن محاولات إسرائيل الرامية للحد من تعاظم نفوذ إيران و"حزب الله" داخل الأراضي السورية، ستسفر عن نتائج إيجابية بالنسبة لتركيا. وسبب ذلك هو أن إيران و"حزب الله" يتبنيان مواقف عدائية تجاه المعارضة المدعومة من قِبل أنقرة.
أما بالنسبة لروسيا، فهي من جهة تنظر بإيجابية لاستهداف إسرائيل لإيران وحزب الله، وتعتبر هذا الاستهداف عامل مهم لتقليل تأثير إيران على النظام السوري، ومن جهة أخرى ترى موسكو أن الغارات التي تنفذها تل أبيب ضد الأهداف الواقعة داخل مناطق سيطرة النظام السوري، تشويها لصورتها، لا سيما أن موسكو تدعي حماية الأجواء السورية.
من سيدير سوريا؟
مما لا شك فيه أن مسألة إدارة سوريا في المستقبل، تعد من أهم نقاط الخلاف بين تركيا وروسيا، فأنقرة ترى في بشار الأسد، فاقدا للشرعية، وتصر على أن يكون للمعارضة كلمة مسموعة في مستقبل البلاد، بينما ترى روسيا أن "الأسد"، الرئيس الشرعي، وتطالب المعارضة بإلقاء السلاح والبحث عن سبل المشاركة في حكم البلاد عن طريق الانتخابات.
والمهم هنا إلى أي حد ستستطيع المعارضة السورية المشاركة في حكم البلاد، في ظل استمرار "الأسد" بالتربع على كرسي الرئاسة.
فإذا نظرنا إلى سوريا ما قبل الحرب الداخلية، فإننا نلاحظ أن عائلة "الأسد"، المسيطرة على الحكم منذ 1970، لن تسمح للمعارضة بالمشاركة في إدارة البلاد.
تركيا التي قامت بعملتي درع الفرات وغصن الزيتون، بمساعدة الجيش السوري الحر، لا تريد ترك الأخير لإنصاف الأسد، وتسعى لتأمين ضمانات للمعارضة في الدستور الجديد المتفق على كتابته في مساري أستانة وسوتشي.
أما روسيا فتسعى لبسط نظام "البعث" في سوريا، سيطرته على كامل أراضي البلاد.
وبخصوص السياسات العسكرية لكلا البلدين تجاه سوريا، فإن روسيا تتبع الأسلوب نفسه الذي اتبعته في الشيشان، حيث تعمل على تشتيت المدنيين، وكسر مقاومة المعارضة المسلحة عبر الغارات المكثفة.
بالمقابل تحرص تركيا على عدم إلحاق الضرر بالمدنيين في عملياتها العسكرية بسوريا، حتى لو كلفها ذلك إطالة أمد العملية.
روسيا اليوم
محمد أمين
الجزيرة نت
عمار البكور
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة