عمر كوش
تصدير المادة
المشاهدات : 2358
شـــــارك المادة
يطرح القرار المفاجئ للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سحب القوات الأميركية من سورية، أسئلة عديدة عن أسبابه وحيثياته، وخصوصا بشأن الغاية والمغزى من هذه الخطوة وتوقيتها، ومن هي الدول والقوى المستفيدة منها في سورية، وما الأثر الذي ستتركه في الصراع الدولي والإقليميي الدائر في سورية وعليها، وما الدور التي ستلعبه الولايات المتحدة الأميركية في الملف السوري بعد الانسحاب؟ وإن كان قرار ترامب ينسجم مع وعوده الانتخابية، ومع سياساته التي انتهجها منذ وصوله إلى البيت الأبيض، إلا أن إعطاء الأوامر بالانسحاب الفوري لا يتسق مع التغييرات الأخيرة في السياسة الأميركية حيال الوضع في سورية، خصوصا أن مسؤولين أميركيين كانوا يتحدثون عن بقاء القوات الأميركية مدة أطول في سورية، بل إن رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي، الجنرال جوزيف دانفورد، تحدث قبل أيام قليلة، عن "بقاء القوات الأميركية في المستقبل القريب في سورية"، وتزامن ذلك مع نفي التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي تقوده الولايات المتحدة، وجود أي خطط لتغيير وجود القوات الأميركية في سورية. والأدهى من ذلك عدم وجاهة التبرير الذي قدمه الرئيس ترامب لقراره، وربطه باكتمال هزيمة تنظيم داعش في سورية، واعتباره السبب الوحيد لوجود القوات الأميركية فيها، لأن الوقائع على الأرض تظهر عدم انتهاء المعارك مع التنظيم، واستمرار وجود آلاف العناصر منه في مناطق محافظة دير الزور المحاذية للحدود السورية العراقية. ويأتي قرار الانسحاب في وقتٍ تحشد فيه تركيا وحداتٍ من جيشها على حدودها الجنوبية، وتتوعد بالقيام بعملية عسكرية في منبج وشرقي الفرات، ضد مليشيات الوحدات التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي في تركيا، الأمر الذي يظهر أن الانسحاب الأميركي بمثابة تخلٍّ عن دعم هذه المليشيات التي اتخذتها الولايات المتحدة حليفاً أساسياً في حربها ضد "داعش"، وتركها تواجه مصيرها وحدها، مثلما فعلت مع فصائل المعارضة السورية في الجبهة الجنوبية، عندما تخلت عنها، وأرسلت رسالةً واضحة لها، تفيد بأن لا تتوقع أي دعم أميركي حيال الهجوم الذي شنه ضدها تحالف النظام البوتيني مع نظام الملالي الإيراني ونظام الأسد، وانتهى أمرها بتسليم السلاح والانخراط في التسوية الروسية. ولعل إعلان قرار الانسحاب الأميركي بعد الاتصال الذي أجراه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره الأميركي دونالد ترامب، يشير إلى وجود تفاهم ما بينهما، لكنه لا يتسق مع رسالة التحذير الأميركية لفصائل المعارضة السورية من مغبّة مشاركتها في أي عملية عسكرية تركية في شرقي الفرات أو منبج، كما أن القرار يسير في عكس اتجاه الخطوات الأميركية التي اتخذتها وزارة الدفاع الأميركية حيال التهديدات التركية، وأنشأت بموجبها مراكز مراقبة عسكرية على طول الحدود السورية التركية، المحاذية لمناطق سيطرة مليشيات الوحدات الكردية، للحدّ من إمكانية قيام الأتراك بعمل عسكري واسع في المنطقة. وبالتالي هل يمكن الحديث عن خطة أميركية مضمرة، تقضي بتوريط تركيا أكثر في الملف السوري، أم أن الغاية من الانسحاب هو ترك الساحة السورية للروس والأتراك وملالي إيران، وخلط الأوراق في المنطقة، والمراهنة على صراع محتمل بين رعاة محور أستانة على الأرض السورية. غير أن الرئيس الأميركي، ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض، أظهر أنه يتصرّف وهو على كرسي رئاسة الولايات المتحدة، وكأنه يدير شركة تجارية كبيرة، والمبدأ الأساس لسياسته فيها هو ميزان الربح والخسارة، ما يعني أن حساباته في سورية هي ما قادته إلى اتخاذ هذا القرار، خصوصا أنه كان قد طالب دولا عربية بدفع تكلفة الوجود العسكري الأميركي في سورية، مع أن المنطقة التي يوجد فيها الأميركيون غنيةً بالموارد الطبيعة، وخصوصا النفط والغاز، لكنها لا تمثل شيئاً معتبرا بالنسبة لحساباته التي سبق أن قادته إلى الانسحاب من "الميثاق العالمي حول الهجرة"، واتفاق باريس حول المناخ، ومطالبته دول الاتحاد الأوروبي بدفع ثمن حماية الولايات المتحدة لها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وسوى ذلك. والواقع أن ترامب لم يخف رغبته بسحب قوات بلاده من سورية، منذ وصوله إلى البيت الأبيض، وتحدث عن ذلك في أكثر من مناسبة عن ضرورة إسناد مهمة "الاعتناء بسورية للآخرين"، بل وأعلن في نهاية مارس/ آذار الماضي عن عزمه على سحب القوات الأميركية من سورية، وأن الانسحاب "سيكون قريباً جدا"، بدوافع وحسابات اقتصادية، من خلال قوله: "أنفقنا سبعة تريليونات دولار في الشرق الأوسط، هل تعلمون ما الذي حصلنا عليه لقاء ذلك؟ لا شيء"، لكن أركان الإدارة الأميركية، آنذاك، تمكّنوا من ثنيه عن قرار الانسحاب، وأقنعوه بضرورة بقاء قوات بلادهم مدة أطول في سورية، وحاولوا البحث عمن يدفع تكاليف الوجود الأميركي في سورية، وإقناع بعض الدول العربية بإرسال وحدات عسكرية عربية تحل محل القوات الأميركية عند انسحابها، إلا أنهم فشلوا في ذلك. ويبدو أن قرار الانسحاب اتخذ منذ مدة في الإدارة الأميركية، وأن تنفيذه قد بدأ فور إعلان ترامب عنه. ويعي أركان الإدارة تماماً تبعات تنفيذ هذا القرار، والذي سيفضي إلى ترك المجال السوري مفتوحا تماماً أمام الروس وملالي طهران، وبالتالي نظام الأسد. ولذلك قد يطلق العنان لتكهناتٍ بالتحضير لعمل عسكري كبير، تقوم به إسرائيل، بإسناد من الولايات المتحدة، ضد مليشيا حزب الله في لبنان، وخصوصا بعد اكتشاف أنفاق حزب الله، وقد يمتد ذلك إلى أماكن وجود مليشيات نظام الملالي الإيراني، وربما إلى أبعد من ذلك، لكن هذا الأمر متروك لما ستحمله الأيام المقبلة.
محمد سلام
خالد الدخيل
علي حسين باكير
حسان الحموي
المصادر: العربي الجديد
العربي الجديد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة