..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

من استدعى التدخل الأميركي في سوريا؟

بشير نافع

٥ سبتمبر ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 7189

من استدعى التدخل الأميركي في سوريا؟
000.jpg

شـــــارك المادة

بدأت المسألة السورية بحركة شعبية، تطالب بإصلاحات سياسية، حياة أفضل، وحق الشعب في المشاركة في قرار بلاده ومستقبلها.
ولكن النظام واجه الحركة المطلبية الإصلاحية بقوة أجهزة الأمن وعنفها، وبنشر سريع لقوات الجيش، مما أدى إلى اندلاع ثورة شعبية عارمة، طالت كافة أنحاء سورية.

لم ير النظام عمق الحراك الثوري الذي يواجهه، ولا رأى السياق العربي الذي أطلق رياح الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية، وتعهد حرباً وحشية ضد الشعب، حربا بلا حدود وطنية أو أخلاقية أو سياسية.
شيئاً فشيئاً، تحولت سورية إلى أزمة إقليمية، سيما بعد أن قررت إيران وعراق المالكي وحزب الله الوقوف إلى جانب النظام، وبدأت تركيا ومصر مرسي وبعض دول الخليج العربية في إبداء التعاطف والتأييد للشعب السوري.
وكان طبيعياً في النهاية أن تنتقل الأزمة من الإقليمي إلى الدولي، سيما بعد أن انطلق حراك سياسي في صيف 2012، استند إلى توافق أمريكي روسي غامض وهش، لتوفير إطار دولي للتوصل إلى حل تفاوضي للأزمة.
من يوم إلى آخر في مسيرة الثورة السورية الطويلة، المستمرة منذ عامين ونصف العام، وعندما أخذت وحشية النظام في التصاعد، وأعداد القتلى في الازدياد، توقع السوريون تدخلاً دولياً ما، يضع نهاية لاستباحة حياة الشعب ومعاشه ومقدراته. ولكن هذا التدخل لم يقع.
وقد جادلت في أكثر من مناسبة، في هذه المساحة، بأن التدخل الدولي في سورية مشروط بالموقف الأميركي، وأن الولايات المتحدة لا تريد ولا ترغب ولا تخطط للتدخل في سورية.
الآن، يبدو من المرجح أن إدارة أوباما قررت بالفعل توجيه ضربة عقابية للنظام السوري، بعد أن تأكد، للمرة الثالثة، ربما، استخدامه السلاح الكيماوي ضد شعبه.

فكيف وقع هذا التطور، ولماذا، وما الذي يمكن أن ينجم عنه؟
لأسباب تتعلق بموازين القوى العالمية، بصورة أساسية، وبالإخفاقات التي منيت بها حروب إدارة بوش الابن وسياساته في أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين، اتخذت إدارة أوباما قبل أربعة أعوام قراراً بإعادة النظر في الإستراتيجية الأمريكية العالمية.
طبقاً لرؤية أوباما، أصبح لحوض الباسيفيك الأولوية في الإستراتيجية الأمريكية الجديدة. مستهدفة إحاطة الصين، في البر والبحر، عززت الولايات المتحدة أسطولها في الباسيفيك، وعقدت سلسلة من الاتفاقيات مع دول المنطقة، لإنشاء قواعد عسكرية أو الحصول على تسهيلات لقواتها الجوية والبحرية.
آخر هذه الاتفاقيات وقع مع الفلبين في الأسبوع الماضي، لتوسيع نطاق التمركز والنشاط العسكريين في الجزر الفلبينية، حيث تواجدت قاعدة عسكرية أميركية منذ زمن.
في المقابل، انتهجت إدارة أوباما سياسة الانسحاب من المشرق العربي الإسلامي، الانسحاب العسكري الكامل من العراق، والانسحاب الملموس من أفغانستان، وتجنب التورط في أية مغامرات جديدة في المنطقة.
لم تخرج الولايات المتحدة كلية من المشرق العربي، وليس بإمكان أية قوة عالمية أن تقرر الخروج من المنطقة الأكثر أهمية جغرافية سياسية، ولكن حجم ما يمكن أن تخصصه واشنطن من الاهتمام، من الزمن، من الموارد، من الجهد، تراجع إلى حد كبير.
التدخل الأميركي في الأزمة الليبية كان استثناء، وجاء بعد أن قررت الدول الأوروبية التدخل وعجزت عن حسم الموقف. وبالرغم من أن العملية الليبية انتهت إلى إسقاط نظام القذافي، لم تعتبرها إدارة أوباما أمراً هاماً، ولا سابقة تحتذى، ولا احتلت موقعاً بارزاً في حملة أوباما الانتخابية الثانية.
لم يكن لدى أوباما، منذ اندلاع الأزمة السورية، أي مخطط للتدخل، ليس خوفاً من إيران وحزب الله، كما يتصور الممانعون العرب، ولا تردداً وضعفاً، كما تصور أصدقاء أميركا العرب.
لم يرد الرئيس الأميركي التدخل لأن المحددات الإستراتيجية لإدارته اختلفت عن إدارة سابقه.
ولكن واشنطن أوباما ما كان لها أن تتجاهل سورية كلية، لأنها أصلاً لم تقرر الخروج كلية من المشرق العربي الإسلامي.
في البداية، تصور أوباما، كما تصور أردوغان، أن لدى النظام السوري من عقلانية الدول ما سيجعله ينصت للغة الاحتجاج والتهديد الإقليمية والدولية.
ولكن نظام الأسد لم يكن بصدد التراجع. وهكذا، لم تعارض الإدارة الأمريكية جهود الدول المؤيدة للشعب السوري لدعم الثوار السوريين، سواء بالمال أو بالسلاح.
يبدي الأمريكيون قلقاً بالغاً من النفوذ المتزايد للجماعات الإسلامية الراديكالية، أو تلك المتهمة بالارتباط مع القاعدة، في صفوف الثوار السوريين.
وهذا كان السبب الرئيس خلف امتناع الولايات المتحدة عن المشاركة في دعم الثوار، أو في الضغوط الأمريكية على الحلفاء الإقليميين للامتناع عن توفير أسلحة نوعية، يمكن أن تشكل مصدر تهديد مستقبلي أن وقعت في أيدي الجماعات الراديكالية. ولكن حتى هذا الموقف، يبدو أنه خضع لبعض المراجعة والتغيير في الآونة الأخيرة.
ما فعلته واشنطن بصورة أكثر جدية، كان محاولة التوصل إلى حل سياسي للأزمة. ولأن روسيا هي القوة الدولية المؤيدة للنظام السوري، والعضو الدائم في مجلس الأمن، الذي عارض كل محاولة لإدانة النظام في دمشق وتبلور إجماع دولي ضد سلوكه المشين ضد شعبه؛
توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاق جنيف الأول مع روسيا، في صيف العام الماضي، الذي كان يفترض أن يمهد الطريق لعقد مفاوضات بين ممثلين عن النظام وعن المعارضة للتوصل إلى حل للأزمة.
ولكن غموض اتفاق جنيف، واستعصاء الموقف الروسي، أدى إلى دفع الجهود التفاوضية إلى طريق مسدود.
جرت المحاولة الثانية لإطلاق المسار التفاوضي في لقاء وزيري خارجي الولايات المتحدة وروسيا في موسكو قبل شهرين. ولكن الآمال التي أطلقها لقاء موسكو سرعان ما تجاوزتها التطورات على الأرض السورية.
ما يدفع إدارة أوباما الآن إلى التدخل العسكري، وتوجيه ضربة عقابية لنظام دمشق، سببان رئيسيان:
الأول، كان لجوء النظام، للمرة الثالثة على الأقل، وبنتائج بالغة البشاعة والقسوة، إلى استخدام السلاح الكيماوي ضد الشعب السوري في أكثر من موقع، في الغوطة الشرقية بصورة رئيسية، وفي الغوطة الغربية.

ثمة أدلة استخباراتية، وأدلة معملية، قاطعة، على ارتكاب النظام هذه الجريمة، ربما لم تتوفر في حوادث سابقة.
ومن المعروف أن النظام يعاني صعوبات بالغة في التعامل مع مجموعات الثوار في بلدات الغوطة الشرقية، على وجه الخصوص، التي تشكل تهديداً بالغاً لأحياء دمشق الشرقية، حيث مواقع مؤسسات حكومية رئيسية وأحياء يقطنها قادة الدولة والنظام.

بمعنى، أن هناك دافعاً واضحاً خلف هذه الجريمة. من جهة أخرى، فقد أصبح استخدام السلاح الكيماوي، الذي كانت الدول الغربية أول من استخدمه في الحروب، بما في ذلك الحروب الاستعمارية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، مقروناً بانتهاك خطير للقيم والمعايير الدولية.
وهذا ما دفع الرئيس الأميركي إلى إعلانه المبكر باعتبار لجوء نظام الأسد للسلاح الكيماوي خطاً أحمر، الخط الذي تحول في الشهور الأخيرة إلى مصدر للسخرية.
في النهاية، برز هذا الاستخدام السافر والبشع للسلاح الكيماوي باعتباره امتحان مصداقية الرئيس حاسم للرئيس الأميركي، رئيس الدولة الأكبر في العالم.
بيد أن هناك سبباً آخر خلف هذه الانعطافة في مقاربة إدارة أوباما لسورية وشؤون المشرق، يتعلق بالموقفين الإيراني والروسي.
خلال الشهور القليلة الماضية، وبفعل الإخفاقات المتتالية التي منيت بها قوات النظام السوري في كافة الجبهات، شهد الصراع في سورية انخراطاً أوسع لحزب الله وعناصر الميليشيات الشيعية المرتبطة به في القتال، وأخذت إيران في لعب دور أكثر نشاطاً في تعزيز الجهود العسكرية لقوات النظام ومقدرات هذه القوات.
من جهة أخرى، سورية ليست سوى دولة من العالم الثالث، لا يمكن لها أن تخوض حرباً بهذا الاتساع، طوال عامين ونصف العام، بدون إمدادات عسكرية مستمرة وكبيرة. وهذا ما قامت به روسيا وإيران.
إضافة إلى ذلك، لم يعد ثمة مجال للشك في أن موسكو، وبغض النظر عن سعيها إلى توكيدها على ضرورة التوصل إلى حل سياسي، تقف وبقوة ضد أي تغيير سياسي جوهري في النظام السوري.
إدارة أوباما، باختصار، وجدت نفسها في مواجهة إهانة كبيرة في سورية، بالرغم من، وربما بسبب، حرصها المبكر على تجنب الانخراط في الملف السوري.
إلى أين تتجه الأمور، إذن؟
ينبغي في البداية انتظار موقف الكونغرس الأميركي، بعد أن قرر الرئيس الأميركي طلب تفويض من الكونغرس لأي إجراء يتخذه في سورية.
قرار الرئيس بالذهاب إلى الكونغرس، أصبح محل الكثير من التكهنات، بما في ذلك اعتباره تجلياً لتردد الرئيس، هروباً نحو حل سياسي، أو تخوفاً من أن يتعقد التدخل العسكري في سورية بما هو أبعد من تقديرات وخطط الجنرالات الأميركيين. من مضيعة الوقت الآن الخوض في هذه التكهنات، وربما تكون كلها صحيحة.
المهم، أن حصول الإدارة على التفويض، سيؤدي على الأرجح إلى توجيه ضربة أميركية للنظام السوري، ضربة محدودة، كما قالت واشنطن.
ولكن ما الذي تعنيه "محدودة" هنا، فمسألة لا يمكن تقديرها الآن. مهما كان حجم واتساع وزمن الضربة الأمريكية، فليس هناك قصف جوي يمكنه إسقاط نظام حكم.
النظام السوري لن يسقط بفعل الضربة الأمريكية. ما على الثوار السوريين ملاحظته هو وقع الضربة الأمريكية على مقدرات الضبط والتحكم في صفوف قوات النظام، وما إن كانت أعداد ملموسة من الضباط والجنود ستترك مواقعها أو تختار الانشقاق والانضمام إلى صفوف الثورة.
إسقاط النظام، في النهاية، هي مهمة الشعب والثوار السوريين، وليس الضربة الأمريكية، بغض النظر عن حجم هذه الضربة وما تستهدف واشنطن فعلاً تحقيقه.
لو وجد نظام عربي فعال حقاً، لقام العرب بما يمليه عليهم الموقف، وتحركوا هم لحماية الشعب السوري من هذا النظام المجرم.
أما وأن النظام العربي لم يزل أسيراً لسيادات سايكس بيكو، ونحن نوشك أن نشهد دولة عربية أخرى تتعرض لقصف الطائرات والصواريخ الأمريكية، فيجب أن نتذكر أن النظام السوري، والنظام السوري وحده، كان من صنع هذا التطور.
 
العصر

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع