..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


اخبار الثورة

د. العمر: تذكرت المهاجرين والأنصار بمخيمات الأردن..

ناصر العمر

١٢ إبريل ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 7167

د. العمر: تذكرت المهاجرين والأنصار بمخيمات الأردن..
18.jpeg

شـــــارك المادة

د. العمر: تذكرت المهاجرين والأنصار بمخيمات الأردن..التعلق بالقوى العظمى من الخذلان.."الرابطة" مصدر أمن واستقرار

 

اللاجئون السوريون، وأهل الأردن ذكروني بالمهاجرين والأنصار.. مؤتمر "نصرة سورية" خرج بتوصيات ومشروعات ممتازة.. المجتمع المدني هو مجتمع النبي –صلى الله عليه وسلم-.. الحكومات والجمعيات الخيرية والأفراد مسؤولون كلهم عن نجدة اللاجئين.. سر الثورة السورية في اختلافها الجذري عن غيرها.. الرجوع عن الثورة السورية يعني الموت.. أحداث سوريا كشفت إيران ونظام سوريا و"حزب الله" مثلما كشفت العراق وأفغانستان أمريكا للحالمين بها بما يفوق كل البيانات.. لا أدعو مطلقاً لمساندة دولية لسوريا؛ فتلك الدول لا تنتظر صوتنا بل تحركها مصالحها وحدها وسيقبضون الثمن، وليبيا شاهدة.. التعلق بالقوى العظمى والبشر من أسباب الخذلان.. التغريب أخطر من الباطنية.. ينبغي أن نبشر الناس ونتفاءل بالنصر.. رابطة علماء المسلمين مصدر أمان وعامل استقرار، وليست بديلاً لغيرها.. الشعوب إذا حُكمت بغير حكم الله دخلت على نفوسها مؤثرات يصعب أن تنفك عنها.. التجاوب مع الشباب والتعامل مع الشباب أقوى وأسرع وأحكم، لكن مع ضبطهم.. على الشباب التأدب مع العلماء، وعلى العلماء فتح صدورهم لهم.. معرفتنا بالفروق التي بيننا أكثر من معرفتنا بالنقاط الإيجابية ومساحات التلاقي.


على هامش "مؤتمر الحملة الإسلامية لنصرة سورية" الذي أقيم في إسطنبول مؤخراً، التقينا فضيلة الشيخ الدكتور/ ناصر بن سليمان العمر "رئيس المؤتمر، والأمين العام لرابطة علماء المسلمين، ورئيس الهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم"، للوقوف على جهود هذا المؤتمر الذي هدف إلى توحيد الجهود في نصرة الشعب السوري، ورعاية ومتابعة أحوال اللاجئين السوريين في الدول المحيطة بسوريا، لاسيما أن وفداً من رابطة علماء المسلمين قد قام بزيارة مخيمات اللاجئين في الأردن قبيل المؤتمر، واطلع على أحوال هؤلاء، والذين تجاوزوا حد مائة ألف لاجئ سوري..  وفي الحوار أشار فضيلته إلى أهداف المؤتمر في نصرة الشعب السوري، وأوضح لنا رؤيته للوضع في سوريا، وجال بنا في حديث عن التفاؤل بالنصر، وأسبابه، وتحدث عن علاقة الشباب بالعلماء بعد الثورات، وضرورة التكامل بينهما، ولفت إلى دور رابطة علماء المسلمين في تقريب الرؤى وتحقيق الأمن الدعوي والنفسي وتكاملها مع غيرها..
فإلى نص الحوار –حاوره/ أمير سعيد-:
فضيلة الشيخ ما انطباعكم عن المؤتمر؟
بسم الله الرحمن الرحيم، في الحقيقة إن أي انطباع لأي شيء لا بدّ يرتبط بالأهداف التي من أجلها عُقد المؤتمر، وهذا المؤتمر عُقد لعدة أهداف؛ منها اجتماع عدد من العلماء من أنحاء العالم الإسلامي مع المعنيين بالقضية السورية، ورأينا أن رابطة علماء المسلمين هي من الجهات والمنظمات التي تستطيع أن تحقق هذا؛ نظراً لأن رابطة علماء المسلمين ينضم لها قرابة أربعين بلداً، فهذه فرصة مهمة؛ لأن كثيراً -حسب ما رأينا- من اللقاءات السابقة التي حدثت في الشأن السوري كانت غالباً من السوريين فقط والقضية مهمة جداً، فرأينا أن ندمج بين الأمرين، فتم التعاون والاتفاق بين الرابطة وهيئة الشام الإسلامية، ودُعي هذا العدد الكبير جداً من قرابة ثلاثين بلداً مع عدد كبير من المعنيين بالقضية السورية وليست خاصة بالمرتبطين بها، فلم تقتصر الدعوة على علماء الشام المرتبطين برابطة علماء المسلمين، بل دعونا من كل الفئات المعنية بالشأن السوري، هذا هدف وقد تحقق، هذه المسألة الأولى كما رأينا.
الهدف الثاني: هدف تشاوري في القضية، هناك قضايا مهمة وحاسمة كان لا بدّ من التشاور فيها، إن لم يكن الاتفاق، فعلى الأقل تقريب وجهات النظر، وهذا ما بدا أنه قد تحقق خلال الافتتاح واللقاءات المشتركة، وسار باتجاه جيد.
النقطة الثالثة والأخيرة: هي تفعيل الهدف الإعلامي للمؤتمر لتعريف الأمة بقضية الشام، وبهذا المحك المهم، ولذلك فكما تعلمون -والحمد لله- حفل المؤتمر بتغطية جيدة من عدد من القنوات الفضائية، وغيرها من الصحف والمجلات لنقل الصورة للأمة.
كل هذه الأهداف بالجملة -أقول فيما رأيته من مسار المؤتمر وهذا التجمع- تسير في اتجاه طيب، وقد خرج بتوصيات ومشروعات ممتازة.
حدثت قبل المؤتمر زيارة لكم إلى الأردن ما الذي خرجتم به من اللقاء باللاجئين والمسئولين؟
نعم حدثت زيارة، وكانت الزيارة لها أهداف أحببنا أن لا نأتي للمؤتمر إلا بعد أن نكون رأينا؛ لأن علم اليقين كما تعلمون غير عين اليقين، فتحولنا من علم اليقين الذي كان يصلنا عن النازحين وغيرهم، بل أحداث الداخل السوري، إلى عين اليقين، وذهبنا إلى هناك والتقينا مع أناس في المستشفيات، والتقينا مع اللاجئين في عدد من المناطق، وخاصة المناطق الحدودية، وقد وصلنا هناك حتى كنا على مشارف الحدود في سوريا أقرب ما نكون إلى درعا كما تعلم، وكانت فئات وصلت في يومها من هناك، تضم عناصر من الشباب، ومن غيرهم والعوائل والصغار والكبار، فكوننا جئنا للمؤتمر، ونحن كما قلت تحولنا من علم اليقين إلى عين اليقين هذه قضية أولى.
ثانياً: أيضاً إشعار إخواننا أننا معهم، فأشعرناهم أننا سواء من خلال المملكة العربية السعودية أو من خلال رابطة علماء المسلمين التي نمثلها، أننا نقف معهم، وهذا أدخل عليهم الراحة النفسية؛ لأن هناك من يقول: المسلمون غير معنيين بشأنكم ويخفّض من معنوياتهم، ولكن وجدنا هناك من سبقنا في الحقيقة، وهناك من سيلحقنا، ثم أيضاً اطلعنا على طبيعة ما يُقدم لهم من مساعدات، ووجدنا أنهم بحاجة ماسة إلى الدعم المعنوي والحسي؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في الحديث المتفق عليه: ((ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا))، وجدنا عوائل هناك أهلها في الداخل، فعندما يطمئن الأب أن أهله وأولاده وزوجته وبناته هناك من خَلَفَه فيهم، فهذا يقوّي من عزيمته والعكس بالعكس، وهذا أيضاً كان من الأهداف، وهو من باب شعار المؤتمر (الجسد الواحد) كما في الحديث الصحيح.
هل لمستم أن جهود الإغاثة لم تصل إلى الحالة المرجوة؟
فيها خير كثير، والحقيقة أن الإغاثة تحتاج إلى ترقية وترتيب، ففيها نوع من الفوضى، وجدنا مخيماً مثلاً فيه قرابة ألف ومائتي شخص أوضاعهم ـ اسمح لي ـ أقرب إلى الوضع المأسوي، يؤسفني أن يقال هذا الأمر طبعاً؛ لاسيما أنهم يتجددون، أي أن العدد الحقيقي أكبر من ذلك بكثير، مع الاعتراف أن الإخوة في الأردن، وخاصة الجمعيات الأردنية، والجمعية التي ذهبنا معها وهي جمعية الكتاب والسنة وغيرها تقوم بجهد تعجبنا منه بشدة، فمع قلة الموارد لديهم وقلة الإمكانات كانوا يعملون أعمالاً تفوق قدراتهم ويشكرون عليها، بل وجدنا أن الشعب الأردني قام بواجب رائع حقيقة وليس هذا بمستغرب عليه، فقدموا في إيواء إخوانهم النازحين أشياء عجيبة، فتصور ونحن واقفون يأتي شخص -وعندنا يكون الإنسان مشغولاً بسكن أولاده- ويطلب من مركز الإيواء إيواء ثمان أسر كاملة في دفعة واحدة، حقيقة فهؤلاء أعتبرهم -وليس بغريب عليهم- كالأنصار الذين آووا المهاجرين - رضي الله عنهم - أجمعين.
هل انبثق عن المؤتمر محاولة للتنسيق بين الجهود الإغاثية، وهل سنجد مبادرة في الاتجاه الإغاثي أو رعاية اللاجئين؟
الحقيقة المؤتمر لا نريد أن نحمّله أكبر من طاقته، فالمؤتمر تعاون بين رابطة علماء المسلمين وبين هيئة الشام الإسلامية، نحن نريد أن نكل كل هذه الأمور لهيئة الشام الإسلامية، فهي هيئة متخصصة تتعاون مع الهيئات الأخرى، ونريد أن تنظم ما يأتي من تبرعات أو غيرها كلها لتصب في مسارها الصحيح حتى لا تحدث الفوضى التي قد تقع في مثل هذه الظروف، وقد يكون فيها من الخلل ما لا يخفى.
لكن بوجه عام، هل لديكم طموح أن يكون هناك نوع من التنسيق حتى في مسائل اللاجئين خارج القضية السورية؟
والله لا أحب الوعود؛ لأن الوعود -يا أخي الكريم- إذا تمت؛ الناس يترقبون حدوثها، ولا يزال دخولنا في الموضوع دخولاً مباشراً، ويعتبر جديداً؛ لهذا يصعب القطع بهذه المسألة، وإلا فالطموحات كبيرة والآمال كبيرة، وأملنا بالله - جل وعلا -، وهذا ما نسعى إليه، وقد تمخض عن المؤتمر نتائج عملية، أنا حريص في الحقيقة على هذا، وهذا الذي نسعى إليه.
ما زلنا في الانطباعات عن الأردن فقد وجدتم فيها حضوراً كبيراً للاجئين، والعدد في تزايد، ولعل الإغاثة لم تكن على قدر ما يراد، فما الذي تريدونه في هذا السياق؟ وهل من تنسيق بين جهات الإغاثة كلها؟
أنا أرى الأردن في الحقيقة قد فتحت بابها أولاً للاجئين، وفتحت أيضاً بابها لاستقبال التبرعات من قبل الجمعيات الخيرية بطريقة منظمة جيدة، فأرى أن التقصير يأتي بالذات من دول الخليج، دول الخليج عليها مسؤولية أن ترتب نوعاً من الإغاثة بينها وبين شعوبها وبين اللاجئين عبر تعاون الحكومتين، ومع ذلك فأرى أيضاً أن المواطنين وشعوب الخليج مبادرتهم فردية، الحقيقة أقول الفردية، لأنها لم تصل إلى مستوى أن تكون إغاثة شاملة؛ لأن قضية اللاجئين ليست مجرد أكل وشرب فقط، فالأمر يحتاج إلى إيواء بديل متكامل يرفع هذه المسؤولية عن كاهل أهلهم الذين يقاتلون ويدافعون في الداخل، وعلى الشعوب نفسها أن تبادر بشكل أقوى عبر جمعياتها الموجودة وعبر أفرادها وبالذات الأغنياء، فما الذي يمنع الغني أن يأتي ويقدم مساعداته؟! أليس التجار هناك والأثرياء يأتون مثلاً إلى الأردن أو إلى لبنان وفيها عدد أيضاً من اللاجئين أو إلى تركيا وفيها عدد كبير من اللاجئين، يأتون للسياحة؟! ما الذي يمنع الإنسان أن يأتي للسياحة ويقدم ما لديه من المساعدات عبر الجمعيات؟
وأريد أن أنبه إلى ملاحظة مهمة، وهي أن المساعدة الفردية أحيانًا تحدث خللاً وتنافساً، وربما إعطاء المال لغير أهله، وهذا وجدناه في الأردن يأتي أناس فيهم خير وصلاح وغيرة يشاهدون هذه المآسي فماذا يفعلون؟ يذهبون مباشرة إلى اللاجئين ويبدؤون بإعطائهم أموالاً نقدية مباشرة، هذا له تأثير سلبي لو كان المال المساعد لهذه الأسر مالاً رمزياً فلا حرج في ذلك؛ لأن له اعتبارات معنوية جميلة جداً؛ لكن أن يكون أموالاً كثيرة فيجب أن تقدم للجمعيات، لأنها أدرى -وأقصد الجمعيات الموثوقة المعروفة- بمن يستحق المساعدة، وبهذا لا أزال أطالب وأدعو بل أدعو حكومات الخليج بصفة خاصة والشعوب في منطقة الخليج إلى أن يعيدوا ترتيب الأولويات ويقدموا المساعدات بشكل جيد لإخوانهم في الداخل السوري أيضاً.
الآن لعلكم تلمحون إلى أن الجهد إما حكومي وإما شعبي، يعني ما يسمى بالقطاع الثالث، وما يغزو العالم حالياً ما يسمى بمؤسسات أو منظمات المجتمع المدني مع ما يتحفظ على هذا المصطلح، أو ما يسمى بالأهلي هل ترون أن الأمر يحتاج إلى تفعيل مثل هذه المنظمات والمؤسسات في الخليج العربي؟
أولاً: أنا أريد أصحح، قلت أنت: المجتمع المدني مع التحفظ، أنا لا أتحفظ على اسم المجتمع المدني، ودائماً أطرحه في لقاءات ومحاضرات وأقصد المجتمع المدني هو مجتمع النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة، فنحن سبقنا المجتمع الغربي، بل يجب أن نقول لأولئك المجتمع الغربي النظام الاجتماعي الغربي، أما بالنسبة للمجتمع المدني فهو مجتمع النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما أقام دولته فكان فيه كل العناصر، ومن أقوى ما يمثل على هذا ما ذكره الله - جل وعلا - في سورة الحشر: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].
فإذن سماه الله حباً، لاحظ لم يقل: الذين يرحبون بإخوانهم أو يكرمون إخوانهم.. قال يحبون، وأنت تعلم أنه إذا وُجد الحب تفرع عنه أشياء كثيرة من الإيواء والإكرام والبذل والعطاء وغيره، فهذا التعبير الدقيق "يحبون"، انظر إلى رجل يحب مثلاً زوجته أو أولاده كيف يكون بذله وعطاؤه، لهذا الأمر فإن المجتمع المدني هو مجتمع محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأقسِّم الواقع إلى ثلاثة أقسام: حكومات، وجمعيات خيرية، وأفراد.. ويجب أن تتضافر الجهود بين كل المجموعات الثلاث، ولكن لو قصَّر جانب عن الآخر ألا يقصِّر، فلذلك على الحكومات أن تقوم بواجبها، إذا لم تقم، على الجمعيات أن تقوم بواجبها، لو قصَّرت بعض الجمعيات على الشعوب أن تقوم بواجبها.
نعم هناك سؤال في جملة اعتراضية خارج سياق المؤتمر كأني شعرت أنكم لا تفضلون حين يُسرق المصطلح أن يُترك لمن سرقوه كالمجتمع المدني أو ما شابه.. تفضلون المزاحمة وإعادة التكييف الشرعي له؟
نعم؛ لأن هم الذين أخذوا هذا المصطلح أصلاً، وأصبح مع كل أسف عَلَمًا عليهم، وهذا غير صحيح، يعني مثلاً عندما أعطيك مثالاً لما يقولون الكليات العلمية والكليات النظرية، ويقصدون بالكليات النظرية الكليات الشرعية، وهذا غير صحيح؛ فالكليات العلمية، العلم الصحيح هو العلم الشرعي "ما العلم إلا ما قال الله وقال رسوله"، قد تقول: ماذا تقول عن كليات الطب وغيرها؟ أقول كليات تجريبية؛ لأن ما كانوا يقولونه قبل سنوات في الطب إذا هو قد تغير؛ فهم يجربون، وهذا طبيعي، تطور التجربة البشرية، فالصحيح والأدق هي الكليات التجريبية؛ لأنها تجرب وتتطور شيئاً فشيئاً فما كان في الهندسة أو في الطب أو في العلوم قبل خمسين سنة أو ثلاثين سنة غير اليوم وهذا طبيعي، أما العلم فهو الراسخ، ما العلم إلا قال الله وقال رسوله، والله - سبحانه وتعالى - سمى هذا: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} [آل عمران: 18]، وقال - سبحانه -: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وهكذا. فأرى أنه بالعكس إذا سطوا على بعض مصطلحاتنا أن نعيد الشيء إلى أهله بقوة وببرهان وبدليل.
الثورة السورية هل تتوقعون لها نجاحاً شاملاً، أم أن التصور الواقعي أنه سيكون هناك نوع بين المواءمة بين النظام السابق والنظام القادم، يعني هناك مواءمات حدثت في أكثر من دولة شهدت ثورات عربية لا يكون فيها التغيير جذريًّا. فهل تتوقعون ألا يكون التغيير جذرياً كذلك؟!
هو سر طول الثورة السورية الآن والتصعيدات الضخمة أنها تختلف تماماً شكلاً وموضوعاً عن أي ثورة أخرى، الثورات الأخرى -يا أخي الكريم- كان فيها حكام من ذوات الشعوب، ومن بني جلدتهم، ولكنهم انحرفوا فظلموا وطغوا كما حدث في تونس أو في مصر أو في ليبيا قطعاً، فجاء الأمر لإبعاد هؤلاء فقط الأفراد وانتهى الأمر.. أما سوريا فهذه طائفة تحكم البلد، طائفة غريبة، غريبة حتى على الشام ولم تكن أصلاً من الشام وحكمت البلد منذ قرابة خمسين سنة، كما تعلمون، حكماً غريباً طائفياً أقصت الجميع الذين يشكلون قرابة ربما 90% أو قريب من هذا الرقم، وحكمت في البلد، وتمكنت عبر مخالبها بخلاف الأنظمة الأخرى. كما قلت، ربما أفراد بمعنى أن الجيش مثلاً في ليبيا بقي هو الجيش، الجيش في مصر وفي تونس هو الجيش كل ما في الأمر تغير رأس النظام والهرم، بل وجدنا أن الجيوش في تلك الدول في تونس مثلاً وفي مصر أقرب إلى الشعب منها إلى الحكام السابقين، ولكن تعرف أنظمة الحكم ما يحدث فيها، بخلاف أنظمة العسكر هنا في سوريا.
الحقيقة أن النظام بكل مخالبه ومؤسساته، خذ مثلاً كما رأيت وسمعت في المؤتمر من يقول: إن المسئولين في دار الإفتاء التي هي السنية من النصيرين ليس فقط من البعثيين بل من النصيريين. إذن، اقتلاع هذا النظام الذي تجذر خلال خمسين سنة أولاً يحتاج إلى قوة، ثانياً أنه أيضاً لا بدّ أن يكون التغيير شاملاً، لا بدّ أن يكون التغيير هنا عندما يتغير هذا النظام. وأقول لك -يا أخي الكريم- أنه حتى لو ذهب هذا النظام، أنا أقول: إن أي نظام يجيء بعد ذلك إن لم يكن نصيرياً فهو مكسب لسوريا؛ لأنه سيكون من باب رفع الظلم، ورفع هذه المظلمة التي كادت أن تحول سوريا خلال سنوات إلى شعب باطني عبر أموال إيران، فلا شك هنا أن التضحيات أكثر، وأتوقع أن المعركة ستطول، وقناعتي أنه لا رجوع للجميع عما من أجله بدؤوا الثورة؛ لأن الرجوع يعني الموت، وإخواننا في الشام يعون هذا الحقيقة، ويدركون أنه سيتفرغ الرجل لهم ويصفيهم تصفية حقيقية، وعندنا دليل على ذلك أنه قبل ثلاثين سنة عندما حدث ما حدث في حماة وغيرها، وكان لي وجهة نظر قبل ثلاثين سنة فيما حدث أن تصعيد الموقف لم يكن مناسباً، وهذا الأمر قلته علانية ليس الآن أقوله، لكن أسجله هنا، ومع أن الحركة كانت لم تطل مثل هذه المدة، ولم تكن تأخذ شكل الحركة الشعبية، انظر ماذا فعل حافظ الأسد ودمر ما دمر من المدن والقتلى والسجون التي إلى الآن لا يزال بعض من شاهد الأحداث في السجون، فما بالك وقد قام الشعب الآن، فلو أن بشار تمكن نظامه ومن معه سيعمل تصفية كاملة، وسيكون أسوأ؛ فإذن ما دام الموت حادثاً فليكن بشرف وبعز وليس بذل.
هنا المسألة تحتاج إلى صبر، أما النجاح فلا شك نحن متفائلون -يا أخي الكريم-، متفائلون بصدق وعد الله - جل وعلا -: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227]، ولكن الله - سبحانه وتعالى - عليم حكيم، فأولاً: هناك خلل في وجود التنازع أحياناً والاختلاف هو ما يؤخر النصر؛ {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46]، وهنا {وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] كما قال الله - جل وعلا -، فوجود شيء من التنازع قد يؤخر النصر.
ثانياً: يا أخي الكريم، خُدع العالم وبالذات العالم الإسلامي بإيران هذا الشيطان الأكبر وبـ"حزب الله"، وبعد وجود البيانات من العلماء في أماكن كثيرة، كثير من الناس لم يقتنع بهذا فتأتي الأحداث من أجل أن تكشف من هي إيران، ومن هو "حزب الله"، ومن هم النصيريون أكثر مما تكشفه، بل يمكن أن يقارن بما تكشفه البيانات، خذ مثلاً: أمريكا!! كم خُدع فيها من أبناء المسلمين، فبعض أبنائنا إذا درس في الغرب وحصل أن رُزق بمولود يحصل على البطاقة الزرقاء أو الخضراء يفرح فرحاً شديداً أنه أصبح له أي ارتباط بأمريكا، فتضخمت في قلوب الناس فجاءت أحداث ومن أبرزها أحداث العراق وأحداث إيران لتكشف من هي أمريكا وأحداث أفغانستان أيضاً، وما يحدث في أفغانستان من دمار، وغيرها من البلاد هذا الذي يحدث أو حدث في أفغانستان وفي العراق وفيما يسمى بالحرب على الإرهاب أدى إلى كشف حقائق ضخمة جداً لا يمكن أن تكشف أمريكا كما كان يقول شيخنا الشيخ سفر: "مهما فعل خصوم أمريكا بأمريكا لن يفعلوا فيها كما فعلت هي بنفسها". هو الآن الذي يحدث تفعله إيران الآن والمالكي في العراق ونصر الله مع بشار لا يمكن أن يحدث أو يفعله آخرون مهما كانت قوتهم كما يفعلون هم بأنفسهم الآن لفضحهم وليتأخر المشروع الإيراني سنوات -بإذن الله-.
مع تفاؤلكم، لكن كثيرين الآن ربما يتسلل إليهم شيء من اليأس والإحباط من تكالب الأعداء على الثورة السورية، وأنه قد تبدى أن الولايات المتحدة ضدها وأن "إسرائيل" ضدها وأن بعض الدول العربية ضدها، وبالإضافة إلى إيران بالتأكيد والعراق ولبنان وروسيا والصين.. الخ.. هل إلى جانب هذا التفاؤل تدعون إلى شيء من التضافر الدولي لمساندة الشعب السوري ما يتجاوز مسألة الإغاثة؟
أما أنا لا أدعو إطلاقاً إلى مساندة دولية، ولا أؤمل في هذه الدول خيراً، هذه الدول أصلاً -يا أخي الكريم- لا تنتظر صوتنا حتى تساند أو لا تساند، هذه الدول تحسب مصالح معينة، وكما تدخلت كما تعلمون بقيت تتفرج في ليبيا حتى رأت أن الكفة بدأت تميل ضد القذافي، ورأت أن القذافي لم يعد حاكماً مقبولاً فبدأت تحسب مصالحها من جديد فجاء القرار فهؤلاء دائماً نقول: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام: 129ٍ].
وأنت تعرف منذ حرب سبتمبر أو قبلها -عفواً أيام الكويت- موقفنا من أي تدخل أجنبي في شؤون بلاد المسلمين، وأنا أقول البلاد الإسلامية بشعوبها المؤمنة قادرة على صد أي عدوان إذا نظمت صفوفها وصدقت مع الله - جل وعلا -، وهؤلاء الأعداء مهما جاؤوا لنصرتنا فهم سيقبضون ثمناً باهظاً كما هو واضح بعد حرب الخليج كما يحدث أيضاً وكما هو الآن، فلهذا أنا أقول: إنما أفسر ما يحدث هو قدر كوني نفسره بقوله - تعالى -: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام: 129]، إن تدخل الغرب مثلاً كما تدخل في ليبيا فهو تسليط ظالم على ظالم وهو من باب قوله - تعالى - وهو قدر كوني: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة: 251]، وفي آية كما تعلمون الحج: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} [الحج: 40]، آيات، هذا قدر كوني.
أما نحن في رابطة علماء المسلمين أو العلماء في المملكة، فنحن لا نرى أي تدخل دولي في شؤون المسلمين، وأن هؤلاء وإن أعطوا ثمرة عاجلة فسيكون لذلك ثمن آجل يأتون بعقيدة أخبث من العقيدة التي نحاربها، فمثلاً: التغريب -يا أخي الكريم- أخطر من الباطنية، يعني –مثلاً- قد يدخل التشيع في بلد من البلاد أو يحاول الشيعة ولا يؤثرون كما يؤثر الغرب في قلب مفاهيمهم، ولهذا أنا ضد هذا أولاً، ثانياً: يجب أن تتعلق القلوب بالله - جل وعلا -، وهذا من أسباب تأخر النصر، أن الناس ترتبط بالبشر وتبحث عن البشر والقوى العظمى وغيرها، وهنا يُخذلون أو يتأخر النصر، وإذا انقطعت قلوبهم إلا بالله - جل وعلا - هنا يأتي النصر: {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ} [الشعراء: 62-63]، فيجب أن تكون هذه قضية واضحة مسلَّمة، وإذا تدخل الغرب من نفسه فأصلاً هو لم يشاورنا، هل يتدخل أو لا يتدخل، ولا نرحب به في الحقيقة وندعه وشأنه؛ لأنه ظالم مع ظالم هو صراع ظالم مع ظالم في هذه الحالة، أما أن يكون لنا استقبال أو غيره فلا أرى ذلك.
أما اليأس الذي أشرت إليه -يا أخي الكريم-، فبالطبع البشري هذا موجود على مدار التاريخ، كما بيَّن - سبحانه وتعالى - في سورة الأحزاب: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} [الأحزاب: 10، 11]، إذا كان الذين مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ابتلوا فما بالك بالمساكين الذين أبعد عن الوحي وعن هدي النبوة أن يحدث لهم هذا الابتلاء فهو كتفسير بشري طبيعي، لكن انظر في سورة الأحزاب بعد ذلك قال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، أي مع كل هذه الأوضاع كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يضرب الصخرة ويبشر بفتح فارس، ويضرب الصخرة ويبشر بفتح الروم، أي بسقوط أكبر مملكتين في ذلك الوقت، مع هذه الظروف فنحن كذلك يجب أن نبشر الناس وأن نقول اصبروا وصابروا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200]، نعم أنا متفائل بالنصر عاجلاً أو آجلاً، ووجود كر وفر فهذا حدث على مدار التاريخ ومع الأنبياء وحتى وقت النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا أمر طبيعي، لكن يجب أن نصبر ونتحمل ونعيد الصفوف مرة أخرى وأنا واثق من النصر؛ لأن المعركة في الشام لا بدّ بكلمة واحدة -أقول لك يا أخي الكريم-: إما أن نكون أو لا نكون.
تذكرون في البوسنة والهرسك عندما كان المسلمون مجردين من السلاح تماماً، وحدثت مجازر لم يتدخل الغرب، وعندما نما جيشهم بدأ في التدخل، وعندما بدؤوا في الانتصار حدثت اتفاقية دايتون، هل تحذرون من اتفاقية دايتون جديدة في سوريا إذا ما انتصر الجيش الحر أو بدا أنه سينتصر؟
هو قطعاً الغرب الآن إذا وجد أن مصلحته في تغير نظام بشار الذي يبدو أنه قد انتهت صلاحيته، فإنه يفعل، وهو بدأ يميل الآن بعيداً عنه؛ لأنه باعتراف قرابة ثلاثة وثمانين دولة في المجلس الوطني أن الغرب بدأ يعيد حساباته، ووجدنا أن أمريكا الآن تغيرت لهجتها عما كانت عليه في السابق، الغرب لا يمكن حقيقة أن تمر عليه الأحداث من خلال التجارب مع كل أسف إلا إذا وُجدت مصيبة كما ورد في حديث عمرو بن العاص: "هم أسرع الناس إفاقة بعد مصيبة"؛ لما تقع حادثة لا يعلمون عنها يبادرون باستثمارها، فهذا مع كل أسف ما حدث حتى في تونس، ويحاولون في مصر الآن وفي ليبيا وفي غيرها، يعني أنا لست مع نظرية المؤامرة ولا ضدها يجب الاعتدال في نظرية المؤامرة، فالمؤامرات موجودة: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} [القصص: 20]، فالمؤامرة موجودة على مدار التاريخ، والذي ينكر المؤامرة ينكر الحقائق، لكن أيضاً تعليق كل شيء أنه مؤامرة حتى نبرر لأنفسنا العجز والتساهل وعدم الأخذ بالأسباب هو المصيبة الواقعة الآن، فالغرب أحيانا يتآمر، وأحياناً قد تأتي مفاجأة كما حدث في أحداث تونس هذا رأيي، وهذا ما عبر عنه تقرير السفير الأمريكي في تونس.
فهم يلتفون على الحدث بسرعة، ويحاولون أن يستثمروه، فهم الآن يعيدون الصياغة مرة أخرى ليحاولوا؛ فما دام هذا النظام قد انتهى ولُفِظ؛ فالواجب أنه إذا جاء البديل أن يكون بديلاً قريباً من الغرب؛ خوفاً على "إسرائيل"، لأن محور المعركة هي "إسرائيل"، الآن حتى "إسرائيل" كانت في البداية تحاول أن تقوي نظامها بالأسد؛ لأنه هو الذي سيخدمها لأنه فعلاً يخدمها، لكن وجدت ربما أن الظروف لا تجيز استمرار ذلك، فهي تعيد حساباتها بنظام بديل يخدمها في المنطقة، وأنت تعلم أنها خُدمت في المنطقة من أنظمة كثيرة؛ فنظام مبارك في مصر كما تعلم خدمها، وحسني مبارك لم يكن نصيرياً، ومع ذلك كيف خدم؟ لا تقل خدمته لليهود عن خدمة النصيريين وغيره من البلاد بدون تسمية، فإذن هي تعرف أنه يمكن أن يخدمها من العلمانيين والمنافقين ومن الشعوبيين من أكثر مما يخدمها حتى بعض الطائفيين الذين ربما يسببون مشكلات لها لمصالح دنيا والتنافس على الدنيا.
عودة إلى رابطة علماء المسلمين وهي بعد مؤتمرها، هل تتوقعون أو تنتظرون دوراً سياسياً في مساندة الثورة السورية أكبر من مجرد الدعم المعنوي، بمعنى هل سيتم مخاطبة بعض الجهات الرسمية؟
نعم ننتظر كل شيء، أنا أرى أن الإسلام فتح السبل والوسائل للنصرة، قال - تعالى -: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}، لاحظ ماذا قال؟ ما قال: من قوة من رباط الخيل، قال: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: من الآية60]، و(الواو) تقتضي التغيير، التعقيب والتغيير، إذن فما دامت كذلك، فالباب مفتوح لأي قوة، قوة سياسية، قوة مالية، قوة معنوية، ولاحظ أن القوة الله - تعالى - نص عليها مع أن من القوة رباط الخيل، فالأصل في القوة هي القوة العسكرية لكن تحتاج إلى دعم فقدَّمه؛ لأن الناس لا ينظرون له بقوة؛ بعضهم يقول لا تهتم بالقوة السياسية، لا تشغل بالك بقضايا اللاجئين أنت عليك الآن بالسلاح! من قال لك: إن اليد التي تحمل السلاح من أجل أن تقاوم مثلاً النظام النصيري إن لم يكن صاحبها مكفولاً في ماله وأهله لا يستطيع أن يقاتل، فهي قطعة حديد في يده، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من خلف غازياً بأهله بخير فقد غزا)) والحديث في الصحيحين، أي أمّنه. طمئن الغازي هذا في أهله يريك من القوة ما لا تتصور، إذن المجال مفتوح على كل شيء، نحن لا نريد أن ندعي في رابطة علماء المسلمين أننا نستطيع أن نفعل كل شيء، لكن كل الخيارات الشرعية مفتوحة، والقوة السياسية في الحقيقة من أقوى المؤثرات في التاريخ، وفعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - في مراحل عدة عبر وسائل سواء في تحالفات في وثائق في معاهدات وفي رسائل يستخدمها النبي - صلى الله عليه وسلم -، عبر ضغوط أو تخويف إلى غير ذلك من الأساليب الفاعلة، لكن يبقى الجهاد هو الحاسم في النهاية في المعركة.
هل ستقومون أو ستدعون إلى جولات دعوية بين اللاجئين لمحاولة تثقيفهم وتوعيتهم؟
هذا يرجع لما نتج عن المؤتمر من توصيات، فقد طرحت قضايا كثيرة في المؤتمر، وكثير من الأفكار المطروحة تم مناقشتها، وبخصوص دعوة اللاجئين سواء نوقشت في المؤتمر أو ناقشتها الرابطة في اجتماعاتها، أن تقوم بزيارات وإيفاد ووفود فقد سبق لنا شيء من ذلك كما تعلمون في قضية الصومال، فباب الحوار مفتوح لدينا -والحمد لله-، ونحن مؤمنون كما قلت بكل وسيلة ناجحة، لسنا متزمتين على وسيلة واحدة فقط، بل هي وسائل متعددة كلها ما دامت تصب في خدمة هذا الدين والدفاع عنه والدعوة إليه؛ فالخيارات مفتوحة -بإذن الله- بحكمة وبُعد نظر.
والرابطة حقيقة هي مصدر أمان، وهي كما قلت في كلمتي في المؤتمر هي تسعى للاستقرار وتسعى لاستقرار الشعوب واستقرار الأمن، فليس من مصلحة الأمة أن تُستمر الاضطرابات في البلاد الإسلامية، حقيقة هذا يعرقل الإسلام، والنتيجة كما ترى مثلاً في عدد من الدول التي لا تزال قلقة كما يحدث في اليمن أو في الصومال أو في غيرها، هذا الأمر -أخي الكريم- يجعلنا لا نستطيع أن نقدم شيئاً حتى لا أنك لا تستطيع أن تتقدم في المشاريع الخيرية، ولا في المشاريع الدعوية، فلا بدّ من الاستقرار النفسي.
إذن رابطة علماء المسلمين رابطة علمية دعوية تربوية؛ تساهم في استقرار الأمة، وتحقيق الأمن الذاتي لها بالمفهوم الشامل، ليس الأمن العسكري الذي يفهمه العسكريون فقط، بل هو أمن شامل أمن القلوب، أمن العقيدة أمن التربية، أمن المعيشة إلى غير ذلك من الأمن؛ {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 1-4]، فربط الرزق بالأمن، ولذلك في القرآن كله رابط وثيق بين الأمن ورغد العيش وبين الخوف والجوع، رابط وثيق في كل القرآن من أوله إلى آخره؛ قلَّ أن تجد آية تتعلق بالأمن إلا فيها يتعلق برغد العيش، وآية تتعلق بالجوع إلا فيها جانب الخوف، وهذا طبع بشري نشاهده في أنفسنا، ولهذا الرابطة تسعى للاستقرار؛ لأن أيضاً مع الاستقرار الأمني والاجتماعي تتقبل الناس ويتعايشون في تبليغ دعوة الله - جل وعلا -، ويقومون بالدعوة والنشاط والتبليغ وغير ذلك، إذا فُقد الأمن لا يستطيع الإنسان أن يؤدي رسالة الله.
إذن هل تعتقدون أننا بحاجة إلى ثورة أخلاقية في سائر البلاد؟
أنا لا أسميها ثورة، أحب أسمي مصطلحاتي شرعية، وهي دعوة أخلاقية؛ لأن الثورة -يا أخي الكريم- لها مستلزمات، وأيضاً ارتبطت برواسب قد يكون المصطلح أحياناً في أصله صحيحًا، ولكن لأنه دخل عليه عامل، فمن المصلحة أن يغير: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا} [البقرة: 104]، فكلمة راعنا في الأصل لا شيء فيها، ولكن لسوء استخدام اليهود لها ـ كما تعلمون ـ جاء أمر الله - سبحانه وتعالى - بعدم استخدامها لا لسوء في ذاتها، ولكن لسوء في استعمالها؛ فلذلك أنا لا أحب كلمة الثورة، حقيقة حتى في موضوع سوريا أو غيرها أو الثورات العربية إلا اضطراراً، لا يعني أنني لا أستخدمها أحياناً حتى توصل المعلومة لا بدّ أن تكون ما استقر عليه الناس، فعلى كل حال أنا أقول نحن ندعو إلى التربية الأخلاقية، وإلى إعادة الناس كما قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أحمد: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق))؛ لأن الأخلاق -يا أخي الكريم- ليست فقط في فهم الناس لقضايا المعاملات اليسيرة، وإنما الأخلاق في الدين في المعاملة في التعامل في السياسة، فالأخلاق منظومة متكاملة.
كنت أتحدث عن أخلاقيات الاستبداد أو طبائع الاستبداد كما يقولون وأنها ربما أثرت في الشعوب، وقد نرى مثلاً في مصر الآن أن داخل الشباب المتدين الطيب قد تأثر بأشياء من هذا القبيل، فأصبح لديه نوع من التعصب، وهو يمارس السياسة يتعصب لمرشح ما أو حزب ما فما توجيهكم لهم إذ ربما تجاوزوا الحدود الشرعية؟
هذه حقيقة نقطة مهمة جداً أنت الآن فتحت موضوعاً آخر، الشعوب إذا حُكمت بغير حكم الله - جل وعلا - دخلت على نفوسها وقلوبها مؤثرات يصعب أن تنفك عنها، خذ مثلاً من أكثر ما في القرآن ذكر موسى - عليه السلام - في حيز مما ركز عليه القرآن أنه الاستبداد الذي حصل على بني إسرائيل، المشكلة أنه غيَّر في تركيبتهم، في طبيعتهم، في تفكيرهم حتى بعد أن حررهم الله - جل وعلا - من فرعون، وقادهم موسى بقيت رواسب الاستعباد التي فعلها فرعون لم يتخلصوا منها نجد أول شيء بعد إغراق فرعون؛ {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138]، بدل أن يكونوا أكثر التصاقاً بالتوحيد فإذا هم يبادؤون بهذا الأمر يفاجئون موسى بهذا الأمر، ولذا كان رد موسى عظيمًا جداً على هذه الدعوة التي هي غير متوقعة، تصور أن من السبعين رجلاً الذين أخلصهم موسى للقاء ربه لقوا الله - جل وعلا - وهم الصفوة هؤلاء الخُلّص من بني إسرائيل سبعين فقط؛ لما جاء التيه ـ طبعاً قد نقول مات بعضهم اثنين ثلاثة خمسة لكن قطعاً بقي عدد كبير، لأن التيه قليل جداً للتجاوز ـ يقول موسى لهم في دعوته (يا قوم)، يعني يدعوهم للأرض المقدسة التي كتب الله لكم، ومع ذلك تكون نتيجته؛ {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} [المائدة: 24]، قال العلماء: لم يقل هذا رجلان فقط من السبعين، هؤلاء السبعون كانوا الخلاصة، السبعون يقولون هذا الكلام من أين؟ من أثر التربية والاستعباد الذي عاشوه في زمن فرعون، ما الحل؟ الحل أن ينتهي هذا الجيل كاملاً الذي تربى على الاستعباد ورضي على الاستعباد ولم يقاوم فرعون بأي مقاومة تذكر، لاحظ لم يذكر الله أن بني إسرائيل أيام فرعون قبل موسى قاوموا فرعون إنما استسلموا له ويتأوهون ويبكون، لا بدّ ينتهي هذا الجيل أربعين سنة معروف في التاريخ، أن تنهي جيلاً وتأتي بجيل جديد، خلال الأربعين سنة نشأ جيل جديد، ولذلك أمر الله لحكمة بقاء موسى وأخيه هارون معه ليربي هذا الجيل الجديد، فلم يأذن الله لهم، لم يأذن بالهجرة كما يهاجر الأنبياء من بلاد الكفر؛ لأنهم مؤمنون في النهاية، مسلمون لكنهم سماهم الله فاسقين: {فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 26].
فلما توفي هارون - عليه السلام - ثم توفي موسى بعد ذلك - عليه السلام - ثم حلفوا من هو أحد الرجلين، قال ذاك الذي دعوا قومهم كما تعلم: {قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ} [المائدة: من الآية23]، هذا هم، لكن قال من قال جيلاً جديداً؛ لأن الجيل الذي قال: (اذهب أنت وربك فقاتلا)، إما مات فعلاً أو أصبح كبيراً في السن لم يعد له أثر نشأ جيل جديد، ومع ذلك لاحظ حتى هذا الجيل الجديد قبل فتح بيت المقدس يقول لهم يوشع بن نون: "ثلاثة لا يتبعوني؛ رجل دخل –تزوج- بامرأة -عقد عليها- ولما يدخل بها، رجل عنده غنم ينتظر ولادتها، رجل رفع بيتاً ولم يرفع سقفه"؛ لأنه لا يزال في قلبه تعلق بالدنيا يريد أناساً خلَّصاً وإن كانوا قلة في مجموعهم، فهؤلاء الذين فتح الله بهم بيت المقدس.
نعم الآن لا تزال لم تتحرر كثير من العقول، وإن تحررت من بعض الحكام الظلمة -كما تعلم- لكن بقيت روح الاستعباد فيهم ولها تأثير بلا شك، هؤلاء الآن الذين يريدون أن يقطفوا الثمرة كثير منهم هم السبب في بقاء الظلمة هؤلاء ثلاثين أربعين سنة نعم فهم أيضاً آثمون سيعاقبهم الله - جل وعلا -؛ لأنهم لم يكن لهم الدور الذي قام به أبناؤهم، الآن تلاحظ الثورات -وإن كنت أستخدم هذا المصطلح- من الذي قام بها؟ هو جيل الشباب ليس جيل الكبار.
اطلعت على رسالة جاءتني بمناسبة سوريا على لسان أحد الشباب، يقولون لآبائهم: أنتم قدمتم ما استطعتم في السنوات الماضية؛ دعونا مع هذا النظام يكفينا أنكم لا تعرقلونا.. حقيقة هذه الرسالة كانت مؤثرة جداً، نعم لما ذهبت إلى الأردن وجدت أن الجيل فعلاً يحارب بالجملة هم جيل الشباب وقريب من جيل الشباب، وهم الكهول؛ طبعاً كلمة الكهول الصحيح ليس كما يستخدمها الناس ليس الكبير العجوز، وإنما الكهل هو ما بين الثلاثين كما تعلم إلى الخمسين، وقريباً من ذلك هؤلاء الذين يقودون المعركة. إذن الآخرون كبار السن قد يلحقون بهم في الأخير كما حدث في مصر عندما لاحظوا في النهاية أنهم سيقطفون الثمرة أو في عدد من الدول لكن لم يكونوا هم المبادرين، بل كان ربما بعضهم يشكك هل معقول أن يذهب حسني مبارك؟! هل معقول أن يذهب زين العابدين؟! هل معقول أن يذهب القذافي؟! ماتت عقولهم لماذا؟ لأنها ترسخت كما أن النفس نتيجة ترسبات كثيرة أوصلت إلى هذه النهاية، كذلك الترسبات أحياناً تربوية وغيرها.
أنا لا أقول هذا تثبيطاً، ولكن دراسة علمية نفسية مهمة لمعرفة التعامل مع الناس؛ ولذلك تجد التجاوب مع الشباب والتعامل مع الشباب أقوى وأسرع وأحكم، لكن مع ضبطهم؛ لأن الشباب لديهم مع كل أسف اندفاع؛ فقد يرفضون بعض الحكمة يحتاجون إلى حكمة من هو أكبر منهم، ومن هو أعلم منهم؛ حتى تتكامل الرؤية؛ لعلي استطعت أن أوضح الصورة في هذه المسألة.
نريد كلمة للشباب بتوجيه إليهم عن مسألة التعصب؟
الحقيقة.. الشباب هم أمل الأمة، وهم الذين كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعاملوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بحكمة فيحتاجون مع هذه الثورة، إلى قوة إيمانية وحكمة في قلوبهم؛ لأن قلوبهم لم تتدنس بكثير مما تدنس بقلوب من سبقهم، لكن يحتاجون إلى العلم يحتاجون إلى حكمة الكبار، وعندما أقول حكمة الكبار لا ينافي ما قلته سابقاً من التزام الحكمة وعدم الاستعجال؛ لأن الشاب -يا أخي الكريم- عنده ثلاث نقاط مشكلة: هو عنده الاستعجال طبع بشري، عنده عدم اكتمال الرشد؛ لأن الله يقول عن موسى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} [القصص: 14] الأربعين، وقال عن يوسف: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً} [يوسف: 22]، والأنبياء يُبعثون على الأربعين، واستثنى الله إبراهيم - عليه السلام - {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ} [الأنبياء: 51] استثناء، وكذلك يحيى وكذلك عيسى هؤلاء استثناء، وذلك ميزة لهم، وقلة علم.
فنقول هنا: إنهم بهذا يحتاجون ما دمت لم أعرف هذه العناصر يعرف الشاب من نفسه الاندفاع وقلة العلم؛ لأنه مهما كان سنه لم يبلغ من العلم، فالعلم يحتاج لسنوات، ولا يعني أنه ليس راشداً، لا، لكن لم يكتمل الرشد لم يستو بعد إذن، أنت لما ترى على عيني نظارة لماذا أنا لبستها؟ لقناعتي أنني بحاجة إلى نظارة، ربما أقول لك: إنني جلست سنوات بحاجة لنظارة ولم ألبسها أقول لا لعلي لم أحتج إليها حتى وجدت أنني محتاج لها، الذي معه عصا ما يأخذه إلا بعد أن يصل إلى درجة أنه مقتنع لا بدّ منه إذا اقتنع الشباب إلى الاستواء واكتمال، أقول: اكتمال العقل مع عقلهم ضروري، وهذا يكون بالتجربة وغيرها بحاجة إلى التهدئة من اندفاعاتهم التي تكون، بحاجة إلى العلم يرجعوا إلى الحكماء إلى العلماء إلى أصحاب التجارب، لكننا أيضاً بحاجة إلى انطلاقتهم الحقيقة إلى ثورتهم؛ لأن الكبار أحياناً تكون حركتهم بطيئة.
فالتناغم بين الشباب وبين الجيل السابق المخلص الصادق هنا تكتمل. أقول: عليهم أن يلتصقوا بنا؛ لأن شبابنا -هداهم الله- وقعوا في إشكالات نحن في غنى عنها، مثلاً: التفجيرات التي وقعت في بعض البلاد بالذات في المملكة، ودول الخليج من أول الأمر. أقول: هو خطأ كبير جداً جر الشباب وإليه غيرهم بدون تعقل وبدون حكمة. هذا ليس جهاداً، هذا أبعد ما يكون عن الجهاد، وقد سببوا لنا مصاعب نحن لا نزال نعاني منها، مع أنني قلت في أول الأيام قبل عشر سنوات: ستندمون، هم الآن نادمون، العقلاء منهم لما كبروا الذين قبل عشر سنوات كانت أعمارهم خمسة وعشرين أو ثلاثين أصبحوا في الأربعين أدركوا الخطأ، وقبل أيام كان معي أشخاص يناقشوني قالوا: نعم أدركنا الخطأ، لم نكن ندركه، لما جاءتني التهم لا يهمني هذا، يهمني قناعاتي إذن.
وقلت مراراً: إنني سئلت مراراً كيف نجوتم أنتم من الفتن، أنتم الآن أعمارنا بلغت الستين مررنا بمرحلة الشباب ومررنا بفتن في بلادنا وبلاد المسلمين كيف نجونا منها وهي فتن عظيمة؟ قلت: نجونا منها لا شك بتوفيق الله - جل وعلا - وفضله ولا شك في هذا، ثم أخذنا بالأسباب؛ منها: أننا كنا نرجع للعلماء، ثانياً: أيضاً نأخذ بأقوال العلماء إلا إذا وجدنا دليلاً صحيحاً، والدليل إذا وُجد العلماء هم المعتبر فيه، فهذا نفعنا الله به فكنا نرجع إلى علمائنا ومشايخنا ثم لا نعصيهم. هناك من يرجع للعلماء لكن يعصي العلماء، سيقول: رجعت ما فعلت شيئاً إلا إذا كان الدليل واضحاً، فالحكم هنا للدليل -يا أخي الكريم- حتى لا نتعصب لأفراد والمسألة واضحة، ولهذا كنت أقول للشباب منذ بدؤوا التفجيرات في المملكة قلت: ائتوني بثلاثة فقط علماء من علماء الأمة المعتبرين وليس فقط من علماء الخليج يؤيدونكم، وأنا معكم لكن بشرط من علماء الأمة المعتبرين، ما تأتيني بطالب علم وأنا مستعد أن آتيك بثلاثين أو أكثر من علماء الأمة المعتبرين يخالفونك في هذا المنهج. إذن؛ هل يمكن عقلاً ومنطقاً وشرعاً أن يكون ما يستطيع أن يأتيني بثلاثة من علماء الأمة المعتبرين يوافقون على المنهج، وأنا معي ثلاثين أو ثلاثمائة!! اسمح لي أقول: أكون مخطئًا إذا خالفت منهجي وعقلي ومنطقي، الشباب الذين عرفوا هذه المعادلة استطاعوا أن ينجوا، فلا بدّ من تناغم بين قوة الشباب وحماس الشباب وفورة الشباب، وبين علم الشيوخ وحكمة الشيوخ وبعد النظر وعدم الاستعجال. والله أعلم.
لكن لعل المشكلة في مصر وغيرها أن الأحداث متلاحقة وسريعة، وهناك فتن كثيرة، ولعلهم لا يجدون كثيراً من شدة الالتباس من يمتلك رأياً قوياً مؤسساً لاسيما في القضايا السياسية المضطربة، فبماذا تنصحون في حالتها حتى وجود هذا الاضطراب؟
حقيقة زرت بعض البلاد الإسلامية ـ ولن أسمي ـ، وفوجئت ببلاد فيها علماء وفيها شباب، لا أقول فقط لاحظت عدم الرجوع للعلماء، اسمح لي إذا قلت لك وجدت فيها عدم الأدب مع العلماء، أنا من الممكن أن أخالف عالماً مثلاً بمخالفة شرعية، إما أن تكون مسألة اجتهاد أو معي دليل، لكن لا أخالف الأدب معه، ولذلك الصحابة ومن بعدهم يقولون: تعلموا الأخلاق والأدب قبل العلم؛ لأن العلم بدون أخلاق ليس علماً في الحقيقة، لأنه خالف العلم نفسه، إذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - بُعث ليتمم مكارم الأخلاق.
فأقول: نعم أعرف بعض الشباب عندهم علماء، ولكن ربما العلماء يقصرون، وهنا لا يفهم أني أبرر للعلماء، بل أنا أقول وأضيف هذا السؤال كما قلت كلمة توجهها للشباب كلمة أوجهها للعلماء أن يفتحوا صدورهم للناس، أن يفتحوا صدورهم لهؤلاء الشباب، قد يجدون بعض الأخطاء بعض الاندفاعات بعض الإساءات -اسمح لي-، النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم))، فأقول للعلماء: عليكم أن تفتحوا قلوبكم للناس مع الوقت الذي أطالب الشباب بالرفق بمشايخهم وأيضاً عدم الإساءة إليهم، والتعامل معهم بحكمة، أطالب العلماء بفتح صدورهم واللقاء مع الشباب، والنظر ماذا يريدون واستيعاب بعض التجاوزات التي تحدث منهم هنا نتكامل.
ومتى حدث انفصام في أي بلد من البلاد بين العلماء وبين الشباب هنا تحدث الكوارث، ولذلك أدرك الأعداء هذا الأمر فاستطاعوا أن يأخذوا مجموعة من الشباب ويربونهم بمعزل عن علمائهم وتغسل أدمغتهم ثم يوجهونهم كما يشاؤون؛ هنا حدث الخلل، أما إذا كان هناك الارتباط بين العلماء وبين الشباب، العلماء يقومون بدورهم ويتحملون ويفتحون قلوبهم وبيوتهم في الحدود التي يستطيعونها أيضاً، ويرفقون بالشباب ويجعلون حياتهم معهم؛ لأن هم أمل الأمة وأمل المستقبل، فبهذا تتكامل الصورة، ونعم أمامنا فتن لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - تركنا على البيضاء نعم والقرآن واضح؛ {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ} [الزخرف: 43].
المعركة -يا أخي الكريم- قلتها في قناة الجزيرة، وفي كل مكان، وأقولها اليوم المعركة معركة منهج، معركة المنهج تقتضي أن هناك خللاً في فهم المنهج وفي تطبيق المنهج، فبمقدار الاستمساك بالمنهج الصحيح هنا يتحقق -بإذن الله- النجاة من الفتن، والنجاة على نوعين: نجاة للمجتمع للأمة، هذه نجاة مجتمعية أو أمة، ونجاة فردية، بمعنى أنك إذا لم تجد كما في حديث حذيفة هذا لم يجد الإنسان في الأمة كلها أو في المجتمع، وهذا والحمد لله موجود، لكن أقول إذا لم يحدث فعلى الإنسان بخاصة نفسه ليسلم، ونحن لم نصل لهذه المرحلة، والحمد لله.
فعلى المجتمع أن يتضافر لمواجهة الفتن لمواجهة الابتلاءات لمواجهة المحن، وبإذن الله ستجد النصر والفأل، تفاؤلي حقيقة -يا أخي الكريم- لا يقف عند حد؛ تفاؤلي يزداد يوماً بعد يوم، بل إن قلت: إن الأدلة التي يستخدمها اليائسون والمتشائمون هي أدلتي على النصر؛ {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} [يوسف: 110]، إذن هي أدلتهم التي أوصلتهم هي الدليل من القرآن، ويعقوب يقول لأبنائه في أصعب مرحلة مر بها: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} [يوسف: 87]، نعم نفس الدليل في سورة: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10]، كل الأدلة هي نفسها: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، موسى –عليه السلام- ما قال لما رأوا العدو من أمامهم والبحر من خلفهم ما قال موسى: لا، ليس صحيحاً هذا الكلام، بل هو فعلاً العدو من خلفهم والبحر من أمامهم: {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62].
فهذا المنطلق الأعلى، فإذا كان انطلاقكم سطحي نعم، أفقي، فأنا رأسي، انطلاق رأسي إلى الله - جل وعلا -، وهنا يكون باب التفاؤل؛ لأنه كلما اشتدت الأزمة كان قرب الفرج، لذلك فعلينا أن نبث التفاؤل، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يوصي ((بشرا ولا تنفرا))، أو ((بشروا ولا تنفروا، إنما بُعثتم ميسرين))، فبهذا نستطيع أن نحافظ على الأمة.
ومن أهداف رابطة علماء المسلمين الحقيقة تحقيق شيء من ذلك، لكن أريد أن أوضح نقطة أن رابطة علماء المسلمين ليست بديلاً عن غيرها، إذا كان الباب اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد، إنما هي تتكامل مع غيرها وإذا وجد اختلاف مع اتحادات أو غيرها فأقول كلمة أرددها دائماً: نتعاون فيما اتفقنا فيه، ونتناقش ونتحاور فيما اختلفنا فيه، ولا أقول يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه كيف أعذره في خطأ صريح، لا، إنما نتحاور، أنا لا أشك في أنه يريد الحق، فما دام يريد الحق فليحاورني فليجادلني إذا كان الحق معه أخذته إذا كان معي فليأخذ به، نعم ونصل إلى نتيجة، لكن نتعاون فيما اتفقنا فيه.
مشكلتنا كلمة أقولها مرة أخرى: إن معرفتنا -مع كل أسف- بالفروق التي بيننا أكثر من معرفتنا بالنقاط الإيجابية، فالمفروض أن نعرف نقاط الإيجاب والتلاقي مع معرفة أيضاً نقاط الاختلاف، فنقاط الإيجاب نفعّلها تعاوناً، ونقاط الاختلاف أيضاً نتلافاها تحاوراً وتجادلاً ومناصحة، مع قول كلمة الحق.
ولعل كان هناك نوع من التلاقي الكبير في الثورة السورية في بيان المائة وسبعة وبين الرابطة والاتحاد، جزاكم الله خيراً.
فهذا دور الرابطة، وبإذن الله لنا أمل، وننتظر ولا نريد كثرة الوعود إنما نريد الحقائق تمشي على الأرض، هذا الذي أقوله، أما أُسأل ماذا ستفعلون؟ الله أعلم نحن نجتهد ونحاول، إنما سترون الحقائق إذا ظهرت الحقائق على الأرض انظروها، أما إذا لم تظهر فقد يكون لدينا من الهمة ومن الحرص لكن لا يتحقق، لا نعلق الناس به وعود، لا نعلم متى تتحقق، فدائماً إنما يكون التبشير والأمل والفعل الإيجاب والأمل بالله - جل وعلا -.

المصدر: موقع المسلم

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع