وليد بركسية
تصدير المادة
المشاهدات : 2219
شـــــارك المادة
قد يكون مبلغ 50 ليرة سورية (10 سنتات أميركية) تافهاً، لكنه يكفي في سوريا لاعتقال "مُرتَشٍ"، من طرف وزير الداخلية محمد الشعار، ومباشرة أمام حشد من الكاميرات والمصورين، وكأن البلاد تعافت من كل مشاكلها الاقتصادية، بما فيها الفساد الحقيقي، وباتت تركز على التجاوزات "غير الأخلاقية" التي يقوم بها المواطنون "المخالفون للقانون"، والذين يشكلون عوائق في درب الإصلاح الرسمي. فالجولة التي قام بها الشعار في حلب، انتهت بمقطع فيديو، انتشر الاثنين، يوثق اعتقاله لمندوب بسيط في نقابة الأطباء، يتقاضى مبلغ 50 ليرة سورية زيادة على الرسم المطلوب، من المراجعين الراغبين في إجراء الكشف الطبي، لتجديد رخصة القيادة. ورغم محاولة "الضحية" مساعدة الموظف بالقول أنها تسامحه، إلا أن الوزير رفض ذلك المنطق: "إذا أنت سامحتيه فنحن لن نسامحه"، وكأن سوريا الأسد فجأة باتت دولة مؤسسات تحترم القانون، وعدالتها تطاول الجميع من دون تمييز.
ولا يبحث الشعار عن بطولة شخصية جذابة أمام جمهور المعجبين، ولا يحاول تلميع صورة نظامه أيضاً، بل يتصرف بمنطق فائض القوة فقط، مدفوعاً بضرورة وجود خصم يعلق عليه النظام كافة مشاكل البلاد، الاقتصادية والخدمية. وذلك بدلاً من مكافحة أسبابها الحقيقية المتمثلة في الفساد الذي يمارسه رموز النظام أنفسهم ورجال الأعمال المرتبطون بهم، بما في ذلك الشعار نفسه مع مدير مكتبه اللواء هشام تيناوي، في قضية سرقة مليارات الليرات السورية من بدلات طعام عناصر الشرطة، والتي تفجرت في الإعلام الموالي خلال شهر تموز/يوليو الماضي على سبيل المثال. وفيما كان "الإرهابيون" و"العصابات المسلحة"، الشماعة التي ألقيت عليها تلك المشاكل خلال السنوات الماضية، بات ذلك متعذراً اليوم مع ترويج النظام لفكرة "انتصاره" في الحرب السورية، ما يستدعي البحث عن عذر جديد، هو المواطنون أنفسهم! فهؤلاء أصبحوا العائق أمام تقدم النظام وتحقيقه "الإصلاح"، وهي نغمة باتت متكررة في البرامج الحوارية التي يقدمها الإعلام الرسمي، خلال الأِشهر القليلة الماضية، وتحديداً في البرامج الصباحية التي تعرض مقتطفات صغيرة من الحياة اليومية التي ترصد "أغلاط" المواطنين، ومقارنتها بالتصرفات "الحضارية". تتعزز هذه النقطة بحقيقة أن المقطع صدر عن وزارة الداخلية مباشرة، بدلاً من أن تلعب دور البطولة فيه وزارات أخرى أكثر ارتباطاً بموضوع الفساد، مثل وزارة المالية على سبيل المثال. وبالتالي تصبح صفة وزارة الداخلية الأمنية، وطبيعتها القمعية المعروفة تاريخياً، ضد المواطنين بالدرجة الأولى، علامة على توجه النظام في الفترة المقبلة للوم المواطنين وتحذيرهم من مخالفة القانون، الذي لا يطاول بطبيعة الحال الفاسدين والمخالفين الحقيقيين على أعلى المستويات. ما يثير السخرية في القصة ككل، أن الموظف الذي ما زال قيد الاعتقال، لم يخالف "القانون" أصلاً، حيث نقلت مواقع محلية عن نقيب أطباء حلب زاهر بطل بأنه يوجد قرار من النقيب المركزي لأطباء سوريا يسمح لمندوبي النقابة بتقاضي نسبة لا تزيد عن 15% من التسعيرة الرسمية، وبالتالي فإن ما تقاضاه معتمد النقابة الذي تم اعتقاله هو ضمن الحد المسموح به من قبل نقابة الأطباء المركزية، لكن التحركات التي قامت بها النقابة لإطلاق سراحه لم تنجح بعد، حيث رفض قاضي التحقيق إطلاق سراحه، حسبما نقلت مواقع محلية عن عائلته. والحال أن هذا النمط من الجولات التفقدية "المفاجئة" وتصويرها بالفيديو، يشكل جزءاً من خطة أطلقها رئيس النظام بشار الأسد، العام 2017، تحت عنوان "المشروع الوطني للإصلاح الإداري"، وتم تعيين الشعار لتنفيذه، وتتركز مهمته في القيام بجولات استعراضية لضبط المخالفات وتصويرها ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، لتحسين صورة الحكومة التي اهتزت بشدة خلال سنوات الحرب السورية، ضمن البيئة الموالية، مع سماح النظام بتوجيه الانتقادات لها عبر مواقع التواصل وفي الإعلام الموالي. لكن ما قام به الشعار في الفيديو الأخير، من بطولة انحرفت عن مسارها نحو البلطجة، يعاكس التوجه السابق لحكومة النظام، وبحثها عن خلق أبطال شعبيين ضمن وزرائها، وبالتحديد الدعاية المرافقة لوزير التجارة الداخلية عبد الله الغربي منذ العام 2016، والذي كسر الصورة الرسمية للموظفين البعثيين، بسلسلة من الفيديوهات "العفوية" التي حارب فيها "الفساد" بثيابه "الكاجوال" وتنكره كبطل خارق أشبه بـ"روبن هود" أو أحمد عبد الحق بطل المسلسل الشهير "يوميات مدير عام". وكان ذلك ضرورياً للنظام حينها لامتصاص الاستياء الشعبي العام في البيئة الموالية، من ملفات خدمية وأمنية متعددة، فركزت البروباغندا الرسمية على فكرة أن النظام يسهر على راحة مواطنيه من دون حواجز وبتلقائية، مع وعود بمحاسبة الفاسدين "الكبار". وتقع سوريا في المرتبة 177 من أصل 180 دولة، بحسب مؤشر الفساد الصادر عن منظمة الشفافية العالمية للعام 2017، والذي نشر في شباط/فبراير الماضي، وهو مؤشر يرتبط ببعض السلوكيات العامة كالرشوة واختلاس المال العام، واستغلال السلطة لمصالح شخصية، والمحسوبية في الخدمة المدنية. فضلاً عن الآليات الموضوعة لمكافحة الفساد مثل آليات محاسبة المسؤولين الفاسدين وقدرة الحكومة على تطبيق آليات تعزز النزاهة، ووجود قوانين كافية حول الإفصاح المالي ومنع تضارب المصالح. النقطة السابقة دفعت آلاف المعلقين لانتقاد الشعار عبر مواقع التواصل، معتبرين أن "هناك فاسدين يسرقون ملايين الليرات، ولا أحد يراهم أو يحاسبهم، بينما تتم معاقبة موظف بسيط لتقاضيه مبلغ 50 ليرة زيادة على الرسم". فيما قال آخرون أنه لا مبرر للدهشة أو الصدمة أمام المشهد لأنه يظهر فقط الصورة الحقيقية المظلمة للدولة السورية والتي يعرفها السوريون جيداً منذ عقود. يذكر أن الشعار (68 عاماً) ولد في منطقة الحفة بمحافظة اللاذقية وانتسب للقوات المسلحة العام 1971، وتولى مناصب أمنية قبل وصوله إلى وزارة الداخلية العام 2011، منها رئيس الاستخبارات العسكرية بحلب، وقائد الشرطة، ويتهمه المعارضون للنظام بالتورط في انتهاكات لحقوق الإنسان خلال "مجزرة سجن صيدنايا" العام 2008. وتم إدراجه في لوائح العقوبات الأوروبية والأميركية والعربية، التي تشمل منع السفر وحظر الأموال، أو التعامل معه.
الوطن السعودية
رضوان السيد
وحيد عبد المجيد
محمد عياش الكبيسي
المصادر: صحيفة المدن
صحيفة المدن
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة