محمد الأمين
تصدير المادة
المشاهدات : 3388
شـــــارك المادة
قبل بضعة سنين، نشرت صفحة "الحماية العسكرية للثورة السورية" مقالا عن القائد الصيني والمفكر الاستراتيجي تسوتسو وكيف أنه أثناء عرض عسكري توقف ونزل عن جواده لأنه لاحظ أن أحد الجنود لم يعقد ربطة حذائه. متابعو الصفحة لم يفهموا لماذا ملك الصين يهتم لمسألة تبدو تافهة؟ أقول، إن لنا في السيرة النبوية لكفاية. قال ابن إسحاق (كما في سيرة ابن هشام 2|266): حدثني حبان بن واسع بن حبان عن أشياخ من قومه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قِدْحٌ (أي سهم مَبري) يَعدِل به القوم، فمر بسواد بن غَزيّة -حليف بني عَدي بن النجار- وهو مُسْتَنْتِلٌ (أي خارج) من الصف، فطعن في بطنه بالقدْح، وقال: "استَوِ يا سَواد"، فقال: يا رسول الله أوجعتني... لماذا يهتم النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الأمور الصغيرة؟ رجل برز قليلا من الصف، مع أنهم بعد قليل سيركضون للمعركة ويختلطون مع المشركين بالقتال. والجواب أن الذين يهتمون بالتفاصيل الدقيقة، هم الأقدر على التخطيط الجيد المتقن بحيث يستدركون كل دقائق المخطط فلا تجد فيه عيبا. والبدوي بطبيعته فوضوي، نظرا لطبيعة البادية المتقلبة البعيدة عن الاستقرار والترتيب. ولذلك فإن النبي عليه الصلاة والسلام بذل جهدا في تعليم الصحابة الترتيب والنظام في حياتهم اليومية. وكانت العبادات اليومية أكبر معين لها على ذلك. يقول الشيخ علي الطنطاوي: "لماذا يبطل الصوم إن أفطر الصائم قبل المغرب بخمس دقائق؟ أليس -والله أعلم- لتعليمه الدقة والضبط والوفاء بالوعد؟ من مقاصد العبادات في دينه، تعليمه التنظيم والتصميم. لولا ذلك ما جعل الله للصلاة "وقتاً" إذا تقدمت عنه دقيقة لم تصح الصلاة، ووقّت للصوم وقتا إن نقصت منه دقيقة فسد الصيام، وحدّد للحج وقتاً أن لم يكن فيه بطل الحج". الإسلام كله ترتيب وذوق ونظام، لأن هذا هو أساس الحضارة. إذ لا يمكن أن تقوم الحضارة على الفوضى والعشوائية. بل حتى الحرب، رغم أنها يمكن أن تحصل مع العشوائية، فإن المخططين للمعارك الفاصلة كلهم ممن يتقن الترتيب في الأمور الصغيرة. وقبل أن يعترض القارئ على هذا، أدعوه للاطلاع لكتاب "رتب سريرك" لمؤلفه وليام مكرافن الضابط بالقوات الخاصة بالبحرية الأميركية. والذي ذكر به أن الجيش الأميركي يركز بتدريبه الأساسي على أن يرتب الجنود سريرهم بطريقة معينة أول ما يستيقظوا. ورغم ما يبدو هذا أنه شيء بسيط، لكن له تأثير فائق على انضباط الجنود وعلى نفسيتهم لاحقا. ويمكنك مشاهدة ترجمة لخطابه الشهير الذي ابتدأه بقوله: "إذا أردت تغيير العالم اِبدأ بترتيب سريرك" هنا: https://www.facebook.com/Plaizr/videos/1735924993377182 وفي الثورة السورية، لا أعلم أحدا من كل قيادات الثورة كان مهتما فعلا بالترتيب. ربما الاستثناء الوحيد -في حد علمي- هو الشيخ زهران علوش الذي كان لا يخرج إلا وقلمه في جيبه، وبكامل أناقته، في أرض المعارك. حتى أنه وضع بنداً في النظام الداخلي لجيش الإسلام بمنع تطويل الشعر! أما في الثورة السورية السابقة فهناك أيمن الشربجي، قائد الطليعة المقاتلة في دمشق، حيث كان لا يرضى أن يخرج من بيته وهو تحت الحصار إلا ببنطال مكوي. وأخيرا أختم بمقولة الشهيد سيد قطب: الجاهلية المنظَّمة لا يهزمها إلا إسلامٌ منظَّم.
أبو فهر الصغير
مجاهد مأمون ديرانية
أحمد موفق زيدان
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة