عارف العبيد
تصدير المادة
المشاهدات : 2627
شـــــارك المادة
بعد تفكك الاتحاد السوفياتي؛ تحوّل النظام الدولي من ثنائي الأقطاب إلى آحادي القطب، وأصبحت الولايات المتحدة في صدارة القوى العظمى بدون منافس، وتعزز هذا الدور الأميركي بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، فأصبحت مسألة الحرب على الإرهاب أولوية بعد انهيار "خطر" الشيوعية العالمية، فكانت غزوات أفغانستان والعراق من نتائج تلك الأولويات.
إن الدور "المطلق" الذي رسمه الرئيس جورج بوش الابن للولايات المتحدة الأميركية (2001-2009) انتهى بانتخاب باراك أوباما للرئاسة الأميركية (2009-2016)، كما تم عملياً إسقاط مبدأ الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور الذي منح بلاده صدارة القوى الكبرى المؤثرة في الشرق الأوسط لأربعة عقود تقريباً.
وقد تم بموجب هذا المبدأ منع السوفيات من الوصول إلى المياه المتوسطية الدافئة عامة والشرق الأوسط خاصة منذ عام 1957، لضمان المصالح الحيوية الغربية في هذه المنطقة الحساسة والغنية بالنفط والغاز الطبيعي. لكن سياسة الرئيس أوباما -التي ركزت على الوضع الداخلي على حساب السياسة الخارجية- أدت إلى بروز قوى إقليمية ودولية متنافسة فيما بينها.
أبعاد الصعود الروسي الإيراني تعمل روسيا جاهدة لتعزيز نفوذها الخارجي واستعادة مكانتها السابقة -أيام الاتحاد السوفياتي- في النظام الدولي، ولا تتردد في استخدام وسائل عديدة لتحقيق هذا الهدف المنشود. فمن أدواتها الاستراتيجية مثلاً استخدام موارد الطاقة وتجارة الأسلحة، واستغلال الورقة الدينية كحامية للمسيحيين الأرثوذكس، إذ توظف كل ذلك في تعزيز السياسي والتمدد نحو المناطق المحيطة بها كالشرق الأوسط وآسيا الوسطى. ومن أهم النجاحات الروسية اتي شجعت موسكو على هذا الطموح؛ ضرب جورجيا وفتح الجبهة الأوكرانية والسيطرة الكاملة على شبه جزيرة القرم، وصولاً إلى التدخل العسكري في سوريا لإنقاذ نظام الرئيس بشار الأسد المنهار سياسياً وعسكرياً رغم تكاليفه الباهظة. ويبقى السؤال المطروح: هل استطاعت موسكو توظيف ثمار تلك النجاحات اقتصادياً وسياسياً؟
إن إصرار الرئيس بوتين في الحفاظ على نفوذ بلاده في الخارج الروسي دفعه إلى البحث عن حلفاء اقتصاديين أكثر منهم سياسيين، فحاول منافسة أنابيب الشرق للنفط والغاز للسيطرة على السوق الأوروبية، والحصول على حصة مهمة من عقود وصفقات بترول وغاز إقليم كردستان العراق وإيران وسوريا، عبر استغلال حالة التنافر القائمة بين الدول الإقليمية.
وبعد أن أصحبت روسيا اللاعب الأول في الأزمة السورية؛ حاولت توسيع نفوذها باتجاه دول الخليج فعقدت معها صفقات بمليارات الدولارات مقابل إيجاد حل للأزمة السورية، وأيضاً عززت روسيا تعاونها العسكري والتجاري مع مصر، وحاولت بناء سبل للتواصل بشأن الأزمة الليبية.
ومن جهة أخرى؛ تعتبر إيران قوة إقليمية لا يمكن تجاهلها، وكانت لها تاريخياً علاقات وثيقة مع الغرب منذ عهد الشاه عباس الأول (1571 - 1629)، واستمرت هذه العلاقات حتى في عهد الشاه محمد رضا بهلوي.
ورغم العداء الغربي المعلن تجاه إيران؛ فإن الأحداث السياسية الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط تفيد بأن هناك تعاوناً أميركيا إيرانياً يخدم مصالح البلدين. فواشنطن التي قضت على حركة طالبان السُّنية ونظام صدام حسين -وهم أعداء إيران في الخريطة الإقليمية- نسقت مع طهران عملية غزو العراق عام 2003، وطوال فترة الاحتلال عملت على تعزيز نفوذ إيران في العراق عبر حلفائها من الأحزاب الشيعية.
إضافة إلى ذلك، فإن غض النظر عن أعمال الحشد الشعبي في العراق، وعن وجود حزب الله في سوريا وهو المصنّف من قبل الأميركان تنظيما إرهابيا، مع التركيز على "داعش السُّنيّة" (تنظيم الدولة الإسلامية)؛ هو دليلٌ آخر على طبيعة العلاقات الأميركية الإيرانية الخفية.
كما تمّ أيضاً إعطاء طهران -كقوة إقليمية- دوراً أكبر في المنطقة بعد توقيع الاتفاق النووي على حساب مصالح دول أخرى. وهكذا أصبح النفوذ الإيراني قوياً في لبنان من خلال حزب الله، وفي اليمن عبر جماعة الحوثي، وفي سوريا بدعمها بقاء النظام السوري.
إن العقوبات الدولية المفروضة على طهران وسياسة الرئيس أوباما عززت التقارب الإيراني/الروسي في المجالات الاقتصادية والتجارية والعلمية والعسكرية، فتم إنجاز البرنامج النووي الإيرانيبخبرات روسية مقابل مليارات الدولارات. اعتمدت موسكو على المليشيات الشيعية الإيرانية والحليفة لها في فرض سياسة الأمر الواقع على الساحة السورية، إلا أن الضغوط الأميركية والأوروبية المتزايدة على البلدين دفعتهم إلى توسيع دائرة نشاطات تعاونهم مع دول أخرى مجاورة، كان آخرها لقاء القمة الذي جمع رؤساء إيران وروسيا وأذربيجان في طهران يوم 2 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
ورغم الزخم الإعلامي؛ فإن محور هذا اللقاء الثلاثي انحصر في تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري في مجالات الطاقة والتجارة الخارجية والمواصلات، وفي قضايا محاربة تجارة المخدرات والأسلحة غير الشرعية والاتّجار بالبشر والجرائم الإلكترونية، مع التذكير بأن التعاون التجاري إذا تم فسيكون بالعملات المحلية للبلدان الثلاثة.
إن ملفات ترسيم مياه بحر قزوين لاستخراج ثرواته الطبيعية، والخلافات في الحدود الجغرافية، والنفوذ الأميركي والإسرائيلي بأذربيجان، وعلاقة إيران بنزاع ناغورنو كرباخ، والتباين الكبير في طبيعة أنظمة الحكم (إيران دولة ثيوقراطية دينية بينما أذربيجان علمانية متعلقة بالغرب)، والخلاف الروسي الإيراني في مسألة تشكيل فدرالية كردية بسوريا؛ كلها عوامل تجعل الشراكة الاستراتيجية بين الدول الثلاث هدفا بعيد المنال.
طموحات البلدين والموقف الدولي تحاول روسيا القادمة على انتخابات رئاسية كسر تأثير العقوبات الدولية بتقوية نفوذها، وإيران بحاجة إلى الدعم السياسي الروسي لمواجهة موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب من برنامجها النووي، بينما تعوّل أذربيجان على موسكو في مسألة ناغورنو كرباخ.
يمكن القول بأن العلاقات الروسية الإيرانية هي علاقات تبادل مصالح وليست تعاونا استراتيجياً؛ فمثلا عندما فُرضت العقوبات الدولية على إيران بسبب برنامجها النووي وافقت موسكو على تطبيقها، لأنها حصلت على وعود باستخدام ميناء أوكرانيا على البحر الأسود لمدة 25 عاماً، ووعدت الدول الغربية بعدم قبول أوكرانيا في حلف الناتو لكبح اعتراضات روسيا.
لقد سبّب الصعود الروسي الجديد مخاوف لدى الغرب عامة والاتحاد الأوروبي خاصة، فقد ذكّرهم بالصعود النازي خلالالحرب العالمية الثانية الذي كلّف العالم حياة أكثر من 60 مليون إنسان، من أجل احتوائه.
وتجلى الرد الغربي بفرض عقوبات قاسية على موسكو أدت إلى أزمة اقتصادية خانقة في الداخل الروسي، وسقطت قيمة العملة الروسية إلى الضعف تقريبا. كما تم استخدام أداة النفط للتأثير على أسعار الذهب الأسود فهبطت إلى مستويات تاريخية، الأمر الذي أدى إلى حرمان الاقتصاد الروسي من إيرادات مهمة.
وفي المقابل؛ لا توجد -حتى هذه اللحظة- سياسة خارجية ودفاعية للاتحاد الأوروبي تسمح له بلعب دور ريادي في النظام الدولي الحالي بإمكانه إعاقة الصعود الروسي والإيراني، بل كانت مواقف الدول الأوروبية متباينة ومختلفة في الأزمات العالمية، مثل الغزو الأميركي للعراق والثورات العربية والأزمات الاقتصادية في بعض الدول الأوروبية.
وقد دفعت سياسةُ ترمب "المتقلبة" الزعامات الأوروبية للمرة الأولى إلى التفكير في مستقبل علاقات بلدانهم مع واشنطن، والاعتماد على الذات في مسائل الدفاع والأمن رغم وجود حلف الناتو، وهناك محاولة جدّية لبناء صندوق نقد دولي خاص بالاتحاد الأوروبي بعيداً عن واشنطن. ولذلك تحاول موسكو توظيف هذا التباين في خدمة مصالحها واختراق الحصار المفروض عليها.
أيضاً لا يمكننا وصف الاستراتيجية الأميركية الجديدة بأنها تركٌ أو إهمالٌ للشرق الأوسط أو منحه لروسيا، بل هي عبارة عن تحوّل في جدول الأولويات عبر الانتقال من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى وتحديداً الصين، حيث تـُعتبر الأخيرة الدائن المالي الأول للولايات المتحدة الأميركية، وهي قوة اقتصادية عالمية تحاول تدريجياً -باستخدام الدبلوماسية الاقتصادية- السيطرة على الأسواق العالمية، التي كانت سابقاً حكراً على الأميركيين.
إن السياسة الخارجية الأميركية الشرق أوسطية ليست متخبّطة أو متنافرة كما يصفها البعض انطلاقا من تصرفات رؤساء أميركيين، لأنها تُدار من قِبل آليات وأجهزة الدولة الدستورية، وليس بقرارات رئاسية فردية. إن المحافظة على المصالح الأميركية والإسرائيلية في الشرق الأوسط هو النهج الأساسي للإدارات الأميركية المتعاقبة، رغم اختلاف طرق تحقيق هذه المصالح بين إدارة وإدارة.
تعتبر تعددية أقطاب السياسة الدولية ضرورة ملحة للدول الإقليمية الشرق أوسطية، لتجنب الاحتكار الأميركي وبسبب غياب عامل الثقة المتبادلة، فدخول دول مثل روسيا والاتحاد الأوروبي مهم لمصالح المنطقة بشرط إقناع الساسة الروس بأن خدمة مصالحهم من منظور دعم النظام السوري لن يوفر أساساً لاستراتيجية روسية بعيدة المدى في المنطقة.
وإضافة لذلك؛ فإنّ بناء علاقات متينة مع العالمين العربي والإسلامي، أساسها الاحترام المتبادل لمصالح الدول ورغبات شعوبها؛ سيقود إلى مزيد من الاستقرار الداخلي في روسيا وإيران وفي المنطقة. ولا بد للبلدين من إدراك أن تقاسم النفوذ والنفط والغاز بين الدول المسيطرة أو المؤثرة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، لا يكفي لجني ثمار هذا النفوذ بدون تحقيق السلام والأمان والاستقرار.
نجوى شبلي
حسان الحموي
عبد الرحمن جعفر الشردوب
رضوان زيادة
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة