محمد أبو عبيد
تصدير المادة
المشاهدات : 3244
شـــــارك المادة
مِن فن الممكن في السياسة تطبيق إحدى قواعدها: عدوّ عدوي صديقي، وهذا ما يفسر -بلا ريب- الموقف الروسي من الثورة السورية، مثلما فسر -دون شك- الموقف الأمريكي من الثورة الفلسطينية. ثورتان تتشابه مشاهدهما تشابُهَ التوأمين المتماثليْن، وموقفان دوليان كل يفضح الآخر. فموسكو زعمت أكثر من مرة خجلها من موقف واشنطن إزاء مذابح ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين، وهم ليسوا شعبها، واليوم تدعي واشنطن اشمئزازها من موقف موسكو تجاه مذابح ارتكبها النظام السوري ضد سوريين، وهم شعبه.
لأن عدو العدو صديق في حسابات السياسة، فإنه ليس في منزلة الصديق "المباشر" الذي لا توثق عروةَ صداقته عداوة العدو. فالصنف الأول: تندثر صداقته بجلاء العداوة، ولو اتفقت موسكو وواشنطن على الكعكة الشامية وحصة كل منهما، ستدين روسيا حينها عمليات القتل التي ينفذها النظام السوري ضد الثوار العزل، وإنْ بعبارات أقل حدة من العبارات الأمريكية، علماً أن مخارج الحروف الروسية أقوى. لم يأت الموقف الروسي في مجلس الأمن بخصوص سوريا حُباً في دمشق الشرق، بقدر ما هو نكاية للغرب، وبيدق شطرنج يُلعب ضمن الحرب الباردة التي يسخنها صراع المصالح. تماماً مثلما لم تكن موسكو عاشقة لحركة "حماس"، لكنها كارهةٌ أعداءَ حماس، أو من تعاديهم حماس. وكذا واشنطن، لم تكن مغرمة بمسلمي البلقان، لكنها مبغضة لصربيا حليفة الروس. المحزن أن العرب والمسلمين هم الكُرة الأهم التي يتقاذفها لاعبو الفريقين غير الرفيقيْن. في العقدين الأخيرين لم يعد الفريقان الروسي والأمريكي متكافئيْن، فقد رجحت كفة واشنطن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، الأمر الذي عبّد طريقاً مترفاً أمامها لتسيير دورياتها الشرطية لمراقبة "وإدارة" معظم هذا الكوكب الأرضي، من دون أدنى مبالاة بردات الفعل الروسية. ثمة أحداث لا تجعل المرء يخامره الشك في صحة رجحان كفة واشنطن، وفي حقيقة أنها إذا عقدت العزم على أي فعل فإنها ستتجاوز مجلس الأمن مثلما يجوز لدورية الشرطة تجاوز السرعة القانونية وأن لا تقف على الإشارة الحمراء حين الطوارئ. في مطلع التسعينيات، تدخلت الولايات المتحدة، بالغطاء الأطلسي، في يوغسلافيا السابقة، من خلال عمليات عسكرية ضد صربيا، مثلما فعلت تماماً في أفغانستان. وشنت واشنطن حربها على العراق عام 2003م متجاوزة مجلس الأمن، ومواقف روسيا المعارضة للحرب، وأسقطت نظام صدام حسين. لذلك إن قررت واشنطن شن عملية عسكرية ضد نظام الأسد، فلن يمنعها غضب روسي، ولا تهديد إيراني، ولا جعجعة عربية، فهذا حكم القوي الذي أثبت أنه فوق مجلس الأمن الذي لا أمن فيه، وأنه لا يأبه بخطابات الكرملين التي كثيراً ما أسعدت العرب. لقد حققت واشنطن انجازاً مهماً يتمثل في جعل الكثير من العرب كارهين لروسيا، بعد أن أحبوها. وفي إظهار روسيا مرة أخرى على أنها نظام ديكتاتوري يدعم الديكتاتوريات العربية، خصوصاً في آخر رمق لها في الشرق الأوسط، وهي سوريا المشَكّلة من حروف روسيا.
المصدر: أخبار الثورة السورية
ماهر السعيد
زهير سالم
عصام عبد الله
طارق الحميد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة