نبيل العتوم
تصدير المادة
المشاهدات : 2927
شـــــارك المادة
عكس الحديث الإيراني عن خيار “الفيدرالية” لإنهاء الأزمة السورية كثيرا من الأسئلة عن مضمون الموقف الإيراني الحقيقي، وإن بدا هذا الخيار ”الخطة ب” كورقة خطيرة تلوح بها طهران لوأد أي تحرك إقليمي عموماً، وعربي خصوصاً لحل الأزمة السورية ضمن الإطار العربي في إطار ما بات يوصف بالخطة الإيرانية البديلة، التي لم يعرف مضمونها بعد، لكن بوادرها بدت واضحة من خلال استعداد طهران للتعامل مع مختلف الخيارات.
الظاهر والمعلن من حديث المسئولين الإيرانيين إدعاء الرفض لخيار “الجمهورية السورية الفيدرالية”، لكن ذلك تزامن مع تأكيدهم بربط خيارات الحل السياسي في سوريا بشروط عديدة، وأن يكون كنتيجة للمحادثات والنقاشات المتعلقة بشكل نظام الدولة المستقبلية في سوريا، بما يتفق مع مصلحة إيران، والتأكيد على فكرة تكريس واقع الأقليات، بحيث يحفظ شكل النظام الحالي، واستقلال سوريا ككيان سياسي، على أن يدور ضمن الفلك الإيراني.
لكن هل حديث الإيرانيين عن الفيدرالية في سوريا نابع من الخطة البديلة التي طرحتها طهران، بحيث باتت هي الخطة المدروسة مع الروس؛ ولا تريد الإعلان عنها؟ وهل هناك توافق إيراني مع الطرف الأمريكي؛ خاصة في ظل حديث الطرف الأمريكي عن نفس “الخطة بديلة”؛ مع التأكيد على التوافق الروسي –الأميركي– الإيراني غير المسبوق، ودعمهم غير المحدود لاستمرار النظام في عدم الجدية على دعم عملية التحول السياسي الذي يضمن رحيل الأسد وزمرته عن النظام.
الإعلام الإيراني بدأ يطرح مشروع خيار “الجمهورية الفيدرالية” في سوريا ”للنقاش والحوار، واعتبارها مجرد فكرة يتم تداولها، وبدأ بعض المحسوبين على خامنئي الحديث عن السيناريو الأقرب إلى الواقع الديموغرافي والسياسي السوري مع ضمان تمثيل الأقليات، وبشكل يحقق فكرة تحول سوريا المستقبل إلى شكل الدولة الأقرب للدولة اللبنانية.
يؤكد الإيرانيون أن سوريا لن تعود إلى ما قبل 2011. فالروس قد قاسموهم الكعكة بعد أن انخرطوا بقوة بهذه الأزمة، وباتوا يريدون الحفاظ على قواعدهم العسكرية الثابتة على الساحل السوري، ولذلك فإن الحفاظ على النظام السوري بشكله الحالي، مع الاستعداد لإجراء عمليات تجميلية عليه هو أجمل حل لهم سيما في منطقة الساحل، حيث سيضمن لهم هذا النظام نوعًا من النفوذ الدائم، وغير القابل للتغيير، وهذا يمكن تحقيقه من خلال الشكل الفيدرالي لسوريا، من هنا وجب على الإيرانيين التنبه لذلك، والتنسيق مع الجانب الروسي، وإلا ضاعت فرصتهم في الحصول على مغانم الكعكة السورية.
نكاد نجزم أن الإيرانيين يراقبون ما يجري على الأرض بعناية شديدة، بعد تقديمهم –حسب زعمهم– كل هذه التضحيات؛ وبالتالي لم يتخذوا قرارًا نهائيًا بشأن الفيدرالية، لكنهم يلوحون دوماً باحتمالية الانتقال للخطة ب للتعامل مع الأزمة السورية دون الحديث عن مضمون هذه الخطة؛ خاصة إذا ما تغيرت المعادلة، لكنهم يلتقون مع الروس عند ضرورة ضمان بقاء النظام السوري في السلطة، وتمثيل جغرافي وسياسي عادل للأقليات السورية، وأهمية إدماج الوافدين الجدد من المقاتلين الشيعة في المجتمع السوري انسجاماً مع مقولة بشار الأسد: سوريا لمن يدافع عنها، مع الاستعداد لتغيير شخص بشار الأسد والتضحية به، ما دامت هناك ضمانات لمصالحها، حيث كانت إيران أول المبادرين إلى ما يسمى بضرورة الانتقال للخطة "ب" في حال قرب سقوط نظام بشار الأسد، وملخصه تفتيت سوريا وإغراق المنطقة بالفوضى، وهذا يكشف عن الهدف الرئيس الكامن وراء دعم مشروع تقسيم سوريا، والتذرع بأن أي حديث عن حرمان الأقليات؛ سيما العلوية والشيعية تحت أي مسمى، سيضع المنطقة برمتها أمام مفترق طرق لا أحد يستطيع التنبؤ بما سيقود إليه.
فنظام الفيدرالية سيضمن احتمال إعادة الاستقرار. وهنا تذكر طهران دوماً بكذبتها التاريخية بأن كل ما له علاقة بحاضر سوريا ومستقبلها ونظام الحكم فيها ومن يقودها هو حق حصري للشعب السوري وإيران، ولا يحق لأية قوة إقليمية أو دولية مصادرة هذا الحق، ولا التدخل فيه تحت أية ذريعة كانت، وكأن تقسيم سوريا هو أحد خيارات للشعب السوري التي يناضل من أجلها ليل نهار في حال سقوط نظام بشار الأسد. ومن الضروري أيضاً التوقف عند موضوع خيارات الشعب السوري ليعكس حجم التناقض في الرؤية الإيرانية؛ فالموقف الإيراني يرفض فرض إقامة منطقة عازلة، سواء شمالي سوريا أو جنوبيها بحجة أنها لا تحمي الشعب السوري، بل تقسمه، ويؤكد سعي طهران المفضوح الأهداف لإبقاء الشعب السوري ”السني” تحت القصف والنار، ومحاولة خلق وضع جديد يمكن استثماره بفعل عمليات التهجير كرأس حربة ضد الشعب السوري، وضد المكون السني عندما يتطلب الأمر ذلك، أو عندما يرفض هذا الطرف أو ذاك الإذعان للإملاءات الإيرانية الساعية لفكرة إعادة نقل الأقليات، وإعادة دمجها جغرافياً، والتي لا يمكن أن تشذ هذه الخطة الجهنمية عن البوصلة الأميركية –الروسية– الصهيونية.
لا شك بأن المقترح الروسي الداعم للفيدرالية في سوريا لم يأت من فراغ، وإنما جاء طرح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ليلتقي مع الطرح الإيراني، عندما تحدث عن سيناريو أكثر خطورة من الفيدرالية، وعندما تحدث عن ”الخطة البديلة” أمام الكونغرس الأمريكي بأنه قد فات الأوان لإبقاء سوريا موحدة في حال فشل عملية التفاوض السياسي.
من المؤكد أن الطرح الأميركي يوفر عدم انخراط واشنطن بشكل مباشر بالأزمة السورية، بحيث تضمن عدم التدخل العسكري البري من قوات غير أمريكية، ومن المؤكد أنها ستترك هذه المهمة للآخرين، لا سيما تركيا وقوات التحالف الإسلامي التي تشكلت حديثاً.
ومن المعلوم أيضاً أن تدخل هذه القوات سوف يكون مهماً لدعم فكرة الحل الفيدرالي في حال اعتماده، والاتفاق عليه دون علم الدول العربية وتركيا، والخشية من الزج بهذه القوات لتحقيق هذا الهدف في النهاية، في حال ممارسة واشنطن لسياسة الخداع مع الدول العربية؛ خصوصاً إذا ما علمنا أن الفكرة الروسية المطروحة بشأن الفدرالية في سوريا جاءت نتيجة التفاهمات الأمريكية الروسية الإيرانية، وأن الدول العربية ستكون بنظر هذه الدول أداة لمحاربة تنظيم داعش وتصفيته، مما يمهد الأرضية لتحقيق فكرة الفيدرالية في سوريا من حيث لا تدري أو تعلم.
لأن بقاء سوريا دولة موحدة بات من المستحيلات على حد تعبير الإدارة الأميركية.
مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية
راميا محجازي
برهان غليون
أبو عبد الله عثمان
ثامر سباعنه
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة