وليد قاسم
تصدير المادة
المشاهدات : 2776
شـــــارك المادة
آفة خطيرة تهوي بصاحبها مهاوي الردى إذا تحرّاها واتخذها سمةً له؛ بئست الصفة التي هي طريق كثير من الشرور، "الكذب"..
لا ريب أن الكذب سبيل من سبل كل سوء؛ فمَنْ يَكُنْ الكذبُ ديدَنه يتخذه مطيةً ويسهل عليه فعل المنكرات والخبائث؛ ظناً منه أن الكذب سوف ينجيه من العقاب!
والكذب أحد علامات النفاق التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: "آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ" متفق عليه.
وعلى النقيض من تلك الآفة، هناك خُلُق "الصدق"؛ تلكم القيمة العظيمة التي يجب أن يتحلى بها كل مسلم وأن يتربى عليها منذ صغره حتى تكبر معه وتصبح سمة دائمة لازمة له.
فما أجمل أن يوصَف المسلم بالصدق، وأن يتحراه دائماً، حتى يُعرف بين الناس به، وأهم من ذلك أن يُكتب عند الله صدِّيقاً؛ مصداقاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم.. فعَن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي اللَّه عنه عن النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: «إِنَّ الصَّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ ليصْدُقُ حَتَّى يُكتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقاً، وإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفجُورِ وَإِنَّ الفجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّاباً» متفقٌ عليه.
والصدق أنواع مختلفة تنتظم به الحياة أجمعها؛ لتصير حياة المؤمن كلها نورانية صادقة؛ فالصدق مع الله سبحانه وتعالى في توحيده وعبوديته والإخلاص له، ومع النفس فيوافق ظاهرُه باطنَه وتطابق أفعالُه أقوالَه، ومع الآخرين بعدم خداعهم والكذب عليهم وغشهم.
والصدق هدف تربوي قيمي راق، يجب أن نربي عليه أبناءنا وأنفسنا، فنبث فيهم الاقتداء به صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان صادقا أمينا منذ طفولته.
فهو صلى الله عليه وسلم لم يكذب قط، حتى لو كان مازحاً؛ ولم يغش قط، ولم يراء قط، فتمثلت فيه معاني الصدق الكاملة التامة..
والناظر لحال مجتمعاتنا وما دب فيها من داء الكذب، وما اغترب فيها من الصدق، لينعي عليه حاله، ويرثي له واقعه، لا أقول ذلك في المجتمعات الغافلة أو اللاهية، بل في مجتمعاتنا المسلمة..
فبعض الآباء والأمهات يسقط في الكذب، رغبة أو رهبة، فيتأثر بنا أبناؤنا ونحن لا نشعر..
بل إن من أبنائنا من يكذب بحجة المزاح، وإن ذكرت له أن ذلك كذب يقول: أقصد المزاح أو هذه "كذبة بيضاء"؟!
وبعض الآباء، قد يكون سبباً في تعليم ابنه الكذب، وتربيته على ذلك، بدلاً من أن يغرس فيه قيمة الصدق وينميها فيه، عبر المواقف العملية التي يتعرض لها الابن مع أبيه..
كذلك فقد يقع بعض الآباء والمربين في الخطأ عند استخدام العقاب، كأداة سلبية في غرس الكذب لدى الأبناء؛ خاصة إذا وقع ابنه في خطأ وكان صادقاً معه!
فالعقاب فن وفهم وعلم، فلئن صَدَقَ الابن واعترف بخطئه وأراد المربي عقوبته، أن يوضح له أنه يعاقبه على خطئه وليس على صِدْقه، حتى لا يفهم الابن أنه إذا صدق فإنه سيعاقَب فيلجأ إلى الكذب..
وحبذا لو يسامحه الأب أو المربي مكافأةً على صدقه وأن يكون العقاب في أضيق الحدود.
إن من أهم الأسباب الدافعة لكذب الأطفال خوفه من العقاب كوسيلة دفاعية تنجيه من العقاب.
كذلك فقد يكون الكذب بسبب الخوف أو القلق أو الغيرة، أو لكسب تعاطف المحيطين، أو تقليداً للكبار، أو من باب اعتقاد الطفل أن الكذب شيء مضحك، أو بدافع أنها كذبة بيضاء لا تضر، وغير ذلك من الأسباب..
فالخوف من العقاب قد يكون أكثر وأهم هذه الأسباب التي تدفع الطفل للكذب؛ ظناً منه أنه بذلك ينجو من العقاب!
نعم، قد يكون بكذبه قد نجا من عقاب الأب أو المعلم، لكنه يغفل أنه قد وقع في إثم عظيم لن يستطيع أن ينجو منه ولا يستطيع حينها حتى الكذب للنجاة في الآخرة..
فالقيمة التي يجب أن نبثها أن العاقل حقاً يعي أنه إنْ صَدَق فعوقب خير له من أن يكذب فيفوز بشيء من الدنيا.. فالآخرة خير وأبقى.
أحمد دعدوش
المصادر: المسلم
المسلم
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة