المرصد الاستراتيجي
تصدير المادة
المشاهدات : 3072
شـــــارك المادة
يدفع اقتراب الانتخابات الروسية المقبلة في شهر مارس 2018 بالرئيس فلاديمير بوتين للاستعجال في التوصل إلى عملية انتقال سياسي في سوريا؛ ففي مقابل تعثر الوساطة الأممية بجنيف وعدم تقدم جهود توحيد المعارضة؛ يعمل الكرملين على خطة بديلة تتضمن عقد حوار بين ممثلي: المصالحات، والمجالس المحلية المنبثقة من اتفاقات "خفض التصعيد"، والإدارات الذاتية الكردية، بالإضافة إلى حكومة النظام في قاعدة حميميم.
ويأمل الروس في أن تفضي مباحثات حميميم إلى عقد مؤتمر حوار وطني في مطار دمشق الدولي بضمانات روسية، لبحث تعديل الدستور أو المسودة الروسية، وإقرار نظم الإدارة الذاتية، والتأسيس لنظام فيدرالي (اتحادي) ونظام حكم لامركزي.
وعلى الرغم من محاولات الرياض مواكبة الحراك الروسي عبر السعي لتوحيد منصات المعارضة؛ إلا أن بوتين لا يبدو راغباً في استحواذ الرياض على مرجعية المعارضة السورية عبر مؤتمر "الرياض (2)" المزمع، حيث تسير وزارة الدفاع الروسية وفق خطة متكاملة تبدأ من: فرض اتفاقات "خفض التصعيد" جنوب غربي البلاد (درعا، القنيطرة، ريف السويداء)، وفي ريف دمشق وشمال حمص ومحافظة إدلب، ومن ثم جمع المجالس المحلية المنبثقة من هذه الاتفاقات، والإدارات الذاتية الكردية، وإدارات مناطق "المصالحات" التي عقدها الجيش الروسي في مناطق مختلفة، مع ممثلي حكومة النظام.
وبخلاف توجهات الوساطة الأممية للمحافظة على وحدة البلاد السياسية والاجتماعية؛ يعمل بوتين على تنفيذ مشروعه من خلال تقسيم سوريا إلى كانتونات عرقية وطائفية، حيث يتم توجيه الدعوات على أسس عرقية ودينية وطائفية تنسف مسار جنيف برمته، وذلك في أعقاب تأكيد الكرملين سعيه لعقد مؤتمر يضم كل المجموعات العرقية السورية، تحت عنوان: "مؤتمر شعوب سوريا"، حيث باتت روسيا تبحث عن بدائل لجنيف الذي تعتبره لا يلبي طموحاتها، متذرعة بخلافات المعارضة من جهة، وبتراخي مواقف واشنطن وحلفائها إزاء الأزمة السورية من جهة ثانية.
وسبق أن صرح مسؤولون روس بأن الحل في سوريا يكمن في إرساء فيدرالية لضمان حقوق مختلف الطوائف والعرقيات التي ستشكل العنصر الأساسي في المؤتمر الذي تسعى روسيا لإقامته.
وجاء حديث بوتين عن "مؤتمر الشعوب السورية" بالتزامن مع سيطرة قوات سوريا الديمقراطية والتي تمثل المليشيات الكردية عصبها الرئيس على مدينة الرقة، وتأكيدها أن المحافظة ستصبح جزءاً من "سوريا اتحادية لا مركزية"، حيث يرى المحللون أن الفكرة الروسية تمثل محاولة لاجتذاب الأكراد الذين يقيمون تحالفاً عسكرياً مع القوات الأمريكية في منطقة الجزيرة السورية.
وقد بادر الكرملين بالفعل إلى إرسال خطابات دعوة لشخصيات سورية إلى مؤتمر حميميم؛ شملت بعض معارضي الخارج، وتتضمن أجندة المؤتمر خمس بنود، هي: الوضع السوري العام، وخفض التوتر، والدستور، وتشكيل لجان تفاوضية لمشاريع المستقبل، والتمهيد لمؤتمر شامل يُعقد في دمشق بضمانات روسية بحضره نحو ألف شخص، يمثلون مختلف الانتماءات الدينية والطائفية والإثنية في البلاد.
ويأمل بوتين في المرحلة الثالثة من خطته إلى: إقرار مبادئ للحل السياسي، بما في ذلك آلية لتعديل الدستور الحالي، وإقرار إصلاحات سياسية، وإنشاء حكومة وحدة وطنية بصلاحيات أوسع من الحكومة القائمة، وعقد انتخابات محلية وبرلمانية تنتهي بانتخابات رئاسية في 2021.
وعلى الرغم من المرونة التي أبدتها الرياض مع موسكو إزاء الملف السوري، بما في ذلك التلميح بإمكانية بقاء بشار الأسد خلال الفترة الانتقالية، والقبول بحكومة وحدة وحدة وطنية موسعة تضم عناصر مقربة من الرياض، إلا أن موسكو بدت غير منسجمة مع مطالب السعودية بالتخلي عن طهران، وعدم التعاون مع "حزب الله" والميلشيات الأخرى الحليفة لإيران، وهو الأمر الذي رفضه بوتين بصورة قاطعة في لقاء سابق مع بنيامين نتنياهو.
وتشير المصادر إلى أن بوتين قد أكد للملك سلمان أن موسكو لا تستطيع إجبار الأسد على الابتعاد عن إيران، وأن هذه المسألة ليست من أولويات موسكو، ولا يمكنها أيضاً الضغط على طهران لتخفيف العلاقة بين الطرفين، وأن موسكو لن تُقحم نفسها لفسخ علاقة من هذا النوع لكنها يمكن أن تساعد في جعل تلك العلاقة أكثر إيجابية في التأثير في ملفات المنطقة، مؤكدةً أن الرئيس الروسي سمع من العاهل السعودي نصف الكأس الملآن تجاه الملف السوري، لكنه لم يقدم للملك سلمان النصف الآخر.
وعلى الرغم من محاولات تطوير العلاقات الروسية-السعودية عبر بوابة الاقتصاد من خلال صفقات التعاون العسكري بقيمة 3.5 مليار دولار، وتخصيص أكثر من 10 مليارات دولار للاستثمار في البنى التحتية والخدمات اللوجستية والزراعية في روسيا، والعمل على تخفيف تباين وجهات النظر إزاء الملف السوري والمبادئ التي أقرتها المعارضة السورية بالرياض؛ إلا أن مبادرة السعودية للعمل على إصلاح الدمار الذي أحدثه قصف التحالف الدولي بمدينة الرقة، وتعزيز سيطرة واشنطن ووحدات حماية الشعب الكردية على موارد الطاقة شمال البلاد قد أثار غضب بوتين الذي قرر السير قدماً في خطته الانتقالية غير عابئ بالتفاهمات الضمنية بين الولايات المتحدة والسعودية على إعادة إعمار الرقة.
في هذه الأثناء؛ يراقب الروس نشاط المبعوث الأمريكي إلى "التحالف الدولي"، بريت ماكغورك، مع "المجالس واللجان المحلية" في الرقة ودير الزور، التي أُنشئت لتحمل لواء "الشرعية المحلية" تحت غطاء "التحالف"، لتشكل حصان طروادة الأميركي لاحقاً على أي طاولة مفاوضات، يشاركه في ذلك وزير الدولة السعودية لشؤون الدول الخليجية والسفير السابق لبلاده في العراق، ثامر السبهان، حيث اجتمعا مع المجلس المحلي للرقة، ومع لجنة إعادة الإعمار، ومع شيوخ العشائر السنية لمناقشة سبل تشكيل تحالف "عشائري" في الشرق السوري لدعم قوات سوريا الديمقراطية "قسد" ذات الغالبية الكردية.
وفي مواجهة هذه الترتيبات توفر موسكو الدعم الجوي لعمليات الحرس الثوري الإيراني وقوات النظام والميليشيات الداعمة لها لبسط سيطرتهم على الميادين شرق دير الزور، وذلك في أعقاب قطع الطريق الواصل إليها عبر مدينة البوكمال، وتستمد الميادين أهميتها من موقعها الإستراتيجي في ريف دير الزور الشرقي، باعتبارها الرابطة بين ضفتي نهر الفرات، كما يقطعها الطريق المؤدي إلى حقول النفط الكبرى في دير الزور، كالعمر والتنك والتيم.
كما تعمد موسكو إلى تعزيز تواجد "حزب الله" في البادية التي تربط سوريا بالعراق، بالإضافة إلى حركة "النجباء" العراقية لتأمين مواقع النفط والغاز في تلك المناطق الإستراتيجية، حيث تدير كل من إيران و"حزب الله" وجيش النظام العمليات في دير الزور من غرفة مشتركة هناك.
محمد كناص
الشبكة السورية لحقوق الإنسان
الجزيرة نت
الشرق الأوسط
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة