..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


اضاءات

فيتبعون أحسنه

معن عبد القادر

١٥ يونيو ٢٠١٧ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2789

فيتبعون أحسنه
620166134831.jpg

شـــــارك المادة

"بهيمة"، "خبيث"، "نجس"، "كلب عاوي"، "أضل من حمار أهله" ...
ألفاظ ترد على ألسنة بعض طلبة العلم في وصف من صدر عنه بدعة أو مخالفة أو قول منكر، وإذا نصحتهم بالبعد عن الفحش في الألفاظ احتجوا عليك بأنها وردت على لسان أئمة السلف، وذهبوا يؤصلون للشدة على أهل البدع، وأن هذا من الغيرة على الدين.

وإني لا أشك في غيرة أكثر هؤلاء على الدين، وأرجو أن تتسع صدورهم لهذه الكلمات الناصحات:
1- أقوال العلماء نور يستضاء به، ولكن ليست كل كلمة منهم سنة تتبع، ولا هدياً يقتفى، إلا ما وافق هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فخير الهدي هديه، وهو الذي ما كان فاحشاً ولا متفحشاً، صلوات الله وسلامه عليه.
2- تقرأ في كتب أحد هؤلاء الأعلام وتراجمه المجلدات الكبيرة، فتجد فيها مواضع معدودة اشتد فيها بمثل هذه الألفاظ، فيأتي شباب اليوم – هداهم الله – ليستخرجوا من كل إمام مواطن الشدة عنده، ويجمعونها إلى بعضها، لتصبح قاموسهم الذي يرجعون إليه في وصف مخالفيهم ! فشتان بين استخدام العلماء لهذه الأوصاف وبين استخدام المعاصرين لها.
3- هذه الألفاظ وجهها العلماء -في الغالب- إلى أصحاب بدع خطيرة، وشرور مستطيرة، ممن زكمت سيرتهم السيئة الأنوف، وليس لكل مخالف.
4- هذه العبارات كانت متداولة بين أهل العلم في كتبهم ومجالسهم الخاصة، ولا يطلع عليها في الغالب إلا طبقة العلماء وطلبة العلم، وهؤلاء يفهمون العبارة في سياقها، ولم يكن الأمر مثل اليوم، يتكلم الرجل الكلمة فتبلغ الآفاق ويتلقفها الناس من كل ما هب ودب، ويعيدون بثها، فيترتب عليها من الشرور والآثام ما لا يعلم مداه إلا الله.
5- يُحتمل لبعض العلماء الكبار ما لا يحتمل لغيرهم، والأب في بيته يقول العتاب الشديد لأهل البيت مما لا يقبل من غيره، فإذا قال الإمام أحمد أو من مثله في الجلالة كلاماً، فهذا لا يعطي الحجة لصغار طلبة العلم أن يقولوه.

يقولون هذا عندنا غير جائز                 ومن أنتم حتى يكون لكم عند

6- كما أن العرف يلعب دوراً كبيراً في استساغة العبارة من عدمها، فبعض العبارات في بعض المناطق لا يرون فيها عيباً، بينما يُستحيى منها وتحمر منها الخدود في مناطق أخرى، وقد تسوغ عبارات في أوساط معينة ولا تسوغ في غيرها، وكذلك الأمر بالنسبة للأزمان، فما هو مقبول في عصر قد لا يكون مقبولاً في غيره. خذ العبارة المأثورة عن أبي بكر رضي الله عنه التي قالها لعروة بن مسعود يوم الحديبية، كانت – على قسوتها – ليست بعيدة عن كلام العرب في ذلك الزمان، قال الحافظ في الفتح: "وكانت عادة العرب الشتم بذلك لكن بلفظ الأم، فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمه"، لكن كيف هي اليوم أن تصدر عن إنسان عامي فضلاً عن طالب علم أو عالم؟
7- أضف إلى هذا أن بعد الناس عن اللغة اليوم يجعلهم يستبشعون ألفاظاً قد لا تكون بهذه الدرجة من البشاعة في اللغة، فألفاظ مثل "سفيه" أو "أحمق" أو "كذبت" (عند أهل الحجاز = أخطأت) يعدها الناس اليوم من المسبات الكبار. وكثير ممن يستخدم هذه العبارات اليوم لا يراعي هذه المتغيرات، مع أن القاعدة الشرعية أن "العادة محكّمة".
لكل هذه الاعتبارات وغيرها يبقى الأصل الذي نتمسك به ونطمئن له هو قول ربنا "وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن"، وقوله "وجادلهم بالتي هي أحسن"،
ويبقى خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا لعاناً ولا سباباً، ولأن تخطئ في الإحسان خير من أن تخطئ في الإساءة.
وإنه مما يغتم له قلب المؤمن أن تجد أهل البدع والضلال ألطفَ عبارة، وأهدأَ لهجة -مع أن أهل الحق كانوا أحق بها وأهلها- فحصل بذلك فتنة عظيمة وصد عن سبيل الله، ، وصدق الله وهو يقول لصاحب الحق المطلق "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك". 

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع