فتحي أبو الورد
تصدير المادة
المشاهدات : 6904
شـــــارك المادة
كثيرا ما سمعنا كلمة "إدمان" بالمعنى المذموم، واختفى استعمالها بالمعنى المحمود فى قاموسنا اليومى.
والإدمان فى اللغة يعنى الملازمة والمواظبة على فعل الشىء محمودا كان أو مذموما، وهو يعنى المداومة على فعل الشىء والتعلق به، وعدم الاستغناء عنه، حتى يصبح جزءا من حياة الإنسان، لا يستطيع منه فكاكا، ولا يرغب عنه إبعادا.
سمعنا عن الإدمان بمفهومه السلبي، الذى يرتبط بتضييع الأوقات، والانشغال بالتوافه من الأمور، والوقوع تحت أسر العادة والمألوف من المباح أو المحرم، مما يضعف الإرادة أو يسلبها.
سمعنا عن إدمان الخمر والكحوليات والبودرة والدخان، وسمعنا عن إدمان المشروبات المنبهة مثل القهوة والشاي، وسمعنا عن إدمان الفيس بوك حتى لا يكاد المدمن يغلقه، ويمكث عليه الساعات الطوال، وسمعنا عن مدمنى مشاهدة المباريات الرياضية بأنواعها المختلفة، ورأينا وسمعنا مدمنى الكذب من الإعلاميين الذين يغيرون وجه الحقائق، وشاهدنا مدمنى الإساءة إلى الناس.
ولكن الذى لم نألف سماعه فى قاموس الإدمان، هو الإدمان بمفهومه الإيجابى المثمر، الإدمان المستحب، مثل إدمان الذِّكر والدعاء وصلاة وصيام التطوع، وإدمان السعى فى الصالحات، والسعي إلى المساجد، والمتابعة بين العمرة والعمرة مالم يكن هناك ما هو أولى بالنفقة منها، وما أكثر ذلك اليوم.
وقد دعت السنة إلى هذا اللون من الإدمان المستحب فى حياة المسلمين.
نجد ذلك فى مثل قول النبى الأعظم صلى الله عليه وسلم فى مسند أحمد : "لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله".
وقد أخبرت أن رجلا لا يكاد لسانه يفتر عن الذكر، يتحدث فى طلب شىء، فما أن ينتهى حتى يلزم الذكر.
وبلغنى أن امرأة من المدمنات للذكر، وهى تحت تأثير المخدر فى غرفة العمليات لم يفتر لسانها عن ذكر الله.
ومن الإدمان المستحب تلاوة القرآن، وقد روى الترمذى عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأه وهو عليه شاق، فله أجران".
وقد أورد الفاكهي فى أخبار مكة بابا فى (المتابعة بين الحج والعمرة)، وروى بسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر كما تنفي النار خبث الحديد"
وكان ابن عباس ينصح أحد إخوانه بقوله: "أدمن الاختلاف إلى هذا البيت–الكعبة-، فإنك إن أدمنت الاختلاف إلى هذا البيت، لقيت الله عز وجل خفيف الظهر ".
ومن الإدمان المشروع إدمان الاختلاف إلى المساجد، وكثرة الخطى إليها، مما يرفع الدرجات ويمحو الخطايا.
وقد روى الطبراني في المعجم الكبير عن الحسن بن علي رضي الله عنه يقول: سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أدمن الاختلاف إلى المسجد أصاب أخا مستفادا في الله عز وجل، وعلما مستطرفا، وكلمة تدعوه إلى الهدى، وكلمة تصرفه عن الردى، ويترك الذنوب حياء أو خشية، ونعمة أو رحمة منتظرة" .
ومن الإدمان الذي ندبنا إليه صلاة أربع ركعات بعد صلاة المغرب، فقد كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يصلي بين المغرب والعشاء أربع ركعات، وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهن " وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: "من أدمن على أربع ركعات بعد المغرب كان كما تعقب غزوة بعد غزوة" وكان أبو نعيم الأصبهاني يذكر عن الأولياء والأصفياء، أن فلانا كان قد "أدمن الصوم". يعني صوم التطوع.
وقد كان بعضهم مدمنا للسير في الإصلاح، وتبليغ الدعوة حتى يعود إلى بيته في المساء، فيحط عليه التعب، ويجد ألما في قدميه.
وقد قيل: من أدمن على عمل، وأقام عليه، أدركه الموت عليه، وكان ذلك آخر عمله.
ونحن -في ترقب- ننتظر الشهر العظيم، شهر رمضان المبارك، نسأله تعالى أن يجعلنا من المدمنين للطاعات، الساعين في الخيرات، وأن يختم لنا على ذلك.
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
هشام خالد
خالد سعد النجار
رقية القضاة
سلمان العودة
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة