أيمن أحمد ذو الغنى
تصدير المادة
المشاهدات : 4660
شـــــارك المادة
المقدمة: تَعرَّفتُ الأستاذَ الكبيرَ عبدَ الغني العِطريَّ قبل سَنواتٍ ثلاث من وَفاتِه يرحمُه الله، ومع أن مُدَّة تعارفنا لم تكُن بالطَّويلة، لقد كانت عَلاقتي به عَميقَةً حَميمَة.. أَوثَقَ عُراها، وزادَها إِحكامًا وقوَّة، ائتلافُ قَلبَينا على حُبَّين لا يَبرحانِهما؛ حبِّ الأدَب وحبِّ الشام.
كان الأستاذُ -رحمه الله- عاشقًا للأدَب كَلِفًا به، مُتيَّمًا بالشام مُسْتَهْتَرًا بها([1])؛ حَفيًّا بتُراثها، وَفيًّا لأعلامها ورجالاتها. ومن هنا كانت صِلَتي به وأُنسي بمَجالسِه العامرَة بما تَختَزِنُه ذاكرتُه الغَنيَّةُ من أحاديثَ طَريفة، وأخبارٍ ظَريفة، وتاريخٍ حافلٍ مُمتَد، تَشُدُّ إليها المُستَمِعَ، وتَبُثُّ في نفسِه نَمَطًا خاصًّا من البَهجَة والأُنس. كيف لا وهيَ ثمارُ خبرةٍ طَويلةٍ لعَمَلٍ مُتَّصلٍ دَؤوبٍ في مَيادينِ الأدَب والصِّحافَة والفِكر والثَّقافَة؟! وعلى تقدُّمه في السنِّ كان وافرَ النشاط، سَخِيَّ العَطاء، مُتدَفِّقَ القلَم، لم يَعرفِ الوَنى إلى هِمَّتِه طَريقًا، ولا الفُتورُ إلى عَزمه سَبيلاً. أما دَماثَةُ خُلُقِه، ولُطفُ مَعشَرِه، وتَواضُعُه الحاني، فحَدِّث عنها ولا حَرَج.. ففي رُوحِه رَهافَةُ حِسِّ الأدَباء ورِقَّةُ شُعورهِم، وفي طَبعِه صَفاءُ جَوِّ الشام، وعُذوبَةُ ماء الشام، وعَبَقُ زَهر الشام. أَحبَبتُ الأستاذَ وأحبَّني، واعتَدَدتُّه والدًا واعتَدَّني وَلَدًا، وصار مَكتبُه مَهوًى لفُؤادي لا بدَّ من حَطِّ الرِّحال فيه، عندَ كلِّ زيارةٍ لدمشق. ومن وَفائه للبَلَد الذي نشأَ فيه وتَرعرَع، والذي يَجري حبُّه في قلبه أنهارًا ثرَّة، أن جعلَ من همِّه وسَدَمِه: تَخليدَ ذكر أدَبائه، والتَّعريفَ بهم وبنتاجِهِم الفِكريِّ والأدَبيِّ والثقافيِّ، ونفخَ الرُّوح فيه، من بعدِ أن اكتَسى ثوبًا فَضفاضًا من غُبار الهَجر والإعراض.
وقد تجلَّى سعيُه في هذه السَّبيل في أمرَين: 1- جمعُ نتاج أدَباء الشام ما طُبع منه وما لم يُطبَع، وإعادةُ نشرِه مُصَحَّحًا مُنقَّحًا، وبَثُّه في الآفاق من جَديد؛ ليكونَ بين أيدي النشءِ وشُداة الأدَب والفَنِّ، يَروي قُلوبَهم العَطشى إلى بَدائع القَول وروائع الفِكَر. فكان له فضلٌ كبيرٌ في إخراجِ الأعمالِ الأدبيَّة الكامِلَة لشاعر الشام شَفيق جَبْري (1400هـ / 1980م) رحمه الله تعالى. وكان يسعى حَثيثًا في إحياء نتاج شاعر الشام محمَّد البِزِم (1375هـ / 1955م) رحمه الله، وذلك بإعادَةِ نشرِ ديوانه مُحقَّقًا مُصحَّحًا، وإخراجِ كتابٍ ضَخمٍ له في اللغَة تركَهُ شاعرُنا مَخطوطًا حَبيسَ الأدراج، لم يُكَحِّل طَرْفَه بضياء الشمس. ومن الأعمال التي جرى الاتِّفاقُ بيننا على التَّعاون في نشرها:
1- جمعُ قصائدِ شاعرِ دمشقَ وغِرِّيدِها المِفَنِّ أنوَر العَطَّار (1392هـ / 1972م) رحمه الله تعالى، وإخراجُها في ديوانٍ يجمعُ بين دَفَّتَيهِ كلَّ ما جادَت به شاعِريَّتُه العَبقريَّة المحلِّقَة([2]).
2- التَّنويهُ بأعلام الشام ورِجالاتها وكُبَرائها، بالكتابةِ عنهُم والتَّرجَمةِ لهم، وإذاعَةِ أخبارِهم، ورَصدِ عَطاءاتِهم، بمِدادِ الوَفاء لهم ولما قدَّموه لأُمَّتِهم، ممَّا يَنبَغي أن يكونَ بين أيدي النَّاشئينَ وأبناء هذا العَصر؛ لما فيهِ من عِـبَرٍ تَحكي لهم مَجدَ الآباء، وتَقُصُّ عليهِم سِيَرَ أُولي الهِمَم من الأَجداد؛ ليُتَّخَذوا قُدوةً ودَليلاً. وقد أخرجَ الأستاذُ في هذه البابَة ستةَ كتبٍ قيِّمَة، تُعدُّ حَلْقَةً مُهِمَّةً من حَلَقاتِ تاريخِ بلادِ الشام في الماضي القَريبِ والبَعيد، لاقَت قَبولاً حَسنًا، ونجاحًا كبيرًا مُتوقَّعًا. وكان شَرَعَ في تَصنيفِ كتابٍ سابعٍ ليَسْلُكَه في سِلكِ كتُبِه السَّابقة، غيرَ أن مَشيئةَ الله لم تأذَن بإتمامِه، إذ قدَّر سُبحانَه بحِكمَتِه أن يَتعرَّض الأستاذُ لحادثِ سَيرٍ أَودى بحَياتِه وبكِتابِه الذي لم يَخُطَّ منه إلاَّ تَراجمَ عددٍ قليلٍ من الأعلام.. رحمهُ الله تعالى رحمةً واسعة، وتقَبَّل منه عَمَله. وكان لي تَعاونٌ معه في هذا الكتابِ لم يُؤتِ أُكُلَه المَرجُوَّ، ولله الحمدُ على كلِّ حال، فقد كنتُ عَرَضتُ عليه قائمةً بأسماءِ جَماعَةٍ من الأعلامِ الذين أرى لهم حقًّا يَستَوجِبُ الكتابةَ عنهُم والتَّأريخَ لجُهودِهِم، فاختارَ من هذهِ القائمَةِ عَددًا، عَزَمَ على أن يكونُوا مادَّةَ كتابِه الأخير؛ لأنه كان يَنوي إجراءَ عَمَلٍ جِراحِيٍّ في إحدى عَينَيه، سيُضطَرُّ بعدَه إلى أن يَدَعَ التأليفَ ويُخلدَ إلى شيءٍ من النَّقَهِ والاسْتِجمام. ومن الأعلام الذين اختارَهُم وأتَمَّ الكتابةَ عنهُم: العالم اللغويُّ أ. صلاح الدِّين الزِّعْبَلاوي، والباحِثَةُ المحقِّقَة أ. سُكَينَة الشِّهابي، والعالم اللغويُّ المربِّي أ. يوسُف الصَّيداوي، والعالم الموسوعيُّ الطَّبيب د. محمَّد هيثَم الخيَّاط. ومن الذين اختارَهُم ولم يُتمَّ الكتابةَ عنهُم: العالم الفِيزيائيُّ د. مَكِّي الحَسَني الجَزائريُّ، ورائدُ تعليمِ الفُصحى بالفِطرَة د. عبد الله الدنَّان، واللغَويُّ المربِّي أ. عاصِم بن محمَّد بَهجَة البَيطار، وشيخُ الناشِرينَ المجاهِدُ أ. زُهَير الشَّاويش، والخَبيرُ الفِيزيائيُّ المربِّي سيِّدي الوالد أ. أحمد ذوالغنى، والخَطَّاط المِفَنُّ أ. عُثمان طَه، والعالم اللغَويُّ المربِّي أ. محمَّد علي حَمْد الله، والعالم الأُصُوليُّ الفَقيه د. مُصطَفى الخَن، والعالم النَّحويُّ د. مازِن المُبارَك. وبعدُ، فقد رأيتُ أنَّ من أقلِّ الوَفاء لأُستاذِنا الكبير الرَّاحل عبد الغَني العِطريِّ -رحمه الله تعالى- صُنعَ فِهْرِسٍ يجمَعُ الأعلامَ الذين ترجَمَ لهم في كتُبِه الستَّة، يُسهِّل الطَّريقَ على مَن يَودُّ الرُّجوعَ إليها، ويختَصِرُ له الوقتَ والجُهد، فطالما اضطُرِرتُ إلى تقليبِ عَددٍ من كتُبِه للبَحثِ عن تَرجَمةٍ نَسيتُ في أيِّ كتابٍ هي من كتُبه. ولضِيق وَقتي وكَثرَةِ مَشاغِلي طَلَبتُ إلى زَوجي الفاضِلَة الأُستاذَة أُمِّ أحمدَ نَسرين بنتِ محمَّد حُسام الدِّين الخَطيب أن تَتولَّى صُنعَ مُسَوَّدةِ هذا الفِهْرِس، وقد لبَّت رَغبتي مَشكورَةً، فجزاها الله عنِّي وعن أُستاذِنا العِطريِّ والمُنتَفِعينَ بالفِهْرِسِ خيرَ الجَزاء. ثم راجَعتُ عَمَلَها مُراجَعةً دقيقَة، وأضَفتُ إليه ألقابَ الأعلامِ المتَرجَمينَ مع الإحالات إلى أسماءِ أصحابِها. اعتَمَدتُّ في الفَهْرَسَةِ على كتُبِ الأُستاذ المطبوعَةِ بدار البَشائر بدمشقَ لصاحِبها الفاضل أ. عادِل عَسَّاف حفظه الله تعالى، ما عَدا كتابَه (عَبقريَّات شاميَّة).
ودونَكُم بَيانًا بتَواريخِ الطَّبعات وأرقامِها وعدَدِ التَّراجِم فيها: 1- (عَبقَريَّاتٌ شاميَّة): ط1 بدمشقَ، 1986م. عَدَدُ التَّراجِم فيه: (11). 2- (عَبقَريَّاتٌ من بِلادِي): ط2، 1418هـ / 1998م. عَدَدُ التَّراجِم فيه: (19). 3- (عَبقَريَّاتٌ وأَعلام): ط1، 1417هـ / 1996م. عَدَدُ التَّراجِم فيه: (46). 4- (عَبقَريَّات): ط1، 1417هـ / 1997م. عَدَدُ التَّراجِم فيه: (49). 5- (أَعلامٌ ومُبدِعُون): ط1، 1420هـ / 1999م. عَدَدُ التَّراجِم فيه: (53). 6- (حَديثُ العَبقَريَّات): ط1، 1421هـ / 2000م. عَدَدُ التَّراجِم فيه: (50). فمَجموعُ الأعلام الذين تَرجَمَ لهم الأُستاذ: (228)، وبحذف المُكَرَّر (219). ولم أُُخالِف في الفَهْرَسَةِ عن النَّهْجِ المألوف([3]): - فرتَّبتُ أسماءَ الأعلام على حُروفِ المعجَم، مع إدراجِ الألقاب معَها والإحالَةِ فيها إلى أَسماءِ أصحابِها. - وأَهمَلتُ في التَّرتيبِ الألفاظَ: (ابن)، (أبو)، (أُم)، (أل) التعريف، ألف الوصل. - واعتَدَدتُّ الحرفَ المثقَّل حرفًا واحِدًا لا حَرفَين. - واعتَدَدتُّ في الهَمزَة المتوسِّطَة الحرفَ الذي تُكتَب عليه. - ورقَّمتُ أعلامَ الفِهْرِسِ تَرقيمًا مُتَسَلسِلاً، مُغفِلاً الألقابَ من الأرقام، مُمَيِّزًا لها بمُرَبَّعٍ مُزَخرَف. وإتمامًا للفائدَة ذَيَّلتُ الفِهْرِسَ بتَرجَمةٍ مُوجَزَةٍ للأُستاذ العِطريِّ، اختَصَرتُها من تَرجَمَتِه لنَفسِه في كتابِه (عَبقَريَّاتٌ وأَعلام) ص 453-475، ومن كتابه (اعتِرافاتُ شاميٍّ عَتيق)، ومن (مُعجَم المؤَلِّفينَ السُّوريِّين) لعبد القادِر عَيَّاش ص 356-357. وألحَقتُ بها صورةً له ونموذَجًا من خَطِّه، وصورًا لأغلفة كتُبِه. أسأل الله تعالى بكَرَمِه ومَنِّهِ وفَضلِه أن يتقَبَّلَ هذا الجهدَ المتواضِعَ اليَسير، وأن يجعَلَ فيه الخيرَ والبَرَكةَ، وأن يَنفَعَ بهِ وبمُعِدِّه، إنه خَيرُ مَسؤول. والحَمدُ لله الذي بنعمَتِه تتمُّ الصالحات.
========================= ([1]) أي: مُولَعًا بها. قال ابن منظور: يُقال: استُهتِرَ بأمر كذا وكذا: أي أُولِعَ به، لا يتحدَّثُ بغيره ولا يفعلُ غيرَه. (لسان العرب) (هـ ت ر). ([2]) شرَع ولدُه هاني أنور العطَّار في إخراج تراثه, وكان باكورة ما أخرجه حديثًًًا ديوانه "ظلال الأيام" في حُلَّة قَشيبة, بيدَ أنه بحاجة إلى مزيد من العناية والضبط والتصحيح! ([3]) نُشر الفِهرسُ أولاً في مجلَّة (عالم الكتب) المحكَّمة السعودية, المجلَّد الثامن والعشرين, العدد المزدوج (الخامس, والسادس), الربيعان - الجُمادَيان 1428هـ, أبريل - مايو / يونيو - يوليو 2007م, ص564 – 586. رابطة أدباء الشام
أسرة التحرير
أبو فهر الصغير
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
محمد العبدة