مسفر القحطاني
تصدير المادة
المشاهدات : 9784
شـــــارك المادة
يعيش العالم اليوم حالةً من الترقّب والتوجّس من الصعود السياسي للحركات الإسلامية ،واقترابها الشديد من تولي زمام الحكم في عدد من الدول العربية ، وصناديق الإقتراع كمنتج غربي ديمقراطي هي التي جاءت بهذا المارد بعدما أخرجته الثورات العربية من قمقمه؛ الذي عاش فيه القمع والإبعاد التعسفي،
كما مارسته بعض الدول العربية البائدة بصفاقة و جهل تخلو من الحنكة واللُعب السياسية ؛مثل مصر وتونس وليبيا ،و قريبا سوريا واليمن ،وهناك قوائم في الإنتظار يزداد وضعها سوءً بسبب بلادة التعامل الذي تمارسه الأجهزة الأمنية مع شعوبها خصوصا مع الحركات الإسلامية ،مما جعل حامي الديار و مسؤول الأمن السبب الرئيس في سقوط تلك الأنظمة العتيدة والثورة عليها .وغالبا لا يستفيد العقل الأمني من الدروس ولا يرى العِبر بوضوح ، ويُدخِل أنظمته التي اعتمدت عليه أوسع أبواب الثورة وأحيانا الإنتقام . أما اللافت المهم في مرحلة ما بعد الثورات هو الصعود الكبير للحركات الإسلامية واقترابها من سدّة الحكم , مثل فوز حزب النهضة التونسي بأكثر من 40 % من أصوات الناخبين وسيكون منصب رئيس الوزراء المقبل من نصيبهم.
كما حصد حزب العدالة والتنمية في المغرب أكثر من 80 مقعدا في البرلمان ، وهو ما جعل العاهل المغربي يعين عبد الاله بنكيران زعيم الاسلاميين رئيسا للوزراء ، وفي مصر حقق حزبا الحرية والعدالة، الوجه السياسي لحركة الأخوان المسلمين، والنور، الذراع السياسي لحركة السلفيين في البلاد، فوزا ساحقا في المرحلة الأولى من الانتخابات المصرية. و جاءت القوى الليبرالية والقومية والاشتراكية، في مواقع اقل أهمية، حيث لا تُشكِّل مجموع قواها كتلة تضاهي قوة الإسلاميين مجتمعة . أمام هذا المشهد الدرامي المتسارع والخيالي جدا قبل عام ، نقف في وسط عاصفة من المتغيرات ، وأجزم أن تفسير بعض تلك الظواهر الحالية ومن بينها الصعود الإسلامي ليس حتميا ولا يملك أحد يقنيات التحليل الواقعي للاحداث ؛لضبابية المشهد وتحولاته التي لم تنتهِ بعد ، وسأحاول المقاربة بين هذا الصعود الإسلامي و قرائتي للمشهد بوجه العام ، من خلال النقاط التالية :
أولاً : فوز الإسلاميين بالإنتخابات واقترابهم من الحكم ، لا يعني قناعات جادة لدى الناخبين بمشروع الدولة الإسلامية ، ولكن قرب عهد الثورة وانتصار الشعب، و بروز الإسلاميين كقيادة واعية لتحقيق مطالب الجمهور ,أدت بهم لتسيّد الموقف الشعبي بجدارة ،كما أن إنهزام التيارات اللادينية ذات التاريخ التحالفي مع الحكومات السابقة جعل الخيار الأوحد تقريبا لصالح الإسلاميين ، بناء على ما سبق يلحظ المتابع أن الصعود الإسلامي حالة مؤقتة وقد تنامت كردة فعل ، ولا تزال اختبارات المصداقية من جهة ، و النجاح في إدارة معاش الناس من جهة أخرى أهم محكّات النجاح الحقيقي . وهذا التأييد الشعبي والنجاح الانتخابي قد يغري الإسلاميين بالرهان الدائم على التعاطف الشعبي والمنابر الدينية دون تقديم مشاريع حقيقية و واقعية وتعددية أيضا ، تستطيع تحقيق نقلة نوعية في احتياجات الفرد والمجتمع ، كما أن مأسسة التشريعات ودعم الحريات و تحقيق العدالة يتطلب عملا دؤوبا وإعدادا متواصلا ، وإلا خسرت تلك الجماعات المعركة في أول جولاتها، وإذا حصلت الخسارة فإن العَوْد بعدها يحتاج إلى زمن طويل لإعادة ثقة الناخب بعدما تزعزعت مصداقية الشعارات ،والمجتمع شديد الحساسية أن يُستغل في عواطفه الدينية ويستغفل بالهتافات الإسلامية .
ثانياً: إن الحركات الإسلامية بتنظيماتها وهياكلها و قواعدها المنتمية ، أمام مرحلة تاريخية أخرى ومهمة بغض النظر عن دخولها المعترك السياسي، ذلك أن الحالة الراهنة تختلف جذريا عن مرحلة التأسيس الأولى للجماعة ، فالانفتاح المعرفي وتعدد التوجهات والأطروحات الفكرية والدعوية قد غيّر رمزية الفكرة الواحدة و البيان المُلزِم ، كما أن الحريات السياسية والإعلامية قد فتحت الباب للمنازلة، والمنافسة المحمومة على الصدارة ؛ مما يتطلب سرعة قد لا تتواكب مع بطء التأصيل والتنظير الشرعي لنوازلها،و لا يمنح فرصةً كافية لإقناع الحركة بها ، أو موافقة القواعد على العمل بها، كل هذه الإحتمالات ساهمت في خلق عملين متوازيين في خطين متغايرين أحيانا ، وأقصد خيار الحزب السياسي المنفتح في مقابل الحركة الإسلامية برمزيتها الجماهيرية وانغلاقها على اتباعها المنتظمين، وهذا التكتيك صالح لفترة معينة ولكن من وجهة نظري انه قد لا يستمر في المستقبل ، لأن إيقاع الحزب أكثر سرعة وأداؤه يتطلب مرونة وحرية ، ونجاحه سيخطف الأضواء للسير نحوه ، و أدبياته المنفتحة سوف تشكّل أجيالا جديده هي أكثر رغبة في الإنتماء له وأبعد عن الضوابط والقيود التنظيمية، وحزب العدالة والتنمية التركي أقرب مثال على ذلك ،ولا ننسى أن أعمار الجماعات والدول لا يختلف عن أعمار الأفراد ،كما قرر ابن خلدون في مقدمته ،فبلوغ أي جماعة سنا متقدمة ؛يجعل من قدرتها على إحداث التغيير والنهوض بطيئةً ومثقلةً بأحمالٍ من الموازنات والاعتبارات التنظيمية ، وهذا مع مافيه من مخالفة لإيقاع العصر السريع و تحولاته المتجددة ، قد يصيب الأتباع بالتذمر من أي أنتظار ، أو مرجعية لا تحمل صفات النجاح الميداني والقيادة الواعية باحتياجات الفرد والمجتمع ، فالنجاح الظرفي للجماعة الدينية في زمان ومكان ما ؛ لا يعني أنه الأصل عندما تتغير كل الظروف المحيطة . هذه الرؤى تضع بين عيني نتيجة مفادها أن عصرنا يقتضي موت الجماعات والتنظيمات التقليدية ، و يتطلب بعثٍ جديد للتيارات الجماهيرية ، فتنقاد هذه التيارات لمصالح الشعوب و تتوافق على مطالبهم و تحترم انتمائهم الديني العام و تنتصر لدولة القانون والمؤسسات؛ كخيار جامع لأطياف متنوعة من الناس.ودخولها حينئذ في العمل السياسي لا يشترط في عضويته شروط الإصطفاء للجماعة الدعوية لأن التيار أكثر سعة ومرونة في العمل والإستيعاب من خصوصية الجماعة ومهام الإنتماء لها . وهذا الإنتقال من التنظيم للتيار مرّ على كثير من الجماعات السرية الإشتراكية المعاصرة تحولت حينها إلى تيار مجتمعي وتأطرت بعد مرحلة متأخرة ضمن أحزاب سياسية، قد لا تمت بصلة مع النشأة الأولى ، والحركة الإسلامية في شأنها التربوي والدعوي و الإصلاحي هو نتاج لمجتمع إسلامي ،ونبض لدوره الديني ، والإطار التنظيمي اليوم قد يكون حجابا عن تحقيق هذا الدور الريادي .
ثالثاً: إن أطروحة موت الجماعات الإسلامية قد لا تستهوي أجيال التأسيس الذي بنوا التنظيم حجرا حجرا ، وضحّوا بالغالي والنفيس أمام كل محاولات الإفناء ، وهذا قد يُفهم في أطاره النفسي والعاطفي ،أما في إطار التوقع والنظر المستقبلي القريب فإن على الجيل المؤسس أن يفكر أولا في مصلحة المجتمع والوطن، ويمدّ نظره نحو مآلات التحولات الراهنة ، لأن الإنفتاح المعاصر بكل أدواته النافذة يُذوّب حواجز الأطر التنظيمية ،وشباب الحركة الذي عاشوا نجاح الثورة عرفوا أن مبادراتهم خارج التنظيم كانت أنجح في قيادة الحركة والمجتمع نحو التغيير مما لو انتظروا وترقبوا وتوقعوا أسوء الاحتمالات كما هي نظرة التخوّف لدى أي قيادة حركية ، والجماعة الإسلامية في مجتمع مسلم تسوده الحريات والحقوق يجعل هناك أزدواجية في الهوية الدينية التي كانت مبرّرة في عهد القمع والاستبداد وحرب الدين ،ولكنها غير مبررة في واقع الدولة التي أصبحت قاب قوسين من الحكم الإسلامي ، والخوف على التاريخ المنجز للحركة لا يعني تشويهه بالصمود غير المبرر على المواقف ، بل هو من الحكمة التي تعي ضرورة التغيير عندما يحين وقته و تتهيأ ظروفه .
إن مستقبل الجماعات الإسلامية في مرحلة ما بعد الثورة مرهون بمدى مواكبتهم لطبيعة الدولة المدنية المعاصرة ، ومدى استعدادهم للتخلي عن زعامتهم الدينية إلى مؤسسات تنموية ومجتمعية ، كما أن هذه المرحلة لا تقبل التجزئة في الحلول ؛فالديمقراطية والحريات التي يدعو لها حزب الحركة ينبغي ان تكون هي أدبياته التي يؤمن بها في السر والعلن، والتعددية في إطار ثوابت الدين والوطن لا ينبغي أن يُقصى منها المنافس الحزبي و عدم قبول الآخر أيا كان .هذه الفكرة تبقى وجهة نظر ورؤية خاصة في واقع شديد الضبابية ربما تنجح في إشعال شمعة للمراجعة وإعادة النظر ،فبوصلة الإتجاه قد تضل في أجواء المنافسة والصعود للسيادة .
المصدر : الوعي الحضاري
وائل مرزا
جوزيف الحموي
محمد نعيم الساعي
موقع المسلم
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة