محمد الأمين
تصدير المادة
المشاهدات : 4708
شـــــارك المادة
أعجبني قول أحدهم: بدل أن تشتم الشعب لتبرر للذين لم ينتفضوا ضد بشار، الأفضل أن تفسر لماذا لم ينتفضوا؟ فأهم سبب لفشل الثورة السورية هو فقدها للحاضنة الشعبية التي كانت سبب نجاحها الأولي، يليها الفوضوية العارمة التي سارت عليها الثورة سواء بشقها العسكري أم السياسي فضلا عن المدني. وفقدان الحاضنة يرجع إلى سببين أساسيين أولهما تصدر الجهاديون المناهجة بفكرهم التكفيري الغالي البعيد عن فكر الشعب السوري، وثانيهما تصدير الزعران والنصابين ليتصدروا زعامة الثورة السورية. أي ثورة ناجحة بجهود ذاتية دون دعم خارجي غير محدود، يجب أن يتزعمها إما نخبة مثقفة واعية تدير الثورة بعناية فائقة مع ترشيد الإنفاق، أو يتزعمها أشخاص لهم شعبية بين الناس بحيث هم قادرون على تحريك كل فئات الشعب بحيث يتضاءل أثر الفوضوية أمام العدد والتصميم. للأسف تم طرد هذين الفئتين عن قصد وعن عمد من قبل الداعمين. فالوطني صاحب الفكر الصحيح والثقافة العالية، والرجل الذي يستطيع التأثير بالشارع، يتم إخفاءه من الإعلام وقطع أي دعم مادي عنه واستبعاده من المؤتمرات والهيئات الثورية. وقد يتجاوز هذا إلى تشويه صورته إعلاميا.
وتصرف الداعمون بذكاء حين لم يتركوا أي فراغ بعد طرد الشخصيات الوطنية فأتوا بأشخاص مجهولين للشعب فوضعوهم بما أسموه بالمعارضة السورية، ودعموهم بالمال والإعلام. فمثلا، ما قيمة الجربا عند العشائر؟ لا شيء. ما هي أخلاقه؟ سيئة. ما هي خبرته التنظيمية؟ معدومة. ولهذا بالضبط تم تصديره ودعمه. وفي المرجعيات العشائرية، معظم الشخصيات المؤثرة لم تنشق عن النظام بسبب موقف المعارضة السيء من المنشقين. فمثلا نبيل الدندل شيخ عشيرة العقيدات (سواء اتفقنا معه أم اختلفنا معه) فهو رجل يمثل عدد كبير من الناس، لكن المعارضة السياسية المصطنعة لم تقبل به. وكمثال آخر الشيخ ناصر الحريري (وهو أول نائب بمجلس الشعب ينشق ويصدر بيانا على الجزيرة) أين هو الآن؟ في حالة فقر مدقع بالأردن وبحالة إهمال كامل من المعارضة السياسية. المجتمع العشائري لا يقبل بأن يقوده إلا أشخاص من قياداته المعروفة ولن يقبل بشخص غريب يخرج من القاع فجأة. فمثلا في التشكيلات المعارضة التي ظهرت بالثورة تم اضافة ريما فليحان عن المكون الدرزي، مع أن لدى الدروز من هو أهم عندهم من ريما فليحان بكثير من بيت الاطرش تحديداً. ولا يمكن أبدا أن يقبل الدروز بشخص خارج مرجعياتهم المعروفة.
وادعاء المعارضة السياسية أن جميع المحافظات والطوائف ممثلة بها، هي اسطورة لم تعد تنطل على أحد من الشعب. ولا يمكن أن تأت بأي شخص مجهول من الشارع ليمثل منطقته وطائفته. ففي أول مؤتمر للمعارضة بأنطاليا، اعترض أحد أصحابنا على عدم تمثيل عدد من المحافظات. فأجابوه أنت من دمشق وسنعتبرك ممثلا عنها. تعجب جدا من جوابهم وقال ومن أنا؟ أنا لا أمثل بدمشق ولا حتى أولاد حارتي. إنما يجب أن يمثل دمشق من يملك تأثيرا على الناس بها، وعد أسماء فتجاهلوا ذلك. وكأن المقصد فعلا كان هو الإتيان بشخصيات مجهولة لا تملك أي تأثير على الشارع السوري. فمن من هذه الشخصيات كان معروفا لعامة الناس قبل الثورة ويملك التأثير عليهم؟ في حقل رجال الأعمال مثلا، تم إبراز بعض الأسماء حتى أخذت أكثر من اسمها، وجرى تلميعها بقوة على الفضائيات. لكن الحقيقة أنهم لا يمثلون إلا جزءاً بسيطاً من رجال الأعمال السوريين. رغم وجود رجال أعمال سوريين لها وزن دولي وهي معارضة للنظام ومؤيدة للثورة من حيث المبدأ، ومع ذلك تم استبعادها. فعلى سبيل المثال الملياردير العالمي وفيق رضا سعيد، الذي وقف بوجه عم بشار الأسد (فواز الأخرس) بالجمعية السورية البريطانية وطرده منها. لماذا خسرته المعارضة رغم أنه مؤيد بقوة للثورة السورية؟ السبب هو تصدير أشخاص من الحضيض ليكونوا رموزا بالمعارضة. ولذلك قال الملياردير أيمن أصفري عن مؤتمر القاهرة: أنا مستحيل أن أضع اسمي مع هؤلاء! هل يعقل أن أنزل لمستوى هؤلاء؟ ما حصل هو نتيجة طبيعية، لأن المعارضة التي صنعها الداعمون لم تشمل تمثيلا حقيقيا للمجتمع السوري، ولكنها اقتصرت في الغالب على الطبقات الدنيا للمجتمع، والتي لا تمون على أحد في الغالب. وهكذا فإن شرائح ضخمة من المجتمع السوري لم تنضم للثورة رغم كرهها للنظام.
وهناك شرائح كبيرة أيضا كانت نشطة ببداية الثورة، ثم تدريجيا انسحبت وفترت همتها، لما وجدت المعارضة وقد ترأسها انتهازيون أو أناس من قاع المجتمع. خاصة في شريحة المغتربين، وهي الشريحة التي تملك الكفاءات العلمية العالية، وتملك المال وهو عصب الثورات. كما أن المتمركز منها بالغرب يستطيع أن يؤثر على صانعي القرار ببلده. وقد حدث هذا فعلا ببداية الثورة وشكلوا مراكز ضغط كان لها أثر، ثم ذهبت همتهم بسبب تجاهل فصائل الثورة لهم. وهناك من كبار الصناع بحلب من كان يدعم الثوار ويقدم لهم المال، ومع ذلك تم نهب معامله من قبل الشبيحة المنتسبين للجيش الحر ومن قبل النصرة كذلك. وهذا أجبر هؤلاء على الابتعاد عن الثورة. وهناك الضباط الذين انشقوا عن النظام ولم تستفد الثورة من كفاءتهم العسكرية، إلا بحالات محدودة. فالضابط الذي يملك الكبرياء لا يمكن أن يعمل تحت إمرة مدني جاهل بالعسكرة.
وهكذا فقدت الثورة السورية شعبيتها. الشعب السوري ما يزال ناقما على النظام بل أكثر مما سبق، لكن بالنسبة للكثير فإن الفصائل التي بقيت وكذلك المعارضة السياسية التي تشكلت بدعم بعض الدول المجاورة، لا تمثله، وليس مستعدا للتضحية من أجلها. والثورة دون تأييد الحاضنة الشعبية كالسمكة خارج الماء، لا يمكن أن تستمر. والله الموفق للصواب والمعين عليه.
حسان الحموي
أنور مالك
عبد الله حاتم
مركز جسور للدراسات
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة