علي حسين باكير
تصدير المادة
المشاهدات : 4851
شـــــارك المادة
قيل الكثير خلال الأيام القليلة الماضية عن إجراءات روسية انتقامية بحق تركيا بسبب إسقاط سلاح الجو التركي الطائرة المقاتلة الروسية من طراز (أس يو-24)، وقد جانب الصواب شريحة واسعة من المعلقين عندما افترضوا أن روسيا ستتخذ إجراءات تفضي إلى مواجهة مباشرة مع تركيا.
لا بد من الاعتراف عند المقارنة الرقمية حصرا بأن روسيا تتفوق على تركيا في المساحة وعدد السكان والناتج المحلي الإجمالي والقدرات العسكرية، لكن مواجهات القرن الجديد لا تعتمد على القدرات الرقمية المحضة، وروسيا التي خاضت ربما أصعب معاركها على الإطلاق مع جمهوريات «مجهرية» مقارنة بها تعلم ذلك جيدا.
تمتلك روسيا من الناحية النظرية أوراقا يمكنها استخدامها ضد تركيا، لكن هذه الأوراق الاقتصادية والعسكرية والأمنية هي بمثابة سلاح ذي حدين يترك انعكاساته على الداخل الروسي بقدر انعكاساته على تركيا وربما أكثر، خاصة في وقت تعاني فيه موسكو من عقوبات اقتصادية مفروضة عليها ومن عزلة دولية تحاول أن تفكها بالتواصل مع الجانب الأميركي والأوروبي.
ولأن روسيا تعرف جيدا أن مواجهة اقتصادية مباشرة مع أنقرة ستضرها كثيرا وأن مواجهة عسكرية مباشرة أيضاً ستضعها في صدام مع الناتو، فقد لجأت إلى المواجهة غير المباشرة مع تركيا عبر التصعيد في سوريا، وقد اتخذت إجراءات خلال الأيام القليلة الماضية، أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها دنيئة وجبانة وتعبر عن تصرفات دولة بلطجة وتشبيح وليس عن دولة مسؤولة لها وزنها في النظام الدولي والعالم.
ما قامت وتقوم به روسيا حتى اليوم هو إجراءات انتقامية تتناسب مع سياساتها العسكرية الرعناء والهوجاء وغير المسؤولة، والتي تمثلت بقصف قوافل للمساعدات الإنسانية القادمة من تركيا إلى الداخل السوري منتهكة بذلك قرار مجلس الأمن (2139)، وبقصف المدنيين في جبل التركمان بحجة مكافحة الإرهاب دافعة حوالي 15 ألف منهم إلى النزوح بشكل مباشر، علما أن هذه المنطقة لا يوجد فيها مقاتلون لداعش.
لم تكتف موسكو بذلك بل عمدت إلى سياسات صبيانية فاقتحمت بعض أماكن سكن الطلاب الأتراك في موسكو وقامت بمضايقة وفد تركي من رجال الأعمال تمت دعوته للمشاركة في معرض روسي.
لقد حرصت موسكو مع بداية حملتها العسكرية في سوريا على أن تستعرض عضلاتها، فقامت بإطلاق صواريخ على مسافة أكثر من ألف ميل لتضرب أهدافا في سوريا دون إخطار دول المنطقة بذلك ودون التشاور معها أو إعلامها وهو ما عرض الطيران الدولي في المنطقة للخطر، كما قامت بطلعات جوية في سوريا دون تنسيق أو تعاون مع أحد في الوقت الذي تشغل فيه سماؤها طائرات العديد من الدول المشاركة في التحالف، معرضة طائرات هذه الدول وطياريها للخطر جراء إمكانية حصول تصادم غير مقصود.
كما قامت موسكو إمعانا في إظهار عنجهيتها بإجبار بعض دول المنطقة على إغلاق مجالها الجوي لعدة أيام بناء على أوامر من البحرية الروسية تم إرسالها عبر فاكس وليس حتى عبر الطرق الدبلوماسية!
هذه التصرفات لا تعكس قوة بقدر ما تعكس موقفا حرجاً في حقيقة الأمر. لا يجب على أحد أن يشك للحظة أن خيارات مواجهة موسكو في سوريا معدومة. بل على العكس، موسكو تعاني من نقاط ضعف قاتلة في سوريا، وإذا ما أصرت على التصعيد وعلى هذه السياسة الهوجاء والرعناء فستدخل نفسها بنفسها في المستنقع السوري وستخرج في النهاية مهزومة من هناك.
مسرح العمليات الروسية اليوم ليس في القوقاز أو آسيا الوسطى أو أوكرانيا أو أي من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة، مسرح العمليات العسكرية يقع في الشرق الأوسط بعيدا عن الديار الروسية وتحديدا في جوار تركيا الجنوبي.
سوريا بلد لا يوجد فيه أي مقومات حقيقة لدعم تحالف مع موسكو، فهو ذو أكثرية سنية وبعيد عن الأراضي الروسية والنظام فيه تابع لأقلية طائفية، وعدا عن ذلك لا يمتلك قوة بشرية قادرة على بسط سيطرته على الأرض أو التقدم.
التصعيد الذي تستهدف موسكو من خلاله تحصين مناطق الأسد وقصف المعارضة السورية المسلحة المدعومة من قبل تركيا وحلفاء إقليميين سيؤدي في نهاية الأمر إلى نسف مسار الحل السياسي وهذا سيؤذي موسكو أكثر من غيرها.
لن يستطيع بوتن وجيشه العرمرم فعل أي شيء طالما أن الأسد لا يمتلك القوات البشرية الكافية التي تخوله السيطرة على الأرض أو التقدم.
ولو أرادت تركيا وحلفاؤها حينها إغراق الروس في المستنقع السوري لن يلزمها أكثر من إرسال المزيد من مضادات الدروع ضد قوات الأسد الآن والمزيد من الدعم العسكري للمعارضة وهو أمر سهل نسبيا لمن يمتلك 910 كلم من الحدود المشتركة مع سوريا ولن تستطيع حينها لا روسيا ولا غير روسيا فعل شيء إزاءه.
في هكذا وضع ستكون موسكو أمام خيارين، إما إرسال قوات برية على الأرض وهذا يعني مزيدا من تكاليف الحرب المالية والبشرية والعسكرية وإما إعلان الفشل في مهمتها دعم الأسد وبالتالي التسليم بانتصار المعارضة وداعميها.
ولو عزمت موسكو حينها على تخطي كل الحدود الحمراء من خلال مواجهة مباشرة مع تركيا والدول الإقليمية، فلن يلزم أكثر من إيصال بضعة مضادات للطائرات إلى المعارضة السورية (مع إنكار رسمي لحقيقة إرسالها)، حتى نبدأ حينها برؤية تكرار مشهد هزيمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان ولكن على الأراضي السورية هذه المرة.
العرب القطرية
زهير سالم
عادل مالك
رندة تقي الدين
غازي دحمان
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة