أسرة التحرير
تصدير المادة
المشاهدات : 4618
شـــــارك المادة
شهدت الأيام الماضية تحركات سياسية ودبلوماسية حثيثة من قِبل عدد من الدول الداعمة لنظام الأسد وتلك المحسوبة على أصدقاء الشعب السوري لإعادة تعويم بشار الأسد والقبول به في المرحلة الانتقالية، وبعبارة أخرى: "التخلي عن شرط رحيل الأسد قبل البدء بأي عملية سياسية لإنهاء الحرب في سوريا"، مع الأخذ بعين الاعتبار أن رحيل الأسد لا يقصد به شخصه فقط، بل كافة رموز حكمه من أجهزة أمنية قمعية ومليشيات طائفية عابرة للحدود وكل من تلطخت أيديهم بدماء الشعب السوري. تلك التحركات سبقتها تحركات سرية لا تقل أهمية عنها على مدار شهور، لكسب أكبر حلف من الدول التي تؤيد هذا الطرح، أو على أقل تقدير لا تعارضه، وتزامن ذلك مع حملة ترويج وضخ إعلامي لتعويم هذا الطرح وجعله مقبولاً. وبعد أن اكتمل الحلف الدولي -المؤيد للأسد- انتقل الأمر للضغط على المعارضة (بشقيها العسكري والسياسي) التي تعد حجر العثرة الوحيد أمام تنفيذ هذا القرار على أرض الواقع، فبدأت تلك الدول حملة الضغط على الأطراف السياسية والعسكرية الرافضة لبقاء الأسد، بالترغيب مرة وبالترهيب مرة أخرى، وما مؤتمرات أستانة وجنيف إلا أدوات لتثبيت هذه الطرح واستنزاف جهود المعارضة لسوقها إلى هذا المستنقع في نهاية المطاف. ولعل الحدث الأبرز الذي يأتي ضمن هذا السياق هو المؤتمر الثاني الذي أزمعت الهيئة العليا للمفاوضات عقده في مدينة الرياض، المؤتمر الذي جاء بهدف توسيع أطياف المعارضة وضم أكبر شريحة من السياسيين والمثقفين والشخصيات الثورية، حسب بيان أصدرته الهيئة في السادس عشر من آب/ أغسطس الجاري، حيث أوضحت في بيانها أن الاجتماع سيضم نخبة مختارة من "القامات" الوطنية السورية ونشطاء الثورة، من أجل توسيع قاعدة التمثيل والقرار على قاعدة بيان الرياض كمرجعية أساسية للهيئة في المفاوضات من أجل عملية الانتقال السياسي. وسبق هذا البيان أنباء تفيد بأن وزير الخارجية السعودية عادل الجبير طلب من الهيئة العليا للمفاوضات إقامة مؤتمر ثانٍ للهيئة وإعادة هيكلتها بما يتماشى مع المستجدات على الأرض، الأمر الذي نفته الهيئة بشكل قاطع، موضحة أن قرار عقد الاجتماع جاء بطلب من الهيئة. بالنظر إلى الأهداف "المهمة" التي سيعقد لأجلها الاجتماع والتي أعلنتها الهيئة في بيانها، إلا أن بعض الأطراف الدولية أصرت على ما يبدو على تجيير مخرجات الاجتماع بما يتماشى مع مصالحها، فطالبت بضم منصتي "موسكو" و"القاهرة" إلى الاجتماع بوصفهما من "المعارضة"، حسب زعمها. ولا يخفى على أحد ما يخفيه هذا الطرح، إذ من المعلوم أن المنصتين سابقتي الذكر لا تتبنيان "رحيل الأسد" مطلباً رئيسياً قبل أي عملية سياسية، بل على العكس من ذلك، فقد صرح كل من قدري جميل رئيس منصة موسكو وجمال سليمان الذي يعد من أبرز قيادات منصة القاهرة، صرحا مراراً أنه لا مشكلة في بقاء الأسد في الحكم إذا كان في ذلك مصلحة لسوريا وشعبها!. مطلب إشراك منصتي القاهرة وموسكو في اجتماع المعارضة في الرياض توازى مع حملة إعلامية "غير رسمية" بعضها محسوب على المعارضة ضد الهيئة العليا للمفاوضات، مفادها أن رؤية الهيئة لم تعد تتماشى مع تطورات الأحداث الحالية، كما أنها بحاجة إلى تطوير خطابها بشكل حيوي يعبر عما يجري على أرض الواقع، فضلاً عن أن قياداتها أصبحت "مترهلة" وغير قادرة على إكمال العملية السياسية بتطوراتها الراهنة، وعلى رأس من طالتهم تلك الحملة المنسق العام للهيئة "د. رياض حجاب"، وسربت حينها معلومات عن شخصيات مرشحة للمنصب نيابة عن حجاب مثل أحمد الجربا الذي لا تنقصه الحنكة السياسية ولا العسكرية ويعد طفرة في عالم السياسة!. وبدخول منصتي القاهرة وموسكو ضمن اجتماع الرياض وتمثيلها رسمياً فيه، وبالإضافة إلى باقي مؤسسات ما يسمى "المعارضة" مثل تيار الغد برئاسة أحمد الجربا وما يسمى بـ "معارضة الداخل" كهيئة التنسيق، سيصبح تمثيل الهيئة العليا ضعيفاً إلى جانب تلك التكتلات، خصوصاً وأن الهيئة تعد الوحيدة من بين تلك الجوقة التي تتبنى مطلب "رحيل الأسد" شرطاً مسبقاً للدخول بأي عملية سياسية، وبالتالي سيصبح الصوت المطالب برحيل الأسد ضعيفاً إلى جانب تلك الأصوات، وهو ما تهدف إليه روسيا ومن يلف لفها من خلال ذلك. وبالرغم من كل تلك التحركات الدولية إلا أن موضوع رحيل الأسد لن يمر بهذه السهولة فإلى جانب الهيئة العليا للمفاوضات تقف فصائل ومؤسسات الثورة بمجملها رافضة لبقاء الأسد، حيث وقعت بمجملها على مبادئ الثورة الخمسة التي طرحها المجلس الإسلامي السوري في أيلول/ سبتمبر 2015 والتي يعد إسقاط بشار الأسد وأعوانه أول مبادئها، بالإضافة إلى تفكيك أجهزة الأمن القمعية، وخروج كافة القوى والمليشيات الأجنبية، والحفاظ على وحدة سوريا وهويتها، ورفض المحاصصة بأنواعها، حيث لقيت تلك الوثيقة ترحيبا ثوريا وشعبيا واسعين، ووقعت عليها أكثر من 60 مؤسسة ثورية وقضائية وسياسية ومنظمات مجتمع مدني، بالإضافة إلى 20 فضيلاً عسكرياً و70 شخصية ثورية وطنية. يضاف إلى القوى الثورية والسياسية والعسكرية الرافضة لبقاء الأسد الشعب السوري بأكمله، ذلك الشعب الذي ما خرج في ثورته إلا بهدف إسقاط الأسد ونظامه. وفي إزاء تلك الجهود الدولية الحثيثة لإعادة تأهيل الأسد ونظامه، فإن أقل ما تطالب به قوى الثورة هو موقف (سياسي- عسكري) موحد، وتبني واجهة سياسية موحدة، يكون العمل العسكري تبعاً لها، وورقة قوة بيدها، ليساعدها في فرض رؤيتها وعدم تمرير قرارات تخالف مبادئ الثورة تحت ذريعة تشتت المعارضة وعدم توحدها. كما أن اتخاذ أي تحرك في شقي المعارضة السياسي والعسكري بمعزل عن الآخر ودون تنسيق معه يضعف الموقف العام، وينعكس سلباً على الثورة.
المصادر:
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
محمد العبدة