مجاهد مأمون ديرانية
تصدير المادة
المشاهدات : 3019
شـــــارك المادة
أثار هذا السؤال جدلاً طويلاً في سوريا بدأ منذ عدة سنين ولمّا يَنْتَهِ إلى جواب حاسم. ولعل سبب اختلاف مناقشيه هو الالتباس الذي وقع أكثرهم فيه، فإنهم يتصورون أن إسلامية الدولة ومَدَنية الدولة خياران مختلفان لا بد من اختيار أحدهما، أي أنهما -بتعبير المَناطقة- ضدّان. والضدّان "لا يجتمعان، وقد يرتفعان"، أي أنهما قد ينعدمان فلا يوجدان أصلاً، لكنهما إنْ وُجِدا استحال وجودُهما معاً، كالبياض والسواد، فإن الشيء لا يكون أبيض وأسود في الوقت نفسه، لكنه يمكن أن يكون لا هذا ولا ذاك، فيكون أحمر أو أصفر أو غير ذلك من الألوان. وهذا غير النقيضين، فالنقيضان "لا يجتمعان ولا يرتفعان"، كالحق والباطل، فإما أن يكون الأمر حقاً أو باطلاً ولا يكون شيئاً ثالثاً بأي حال.
* * *
بدأت بهذه المقدمة لأقرر حقيقة مهمة جداً: إن إسلامية الدولة ومدنية الدولة ليستا ضدَّين (ولا هما نقيضان حتماً) لأن الدولة يمكن أن تكون "مدنية إسلامية"، فهما صفتان تجتمعان إن شئنا لهما الاجتماع. لماذا؟ لأننا عندما نتحدث عن "شكل الدولة" و"نظام الحكم" نتحدث عن أمرين مختلفين: وعاء ومحتوى. مثلاً الإسلام يحارب الخمر، لكنه لا يحارب القوارير، لأن القارورة "كيان محايد" يمكن أن نملأها خمراً أو عصيراً، أحدهما حلال والآخر حرام. وكذلك نقول: إن نظام الحكم الإسلامي أو النظام العلماني أو البعثي محتوى، أما الدولة المدنية فإنها وعاء، شكل من أشكال التنظيم وبناء الأجهزة وتحديد توصيفها الوظيفي وكيفية تشكيلها والعلاقات البينية التي تحكمها. إذن فإن مشكلة أعداء الدولة المدنية ليست في الدولة المدنية ذاتها، بل في نظام الحكم العلماني الذي يظنون -وهم واهمون- أنه نتيجة حتمية لازمة لها.
سأضرب مثالاً يوضح المسألة أكثر، نظراً لأهمية هذه النقطة التي هي جوهر الخلاف بين الفريقين: لو تقدم تاجر من التجّار إلى وزارة التجارة لتسجيل شركة فإنهم يسألونه عن نوع الشركة التي يريدها، فإن قال: أريد تسجيل شركة إسلامية، فإنهم يقولون: لا يوجد في تصنيف وتعريف الوزارة شركة بهذا الاسم. اختَرْ نوعاً معروفاً من أنواع الشركات (شركة محاصصة أو مضاربة أو شركة ذات مسؤولية محدودة) ثم اترك الاقتراض من البنوك بالربا وتجنّب الغش والاحتكار والاتّجار بالمحرمات، وأوفِ بالعقود وامنح موظفيك وعمالك ما يستحقون ولا تأكل رواتبهم ومستحقاتهم بالباطل، فإن فعلت ذلك كله صارت شركتك إسلامية، سواء أكانت شركةَ محاصصة أم مضاربة أم شركة ذات مسؤولية محدودة.
إن "الدولة المدنية" شكل من أشكال التنظيم والإدارة، إنها دولة المؤسسات والقوانين وفصل السلطات وتداولها بأسلوب منظم مقنّن، وهي بهذا الوصف لا أيديلوجيةَ لها ولا دينَ إلا ما يُضاف إليها، فيمكن أن يكون نظام الحكم إسلامياً فتصبح دولة مدنية إسلامية، أو علمانياً فتصبح دولة مدنية علمانية، أو اشتراكياً فتصبح دولة مدنية اشتراكية.
بالمقابل: يمكن تطبيق الحكم الإسلامي عبر أي شكل من أشكال الدول، فقد تكون الدولة الإسلامية مدنية (وهو أقرب وصف لشكل الدولة الراشدية، ولا سيما في العهد العُمَري) أو أوتوقراطية وراثية (كما كان الحال في الدولتين الأموية والعباسية وفي أكثر الدول الإسلامية عبر التاريخ) أو أوتوقراطية شبه وراثية (كدولتَي الأيوبيين والسلاجقة) أو ثيوقراطية (كدولتَي الموحدين والعبيديين الفاطميين)، وقد تكون أقرب إلى الدولة العسكرية (كما كانت دولة المماليك)، إلى غير ذلك من النماذج والأشكال.
إذا عرفنا ما سبق لن نضيّع الوقت في الجدال ولن نشتت قُوانا في نزاعات عبثية. لن نستمر في التنازع على شكل الدولة ونوعها ونحن نظنّ أننا نختلف على دينها وهويتها. سوف نحرص على إسلامية سوريا كما نحرص على عربيتها، فالإسلام والعربية هما هويتنا الدينية واللغوية، ولكننا سنحرص أيضاً على "مدنية" الدولة المنشودة، سنحرص على أن تكون سوريا الغد هي دولة قانون ومؤسسات، دولة تفصل بين السلطات وتكرّس تداول السلطة والرقابة على الحكام، دولة تمنع الظلم والفساد والاستبداد، لأن دولة هذه صفتها تحقق هدف الثورة وتوافق أحلام السوريين في الحرية والكرامة والاستقلال. من حساب الكاتب على تلغرام
حسان الحموي
حيان جابر
بشير البكر
عبيدة عامر
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة