..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الوصاية الروسية ومفاتيح حل الأزمة السورية

سامر إلياس

٢٧ مارس ٢٠١٧ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2867

الوصاية الروسية ومفاتيح حل الأزمة السورية
1.jpg

شـــــارك المادة

تكرس روسيا ثقلها العسكري والدبلوماسي من أجل فرض وصايتها النهائية على سوريا، وفرض رؤيتها لحل مؤقت يضمن وقف إطلاق النار، ورسم خطوط تماس بين الأطراف المحلية المتصارعة، مع ضمان مصالح الدول الإقليمية الأمنية والسياسية، وتخفيف ثقل أزمة اللاجئين على مجتمعاتها.
وبانتظار حسم الموقف الأميركي من مسألة المشاركة في عملية "محاربة الإرهاب"، والعملية السياسية في سوريا تسعى موسكو بكافة الوسائل المتاحة إلى إنجاح مساري الأستانا وجنيف من أجل إنضاج تسوية سياسية على نار هادئة.


فرصة للعب دور مؤثر
ومع انطلاق ثورات الربيع العربي نهاية 2010 بدت موسكو مرتبكة وغير قادرة على إطلاق أي مبادرة، وتعاملت حسب وصف بعض الخبراء وفق مبدأ "الدبلوماسية السياحية" المنطلقة من تأثير ثورات تونس ومصر على حركة السياح الروس. وبداهة فإن روسيا لم تكن متحمسة  للربيع العربي، ونظرت إلى الحراك على أنه مرحلة جديدة من الثورات الملونة بدعم أميركي، وكانت أشد خشيتها من انتقال الحراك إلى بلدان آسيا الوسطى نظرا للتشابه الكبير في الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية في هذه البلدان ونظيراتها العربية.
وفي ليبيا ادعى الكرملين أنه تعرض للخداع بموافقته على قرار أممي شرع لاحقا التدخل الدولي للإطاحة بحليفها معمر القذافي، لكن الصورة اختلفت مع وصول رياح التغيير إلى سوريا، ويبدو أن موسكو خشيت من فقدان آخر حلفائها منذ ستينات القرن الماضي، وخسارة آخر موطئ لها في المياه الدافئة التي تؤمنها قاعدة طرطوس. وعلى الأرجح فإن الكرملين رأى أن الفرصة سانحة من أجل إحياء طموحات روسيا الجيوسياسية العائدة إلى زمن القياصرة، ولعل الأهم هو الإعلان بوضوح أنها عادت بقوة إلى الساحة الدولية بعد غياب قسري بسبب انهيار الاتحاد السوفياتي.
"واضح أن التدخل الروسي في سوريا نجح في إنقاذ نظام الأسد من الانهيار، وربما في إعادة تأهيله بفضل فائض القوة الكبير، وقدرة الجيش الروسي التدميرية، واستغلال المناخ الدولي عقب موجات اللجوء والتفجيرات الإرهابية التي طالت القارة الأوروبية في السنتين الأخيرتين"
ويظهر رفض موسكو كل العروض العربية للبحث عن حلول للأزمة السورية منذ مطلع 2012 تضمن مصالحها في سوريا من دون الأسد أنها لا ترغب في لعب دور ثانوي، أو تقاسم الأدوار مع البلدان العربية، بل استخدام الورقة السورية حتى النهاية لخدمة أهداف جيوسياسية أكبر. وازدادت أهمية الورقة السورية بعد الأزمة الأوكرانية وضم القرم وفرض عقوبات غربية على روسيا زادت من  عزلتها، وأدت إلى تراجع عجلة اقتصادها المنهك أصلا بفعل غياب الإصلاحات الهيكلية، واعتماده المفرط على موارد الطاقة، واستشراء الفساد.
وفي نصف السنة الأخير ركزت موسكو جهودها لاستغلال كل الظروف الدولية والإقليمية لتنفيذ رؤيتها للحل، فقد جنت نتائج سياسات باراك أوباما المترددة، والشلل السياسي في فترة الانتخابات الأميركية للتفرد لإطلاق يدها تماما في سوريا من دون أي رادع. كما انتهزت فرصةالانقلاب الفاشل في تركيا، وتراجع العلاقات التركية الأميركية، وزيادة العمليات الإرهابية في تركيا كما ونوعا، وانشغال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتعديل الدستوري، والأزمة مع الغرب لإعادة التقارب والتنسيق في الأزمة السورية مع الأخذ ببعض مخاوف تركيا. وعربيا وبعد انشغال بلدان الخليج بحسم الموقف في اليمن سادت قناعة في موسكو بأنها قادرة على فرض الحلول التي تريدها في سوريا.


من الدعم إلى الوصاية الكاملة
وبعد ست سنوات على الثورة السورية تدرجت المواقف الروسية من تبني نظرة النظام للأحداث مع المطالبة بنوع من الإصلاح السياسي الشكلي، إلى إشهار حق الفيتو في مجلس الأمن مرات عدة، والتأكيد على أنها تدافع عن بنيان الدولة السورية ضمن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، ومنع لأي إسقاط للأنظمة من الخارج، واستطاعت إجهاض أي محاولة لمعاقبة نظام بشار الأسد رغم تجاوزه الخطوط الحمراء واستخدامه السلاح الكيميائي صيف 2013.
ومنذ نهاية سبتمبر/أيلول 2015 اختارت موسكو التدخل العسكري المباشر لإنقاذ النظام الآيل إلى السقوط. وبعد استخدام القوة المفرطة ومحاكاة نموذج الحرب المدمرة في الشيشان في أكثر من مدينة سوريا كانت آخرها حلب تبدو موسكو واثقة بأنها تمسك جميع خيوط اللعبة  ما يؤهلها للعب دور الوصاية على سوريا أرضا ونظاما ومعارضة لفرض دستور جديد وإجراء التغييرات الديمغرافية المناسبة لتنفيذ أجندتها. كما استغل الكرملين الظروف الدولية الناشئة لإقناع أو إجبار اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين على المشاركة في اجتراح الحلول للأزمة ضمن الرؤية الروسية.
ويكشف انتشار وحدات من القوات الروسية، ونقل جزء من مركز مصالحة حميميم إلى ريف عفرين عن جزء من تصور روسيا للحل في إحدى  أكثر المناطق حساسية في سوريا، ولا يمكن تفسيره على أنه مجرد انفتاح على الأكراد، فأغلب الظن أن الخطوة الروسية الأخيرة جاءت بالتنسيق مع الولايات المتحدة أو على الأقل برضاها، وعدم وجود معارضة تركية قوية، مع إعلام النظام في دمشق. ويدعم هذا الاعتقاد بأنه أتى بعد أيام من اجتماع مشترك لرؤساء أركان البلدان الثلاثة في أنقرة.
"استخدمت روسيا ورقة الأكراد في سوريا تكتيكيا في أثناء الأزمة مع تركيا في العام الماضي عقب إسقاط المقاتلة الروسية قرب الحدود مع سوريا، وافتتحت بداية العام الماضي ممثلية لأكراد سوريا في موسكو، ويصر الجانب الروسي على ضرورة إشراك الأكراد في مفاوضات جنيف منذ انطلاقها"
وسبق الانتشار الروسي في عفرين صفقات بين النظام وقوات سوريا الديمقراطية لتسليم الأخيرة قرى لجيش النظام قرب منبج، ونشر قوات روسية جنوب مدينة الباب بين الجيش السوري الحر المدعوم  تركيا وجيش النظام. وواضح أن هذه الخطوات الروسية تندرج في إطار رسم خطوط تماس واضحة بين القوى المتصارعة في الشمال، ومنع أي اشتباكات بينها، إضافة إلى تحديد واضح للمنطقة العازلةالتي فرضتها تركيا عمليا من جرابلس إلى مارع والباب بانتظار إتمام التفاصيل والتجهيزات لهجوم الرقة الذي بات أقرب على ما يبدو مع اقتراب اشتداد المعارك في الموصل والرغبة الدولية بالإطباق على تنظيم الدولة ومنع أفراده وقياداته من الانتقال إلى شمال شرق سوريا.
واستخدمت روسيا ورقة الأكراد في سوريا تكتيكيا في أثناء الأزمة مع تركيا في العام الماضي عقب إسقاط المقاتلة الروسية قرب الحدود مع سوريا، وافتتحت بداية العام الماضي ممثلية لأكراد سوريا في موسكو، ويصر الجانب الروسي على ضرورة إشراك الأكراد في مفاوضات جنيف منذ انطلاقها. وفي السنتين الأخيرتين كرر الروس رغبتهم في بناء سوريا فيدرالية كأفضل شكل لبناء الدولة.
وتواصل روسيا مغازلة الأكراد عبر طرح تغييرات في الدستور تلغي الطابع العربي للدولة السورية، وتشمل استخدام اللغة الكردية جنبا إلى جنب مع العربية، والأهم الشكل الفيدرالي للدولة، ومنذ أيام وأثناء زيارة وفد برلماني روسي أوروبي لمناقشة الدستور السوري الجديد تعهد الأسد بتسريع وتائر مناقشة الدستور الجديد. وقال رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما (البرلمان) الروسي ليونيد سلوتسكي إنه لا يمكن تحقيق مصالحة في سوريا دون إقامة مناطق حكم ذاتي للأقليات، وكشف أن الوفد "بحث مع الأسد إمكانية إنشاء مناطق حكم ذاتي قومية في سوريا وتعزيز حوار الحكومة في دمشق مع الأقليات القومية القاطنة في الأراضي السورية".
وقبل نحو شهر اعتبر وزير الخارجية سيرغي لافروف المسألة الكردية قضية أساسية في الحفاظ على وحدة الدولة السورية، وكشف في مقابلة مع صحيفة "إزفيستيا" أن الجانب الروسي "يبذل جهودا لتيسير التفاهم بين النظام السوري والأكراد السوريين من أجل الحفاظ على وحدة البلاد، حيث قامت روسيا بأربع جولات من الاتصالات العام الماضي لإقامة هذا الحوار. وأعرب لافروف عن ثقته بأن هناك إمكانية كبيرة للتوصل إلى اتفاقيات لوجود العديد من الأسس المشتركة في مواقف الجانبين".
وربما استطاع الجانب الروسي تحقيق اختراق مهم في علاقاته مع الأكراد، لكن المستقبل يبقى رهنا لما يمكن أن تقدمه روسيا أولا، وردة فعل النظام على الانفتاح الزائد على الأكراد، وتصرفات روسيا لتخفيف حساسية تركيا. ويجب عدم إهمال جانب مهم وهو أن الاتفاق مع "وحدات حماية الشعب" الكردية وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي لا يمثل اتفاقا مع جميع أكراد سوريا خاصة أن كثيرا من الأكراد لا يتقاسمون مع الحزب رؤيته حول مستقبل سوريا الفيدرالي، وضاقوا ذرعا بسياسات الحزب التي باتت أقرب إلى سياسات حزب البعث من تكميم الأفواه، وتكريس مناهج تعليم تناسب سياساته، وفرض "إتاوات" على كاهل الأكراد في مناطقه، وإقرار التجنيد الإجباري.
ويتركز الجهد الروسي على تعزيز مواقعه في شمال غرب سوريا، باستثناء محافظة إدلب، نظرا لأهمية المنطقة في طبيعة المعارك المقبلة. ولا يمكن فصل الانفتاح على الأكراد عن أجندة روسيا في الأراضي السورية الأخرى، وجهودها لصياغة دستور جديد، ورسم خطوط تماس بين النظام والمعارضة والقوى الأخرى الفاعلة على الأرض.
"رغم امتلاك روسيا القوة الأعلى في سوريا فإنها لن تستطيع فرض رؤيتها حول مستقبل سوريا على أطراف تملك كثيرا من القوة وأوراق الضغط ولم تقل كلمتها بعد، خاصة أن الانتقال من حالة الحرب إلى التسوية الدائمة في حاجة ماسة إلى توافقات واسعة، ورؤوس أموال لإعادة الإعمار "
وفي محاولة لاستكمال تحديد مناطق "سوريا المفيدة" كسيناريو بديل لها يضمن استثماراتها ومصالحها في سوريا، تواصل موسكو ضرب المعارضة المسلحة، ودعم النظام بالعتاد والخبراء والأفراد، وتساعد في حملات التهجير القسري لسكان المناطق الثائرة بعد وضعهم أمام خيار الاستسلام والتهجير أو تدمير البيوت والأحياء فوق رؤوسهم تحت اسم المصالحات. وتضطر المعارضة للقبول بدور روسيا في الوساطة رغم أن الوقائع تثبت انحيازها الكامل للنظام، وعدم وفائها بالوعود المقطوعة بضمان عدم اعتقال المطلوبين، وهو ما تكرر أخيرا في حي الوعر بتهجير أكثر من عشرين ألف سوري من آخر معاقل المعارضة في حمص.
ولا تقتصر حملات التهجير على مناطق بذاتها في سوريا ويتم بعضها بصمت أو تواطؤ روسي مثل ما تقوم به إيران وميليشياتها اللبنانية والأفغانية في الزبداني ومضايا ومحيط دمشق في القصير بريف حمص.


حدود الدور الروسي
واضح أن التدخل الروسي في سوريا نجح في إنقاذ نظام الأسد من الانهيار، وربما في إعادة تأهيله بفضل فائض القوة الكبير، وقدرة الجيش الروسي التدميرية، واستغلال المناخ الدولي عقب موجات اللجوء والتفجيرات الإرهابية التي طالت القارة الأوروبية في السنتين الأخيرتين. واستطاعت روسيا بناء علاقات متينة مع أطراف محلية وإقليمية تحمل وجهات نظر وأجندة مختلفة تصل إلى حد التضارب حول رؤية مستقبل سوريا، ويبقى السؤال حول قدرة روسيا على الاستمرار في هذه اللعبة إلى النهاية وبلوغ أهدافها في سوريا، وعن حجم التنازلات التي يمكن أن تقدمها إلى طرف من دون إثارة غضب الأطراف الأخرى.
ومما لا شك فيه أن روسيا استفادت من التجارب الأميركية في العراق، لكنها تكرر أخطاء كثيرة من باب التقاسم الطائفي والعرقي للبلاد، وصوغ دستور يجعلها أقرب إلى دولة احتلال منها إلى وسيط. وفي روسيا هناك مثل بأن "من يملك المال يحجز الموسيقى في المطعم".
ورغم امتلاك روسيا القوة الأعلى في سوريا فإنها لن تستطيع فرض رؤيتها حول مستقبل سوريا على أطراف تملك كثيرا من القوة وأوراق الضغط ولم تقل كلمتها بعد، خاصة أن الانتقال من حالة الحرب إلى التسوية الدائمة في حاجة ماسة إلى توافقات واسعة، ورؤوس أموال لإعادة إعمار بلد خسر نحو 90% من اقتصاده، وليس فقط رسم خطوط تماس بين أطراف قد تجتازها في حال تغير موازين القوى على الأرض.
فهل تستطيع روسيا مواصلة فرض وصايتها في ظل مناخ محلي وإقليمي ودولي أشبه بحقل ألغام، فهل تستطيع روسيا قطف الشهد السوري أم أنها تفتح عش دبابير سوف يجبرها على الانسحاب لإنقاذ ذاتها من الغرق في مستنقع أشد مرارة وصعوبة من المستنقع الأفغاني.

 

 

الجزيرة نت

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع