لقمان الحكيم
تصدير المادة
المشاهدات : 5513
شـــــارك المادة
لكي نشرح معنى انهيار الليرة يجب أن نوضح ماذا تعني قيمة العملة. إن قيمة العملة ليس لها علاقة بقوة الاقتصاد، فالليرة السورية قبل الأزمة كانت تساوي 2 ين ياباني، ولكن هذه ليس معناه أن الاقتصاد السوري هو أقوى من الاقتصاد الياباني بمرتين.
تنقسم دول العالم إلى ثلاث مجموعات: 1- الدول المصدرة للسلع: وهي ترغب عادة في إبقاء قيمة عملتها منخفضة، فالصين –مثلاً- واجهت عدة ضغوط أمريكية لترفع قيمة عملتها ولكنها رفضت، فإذا أنتجت الصين سلعة وباعتها لأمريكا بسعر 100 يوان، فإن ذلك معناه أن قيمة السلعة في أمريكا تساوي 60 دولار حسب سعر الصرف الحالي، أما إذا ارتفعت قيمة اليوان الصيني إلى الضعف، فإن نفس السلعة ستساوي 120 دولار، وبالتالي فلن يشتريها الأمريكي. نقطة أخرى: الصين تدفع رواتب الصينيين باليوان، فإذا كان راتب الصيني 1000 يوان حالياً، أي 600 دولار، فإن ارتفاع قيمة اليوان إلى الضعف يعني أن راتب الصيني سيصبح 1200 دولار. ألمانيا مثال أخر على دول هذه المجموعة، ألمانيا كانت حتى السنة الماضية أكبر دولة مصدرة في العالم بحوالي تريليون دولار. ارتفاع قيمة اليورو أدت إلى ارتفاع قيمة الصادرات الألمانية، فسيارة المارسيدس كانت تباع مثلاً في السعودية بمائتي ألف ريال، ولكن سعرها ارتفع إلى ربع مليون ريال بسبب ارتفاع قيمة اليورو، وأدى هذا إلى تراجع ألمانيا إلى المركز الثاني، واحتلت الصين المرتبة الأولى. 2- الدول المستوردة للسلع: وهي ترغب عادة بإبقاء قيمة عملتها مرتفعة، مثل دول الخليج، فعندما تستورد السعودية سيارة من اليابان مثلاً، وتدفع قيمتها بالريال أو الدولار (علما بأن الريال مرتبط بالدولار صعوداً وهبوطاً، حيث أن الدولار يساوي 3.75)، فإذا فرضنا أن سعر السيارة هو 10 ألاف دولار أو 5.37 ألف ريال، فلو زادت قوة الريال أو الدولار إلى الضعف مقابل الين، فإن السعودية ستدفع 5 ألف دولار أو 19 ألف ريال ثمن للسيارة، وهذا معناه انخفاض سعر السيارة في السوق المحلي. 3- الدول ذات الاقتصاد الداخلي: وهي الدول التي لا تصدر ولا تستورد، أي أن أنها تأكل مما تزرع مثلاً، وهي دول كثيرة في العالم ومعظمها دول فقيرة، فاليمن –مثلاً- لا يتضرر كثيراً بانخفاض قيمة عملته لأن اقتصاده داخلي، وحتى أن جزء من الاقتصاد اليمني قائم على تبادل البضائع، فلا يتأثر كثيراً بسعر الريال اليمني. والاقتصاد العراقي في فترة الحصار الدولي (حوالي عشر سنوات) كان اقتصاداً داخلياً، فالفلاح يزرع، ثم يحصد، ويقدم جزء من محصوله مقابل التعليم، وجزء آخر مقابل النقل، وجزء ثالث مقابل العلاج، والنتيجة أن قيمة الدينار (الذي انهار) ليست لها أهمية في عملية تبادل البضائع والخدمات. اتجاه الحكومة السوري الحالي هو أن تتحول إلى النوع الثالث، وهناك دعوات كثيرة لتحول سورية إلى بلد يأكل ما يزرع ويلبس ما ينتج، الباطن في هذه الدعوة معرفة الحكومة أن الليرة السورية ستنهار، وبالتالي فإذا استمرت الدولة في الاعتماد على الاستيراد فستوجه كوارث تسرع في انهيار النظام. أما تحول الدولة إلى اقتصاد داخلي فسيبطئ من انهيار النظام وسيعود بالدولة إلى ثمانيات القرن الماضي. المستفيدون من انهيار الليرة السورية: 1- كل من لديهم أملاك Commodities حقيقية: مثل: الذهب والفضة والأراضي والعقارات والسيارات، هؤلاء سيحتفظون بقيمة أملاكهم مهما انهارت الليرة، فالعقار الذي يساوي مليون ليرة، سيصبح ثمنه مليونان إذا انخفضت قيمة الليرة إلى النصف. 2- كل من لديهم أملاك Commodities يلجأ الناس إليها تقليدياً عند الفزع، فالناس عندما تخشى من نزول قيمة العملة تلجأ تقليدياً إلى شراء الذهب مثلاً، وهكذا يرتفع سعر الذهب عالمياً عند الأزمات. وتزداد أرباح هذه الفئة إذا كانت هذه الأملاك خاصة بالداخل، فالذهب -مثلاً- ممكن أن يرتفع سعره في سورية عن سعره خارجها، ولكنه سيعود ويتوازن، أما من يمتلك عقاراً، فإنه يطلب فيه أي ثمن يرغب فيه، وسيجد من يدفع لكي يحتفظ بقيمة ما لديه من سيولة، وتزداد أرباح هذه الفئة أكثر إذا كان لديهم سلع حياتية، مثل: الأغذية الأساسية، فهذه السلع سيرتفع سعرها عدة أضعاف، وتختلف عن الذهب بأن سعرها يمكن أن يختلف بأي مقدار عن خارج سورية، كما أن استيرادها صعب، وبالتالي فكميتها محدودة، وهذه ميزة لها عن العقار. ولهذا فإن أكثر من ازداد ثراء في العراق عند الحصار وانهيار العملة هم تجار الماشية. 3- البنوك والجهات التي تودع الأموال: إذا أودعت مليون ليرة في البنك قبل الأزمة، فإن البنك وهو أكثر الفئات وعياً للمخاطر، قد قام بتحويلها إلى دولار أو عملة أخرى، وبعد سنة من الأزمة سيعيد لك البنك مليون ليرة ولكنها تساوي في الحقيقة مائة ألف. ومن أبرز الأمور التي حصلت في سورية في منتصف الأزمة هي أن الناس قاموا بسحب مبالغ هائلة من البنوك بسبب خوفهم من إغلاق البنوك المؤقت أو الدائم، مثل: البنك السعودي الفرنسي، وقام بعضهم بالاحتفاظ بها على شكل ليرات، وحاولت الدولة إطلاق حملات لإيقاف سحب العملة من البنوك ولكنها فشلت، فلجأت إلى حل هو تسليط جهات من الأمن أو العصابات لتفتيش البيوت وسرقة الأموال، وهذا أدى إلى إعادة إيداع بعض الناس للأموال في البنوك. وإذا عرفنا أن معظم البنوك مملوكة لرجال أعمال أو لمسؤولين، فإن هذا يمكن تفسيره بأن الرغبة في الاحتفاظ بالمال معرفة هذه الجهات أن العملة ستنهار، وأنهم سيعيدون الأموال للناس بعد أن تقل قيمتها كثيراً، وهذا يحقق لهم مكاسب هائلة.
الخاسرون: 1- كل من يحتفظون بالليرة السورية، سواء بسبب الخوف من المغامرة، أو بسبب الدوافع الوطنية النبيلة أو غير النبيلة، سيتفاجأ من يمتلك مليون ليرة بأن قيمتها ستصبح مائة ألف في خلال شهور قليلة. 2- لا تشتري أي منتج مثل العقار من الدولة، مثل بيوت الشباب مثلاً، لأنك تغامر بخسارة ما تدفع إذا تغير النظام. 3- الجهات المقرضة: كل جهة قامت بإقراض مبلغ مثل البنوك الخاصة والحكومية وبائعي الجملة وبائعي التقسيط هم من المتضررين، فهم سيستردون أموالهم بعد أن تقل قيمتها كثيراً. 4- كل من لديهم أملاك Commodities وهمية، مثل الأسهم، فالسهم الذي قيمته ألف ليرة، سيساوي مائة ليرة فعلياً إذا انخفضت قيمة الليرة إلى العشر، وفي نفس الوقت ستنخفض قيمته بسبب الأزمة وفقدان الثقة في الاقتصاد إلى العشر أيضاً، وهكذا فإن السهم الذي قيمته ألف ليرة سيساوي فعلاً عشر ليرات. إذا كانت لديك أسهم خاصة في شركات مملوكة لجهات تواجه مخاطر أو شركات معرضة للانهيار إذا انهار النظام (مثل سيرياتل) تخلص منها فوراً. ماذا تفعل: (ليس الهدف من هذه النصائح توجيه الرأي العام، هي مجرد نصائح اقتصادية): 1- لا تحتفظ بأي مبلغ بالليرة السورية، اشتري عملة أخرى أو ذهب أو عقار. 2- لا تودع مالاً في البنك، فعندما تسترده ستنقص قيمته، حاول أن تجد مكاناً تودع فيه مالك. 3- لا تقبل شيك من أحد، ولا تبع بالتقسيط، فقيمة الليرة تقل، وبالتالي سيرجع لك مالك ناقصاً. 4- حاول أن تؤجل الدفع للبنوك أو الدولة، فكلما نزلت الليرة كلما قل مقدار ما تدفعه. 5- انهيار الليرة لا علاقة له بالاقتصاد بعد فترة، فيمكن تغيير العملة (كما تم تغيير العلم)، أو إعادة رفع قيمة العملة (كما فعلت تركيا). 6- توقف عن دفع اشتراكات غرف التجارة أو النقابات، لأن هذه الأنظمة معرضة للتغيير أو ضياع المعلومات.
أسرة التحرير
مجاهد مأمون ديرانية
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
محمد العبدة