..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

على أطلال الآستانة

أيمن هاروش

١٤ يناير ٢٠١٧ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3676

على أطلال الآستانة
5770f386c46188d70e8b45b0.jpg

شـــــارك المادة

شهدت أنقرة خلال الأيام الماضية اجتماعاً موسعاً لقوى الثورة السورية بمختلف أطيافها من العسكرية والسياسية وشخصيات علمية وناشطين ثوريين، ودارت النقاشات حول موضوع الهدنة والذهاب إلى الآستانة.
وكالعادة في سوق الأخبار وعالم الفضاء يتم تشويه الحقيقة أو توجيهها توجيهاً خاطئاً للوصول للمراد.

ولعل في هذا المقال إضاءات حقيقية حول المؤتمر بمضمونه ومآلاته، وقبل البدء أريد أن أبين أن هذا أول مؤتمر أحضره أو أسمع به يكون ممثلا حقيقا لأهل الثورة، فكل من حضره هم من أهلها وممن قدم لها وعاش مراحلها وآلامها، وله بصمته فيها، مع اختلاف مجال عطاء كل واحد، وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا في مكان عمل بعض من حضر لكنه يمثل شريحة من الثورة، فليس كالمؤتمرات السابقة يدعى لها من لا ناقة له في الثورة ولا جمل، ولربما هو أقرب إلى النظام إن لم يكن منه، كهيئة التنسيق أو معارضة القاهرة أو معارضة الداخل ونحو هذا، وهذا دليل قوي على أن الجهة الداعية والراعية تدرك تماما من هم أهل الثورة، وهي صادقة في مناقشة أحوالها.
وكان الحديث والطرح شفافاً وصريحاً وبكل أريحية سواء من قبل الأتراك أو الحاضرين، وتنوع الطرح بين المؤيد والمعارض والمتوقف، وأبدى كلٌ رأيه بجرأة وصراحة مما يجعل المنصف يعترف للحاضرين ولا سيما الفصائل بجرأتها وحريتها وعدم انقيادها الأعمى - الذي يسعى أعداء الثورة سواء من صفوف النظام أو من المنخرطين في الثورة- إلى إلصاقه بالفصائل.
وكذلك رحابة صدر الأتراك وتقبلهم لنقد واعتراض من يعترض والذي وصل في بعض الخطابات إلى لغة خارجة عن سياق الدبلوماسية والعرف العام، واحترام الأتراك لذلك ومناقشته بوضوح وصراحة أيضا خرجت عن حد الدبلوماسية في بعض الأحيان مما يشعر بحرصهم واهتمامهم للقضية، ولعل البعض يجد ضالته في عبارتي الأخيرة ليؤكد فرية وأباطيل القائلين إن الجانب التركي هدد وشنع وأرغم، وما عنيته هو أنه دخل في جزئيات حرجة وتفاصيل لا يناسب طرحها في هذه الأجواء ليوصل وجهة نظره ويضع الفريق المخالف له على الصورة الكاملة.
وأما جوهر الموضوع وهو الآستانة فهي نازلة تتختلف وجهات النظر في تقييمها، وهذا شأن كل النوازل ولا سيما ما يتعلق بالأمور السياسية، وعند تقليب الأمور ترى أن كل فريق محق فيما نظر له، وما دفعه له إلا حرصه على الثورة وطمعه في تحقيق أفضل المكاسب لها، وهذا أمر يفرض على المرء أن يحترم وجهة نظر الآخر، وأن يحذف من قاموسه عبارات التخوين والجهل وما تولد منهما.
فمن ناحية لو نظرنا إلى الآستانة على أنها جاءت في ظروف ثورية هي الأسوأ في عمر الثوة، فجبهات كثيرة خسرناه وآخرها وأكبرها حلب، والقصف مستمر على مناطق ريف دمشق وغيرها من قبل النظام وميليشياته، وغضب شعبي عارم نتيجة ما سبق عبروا عنها بمظاهرات ألقت اللوم والعتب على القادة مما زاد في إحراجهم تجاه أي خطوة لا تبدو ناجحة ومثمرة يقيناً، وتزامن هذا مع فرقة فصائلية وفشل لمشاريع وحدة وتقارب، أضف إلى ذلك منابر المزاوات التي لا تفتأ تتهم الفصائل ومن خالفها من الناشطين بالتبعية لتركيا وغيرها، وأنها أسيرة الدعم - مع أنها تقاسمها إياه- مما يحمل الجنود على التصديق وترك فصائلهم، وأهم من كل ما سبق أننا لا نملك ورقة ضاغطة على النظام في مفاوضاتنا، بل فشل الأمر في جنيف وكانت بأيدينا أوراق ضغط وكان حاله أسوأ من الآن، فكيف ستنجح اليوم، وهو يقول أكبر ما يمكن أن أقدمه لكم هو العفو، والضامن له أي روسيا عدو وقاتل لنا أيضاً،  إن ما سبق يحتم علينا أن نقول وبقوة: لا للأستانة.
لكن من ناحية أخرى إن الآستانة جولة سياسية مهمة، ومن ثمراتها أن الفصائل استطاعت أن تكسب اعتراف روسيا بها على أنها قوة موجودة ولا يمكن حل القضية السورية بدونها، فلنتذكر أول دخولها كيف قالت بكل عنجهية لا يوجد في سوريا جيش حر، وما فتئت تصف الفصائل بالمجموعات الإرهابية، وهي اليوم تجلس معها وتفاوضها فهذا اعتراف قوي بدورها.
بل الفصائل حصلت على اعتراف أممي فوثيقة الهدنة التي وقعت بين الفصائل وروسيا صدقها مجلس الأمن، مما يعني أنه اعترف بشرعية هذه الفصائل في المقاومة ولا يمكنه بعد الآن أن يصفها بالإرهاب، وهذا تقدم سياسي مهم.
ولا ننسى الشرخ الذي حصل بين روسيا من جهة وبين النظام وإيران والميليشيات من جهة أخرى، فالكل يعلم أن روسيا طردت الميليشيات من حلب ونشرت قواتها فيها، وهل تساءلنا لماذا لم يأت بشار إلى الآن ليلقي خطاب النصر فيها، وهو الذي فعله في بابا عمر وداريا وفي كل بقعة، فكيف وهذه حلب ليست كغيرها.
ونرى السعي الحثيث من إيران والنظام لإفشال الآستانة وإثبات خطأ وجهة روسيا مع تركيا ليعيدوا روسيا إلى خطهم، فإن لم تأت الآستانة إلا بزرع الخلاف والشرخ بين روسيا وإيران والنظام فهي كافية.
ثم لا ننكر وجود مصلحة لتركيا في هذا لتثبت لروسيا وللعالم أهميتها الإقليمية والعالمية، في ظل مؤامرة كبيرة وخطيرة عليها فشلت في الانقلاب العسكري وهي تعود من جديد في انقلاب اقتصادي نرجو من الله فشله، فمن الوفاء أن نحقق لتركيا هذا المكسب وهي التي بذلت خلال ست سنوات ما لم تبذله دولة قط، حتى في معركة حلب التي تعمدت ذكرها لنسف أباطيل من يدعي أن حلب سقطت باتفاق تركي مقابل الباب، ولا يقول هذا من عاش أحداث حلب وتمتع بالصدق والإنصاف، ومن تأمل هذه الثمرات لا يمكنه التفريط بها ولو تيقن الفشل، بل هو متيفن،  فلم لا نمرره ونربح ما سبق فهو خير من رفضه وحملنا لتبعات رفضه.
ومن حار في الأمرين توقف وما أجاب.
وقبل أن أقول رأيي لا بد أن أعود وأقرر أن المسألة حمالة أوجه وأن كل وجهة نظر محقة، وكل واحد دفعه لرأيه حرصه وغيرته على الساحة، فمن الظلم والحماقة والسوء أن يوصف أحدهما بالخيانة أو قصور النظر أو التبعية، اللهم إلا إن كان المتكلم من مجاهيل النت وبالوناته الفكرية، فهؤلاء خبرنا حالهم وعرفنا موردهم ومصدرهم، فالقافلة تسير ولن تلتفت إليهم.
وما أراه وأحترم من يخالفني أن المعارك السياسية هي صنو المعارك القتالية، وأن ميدان السياسة لا يقل أهمية عن ميدان السيوف، والعاقل من حمى وذاد عن حياضه بسيفه، ومن حمى وذاد عن مكاسب سيفه بسياسته، وقلت وأكرر: سلاح المجاهد وطاولة السياسي توأمان، وهما مجدافان لقارب الثورة والجهاد، ومن يرى أن السفينة تسير بأحدهما فسيبقى دهره بين الأمواج وهو إلى الغرق أقرب؟
وأرى أن ذهابنا للأستانة لا يعني توقف القتال بل نشعل الجبهات ما دام النظام يقصف، وإذا كان القتال الآن متوقفا فهو لعجز فينا أو تقصير منا يستوي فيه الموافق والمعترض، وليس بطلب دولة أو جهة ما لذلك، فلا نعلق عيوبنا على شماعات غيرنا، مع أن الفصائل تتجهز وتتحضر ولم تدخل في غيبوبة عن القتال، فلنقاتل في جبهاتنا كأنه لا سلم، ولنذهب لنفاوض وفق مبادئنا وتحت سقفنا وكأنه لا حرب، وهذا عين السياسة والحكمة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن لا يكون الوفد من العسكريين فقط.
وأخيرا أسأل الله تعالى أن يلهم من تصدر في الثورة إلى الخير والرشد وأن يدبر لنا فإننا لا نحسن التدبير.

المصدر: حساب الكاتب على تويتر

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع