..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

ابتلاع أم اندماج؟! يجيبكم التاريخ

موسى الغنامي

١٢ يناير ٢٠١٧ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 5036

ابتلاع أم اندماج؟! يجيبكم التاريخ
sfS9nn4s.jpg

شـــــارك المادة

إن أعظم عبرة لازال يصيح بها العقلاء لفصائل سوريا هي "عبرة العراق"، ولو نطق التاريخ لصاح معهم بأعلى صوته: ها أنا أعيد فيكم تجربة العراق بكل مآسيها، وأدواتها بل إمعاناً في إقامة الحجة أعيدها بنفس الفكر والمشروع والفصيل!.
إن الذي لا يعرف التجربة العراقية إبان الغزو الأمريكي، وما جرى للفصائل في تلك الحقبة يظن أن المبالغات والتهويل وأطر التجربة العراقية لتراكب التجربة السورية هو سبيل دعاة "الاعتبار" لغرض في أنفسهم لإسقاط فصيل بعينه يعتبره مناصروه وقود الثورة السورية!.

دعونا نرمي كل هذه الدعاوى والتجارب خلف ظهورنا ونقعد أمام التاريخ "المعاصر" ليخبرنا وهو شاهد عيان عدل لا يقول إلا ما وقع، ولا يشهد إلا بما جرى، وليس له من التكهنات في قابل الأيام ولا التحليلات بمصير التجارب كبير أو صغير.
ها نحن الآن نستنطق التاريخ ليحدثنا عن مساره في العراق فيستهل متحدثاً: كنت شاهد عيان وموثّق حدث عندما هجم الأمريكان على الفلوجة، وصبّوا عليها حقدهم الصليبي، فتداعى المسلمون لنصرتها وإغاثة أهلها، فخرج رجل يقال له: أحمد فاضل الخلايلة اشتهر بكنيته "أبو مصعب الزرقاوي" وهو يتبع لتنظيم القاعدة، فطاف بالفصائل العراقية وزوّق لهم الكلام وحسنه في التوحد تحت مسمى واحد يُرمى دونه مسمى كل فصيل ويُختار له قائد واحد تتبعه الفصائل، وبعد حملة إعلامية في المنتديات والمواقع الإلكترونية وتحت ضغط الواقع من تدمير الفلوجة وُلد "مجلس شورى المجاهدين" عام 2006 والمكون من 7 فصائل فقط، واشتهر في ذلك الوقت أنها الفصائل الفاعلة في المقاومة العراقية، واختير الزرقاوي ليكون أميراً على هذا التوحد الجديد فكانت قيادة القاعدة في خراسان هي أول المباركين له والداعين للانضمام إليه!.
يتوقف التاريخ برهة ليكمل حديثه قائلاً: بدأت عمليات الاغتيال لكوادر بقية الفصائل العراقية التي لم تنضم لمجلس شورى المجاهدين، وبدأت تتفكك فصائلهم، ثم يُرسل لأفراد تلك الفصائل بعض شرعييه مُرغّبين ومُرهّبين للانضمام إليه بدعوى أنه أمل الساحة الوحيد!.
تضخم مجلس شورى المجاهدين من سلب الفصائل الصغيرة سلاحها، وبعد حين بدأت الاغتيالات تطال قادة مجلس شورى المجاهدين ممن لا ينتهج فكر القاعدة، فلم يعد بعد عام واحد إلا لون السواد يكسو المجلس !
يسترسل التاريخ في شهادته على تلك الحقبة قائلاً: قُتل الزرقاوي فتأمّر على المجلس رجل يقال له: حامد داود الزاوي اشتهر بكنيته "أبو عمر البغدادي" فكان أول أعماله أن أنشب الحرب الإعلامية على العشائر والفصائل التي لها أجنحة سياسية، تخوينا واتهاماً ثم هجم عليها للاستيلاء على سلاحها بتهمة الخيانة والرضى بالديمقراطية والسير في أجندات الغرب، فاستطاعت العشائر الدفاع عن نفسها، ووقعت الفصائل في جدل شرعي في حكم القتال البيني والعدو يستبيح الأرض والعرض، فتفرقوا إلى أقوال؛ فمن قائل إن الدفاع عن النفس بحمل السلاح ضد مجلس شورى المجاهدين فتنة، وإن عبد الله المقتول خير من القاتل، وقائل: ندفع الشر بأدنى المفسدتين وهي ترك المناطق للمجلس حتى لا تُراق الدماء بين المجاهدين!.
يتوقف التاريخ عن الحديث وهو مطرق الرأس متفكراً ثم يستمر قائلاً: أصبح لمجلس شورى المجاهدين مناطق حكم ذاتية لا يدخلها المجاهدون إلا خفية، ولا المدنيون إلا بعد امتحان على نقاط التفتيش التي تنتشر على مداخل تلك المناطق. عندها أعلن أبو عمر البغدادي عن أكبر كارثة مرت في هذا العصر؛ وهي التي تذوقون اليوم بعض ارتداداتها = دولة العراق الإسلامية. وسرعان ما باركت قيادة القاعدة في خراسان هذه الدولة، وزعمت أنها مستوفية لشروط البيعة، ويجب مبايعة أميرها البغدادي كأمير للمؤمنين، فرفضت العشائر والفصائل تلك البيعة والافتيات عليهم وعلى العراقيين بأمر كهذا، فخرج حينها بعض الشرعيين بشعار "حلف المطيبين" لإلزام الناس بهذه البيعة سبيلاً للتوحد وكأمل وحيد للخلاص من واقع الفصائل المتشرذم، فحشدوا لذلك كل دليل شرعي وعقلي يوجب تلك البيعة، وبعد إعذار الشرعيين بفتواهم، ورفض العشائر والفصائل لحلف المطيبين، خرجت دولة العراق الإسلامية تضرب وجوه الناس بالسيوف، ومقراتهم بالمفخخات تحت دعوى الإجبار على توحيد الصف لمقاومة العدو المحتل!.
هنا يقف التاريخ عن الحديث ويولينا ظهره، ويتركنا لذاكرتنا القريبة التي تختزل ما ذاقه أهل العراق من تجربة مجلس شورى المجاهدين الذي تطور إلى دولة العراق الإسلامية، ثم دولة الإسلام في العراق والشام، ثم الخلافة الإسلامية!.
نعم أيها السادة فإن مشروع القاعدة في سوريا هو تكرار لمشروعها في العراق، فجيش فتح ثم مناطق حكم ذاتي ثم اندماج يبتلع الفصائل ثم إعلان إمارة ثم مقاتلة كل من لا يبايع!.
تأملوها وسترون أن مجلس شورى المجاهدين هو نفسه جيش الفتح، وأن مشروع مناطق الحكم الذاتي هو ما تستولي عليه فتح الشام الآن من مناطق، وأن حملات التخوين التي تطال بعض الفصائل والقادة هو تمهيد للتمدد وتوسيع نفوذ الإمارة المرتقبة، وأن دعاوى الاندماج الأخير هي لابتلاع الفصائل خارجه ثم التفرغ للفصائل المؤسسة له، وأن الاندماج الذي يسوّقه بعض "الشرعيين" هو نفسه مشروع "حلف المطيبين" وقد صدر بلغة: الترغيب والترهيب!.
وصدق من قال: التاريخ لا يعيد نفسه كما يشاع لكن الإنسان يكرر غبائه.
وأصدق من ذلك وأعظم قول رب العزة والجلال:"أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ".

 

 

نور سورية 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع