يامن الناصر
تصدير المادة
المشاهدات : 6491
شـــــارك المادة
بعد جدال مع القاضي رؤوف عبد الرحمن، قال له: "يا علوج احنا الموت تعلمناه بالمدارس، نخاف منه بعد هالشيبة!". لذلك عندما سأله الضابط الأميركي عن آخر مطالبه قال: (أريد المعطف الذي كنت أرتديه). قال له: (طلبك مجاب ولكـن أخبرني لماذا؟) رد صدام: "الجو في العراق عند الفجر يكون بارداً، وأخشى أن أرتجف فيعتقد الناس أن صداما يرتجف خوفاً من الموت). ثم تشهّد وجعلها آخر كلامه. لازالت مقولته الشهيرة مأثورة في آذان المظلومين عندما قال لحكام العرب: (أنا ستعدمني أمريكا .. أما أنتم فستعدمكم شعوبكم). لم تكن مجرد مقولة فهي اليوم واقع وحقيقة، ربما البعض يختلف معي بالنظر لصدام حسين ويظن أني أرسم قدسية حول مسيرته وأتناسى فداحة خطئه بدخول الكويت، كلا، إطلاقا ما عنيت ذلك؛ أريد - فقط - أن أفصل السلك العاطفي عن مأخذ القلب، وأركز على حال الأمة بعد نسف جبل النار الذي كان بيننا وبين فارس. بدأت مآسي العراق صباح عيد الأضحى، وخطوات محاصرة الخليج، وزلزال الشام، وتفتيت لبنان، وغصّة اليمن، وخنجر البحرين قُدح زناده، مُذ ذاك الحين، عندما ارتفع البسطار العراقي عن جبهة جيش الخميني، عندما تجمهر عدة أذناب ممن دخل على ظهر دبابة الاحتلال حول أسير كان كذئبٍ جريحٍ صابرٍ يقف بشموخه المعتاد على خشب قديم وأعواد مشنقة صُنعت على عجل، وحبل لو نطق لما زاد عن قول المتنبي: وَقَفْتَ وَما في المَوْتِ شكٌّ لوَاقِفٍ ... كأنّكَ في جَفنِ الرّدَى وهْوَ نائِمُ إعدامه رسالة لكل قادة العرب أن مصيركم الذبح كالنعاج. لن أسرد تاريخ الحرب العراقية الإيرانية ولا حتى دخول الكويت، بل سأكتفي بدندنة حول نصائحه لثورة الثمانينيّات التي شدّت انتباهي لعبقرية صدام رحمه الله وبعد نظره، ((شهادة)) هنا منشورٌ للأستاذ عادل داوود أوغلو، ذكر البيانوني عام 1982 في شهر كانون الثاني قبيل أحداث حماة بأسبوعين تقريبا. وفي حديقة القصر الجمهوري في بغداد، سيرا على الأقدام ببطء مع وفد للمعارضة السورية، قال لنا صدام حسين: "حافظ الأسد مخادع ماكر مدعوم من الشرق والغرب لن يتخلوا عنه بسهولة، كان يجلس بجانبي يحدثني عن الوحدة، ويخطط سرا لانقلاب عسكري لتسليم السلطة للشيعة. ورطكم في صراع مسلح غير متكافئ ومدروس بعناية للتخلص من كل صوت نشاز يزعجه و يعرقل أحلامه. كارثة محققة تنتظر حماة وسوريا، ليس بمقدوري أن أقدم لكم سوى أسلحة متوسطة وخبرات حرب عصابات. كي تثبتوا للعالم أنكم بديل مناسب له عليكم تحقيق أمرين: إضعافه بقوة لإقناع العالم أنه على وشك السقوط وعدم رفع شعارات تزعج العالم من قبيل دولة الخلافة أو حكومة شريعة إسلامية. لتكن شعاراتكم مرنة وأخفوا نواياكم الحقيقية وكونوا أكثر حكمة. أنا بعثي، حزب من صنيعهم، أحكم بغير الإسلام لكنهم يحيطون بي من كل جانب، انزعجوا مني حتى من إعلان يوم المولد النبوي عطلة رسمية وانزعجوا من احتفالات الدولة بالمولد النبوي. ورطوني في حرب مدمرة مع إيران لأنني حاولت بناء العراق بعلماء و خبراء عراقيين و عرب. لا أستطيع وقف الحرب ولا عقد هدنة أو صلح مع الخميني. أنا لا أملي عليكم رأيا، أنتم أحرار، لكن شعاراتكم المعلنة تزعج الشرق والغرب، لن يسمحوا بإقامة دولة إسلامية". قلت له: "وكيف سمحوا للخميني بإقامة دولة إسلامية؟" توقف عن المشي ونظر إلينا وسحب نفسا عميقا من سيجاره وقال: "خميني مسلم! يا مشايخ أتختبرونني وأنتم تعلمون حقيقته!.لا الخميني ولا أجداده كانوا يوما من الأيام مسلمين! من اعترافات المرحوم محمد غياث أبو النصر البيانوني، في اسطنبول في صيف عام 1986 للميلاد: "لا شك أن حافظ الأسد كان ينتظر بفارغ الصبر ليحمل جيل الثمانينيّات السلاح حتى يُشرعنَ اجتثاثهم، واستفاد ابنه من موجة التنظيمات السوادوية التي استعدت الشرق والغرب فتارة ملوحة بخلافة إسلامية وتارة بفتح روما وأخرى بطلب الجزية، غريب قصر ذاكرة التنظيمات، فالدول تبنى واقعاً ثم تُعلن لا العكس، وبصراحة أكثر عندما تبني الدولة لا تحتاج إعلان بل اعتراف وإقرار، وسيكون. أزمة المفاهيم توسّعت عندما انطلق أصحاب المشروع الإسلامي من واقع الاستضعاف بأدبيات فقه التمكين فلا هم حفظوا دينا، ولا هم أقاموا دولة، بل بقيت شعارات ترفرف على خرقة بجرت من سطاعة الشمس ولطول مدة مكثها على حاجز نائي. عوداً على نصيحة الرئيس الراحل علينا إضعاف الأسد بقوة حتى نقنع الغرب بالبديل ونعمل على تجهيز البديل المعقول وهذا لا يتأتى بحرب تنظيمات ضد حلف من الدول، بل لابد من حلف مضاد له، وهذا يستلزم من الإسلاميين التراجع خطوة للوراء والابتعاد عن الشاشة وتصدير أولئك الشرفاء الوطنيين، وفتح علاقات، ومد جسور، ومعرفة سقف المطالَب اليوم، وهو الحفاظ على بيضة السنة، وأنها معركة وجود لا مكاسب، وإعطاء الثورة بعداً أكبر وعدم حصرها داخل الحدود، وتحجيرها بيننا وبين الأسد وأحلافه، فالثورة كجناحي طائر الفينيق عسكري وسياسي يخفق الأول فيعلو الثاني، تلك هي دورة الانتقال والتحصيل والاستثمار. والآن، دون أدنى شك، بعد أن توغلت عدة دول في حرب تحريرنا ونضال شعبنا، غدا العمل السياسي فريضة الوقت. وفي النهاية الثورة ستنتصر على جموعهم، وكل من دخل الشام محارباً لنا لن يخرج كما دخل. ففي لقاء تلفزيوني مع الدكتور "الحارث سيلازيتش" قال له المذيع: "بعد قتال دام سنوات وصمود أسطوري كيف جاءكم الفرج ومن أين؟ لا شك أن الجواب المرتقب منا كشعوب إسلامية لا يحيد عن "من عند الله". قلت: هذا الجواب صحيح إجمالاً، فالعدو الصربي جاء من عند الله كما الفرج جاء من عند الله، أمّا عن التوقيت والاختيار فهو بأيدينا. أجاب الحارث على السؤال: "أتى الفرج بوصول جاك شيراك إلى سدة الحكم في فرنسا". اعترض المذيع وقال: "يعني لو لم يأت شيراك لما أمدّكم الله بالنصر؟". أجاب الحارث: "كان من المرجح أن نستمر في القتال لسنوات أخرى قبل أن نتداعى وتتم هزيمتنا وتدخل القوات الصربية إلى سراييفو. البوسنويون استمالوا الرأي العام الأمريكي، وخلال سنوات الحرب لم تتوقف الجهود الدبلوماسية البوسنية عن السعي لاستمالة قوى أوربية، وكان شيراك الرجل المنشود بلا شك. أرسل البوسنيون الوفود إلى فرنسا وقدموا ضمانات بإقامة دولة ديمقراطية عادلة فور انتهاء الحرب، بل وأظهروا استعدادهم لقبول قوات أجنبية لضمان ذلك، وفي هذا قال علي عزت بيجوفيتش، الرئيس البوسني خلال الحرب، حين سئل عن القوات الأجنبية على أرض البوسنة: (نعوذ بالله من عدم وجودهم والويل للناس من وجودهم). ويقول معبراً عن قبول وجودهم مكرها رغم إدراك مساوئهم: (إذا كان هناك شيء أردته وكرهته في الوقت ذاته فهو وجود قوات أجنبية في البوسنة ولكن أي رجل عاقل إذا خير بين العدو وبين البحر العميق سيختار أقلهما شراً)".
نور سورية
علي حسين باكير
مركز جسور للدراسات
الجزيرة نت
فيصل القاسم
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة