أحمد عبد الغني
تصدير المادة
المشاهدات : 5228
شـــــارك المادة
أثبتت داريا تلك المدينة الصغيرة التي تتربع على بقعة جغرافية متواضعة جنوب العاصمة دمشق، أن الإيمان بقضية الأرض والدين والعرض هي أقوى من كل سلاح مهما كبر أو تعاظم تأثيره، داريا المدينة الصابرة الصامدة التي تحدت ومازالت أعتى نظام إجرام في العالم، دأب على تدميرها ومحاولة كسر إرادتها إلا أنها مازالت تقاوم وتقاوم بأجساد أبنائها الذين أقسموا على مواصلة الكفاح حتى نيل الحرية أو الموت كراماً أعزة على ثرى أرضهم الطاهرة.
مدينة داريا التي كان ذنبها أنها من أوائل المدن الثائرة لنصرة جيرانها في درعا وحمص وحلب وإدلب، ولقربها من مطار المزة العسكري ومقرات الفرقة الرابعة، أراد الأسد وحلفاؤه كسر هذه المدينة وإخضاع أهلها، فبدأ بالحصار ومنع عنها كل وسائل الحياة واعتقل وقتل وقصف ودمر، إلا أن هذا ما زادها إلا صموداً وإصراراً على مواصلة درب التحرير والمضي في مقاومة كل أساليب الإرهاب التي يتبعها نظام الأسد.
ولأنها كانت كالخنجر في خاصرة نظام الأسد جنوب دمشق، ولأن الحصار لم ينفع في إذلال أبنائها، بدأ نظام الأسد بقصف المدينة بالبراميل المتفجرة بشكل يومي، تتساقط عليها البراميل بشكل عنيف حتى لم يبق مكان في المدينة لم تصبه براميل الأسد بشظية أو دمار، فلقبت بـ "أم البراميل" واستحقت هذا اللقب بصمودها في وجه كل آلة القصف البربرية والتي دمرت المئات من منازلها وأحيائها وقتلت المئات من أبنائها.
وبعد يأس الأسد من كسر إرادتها بالقصف، بدأ الهجوم البري وبدأت دبابات الأسد تتحطم على عتبات داريا، ليسطر أبناؤها أروع البطولات مكبدين كتائب الأسد مزيداً من الخسائر في العتاد والأرواح، حيث قتل المئات من جنود النظام ودمرت العشرات من الدبابات وكاسحات الألغام، لأيام وشهور طويلة، ومازال الأسد يحاول ويجدد المحاولة لكسر الخطوط الدفاعية وتضييق الحصار أكثر، فتمكن بعد أشهر من القصف والقتل والمعارك من قطع الطريق الواصل بين المعضمية وداريا، ونجح في تأمين جبهات المعضمية عبر المصالحات وإدخال المساعدات، لتبقى داريا وحيدة تصارع العدوان وتتحداه إلى هذه الساعة.
ومع طول أمد الحصار وقلة الإمكانيات وتوالي محاولات التقدم على الجبهات الجنوبية والغربية من المدينة، تمكنت أخيراً قوات النظام من التقدم لأمتار داخل ثغور الثوار واستطاعت السيطرة على كتلة من المباني على الجبهة الجنوبية، لتبدأ ماكينتها الإعلامية بالتحضير لنصر الأسد وأن داريا سقطت وأن المعركة باتت مسألة وقت، ومع ذلك مازال أبطال داريا يذودون وحدهم عن أرضهم التي آمنوا بقداستها وحرمة ترابها الذي روته دماء الشهداء.
واليوم تواجه داريا أقوى حملة عسكرية بعد استقدام النظام لعدة أرتال من الجبهات الجنوبية وتحضيرها لاقتحام المدينة، وسط نداءات كبيرة من جهات إعلامية وثورية لإنقاذ داريا قبل فوات الآوان وإشعال الجبهات في الجنوب والتي كان برودها لأكثر من خمسة أشهر من أبرز أسباب نجاح الأسد في تضييق الخناق على داريا؛ لاسيما جبهات مثلث الموت بين درعا والقنيطرة وريف دمشق التي من شأنها إن اشتعلت أن تخفف الضغط على أبناء مدينة داريا وتساعدهم على الصمود أكثر.
ووسط هذه النداءات والمحاولات المستمرة لقوات الأسد تتواصل الاشتباكات على الجبهات الجنوبية الغربية والغربية، بين الثوار وقوات النظام، وسط قصف مدفعي وصاروخي عنيف يستهدف المدينة، دون تمكن قوات النظام من إحراز أي تقدم جديد، لتبقى داريا شعلة الثورة وأيقونتها رمزاً لكل بطولة ومقاومة منتصرة بشجاعة أبنائها وتضحيات شهدائها وإن دنست عصابات الأسد ترابها إلا أنها انتصرت بثباتها وصمودها طوال أربع سنوات عجاف مرت في ظل حصار وقصف وقتل وتجويع، وسط صمت العالم أجمع عن معاناتها وعجز الأسد عن كسر إرادتها.
شبكة بلدي
الحياة
حسان الحموي
أرفلون نت
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة