محمد عبد الله الغبان
تصدير المادة
المشاهدات : 7043
شـــــارك المادة
يعجز البيان وتتوقف الأقلام إجلالا وتقديرا ومهابة خوفا من عدم القدرة على إعطاء الموضوع حقه، وهذه خواطر مختصرة علها تشير إلى أهمية هذا الموضوع الجلل، فتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم فريضة لا يتم الإيمان إلا بها، وهو مقياس دقيق لمعرفة إيمان المرء من عدمه، قال تعالى: (لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) وفي الحديث المتفق عليه: (لا يُؤمن أحدُكم حتَّى أكونَ أحبَّ إليه مِنْ والده وولدِهِ والنَّاس أجمعين).
ومنزلة النبي صلى الله عليه وسلم في قلوب المؤمنين لا تعادلها منزلة مخلوق مهما علا شأنه وعظم قدره، فقد جعل الله لكل شيء قدرا، ولنبينا صلى الله عليه وسلم عند ربه أعلى المنازل والمقامات، وهو كذلك عند المؤمنين.
لا يختلف على تعظيمه اثنان، لكنهم يختلفون في موجبات هذا التعظيم ولوازمه أقصد بذلك عموم المنتمين إلى أهل القبلة، وأما أهل الإيمان الحق والمنهج القويم السائرين على خطى الصحابة والتابعين فمعالم التعظيم لديهم واضحة، والطريق إلى ذلك من المعلوم بالاضطرار، فالرسول صلى الله عليه وسلم معظم في شخصه وفي شرعه وسيرته حيا وميتا، فما قاله فهو عدل، وما أخبر عنه فهو صدق، وهم ممتثلون لشرعه، خاضعون له، ولا يعبدون الله إلا بما شرعه، وهذا هو مقتضى محبته، ومعنى الشهادة له بالرسالة.
تعظيمه ليست دعاوى مجردة، أو مدائح وقصائد تقال في المناسبات، ولكنها عبادة لله جليلة، يظهر صدقها باتباع سنته وتعظيمها ودراستها والتفقه فيها ونشرها والدفاع عنها، قال تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) إذاً مُدعو حب الله البرهان على صحة دعواهم هو اتباع نبيه، فكذلك مدعو محبته المقياس لصحة الدعوى هو اتباعه باتباع سنته التي نقلها إلينا الثقات المعتبرون ودونها أهل العلم في مصنفاتهم بمعايير شهد العالم بانضباطها ودقتها، ومن معالم محبته كثرة الصلاة عليه، فمن أحب شيئا لهج بذكره، وعاش في مخيلته، فكيف بمن أرسله ربنا رحمة للعالمين؟ وأخرجنا بإذنه من الظلمات إلى النور.
نفى الله تعالى الإيمان عمن أعرض عن التحاكم إليه، فقال تعالى (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) فكل ما جاء به هو من عند الله (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ) بل إن الله تعالى سمى سنته ذكرا، قال تعالى: (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) والحكمة هي السنة، وورد ذكرها في آية أخرى في قوله تعالى: (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة).
فالسنة إذا هي من الذكر الذي وعد الله بحفظه بقوله (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
لقد ضرب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الاحتفاء به في حدود الشرع، قال عروة الثقفي: (والله لقد وَفدتُ على الملوك وَوَفَدْتُ على كسرى وقيصر والنجاشيِّ والله إِنْ رأيتُ مَلِكا قَطُّ يُعظِّمُهُ أصحابُهُ ما يعظِّمُ أصحابُ محمد محمدا والله إِنْ تَنخَّم نُخامة إِلا وقعت في كف رجل منهم فَدَلَكَ بها وجهه وجلده وإِذا أمرهم ابتدروا أمره وإِذا توضأ كادوا يقتتلون على وَضوئه وإِذا تكلَّم خَفَضُوا أصواتَهم عنده وما يُحِدُّون إِليه النظر تعظيما له)رواه البخاري.
إن التعظيم لشخص الرسول صلى الله عليه هو تعظيم بأمر الله لا يخرجه عن كونه عبداً له، فأعلى مقامات البشر هي العبودية لله، وبذلك وصفه ربه في أشرف الأحوال حين قال: (سبحان الذي أسرى بعبده) ( وأنه لما قام عبد الله يدعوه) (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) وهي غاية ما يصل إليه الإنسان، والخروج به عن هذا الطور تجاوز لما أمر الله به وغلو منهي عنه، وهو في الحقيقة ليس تعظيما، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله) أخرجه البخاري.
ومن تعظيم النبي تعظيم سنته وهديه، فإنها الطريق الوحيد لمعرفة أحواله وشرعه، وهي المبينة للقرآن المخصصة لعمومه والمقيدة لمطلقه والمفسرة لمجمله، وبدونها لن يفهم القرآن، قال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) فبدون سنته ستظل بعض النصوص معلقة الفهم غير مدركة المعنى، ولن نستطيع مثلا معرفة عدد الصلوات، ولا معرفة تفاصيل أحكام الزكاة، ولا الأموال التي تجب فيها، ولا مقادير أنصبتها، أو مقدار ما يخرج منها، ناهيك عن التفاصيل الدقيقة في الأحكام والمعاملات وشتى أبواب علوم الشريعة. أهمية السنة وكونها صنو القران والمصدر الثاني للتشريع من الأمور المقررة عند أهل السنة والجماعة، لا يختلفون على ذلك، ولا يضربون بعضهما ببعض، بل يسلكون بهما مسلكا واحدا في تفاصيل يعرفها أهل العلم، وإن اختلفت مناهجهم في بعض القضايا، لكن السنة معظمة عند الجميع، وهي من الوحي الواجب اتباعه قال تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) بل طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من طاعة الله: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) وطاعته عين الهداية قال سبحانه (وإن تطيعوه تهتدوا). والمنحرفون عن السنة طوائف من المبتدعة، لا صلة لهم بها، ولم يشرفوا بمتابعتها، بل لم يعطوها حقها من التقدير والتعظيم، وانصرفوا عن دراستها والأخذ من معينها الصافي كليا أوجزئيا، ومن أسباب انصرافهم عنها أن قواعد نقلها وضوابط روايتها دقيقة وصارمة، من هنا قيل إنه لا يشتغل بها إلا الفحول من الرجال، فكان عجزهم سببا كبيرا في انصرافهم عنها، والسبب الآخر أنهم طلبوا الهدى في غير مظنته فعوقبوا بحرمانهم من هداها، قال تعالى: (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) ومن جهل شيئا عاداه كما قيل. فحرموا التوفيق والسداد، وبنوا دينهم على قواعد مضلة، مستقاة من أهل الكلام والفلسفة، حسبوها دينا، وصارعوا من خلال ذلك الوحي الإلهي كتابا وسنة بوقاحة وعجرفة، ونسبوا أنفسهم إلى الكمال والعقلانية، ورموا أتباع الوحيين بألقاب مخترعة ومنفرة أسوة بأعداء الرسل، وزين لهم الشيطان أعمالهم فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل، واتخذ بعض المتأثرين بهم من المتأخرين منهجا أسوأ من مناهج أسلافهم ،فأنكروا حجية السنة جملة وتفصيلا، وسموا أنفسهم بالقرآنيين، وكثير من قواعدهم يشاركهم فيها إخوانهم المسمون بالعصرانيين والمتنورين، وما شاكل ذلك من الألفاظ والألقاب التي يحاولون بها الضحك والتلبيس على عوام الناس والدهماء، أبطل الله كيدهم، ووقانا شرورهم.
مشاركات نور سورية
رابطة خطباء الشام
عبد الملك الصالح
سلمان العودة
عبد العزيز محمد آل عبد اللطيف
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة