عماد الدين خيتي
تصدير المادة
المشاهدات : 10773
شـــــارك المادة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: قبيل سويعات من بدء هدنة مؤقتة في سورية تبدأ من يوم 28-2-2016م الموافق 19-5-1437 هـ لمدة أسبوعين أعلنت جبهة النصرة عن كلمة صوتية للجولاني حملت في طياتها العديد من الأمور التي تحتاج لتوقف وتعليق.. وهي بمجملها تدور حول مزايدات، ومغالطات، وهروب للأمام من استحقاقات هامة، مع تخوين وتهديد.. ولن أتوقف كثيرًا عن حكم الهدنة والمفاوضات والفائدة منها فقد تكلم في ذلك الكثيرون، وسأكتفي بالتعليق على أهم ما قاله الجولاني وخاصة بعدما حصل من جريمة القضاء على الفرقة 13 ليلة أمس كان متوقعًا من قبل ..
* * *
النقطة الأولى: موقف الجولاني من الهدنة والمفاوضات: أولاً: رفض الجولاني للهدنة الأخيرة، وقصر التعامل مع النظام بالقتال فقط: قال الجولاني: "وأما المفاوضات الحقيقية هي التي تكون بميادين النزال والقتال، هي التي تخلع القلوب وتشدّ على اللئام وتقشع الغمام حتى يعمّ الأمن والأمان؛ فعلاج الأسباب خيرٌ من المفاوضة على النتائج، فهذه اللغة التي يفهمها الطغاة جيدا" انتهى. وكان قد قال في مؤتمره الصحفي عن مؤتمر الرياض: " نحن لم نُدعَ، وإذا دعينا لا نقبل... نحن الكل يعلم ما هو جوابنا في مثل هذه المسائل. فلذلك الأمر محسوم" انتهى. وفي المقابل: إذا كانت جبهة النصرة هي من يعقد الهدن مع النظام فهو حق مشروع لها، وفعلها صحيح.. قال الجولاني في (مؤتمره الصحفي) عن هدنة الغوطة: "نحن بالطبع نسعى لعرقلة هذه الهدنة، ولن نقبل بها على الإطلاق، ولا يمكن أن تسير هذه الهدنة...". أما عن هدنة الفوعة فقال: "لا أريد أن أدخل بالجدل الشرعي هذا حلال وهذا حرام، له مختصون، فهذا يُرجع إلى العلماء (أي مراجعه كالمقدسي والفلسطيني)، لكن أنا أريد أن أقول إن الغوطة الشرقية هي رمز كبير في هذا الجهاد المبارك، وهي متاخمة لحدود دمشق. بينما الزبداني فهي منطقة في أقصى أطراف دمشق، وهي منطقة صغيرة، والناس هناك كانوا محاصرين، يعني فقدوا القدرة على المقاومة والقتال. من كان محاصرًا داخل الزبداني حُصر في نهاية المطاف في واحد كيلو مربع. فهذه لم تكن هدنة لإيقاف القتال مع النظام ... بل كانت هي لإنقاذ أرواح بعض النساء والأطفال وبعض إخواننا المسلحين هناك. أيضًا هناك فرق كبير بين ما يُعرف بهدنة الغوطة وهدنة الفوعة، أن هدنة الفوعة فرضناها نحن بقوة السلاح، أما هدنة الغوطة فطُرحت بعد مؤتمر فيينا، فمن الطبيعي أن يكون هناك دواعٍ للشك في مثل هكذا هدنة" انتهى. وتبرير الجولاني هذا غير صحيح شرعًا ولا واقعًا: فأما شرعًا: فإنَّه لا فرق بين من يطرح الهدنة المجاهدون أم الأعداء، فصلح الحديبية مثلاً كان بعرض من المشركين ووافق عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا غالب مفاوضاتهم الأخرى. وأما واقعًا: فالغوطة في حصار منذ ثلاث سنوات، وأهلها وقيادتها رضوا بها، فمن أعطى الجولاني حق الانفراد بتقرير الهدنة لهذه المنطقة أو تلك؟ بل ألا تكون هدنة مؤقتة لعموم سوريا يترتب عليها بعض المصالح أولى من هدنة الفوعة التي عليها إشكالات وأسئلة كثيرة؟ ثم إن الجولاني ما زال يخفي أن جبهة النصرة تعقد عدة هدن مع النظام في سوريا، بعضها في الغوطة على تخوم دمشق كبرزة والقابون، وتستغل الجبهة هذه الهدن لإدخال موادها التي تحتاجها من دمشق، وتقيم فيها مشاريعها المختلفة الشرعية والعسكرية. وقد ترتب على كلام الجولاني عن رفض هدنة الغوطة قيام النظام بغارات عنيفة أوقعت عشرات الشهداء والإصابات، وفور حديثه عن رفض الهدنة الحالية شن النظام وحلفاؤه هجومًا عنيفًا على داريا وعدد من المناطق مدعين أن جبهة النصرة توجد فيها، وما زال الطيران الروسي يخرق الهدنة في عدة مناطق بزعم قصف النصرة .. فهذه الخسائر كانت بسبب تصريحاته غير المسؤولة، وهو ضامن لها شرعًا، بل إنه ضامن لكل ما نزل بالثورة من خسائر بسبب إعلانه ارتباط النصرة بالقاعدة، وما ترتب عليها من استعداء العالم على الثورة السورية. فما حكم من حرَّض الأعداء على المسلمين، وأعطاهم الذريعة لقصفهم وقتلهم؟ إنَّ الزعم أنه لا يفيد أي تصرف مع الأعداء لتجنب عداوتهم أو التخفيف منها لأنهم معادون محاربون لنا على كل حال، والاستدلال على ذلك بآية: {وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120]، وقوله: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217]، فهذا غلوٌ وخلط بين الإرادة الكونية، والإرادة الشرعية: فالإرادة الكونية ما قدر الله تعالى أنه سيقع لا محالة، كإخباره عن عداوة الكفار للمسلمين، وكيدهم لهم، وسعيهم للإيقاع والإضرار بهم كل حين. وأما الحكم الشرعي فهو ما طلب من العباد العمل به، وقد يقع وقد لا يقع، ونحن مأمورون بالعمل بالأمر الشرعي، فقد أُمرنا بجهاد الكفار دفعًا وطلبًا، مع الأمر بعدم التشوف للقائهم فضلاً عن استعدائهم، قال : (أيّها النّاسُ، لا تتمنّوا لقاء العدوّ ، وسَلوا الله العافيةَ، فإذا لقيتموهم فاصبروا) أخرجه البخاري، ومسلم، والأمر بالتخفيف من عداوتهم –مع أنها لن تزول قدرًا- دون مداهنة أو رضًا بالباطل. كما أنَّ كف شر الأعداء مطلب شرعي بحد ذاته، فقد قال رسول الله صلى الله عليه لحذيفة في غزوة الخندق: (اذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ، وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ) أخرجه مسلم، وذكر أهل السير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنعيم بن مسعود: (خذِّل عنا ما استطعت)، وأراد أن يعطي غطفان ثلث ثمار المدينة ليرجعوا. وخطأ الغلاة أنهم يأخذون بنصوص تقرير العداوة والأمر بالقتال فحسب، ويتركون بقية النصوص، بل ويتهمون من يشترك في أي تعامل غير قتالي بالعمالة، والرضوخ للطواغيت، ونحو ذلك. 2- يمثل حديث الجولاني عن الهدنة الحالية والتهديد بنقضها ورفع الصوت بالتخوين بها هروبًا للأمام من الإجابة عن أسئلة مستحقة حول الهدن التي يعقدها تنظيم القاعدة حول العالم، ومن أشهرها: أ- الهدنة المستمرة مع إيران منذ سنوات طويلة، واتخاذها مأوى للعديد من القيادات، وممرًا لتنقل شخصياتها، والتي أثبتت الوثائق المفرج عنها قبل أيام وجودها ومن أعلى قيادات القاعدة.. ومهما قيل عن المصلحة في ذلك فإنها مصلحة خاصة بالتنظيم على حساب الأمة وهي رأس الشر في محاربة أهل السنة، لمصلحة تنظيمية ضيقة دون مصلحة الأمة من جهة، وإباحة للتنظيم في أمور هي خيانة وكفر في حق آخرين،، وهذا نابع من اعتقاد احتكار الحق وحصره في النفس والتنظيم، وتخوين الآخرين.. ب- الهدنة التي عقدها مسؤول تنظيم القاعدة في سوريا أثناء حرب العراق كما أكدها أبو يزن الشامي رحمه الله في حديثه عن المزاودات الجهادية حيث قال: "لؤي السقا أبو الربيع المسؤول الأمني لتنظيم القاعدة مع الشيخ أبو مصعب التقى مع آصف شوكت مشان تنسيق العمل الجهادي ... بدو طريق معبر آمن، الشباب عم يهربوا عن طريق سوريا، بدو يريح مخو من سوريا ... بعد 11 إيلول وانتشار اسم القاعدة النظام السوري كان عم يرجف فقال له ما بتقربوا علينا وما نقرب عليكم: تصفيات أمنية، أشخاص ما يطلبوا.. ووافقوا، ضللت اتفاقية فترة حتى كشفتها أمريكا، فلما كشفتها أمريكا اتخلى عنها النظام" انتهى. فرفع الصوت برفض هذه الهدنة، واتهام الآخرين بالخيانة لأجل ذلك هو من المزاودات المكشوفة، وهروب للأمام من استحقاقات الإجابة عنها(1).
النقطة الثانية: استخفاف الجولاني بمطالب الناس وحاجياتهم: إنَّ الحال في سورية اليوم يُعدُّ مِن أشد حالات الاضطرار؛ مِن حصارٍ، وتهجيرٍ، وتجويعٍ، وقتلٍ لمئات الآلاف ، وأضعافهم مِن الجرحى والمعاقين، والمعتقلين، وملايين المهجرين، وهجومٌ روسي مجرمٌ حرق الأخضر واليابس ودمر في بضع شهور ما لم يدمره النظام في سنوات.. فالقبول بهدنةٍ مؤقتةٍ يحقق شيئًا من هذه الضرورات هو أمر مطلوب شرعًا، فيستريح للناس بعد الهجوم الوحشي الروسي الإيراني وتتاح لهم الفرصة لالتقاط الأنفاس، ومداواة الجرحى، وتأمين سبل العيش، وإعادة ترتيب صفوف الكتائب، مع المطالبة بفك الحصار عن المدن، وإطلاق سراح المعقلين أو بعضهم، وهي مكاسب كبيرة إن تحققت أو تحقق بعض منها. والوقوف في وجه هذه المطالب المشروعة تضييق على الناس واشتراك في الجريمة ضدهم.. لكن الجولاني استخف في كلمته (هذا ما وعدنا الله ورسوله) بحاجات الناس ومطالبهم بقوله عن المفاوضين: "أعطى لنفسه الحق في أن يضع ما قدّمه أهل الشام في كِفّة ليفاوض عليها في الكفّة الأخرى بمساعدات إنسانية وإغاثية. وليتذكر أولئك أنها كانت ولا زالت ثورة كرامة، وجهاد أمة عظيمة، ولم تكن يومًا ثورة جياع" انتهى. فأين مزايداته هذه عن مطالبات إدخال المعونات الغذائية والدوائية للمناطق المحاصرة بموجب هدنة الفوعة؟ ومن أعطاه الحق ليبيح هنا ويحرم هناك؟ إنَّ هذا غير مستغرب على من يعتبر التضحية بالشعوب حقًا متاحًا له لتنفيذ مشروعه في كل حين.. قال الجولاني في شريطه المسرب: "جهاد قُتل فيه عشرات الألوف، شرّد فيه الآلاف، هدمت كثير من البيوت، نزح الملايين أيها الأخوة، تورطت أمة بأكملها معنا لكي يسلموا الرسالة لكم اليوم فتؤدوها بأكمل أمانة" انتهى. بينما قال أبو بكر ناجي في إدارة التوحش: " قال أبو بكر ناجي: "وليعلم من وضع رجله في طريق الجهاد أنه قد يأتي علينا يوم عندما تحتدم المعارك - نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة- سنرى فيه ملايين المُهجرين من المناطق هرباً من شدة القتال مع أنظمة الردة أو مع الصليبية والصهيونية ... وقد تتسبب موجات قصف جيوش الردة والصليب لقتل الآلاف" انتهى.
النقطة الثالثة: المزايدات على الفصائل بإسقاط النظام: وصف الجولاني الهدنة والمفاوضات القائمة بأنها ستحافظ على النظام بقوله: " هدنة ترسم الحدود مرة جديدة، ليصبح أهل السنة في الشام أقليّة في مناطقهم، بعد تهجير الملايين وقتل مئات الآلاف! هدنة تأد الثورة وتُدخل الجهاد الشامي دهاليز المؤتمرات الدولية وملفات الأمم المتحدة فيخرجوه عن أصل معدنه! هدنة تُفضي إلى حل سياسي يبقي مؤسستي الجيش والأمن راعيتي الإجرام والقتل. هذا إن لم يبق بشار نفسه -وهو الأرجح- بعد المرحلة الانتقالية ومدتها ثمانية عشر شهرًا. فيشركوا من يرضى بالخنوع والاستسلام لينضمّ مع مليشيات بشار ضمن جيش وطني، ويمنحوا أصحاب المغامرات السياسية كراسي العار في ظلّ حكومة وحدة وطنية تحت حكم نصيري" انتهى. فلو كان كلامه عن هدف النظام العالمي من هذه الهدنة والمفاوضات فهذا صحيح،، وهم في جد واجتهاد بشتى الوسائل لينفذوه،، لكن ما موقف الفصائل من ذلك؟ كان لمؤسسات الثورة قصب السبق في التأكيد على ثوابت الثورة ابتداء كي لا تختطف أو تنزلق، ومن ذلك: 1- ميثاق الشرف الثوري الذي أصدرته الفصائل الثورية في رجب 1435هـ- الموافق مايو /أيار 20141م، ومن مواده: "المادة الأولى: للثورة السورية المسلحة غاية سياسية هي إسقاط النظام برموزه وركائزه كافة وتقديمه إلى المحاكمة العادلة. المادة الثالثة: تستهدف الثورة عسكرياً النظام السوري الذي مارس الإرهاب ضد شعبنا بقواه العسكرية النظامية وغير النظامية ومن يساندهم كمرتزقة إيران وحزب الله ولواء أبي الفضل العباس، وكل من يعتدي على أهلنا ويكفرهم كداعش، وينحصر العمل العسكري داخل الأرض السورية. المادة الخامسة: الحفاظ على وحدة التراب السوري، ومنع أي مشروع تقسيمي بكل الوسائل المتاحة هو ثابت ثوري غير قابل للتفاوض" انتهى. 2- وثيقة المبادئ الخمسة التي رعاها المجلس الإسلامي، ووقعت عليها سائر الفصائل والمؤسسات الثورية، وكانت ركنًا هامًا اعتمدت عليها في حوارها في مؤتمر الرياض، ومما نصت عليه: أ- إسقاط بشار الأسد وكافة أركان نظامه، وتقديمهم للمحاكمة العادلة. ب- تفكيك أجهزة القمع الاستخباراتية والعسكرية، وبناء أجهزة أمنية وعسكرية على أسس وطنية نزيهة، مع المحافظة على مؤسسات الدولة الأخرى. ج- خروج كافة القوى الأجنبية والطائفية والإرهابية من سـوريا، ممثلة بالحرس الثوري الإيراني، وحزب الله، وميليشيا أبي الفضل العباس، وتنظيم الدولة. 3- ومثل ذلك الوثيقة الصادرة عن الفصائل والهيئة السياسية للآئتلاف بما يقارب ذلك. 4- ومؤخرًا أصدر المجلس الإسلامي بيانًا (بشأن المفاوضات في جنيف 3) لحث المفاوضين على عدم الانحراف عن الطريق والرضوخ للضغوط، ومما جاء فيه: "بعد متابعة دقيقة للمواقف والتصريحات يشدّ على يد المفاوضين من المعارضة ويشكرهم على ما أظهروه من ثبات وتصميم وحرص على مصالح الشعب السوري ، ويهيب بهم ألا يرضخوا للضغوط ولا يقبلوا السير في طريق التنازلات التي نهايتها ضياع الحقوق وإجهاض الثورات... إننا نذكّر إخواننا المفاوضين الشرفاء الأحرار بأن دماء الشهداء وأنين الثكالى والمكلومين ومئات الآلاف من اليتامى والأرامل أمانة في أعناقهم، ونخاطبهم فنقول لهم : إن الله شرّفكم بتمثيل هذا الشعب البطل المقدام فكونوا عيناً حارسة على حقوقه وصخرة صماء تتحطم عليها كل المؤامرات التي تحاك ضده... المؤامرة كبيرة والتواطؤ العالمي واضح ولكن أملنا بالله كبير ثم بشعبنا ومجاهدينا ومفاوضينا..."(2). وجميع تلك المبادرات والتعهدات لم توافق جبهة النصرة عليها أو تلتزم بها،، وإنما كان موقفها الرفض ورفع الصوت بقتال النظام فحسب! فالمطالبة بشيء يقوم به المجاهدون، وينصّون عليه بالتفصيل، ويقاومون في جميع المستويات العسكرية والسياسية، ورفع الصوت بذلك، مع الاتهام بالتقصير،، هو من الغلو والمزايدات الممجوجة.. وهو يشبه واعظًا دخل إلى مسجد وصار يعظ المصلين ويخوفهم صارخًا مشددًا النكير على من تخلف عن صلاة الجماعة!
النقطة الرابعة: تخوين كل من شارك بهذه الهدنة والمفاوضات: أطلق الجولاني عنان التخوين لكل من شارك بهذه الهدنة المؤقتة أو المفاوضات، سواء من الفصائل المجاهدة، أو السياسيين، أو حتى بعض طلبة العلم،، فعمم ولم يستثن أحدًا. فقد قال في كلمته (هذا ما وعدنا الله ورسوله): "ليرغم المجاهدين على الجلوس إلى طاولة الحوار مع قاتليهم وجلّاديهم، ويسلّموا أرضًا ارتوت ينابيعها من دماء الشهداء، ويغمدوا سيفًا أمانة المسير حتى التحرير... فيشركوا من يرضى بالخنوع والاستسلام لينضمّ مع مليشيات بشار ضمن جيش وطني، ويمنحوا أصحاب المغامرات السياسية كراسي العار في ظلّ حكومة وحدة وطنية تحت حكم نصيري. وإلى المستمسكين بوعود أمريكا.. لقد راهنتم على حسن نواياهم ومواقفهم المتلوّنة، فماذا جنيتم معهم سوى تهديدات جون كيري تدفعكم باتجاه الرضوخ، بل تعدّى الأمر إلى استغلال دماء أهلكم ومصابهم من أجل تسوية ملفات إيرانية روسية لصالح أمريكا.." انتهى. وقد سبق أن قال في (مؤتمره الصحفي): "هذه خيانة كبيرة جدًا لدماء هؤلاء الشباب الذين ضحّوا..." انتهى. وهذا تخوين بالجملة،، ورمي بالعمالة والرضى والرضوخ للطواغيت،، وهو في عرف تيارات (السلفية الجهادية) أنه من مناطات الحكم بالردة والتكفير.. وعنها تنبثق أحكام التكفير واستحلال الدماء..
النقطة الخامسة: تخوين بالظن والتوقع: ما ذكره الجوني من التخوين والاتهام هو توقعات لشيء لم يحدث بعد، وهو يشبه ما جزم به في (مؤتمره الصحفي) قبيل مؤتمر الرياض حيث توقع أن يسفر المؤتمر عن: "أن يبقي على بشار الأسد، ثم يريد أن يدمج المعارضة المسلحة مع قوات النظام... هناك هيئة التنسيق وهذه أيضًا معارضة تابعة للنظام ينتهي إلى هذه النهاية السيئة ببقاء بشار الأسد ... " انتهى. ووضح للجميع فشل المجتمع الدولي في فرض إرادته في مؤتمر الرياض، وتغيير الكثير من مخططاته في وجه ثبات الفصائل والسياسيين، ومع ذلك لم يشر الجولاني لنوع اعتذار عن التخوين السابق والطعن، وهو مطالب به لا يمكن تجاوزه وتناسيه.. ثم إنَّ إطلاق أحكام التخوين هذه فيها عكسٌ للحقائق التاريخية والمنطق: فقد بنى الجولاني أحكام التخوين المستقبلية للفصائل السورية على ما سبق من أحداث في العراق وفلسطين، والاستدلال بهذا التاريخ هو طريقة معكوسة؛ حيث إنه جعل تكرار إجرام النظام العالمي في الحروب والمفاوضات، وانسياق بعض المسلمين معهم سابقًا دليلاً على خيانة كل من يدخل في هذه المفاوضات مستقبلاً، وهذا من أعاجيب القياس! بينما المشروع –لو اراد النصح- أن يتخذ هذه النماذج وسيلة للتحذير مما هو قادم، والنصح فيما ينبغي أن يتصرف تجاهها،، هذا مع اقتصاره في الحديث عن نتائج المفاوضات على ذكر نماذج سيئة وتضخيمها، وتجاهل النماذج التي حققت مصالح للمسلمين، أو صمد في وجهها المسلمون كما في طالبان، وحماس، وما حدث إلى الآن في سوريا.. وهذا من التعدي والظلم، مع كتمان الحق.
النقطة السادسة: مزايدات التحذير من الرافضة والأمريكان: حملت كلمة الجولاني (هذا ما وعدنا الله ورسوله) تكرار التحذير من غدر الرافضة والأمريكان ومكرهم، ورفع الصوت به مرارًا في مواضع عديدة، وتكرار ذلك بطريقة توحي للسامع أنه الوحيد العارف المتنبه لهذا الخطر،، بينما يدرك هذا الأمر الصغير قبل الكبير في سوريا، وهم يقاومونه في ساحات المعارك، والعلم، والسياسة، وغيرها.. وجميع ما حذَّر منه الجولاني هي أمور قررها الثوار ابتداء، وتمسكوا بها، وواجهوا العالم بها، ومواقف الثوار فيها والفصائل والجهات الشرعية كثيرة معلومة،، فكلامه فيها مجرد مزايدة لا أكثر..
النقطة السابعة: شهامة السوريين في رفض استهداف جبهة النصرة: أشار الجولاني إلى الموقف الشهم الرافض من استثناء جبهة النصرة من القصف فقال: "أهل الشام الأوفياء، أهل الوفاء والعطاء، الذين رفضوا قصف جبهة النصرة" انتهى. والحقيقة التي حاول الجولاني أن يخفيها ويتجاهلها أن رفض استهداف جبهة النصرة جاء من سائر الفصائل والجهات والشخصيات السياسية، ومن الوفد المشارك بالمفاوضات، رغم كل الضغوط الممارسة عليهم، وقد صدرت بذلك تصريحات رسمية عديدة ترفض استثناء أي فصيل على الأرض من الهدنة.. لكن الجولاني لم يقابل هذه الشهامة بمثلها، فأطلق العنان للتخوين والطعن بمن دافع عنه وعن فصيله. كما أنَّ الجولاني أصرَّ على استدراج الأعداء برفض الهدنة، وتحدي دول العالم والإقليمية منها على وجه الخصوص وتخوينها، وبإصراره على ربط النصرة بالقاعدة، مع معرفته بتصنيف النصرة على أنها إرهابية، وإصرار النصرة على تبعيتها للقاعدة... فأي سياسة شرعية هذه؟ فمما قاله الجولاني: " وإني هنا إذ أخاطب شعوب المسلمين لا حكّامهم الذين لا يقوون على شيء إلا إظهار الطاعة والخضوع للأمريكان" انتهى. وهو يعلم أنَّ جل الدعم يأتي من هذه الدول التي يخونها، بل ويكفرها ويجوز استهدافها بالتفجيرات والحرب،، فأي منطق هذا؟ وماذا يتوقع أن تكون تصرفات هذه الدول تجاهه وتجاه جماعته؟
النقطة الثامنة: بين الجولاني والشعب والفصائل: يلحظ في كلمة (هذا ما وعدنا الله ورسوله) أن الجولاني وزع خطابه بين ثلاث جهات: الأولى: جنود النصرة، فقد أضفى عليهم من الصفات والبطولات الشيء الكثير، بل حصر فيهم انتصارات وإفشال مؤامرات شارك فيها عموم المجاهدين بل والسياسيين. فقال: "عرض دي ميستورا مبادرته حاول النظام النصيريّ حينها قبل عام ونصف أن يصل لنُبل والزهراء حتى يقوّي موقفه في التفاوض، فكانت موقعة حردتنين حيث تكبّد النظام فيها مئات القتلى ولم يمهلهم جيش الفتح(!)؛ فبدأ السيل الجارف يقتلع النظام النصيري من إدلب إلى سهل الغاب مرورًا بجسر الشغور وأريحا فأوشك النظام حينها على الانهيار... فلنا في غوطة دمشق ودرعا البطولة رجالًا يأبون الضيم، يجاهدون في الله حقّ جهاده نحسبهم ولا نزكّيهم. ونذكّرهم بدورهم البارز في مرحلة الشام القادمة أن يشمّروا عن سواعدهم، ويجدّوا في الحرب والقتال؛ فإنها الفاصلة بإذن الله... وإلى الأبطال الميامين فرسان الشام وقادتها، ليوث الجهاد والاستشهاد، إخواني في جبهة النصرة... يا جند الشام، لقد شرّفكم الله بجهاد عظيم في أرض طيبة مباركة، تدفعون عن المستضعفين من الناس.... ليكن لسان حالك يا جندي الإسلام... فيا حماة هذا الدين...". الثانية: خطابه لبقية الفصائل بالتخوين والطعن: قال الجولاني: "ليرغم المجاهدين على الجلوس إلى طاولة الحوار مع قاتليهم وجلّاديهم، ويسلّموا أرضًا ارتوت ينابيعها من دماء الشهداء، ويغمدوا سيفًا أمانة المسير حتى التحرير بإذن الله، فكان مؤتمر الرياض ليتبعه جنيف 3، ويُساق المشهد من رحيل الأسد إلى هدنة مخزية مذلّة معه! هدنة ترسم الحدود مرة جديدة، ليصبح أهل السنة في الشام أقليّة في مناطقهم، بعد تهجير الملايين وقتل مئات الآلاف! هدنة تأد الثورة وتُدخل الجهاد الشامي دهاليز المؤتمرات الدولية وملفات الأمم المتحدة فيخرجوه عن أصل معدنه! هدنة تُفضي إلى حل سياسي يبقي مؤسستي الجيش والأمن راعيتي الإجرام والقتل. هذا إن لم يبق بشار نفسه -وهو الأرجح- بعد المرحلة الانتقالية ومدتها ثمانية عشر شهرًا. فيشركوا من يرضى بالخنوع والاستسلام لينضمّ مع مليشيات بشار ضمن جيش وطني، ويمنحوا أصحاب المغامرات السياسية كراسي العار في ظلّ حكومة وحدة وطنية تحت حكم نصيري. وإلى المستمسكين بوعود أمريكا، ألم تسعفكم السنون الخمس من الكذب والمراوغة في معرفة حقيقتها؟! لقد راهنتم على حسن نواياهم ومواقفهم المتلوّنة، فماذا جنيتم معهم سوى تهديدات جون كيري تدفعكم باتجاه الرضوخ، بل تعدّى الأمر إلى استغلال دماء أهلكم ومصابهم من أجل تسوية ملفات إيرانية روسية لصالح أمريكا... أترجون من مجلس الأمن أو الأمم المتحدة أن تصدر منهم قرارات تنصف قضيتهم؟! فلكم في فلسطين عبرة وعظة... ويزداد عجبنا عندما نسمع أن هنالك من يخدع نفسه قبل غيره بأنه يريد اختبار نوايا النظام وإيران وروسيا... فاليوم يظهر الشجاع من الجبان. اليوم يظهر الصادق من الكاذب. اليوم يظهر المؤمن من المنافق. وتشتد الحرب لتظهر معادن الرجال، فقليل من الصبر ينجز الله وعده بنصره..." انتهى. ثم قال محذرًا وناصحًا لجنود الفصائل دون فصائلهم أو قادتهم:" وإلى جنود فصائل الشام: أذكّر نفسي وإياكم بدماء المسلمين ... فكيف لنا أن نخمد نارً أوقدتها دماءٌ طاهرةٌ زكيةٌ، وأنّات ثكالى، وصرخات يتامى، وأمعاء خاوية، وأطفال غرقى في البحار، وصفوف من اللاجئين والمهجّرين، وسجناء طال انتظارهم خلف القضبان، وصيحات مغتصبات ضجّت بها مسامع الناس؟! كل أولئك بانتظار لحظة النصر حتى تُشفى جراحهم، وهي أمانة في أعناقكم فأنتم أهل لحملها إن شاء الله" انتهى. وهذا يشبه ما قاله في (مؤتمره) من تحريض الجنود على الفصائل بعد تخوينها وتخوين قادتها فقال: "معظم الفصائل التي ذهبت إلى هذا المؤتمر ليس لديها سيطرة فعلية على جنودها على الأرض؛ لأن هذا الطرح مرفوض من صغار الناس في الساحة. فحتى لو أعطوا كلامًا بالموافقة فلا أعتقد أن لديهم القدرة على تطبيق هذه الموافقة على الأرض" انتهى. إذًا هو تحريض لجنود تلك الفصائل على التمرد على قادتها.. الثالثة: خطابه لعموم الشعب السوري: تركز جانب كبير من خطاب الجولاني بالثناء على الشعب وجهاده وصبره بكلام غاية في التعظيم والتفخيم،، ومن ذلك على سبيل المثال: " انتفض أهل الشام بوجه ذلك النظام بصدور عارية، وحناجر صادحة، ونفوس كريمة، استعذبت القتل نيلًا للكرامة والعزة ... فغدا الطاغي يشكو الضعف والخور أمام ضرباتكم، واستشعر الناس قيمة العزّة، وعلموا كيف تُسترد الحقوق وكيف تُوهب الحياة. فها هم أهل الشام على مرّ التاريخ إذا لانوا كانوا كالغدير العذب، وإذا غضبوا كانوا كالبركان الهائج ... يا أهل الشام، يا أهل النخوة والرجولة والإباء، يا أهل العزّ والفخر، يا أهل الإيمان، يا من جُعلت أرضكم عُقر دار المؤمنين... أهلنا أهل الشام الكرام، أتوجّه بالشكر الجزيل إليكم. أهل الشام الأوفياء، أهل الوفاء والعطاء..." انتهى. فخلاصة خطابه: أنَّ أهل الشام مجاهدون صابرون، وبقية الفصائل وقادتها خونة مهادنون، وجنود الفصائل المجاهدون لن يطيعوا قادتهم الخونة ويتحرقون للجهاد.. وجبهة النصرة هي الفصيل الوحيد الثابت على الحق والجهاد الذي سيفتح الله على يديه. فهل بعد هذا من وضوح؟ قال عمر عثمان (أبو قتادة الفلسطيني) في تغريدة له بتاريخ 3 فبراير – شباط 2016م معلقًا على الأحداث بين النصرة وبقية الفصائل: "الذين لم يتأملوا صعود طائفة الجهاد مع ما مكر بها، فقوتلت وحوربت ليس لهم عيون الفكر ولا البصيرة، ومثل هؤلاء لا يصلحون لاستشراف الغد والعمل له" انتهى. ثم يأتي مغفلون أو مستغفلون يقولون: تنازل الجولاني عن الإمارة! (2).
النقطة التاسعة: أهداف كلمة الجولاني وآثارها المستقبلية: مع التركيز على النقطة السابقة لابد من استحضار عدة أمور: 1- مشروع النصرة هو مشروع إمارة القاعدة التي ستقيمها جبهة النصرة، وهي إمارة على منهاج النبوة، وإمارة الطائفة المنصورة، وعلى بقية الفصائل وعموم الناس الدخول فيه(3). 2- ترفض جبهة النصرة أي مفاوضات أو هدنة أو حل إلا بتنفيذ ما تريده هي، ولو كان هناك حلول أخرى تتضمن عزل النظام ورموزه وأركان دولته، فقد ورد في بيان الجبهة تعليقًا على ميثاق الشرف الثوري: "نصَّ الميثاق على محاكمةِ رموز النّظام بعيدًا عن الثأر والانتقام، وهذا مخالفٌ للشرع؛ لأنَّ أصحاب الرّدّة المغلظة ليس لهم في الإسلام إلا القتل" انتهى. مع تأكيد الجولاني في كلمته (هذا ما وعدنا الله ورسوله) على استمرار القتال حتى دخول دمشق دون أي حل آخر: " فإنّا على يقين بنصر الله، وكأنّي أرى جموع المجاهدين يدخلون دمشق منتصرين" انتهى. وذلك لأن أي حل آخر هو قضاء على مشروع إمارة جبهة النصرة، وهذا ما ستقف أمامه. 3- هدد الجولاني كل من يقف في طريقه وطريق إمارته بالقتال مرارًا: فقد قال في شريطه المسرب: " لن نسمح لأحد كائناً من كان أن يقطف ثمار جهادكم مهما بلغ بنا الحال، ولو لم يبقى منا قطرة دم واحدة... لن نتهاون مع أحد بعد اليوم أبداً... صحابة رسول الله قاتلوا أحب الناس إليهم، منهم من قاتل أباه، ومنهم من قاتل ابنه ومنهم من قاتل أخاه، وكل هذا لتثبيت معنى الولاء والبراء في ديننا، فأي من يريد أن يؤذي هذه الإمارة التي سنقيمها أو يقف في وجه هذا المشروع كائناً من كان أباً أو أخاً أو غالياً أو أو حتى مفسداً فلن نرحمه بإذن الله عز وجل..." انتهى. 4- في منهج وعقيدة تيارات (السلفية الجهادية) وأهمها تنظيم القاعدة أنَّ الدخول في العملية السياسية، والتعامل مع دول العالم والدول الإقليمية (المرتدة) هو من الردة والخروج عن الدين، وأن الجيوش والفصائل الداخلة في ذلك هي (عساكر ردة وشرك) و(صحوات)، وأن من ساندهم من العلماء وطلبة العلم فهو من (سدنة الشرك).. وأن قتال المرتدين أولى من قتال الكفار الأصليين لأنهم خطر على مشروعهم، كقول (الفلسطيني) في (بين منهجين) [49]: "ووالله إنّ قتال هؤلاء المرتدّين أحبّ وأفضل من قتال اليهود" انتهى. وهذا التكفير تنضح به كتب وفتاوى أئمة الضلال كعمر عثمان (أبو قتادة الفلسطيني)، وعصام البرقاوي (أبو محمد المقدسي)، وكتاب (إدارة التوحش) وغيرها كثير،، وهي جميعها معتمدة مقررة عند جبهة النصرة، وتدرس لجنودها وفي مقراتها، وجنودها متشبعون بها.. وبذلك فإن الصورة القادمة لمستقبل العلاقة بين جبهة النصرة وبقية الفصائل أصبحت واضحة في الانتقال من التخوين العام إلى التخوين الخاص، والحكم بالكفر والردة.. بل إن الجولاني قال في (مؤتمره) عندما سئل عن التخوين الذي يطلقه: "من يضع نفسه في موضع الشبهات فلا يلوم إلا نفسه". ولما سئل عن الفصائل الأخرى التي تشارك في هكذا مؤتمرات وهدن ومفاوضات: ما هو موقفكم من هذه الفصائل؟ هل ستحاربونها؟ هل ستقاتلونها؟ وما هو الموقف منها؟ قال: "لا نريد أن نستبق الأحداث. أنا في تصوري أن معظم الفصائل التي ذهبت إلى هذا المؤتمر ليس لديها سيطرة فعلية على جنودها على الأرض؛ لأن هذا الطرح مرفوض من صغار الناس في الساحة. فحتى لو أعطوا كلامًا بالموافقة فلا أعتقد أن لديهم القدرة على تطبيق هذه الموافقة على الأرض. فلذلك من السابق لأوانه أن نتكلم عن مسائل القتال" انتهى. أي أن القتال قادم لا محالة بسبب التكفير والتخوين،، وهو مجرد مسألة وقت.. 5- تشارك جبهة النصرة عددًا من الفصائل الأخرى في المعارك وساحات القتال،، فالانتقال من هذه حال الشراكة إلى حال المواجهة والقتال لا بد له من مبرر شرعي مقنع لجنود النصرة،، فجاءت هذه الكلمة والمؤتمر الذي قبلها بمثابة إقامة حجة، وبراءة وأعذار إلى هؤلاء (الخونة)،، ولا حاجة للانكار والتحذير بعد ذلك فقد قامت الحجة ببيانات الجولاني! كما أنَّ الجولاني بحاجة لهذا التدرج لإقناع عامة الناس والبعيدين عن الساحة، بل وعدد من المشايخ وطلبة العلم، وذلك بتقديم تهم التخوين والعمالة مقدمًا ليقتنعوا بما يقدم عليه مستقبلاً ويكرر الكلمة المشهورة (ألم نقل لكم)؟
النقطة العاشرة: تصاعد لهجة التخوين استعدادًا للمعارك على الأرض: شهدت كلمة (هذا ما وعدنا الله ورسوله) تصعيدًا غير مسبوق بالتخوين واستعمال عبارات شديدة في إهانة المخالفين مثل: "هدنة مخزية مذلّة معه ... فيشركوا من يرضى بالخنوع والاستسلام لينضمّ مع مليشيات بشار ضمن جيش وطني، ويمنحوا أصحاب المغامرات السياسية كراسي العار في ظلّ حكومة وحدة وطنية تحت حكم نصيري.... إلى المستمسكين بوعود أمريكا ... يزداد عجبنا عندما نسمع أن هنالك من يخدع نفسه قبل غيره ..." انتهى. بل وصل الأمر إلى تعيير المنشقين عن النظام بوجودهم في صفوفه قبل الانشقاق، بطريقة غير أخلاقية حيث قال: "وإن من العجب العجاب أن يساوم على دماء وتضحيات أهل الشام من كان بالأمس ضمن منظومة الظلم والقهر والفساد التي ثار الناس عليهم، ليتحوّل في ليلة وضحاها إلى ممثل أو متحدث رسمي باسم من ضحّوا وقدّموا الآلاف من الشهداء" انتهى. ويبدو أنه لا بد للمنشق عن النظام أن يحصل على رضى الجولاني حتى يصح انشقاقه وإسلامه، كما هو حال العديد من ضباط النظام السابقين الممسكين ببعض مفاصل وقيادات جبهة النصرة حاليًا.. وهذا التصعيد في الشتم والاتهام هو إحدى لوازم مرحلة (قطف الثمرة) التي تمر بها الجبهة حاليًا على خطى من سبقها(4).
وختامًا: إن مشروع جبهة النصرة وتفاصيل منهجها وخطوات عملها باتت معروفةً للقاصي والداني، فما إن انتهت هدنة الأسبوعين حتى صالت على الفرقة 13 مدعومة بفتاوى وتبريرات رأس الخوارج (المقدسي)، وقد زادت هذه المرة على التخوين بأمور: 1- الكذب بادعاء اعتداء الفرقة 13 عليها، ولو كان صحيحًا –وليس كذلك- فرد الاعتداء بمثله، وليس بمهاجمة المقرات في بلدات أخرى والاستيلاء عليها وإنهاء الجماعة (ينظر المرفق). 2- نقض اتفاقية وقعت لرفع الإشكال إلى جهة مستقلة لحلها واستغلال اطمئنان عموم الناس لذلك للانقضاض على الفرقة (ينظر المرفق).. 3- إشراك جماعة جند الأقصى الداعشية في المعركة بأرتال كبيرة، مما يبين تبييت التجهيز والاستعداد للمعركة قبل وقت. وما لم يقف أهل الرأي والحل في وجه هذا المشروع التدميري –والذي نهايته البوار والفشل- فإن سنن الله لا تحابي أحدًا، و(مَا مِنَ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنَ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ) أخرجه أبو داود، وغيره. بل قد يكون هذا الخور والجبن والتخبط عند البعض هو من عاجل العقوبة في الدنيا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.. والحمد لله رب العالمين.
_____________________________
(1) ينظر مقال: أسئلة تتعلق بحركة طالبان وتنظيم القاعدة، راكان اللغيصم http://syrianoor.net/revto/16338 (1) بيان بشأن المفاوضات في جنيف 3 http://sy-sic.com/?p=2876 (2) ينظر مقال: حول إمارة جبهة النصرة: (3) هل تراجع الجولاني عن إعلان الإمارة؟. (3) ينظر مقال: حول إمارة جبهة النصرة: (2) خطة إعلان الإمارة. (4) ينظر مقال: (قطف الثمرة).. فكرة تلخص مسيرة الجماعات (الجهادية).
نور سورية
مجاهد مأمون ديرانية
عباس شريفة
أحمد عبد الرحمن الصويان
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة