..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الواقع السوري وما خفي كان أعظم!

خليل المقداد

٢٧ إبريل ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3529

الواقع السوري وما خفي كان أعظم!
عبود رحمه الله 0.jpg

شـــــارك المادة

قالها أبوعبد الله الحموي حسان عبود تقبله الله في العام 2013 النظام والعالم إن لم يقضيا على الثورة ويعود النظام بالقوة فسيقيمون هدنة أو وقف إطلاق نار يكون للنظام فيها المدن الرئيسية والبحر والعاصمة والانضباط ومظاهر الدولة والقوة العسكرية الواحدة أما المحرر فسيكون إمارات حرب تتصارع على النفوذ وقصف بحجة الارهاب تجعل المدنيين يحلمون بالعودة للنظام.

رحم الله أبا عبد الله وكافة شهدائنا الأبرار فقد كان من القادة الذين فطنوا لحقيقة المخطط المرسوم، ولعل هذا هو سبب تصفيته مع بقية قادة الحركة وعشرات القادة المخلصين الرافضين للتسويات المذلة والأوامر التي تصدرها غرف العمليات الخارجية المسؤولة عن دعم وعمل الفصائل المسلحة.

تطهير مذهبي برعاية أممية:
قبل أيام تم تنفيذ المرحلة الثالثة من هدنة الزبداني – الفوعة – كفريا حيث تم تأمين خروج 240 جريحا ومدنيا من بلدة مضايا مقابل خروج 243 شخصا من بلدتي الفوعة وكفريا وذلك ضمن الاتفاق الموقع بين حركة أحرار الشام ومسؤولين إيرانيين. عملية التبادل هذه جرت قرب بلدة قلعة المضيق بريف حماة حيث تم نقل أهالي الزبداني ومضايا الى ادلب في حين نقل أهالي الفوعة وكفريا الى اللاذقية.

لم تكد تنتهي عملية التبادل حتى بادر نظام الأسد إلى استهداف الزبداني بالبراميل المتفجرة، ليتبعها بعملية اعتقال جماعي لخمسين شخصا جميعهم من المدنيين المرضى الذين خرجوا لتلقي العلاج، الأمم المتحدة بدورها تنصلت من تعهداتها بضمان سلامتهم، وتركتهم يواجهون مصيرهم.
عشرات الهدن التي تم توقيعها مع نظام الأسد، لم تصمد ولم يتم احترام أي منها، في حين صمد هذا الاتفاق رغم الخروقات المتعددة من قبل نظام الأسد وميليشيا حزب الله، التي لم تتوقف يوما، فقد تم إستهداف المدنيين سواء بالقنص أو الاعتقال، أو حرق البيوت، حتى المساعدات التي جرى الاتفاق على إدخالها الى بلدات مضايا والزبداني لم تكن تدخل الا بشق الأنفس، وبعد سرقة بعضها واستبدال بعضها الآخر بمواد منتهية الصلاحية، أما الحالة الصحية لأهالي المنطقة المحاصرين، فحدث ولا حرج، اذ لم يعد هناك وجود لأي أطباء بعد قنص أخرهم على يد ميليشيا حزب الله، وكذلك الحال بالنسبة للقاحات والأدوية، فهي معدومة منذ أكثر من عام.

إتفاق هدنة الزبداني – الفوعة – كفريا كان اتفاقاً ظاهره الرحمة، وباطنه من قِبَلِهِ العذاب، فهو لم يسهم في تخفيف معاناة أهالي وادي بردى، بل كرس الحصار وفرض عليهم ترحيلا قسريا جعل من الهدنة تطهيرا مذهبيا برعاية أممية!
مقارنة بسيطة بين حالة المدنيين الإنسانية في وادي بردى "السني" والفوعة وكفريا "الشيعيتان" ستظهر الفرق الشاسع بينهما، فنظريا كلا المنطقتان محاصرتان، لكن مع فارق أن حصار الفوعة وكفريا شكلي، بينما هو فعلي في حالة وادي بردى، فطيران النظام لم يتوقف يوما عن القاء المساعدات الغذائية والعسكرية على البلدتان الشيعيتان، وهو ما جعلهما تعيشان في بحبوحة، بدت على وجوه سكانهما، في حين أن المحاصرين في وادي بردى كانوا يموتون جوعا حيث سجل أكثر من 60 حالة وفاة بينهم.

حزب الله لم يفوت حتى فرصة إنزال علم نظام الأسد من على الحواجز والمواقع التي يحتلها، وهو تماما ما حدث في مضايا، وذلك في إشارة واضحة الى أن هذه المناطق لم تعد سورية بل إيرانية شيعية، ما يعني تغييرا ديموغرافيا، سيفرض واقعا جديدا على الأرض، من خلال سياسة تهجير سكان وإحلال آخرين مكانهم وبشكل ممنهج ومدروس. نفس الأمر حدث في المناطق التي سيطرت عليها وحدات حماية الشعب الكردية التي أعلنت كانتونها بشكل انفرادي وبفرض الأمر الواقع.

لقد بات واضحا أن هناك أيادي خفية تعبث بقرار الفصائل السورية وتسيرها وفق أجندات خاصة، بما فيها أكبر الفصائل وأشدها شراسة وقتالا للنظام، فعشرات المصالحات والهدن، والتسويات السياسية التي أبرمت ولا تزال تبرم مع قادة تلك الفصائل، لم تأت بخير، ولم تستفد منها المناطق المهادنة، على عكس نظام الأسد الذي كانت هذه الهدن بالنسبة له طوق نجاة يساعده في تقليص رقعة المواجهات مع أكثر من منطقة، ما سمح له بتوجيه وتركيز قوته العسكرية باتجاه مناطق أخرى.

عشرات الهدن أسهمت في تمهيد الطريق أمام الهدنة الكبرى التي تمثلت في اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي تم فرضه من قبل الولايات المتحدة وروسيا، في الشهر الثاني من هذا العام، وهو ما سمح لنظام الأسد وحلفائه بالتركيز على مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية كمدينة تدمر ومحيطها، في حين أن فصائل المعارضة في الجبهة الجنوبية، التي كانت أساسا في شبه هدنة غير معلنة مع نظام الأسد، استغلت الهدنة أيضا، فتفرغت لقتال كل من حركة المثنى الإسلامية ولواء شهداء اليرموك بحجة الانتماء لتنظيم الدولة الإسلامية.

إتفاق وقف الأعمال العدائية هذا، خرقه نظام الأسد وروسيا التي تعتبر أحد رعاته، أكثر من 2000 مرة، لم يكن آخرها مجزة سوق معرة النعمان التي ذهب ضحيتها أكثر من 50 شهيد وعشرات الجرحى إضافة الى سلسلة مجازر أوقعت أكثر من 100 شهيد و200 جريح خلال يومين فقط، لكن هذه الهدنة لا تزال سارية المفعول، وتلتزم بها فصائل المعارضة، التي لم تبادر الى أي رد قوي ومقنع يضع حدا لهذه المجازر.

يحدث هذا للمدن المحررة، في ذات الوقت الذي تنعم فيه الحاضنة الشعبية لنظام الأسد بالأمن والسلام الذي تحلم به، حتى أن بعض هذه المناطق لا تعلم بوجود حرب ومعارك الا من خلال ما تسمعه في وسائل الإعلام أو عند استقبال مشافيها لقتلى المعارك من الجنود والشبيحة.

إن ما يبعث على الأسى والحسرة، هو المآل الذي وصلت اليه ثورتنا، فقد نجحت الهدن والمصالحات والتفاهمات التي فرضها الداعمون، في حرف بوصلة الفصائل المسلحة وتحويل مهمتها من قتال النظام وإيران والميليشيات الشيعية الى شبه تحالف غير معلن مع نظام الأسد تقوم من خلاله بقتال تنظيم الدولة الإسلامية فقط.

إذا أردت ان تفشل ثورة فأغدق عليها المال!
لقد أصبحت الحرب بين الفصائل، وفي جزء كبير منها حربا على المال والنفوذ والسلطة، وصراعا على استلام إدارة المعابر، حتى أن وجود النظام وتنظيم الدولة أصبحا مصدر رزق للعديد من المحسوبين على ثورتنا، حيث بات همهم الأول هو عدم إنتهاء هذه الحرب الملعونة، التي يدفع ثمنها الشعب المكلوم البسيط، والشباب الثائر المجاهد، الذي لا يعلم أن بعضا من قادته الذين تذوقوا طعم المال والسلطة، لن يكونوا مستعدين للتنازل عن مكتسباتهم هذه، حتى للدولة الوطنية مالم يحصلوا على عائد أو مقابل أكبر.

بعد فشل جنيف3 وإعلان هيئة المفاوضات تعليق مشاركتها، خرج الجعفري مزاودا علينا بالوطنية، ومحددا شروطها على من يرغب بتشارك الحكم مع النظام، في حين أن طائرات سيده كانت تدك المدن والقرى والبلدات المحررة، حتى تلك الخاضعة منها لاتفاقات الهدنة، في اكتفى وفد هيئة المفاوضات ببعض الخطب والتصريحات النارية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولم تطبق على أرض الواقع، أما كان أولى بالفصائل المسلحة أن ترد على جرائم الأسد، بإلغاء الهدن وفتح الجبهات وفك الحصار عن المناطق المحاصرة؟

ولو أننا سلمنا جدلا بأنهم عجزوا بالرغم من كل الجيوش المحيطة بدمشق وريفها، ودرعا وريفها، ألم يكن حريا بهم الرد من خلال استهداف نبل والزهراء وغيرها كالفوعة وكفريا لتحقيق أهداف ونتائج مشرفة أكثر. ألا يستحق الذين قتلوا في معرة النعمان وباقي المدن السورية ردا يكون بحجم ثأر؟

لماذا هناك مناطق تعتبر خطوطا حمراء، لا يجرؤ أي فصيل على ضربها ولا الاقتراب منها؟ ولماذا نجح نظام الأسد باستثمار اتفاق وقف الأعمال العدائية رغم خرقه له، فقام باحتلال تدمر بغطاء جوي أمريكي روسي، ثم وسع حزامه الأمني حول دمشق؟ في حين أن مناطق سيطرة الجيش الحر شهدت ازديادا في عدد حالات التعدي على الأرواح والممتلكات، فكثرت السرقات والخطف والاعتقال والاقتتال بين الفصائل، حتى وصل الأمر حد أن كثيرا من الناس بات يترحم على ظلم المجرم بشار؟ هل هذا ما حلمنا به وثرنا من أجله؟ وهل هذا ما دفع مئات الوف السوريين أرواحهم في سبيله؟

هل غاب عن بال قادة الفصائل، أن هذا بالضبط هو ما يريد ان يوصلنا اليه نظام الأسد، ومن خلفة أنظمة الحكم المستبدة، التي استشعرت خطر ثورات الشعوب العربية فوقفت سدا منيعا في وجهها، وإن من خلال الظهور بمظهر الداعم والمساند لثورتنا التي أفسدها هذا الدعم على كثرته.

عندما نتحدث عن هدنة أو اتفاق وقف لاطلاق النار فهذا يعني بالضرورة توقف كافة الأعمال القتالية الرئيسية، لكن الحقيقة هي أن القصف لم يتوقف يوما ولم يتم فك الحصار عن المناطق المحاصرة ولم يتم ادخال المواد الإغاثية الى المناطق المحتاجة فعليا كمدينة داريا الباسلة، أما عشرات الوف المعتقلين فلم يتم الإفراج عن أي منهم، رغم تعهد هيئة المفاوضات بعدم الذهاب الى جنيف مالم تتحقق هذه المطالب الإنسانية، ما حدث لاحقا هو العكس تماما، فقد استمرت الاعتقالات والممارسات التعسفية بحق المناطق المحاصرة، وآخرها عمليات الخطف المستمرة التي يقوم بها شبيحة مستوطنة عش الورور بحق نساء منطقة برزة.

حتى مجرد التلويح بالتوقف عن المشاركة في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية كان يمكن أن يعطي نتائج جيدة ويجبر الجميع على التعاطي بإيجابية مع الشأن السوري، بل والتوقف عن اللعب والمتاجرة بدماء السوريين، فهل يعقل أن يتحول المحرر من الأرض السورية إلى إقطاعيات يتصارع عليها قادة الفصائل المسلحة؟ وهل يعقل ان يصبح المواطن البسيط هو السلعة التي يتاجر بها هؤلاء؟

شهادات عديدة من الداخل تشي بأن الواقع أصبح مريرا جداً، فحتى أولئك الراغبين بالفرار من جحيم الحياة التي ما عادت تطاق، يضطرون لدفع مبلغ قد يصل الى 200 ألف ليرة سورية عن الشخص الواحد للفصائل المسيطرة، هذا بدل ان تقوم هي بتسهيل حركة الناس والتيسير عليهم وتأمين سلامة وصولهم وتنقلهم من منطقة لأخرى؟

ما لا يعلمه قادة الفصائل هو أن الحالة المتردية التي تعيشها الكثير من المناطق المحررة، كان ولا يزال هدفا يسعى اليه نظام الأسد، وحتى الداعمون المفترضون، وذلك لتنفير الحاضنة الشعبية من هذه الفصائل، وصولا الى تركيع الشعب ودفعه الى حظيرة الطاعة من جديد، أما السؤال الذي يطرح نفسه فهو: ماهي فائدة الهدن والمصالحات إذا لم تستطع وقف القصف، ورفع الحصار وإدخال المساعدات الإغاثية؟

إن تكريس واقع لا غالب ولا مغلوب، هو مطلب العديد من الأطراف التي تتربح وتعتاش على الدماء، وشعبنا بات مدركا لهذه الحقيقة، وهو قاب قوسين أو أدنى من أن يكفر بهؤلاء بعد أن كفر بالأسد، فلا تستخفوا بهذا الشعب الذي ضحى وقدم وخسر كل ما يملك، فهو الذي صنعكم ومنحكم شرعية ما كنتم لتحصلوا عليها لولا رفعكم لشعار قتال الأسد وحماية الأعراض والممتلكات، وهو يستحق أن تكونوا في خدمته لا أن تتخذوا منه عبيدا لكم وسلعة تباع وتشترى.

لقد استطاع أجدادنا مقاومة المستعمر الفرنسي، وإجباره على الرحيل عن وطننا سورية، بإمكانيات ذاتية ودون داعمين، أو أصدقاء وغرف عمليات خارجية!

هي رسالة محب غيور، فعساها تجد آذاناً صاغية، وقلوباً مفتوحة، تصحح الخلل والاعوجاج قبل فوات الأوان، فشعبنا عانى الأمرين على مدى أكثر من خمس سنين حتى بات الشخص يعتقل ليس من قبل نظام الأسد بل على يد من يفترض أنهم نتاج ثورته، ولمجرد كلمة قالها، أو منشور وضعه على وسائل التواصل الاجتماعي، هذا عدا عن التجاوزات الأخرى، وما خفي كان أعظم، فإلى متى؟
 

 

أورينت نت

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع