أنور مالك
تصدير المادة
المشاهدات : 7271
شـــــارك المادة
القانون الدولي لا يقبل التمييز ولا الازدواجية ولا الكيل بمكيالين، فهو ثابت بمواده ومعاهداته ومواثيقه، وما يجري على جهة لا يستثني أخرى، كما أنه لا يميز بين البشر لدينهم أو عرقهم أو لونهم أو جنسيتهم أو جنسهم أو طائفتهم.
غير أن هذا لم تتقيد به إيران أصلاً، ولا التزمت في ممارساتها على ما وقّعت وصادقت عليه من معاهدات ومواثيق دولية، حيث أخضعت القانون الدولي لمصالحها الفئوية والطائفية فقط، من دون أدنى مراعاة لحق الإنسان في الحياة والحرية والدين والثقافة وغيره.
التمييز العنصري الإيراني:
إن التمييز العنصري محظور في القانون الدولي، ومن يمارسه يعتبر مجرماً وجبت ملاحقته في القضاء.
ورد في الفقرة (1) من المادة الأولى من "الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أنواع التمييز العنصري"، المؤرخ في 21 ديسمبر/ كانون الأول 1965، وبدأ نفاذها في يناير/كانون الثاني 1969 التي وقعتها إيران عام 1967، وصادقت عليها عام 1968.
(في هذه الاتفاقية، يقصد بتعبير "التمييز العنصري" أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني، ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، أو التمتع بها أو ممارستها، على قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي، أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة".
وجاء في ديباجة هذه الاتفاقية:
"إن الدول الأطراف في هذه الاتفاقية، إذ ترى أن ميثاق الأمم المتحدة يقوم على مبدأي الكرامة والتساوي الأصيلين في جميع البشر، وأن جميع الدول الأعضاء قد تعهدت باتخاذ إجراءات جماعية وفردية، بالتعاون مع المنظمة، بغية إدراك أحد مقاصد الأمم المتحدة المتمثل في تعزيز وتشجيع الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً، دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين.
وإذ ترى أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يعلن أن البشر يولدون جميعاً أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وأن لكل إنسان حق التمتّع بجميع الحقوق والحريات المقررة فيه، دون أي تمييز، لا سيما بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي. وإذ ترى أن جميع البشر متساوون أمام القانون ولهم حق متساوٍ في حمايته لهم من أي تمييز ومن أي تحريض على التمييز".
لقد تجلى التمييز العنصري لدى إيران واضحاً مثل الشمس في رابعة النهار، من خلال ما يتعرض له عرب الأحواز والبلوش والأكراد وكل الطوائف الأخرى من غير الفرس.
حيث إن إيران تمارس شتى أنواع التمييز العنصري ضد الثقافة العربية في الأحواز، وهذا ما يتنافى مع المادة الخامسة من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أنواع التمييز العنصري، والتي جاء فيها:
"تشجب الدول الأطراف جميع الدعايات والتنظيمات القائمة على الأفكار أو النظريات القائلة بتفوّق أي عرق أو أية جماعة من لون أو أصل إثني واحد، أو التي تحاول تبرير أو تعزيز أي شكل من أشكال الكراهية العنصرية والتمييز العنصري، وتتعهد باتخاذ التدابير الفورية الإيجابية الرامية إلى القضاء على كل تحريض على هذا التمييز وكل عمل من أعماله، وتتعهد خاصة، تحقيقاً لهذه الغاية، ومع المراعاة الحقة للمبادئ الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وللحقوق المقررة صراحة في المادة 5 من هذه الاتفاقية، بما يلي:
(أ) اعتبار كل نشر للأفكار القائمة على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية، وكل تحريض على التمييز العنصري، وكل عمل من أعمال العنف أو تحريض على هذه الأعمال يرتكب ضد أي عرق أو أية جماعة من لون أو أصل إثني آخر، وكذلك كل مساعدة للنشاطات العنصرية، بما في ذلك تمويلها، جريمة يعاقب عليها القانون.
(ب) إعلان عدم شرعية المنظمات، وكذلك النشاطات الدعائية المنظمة وسائر النشاطات الدعائية، التي تقوم بالترويج للتمييز العنصري والتحريض عليه، وحظر هذه المنظمات والنشاطات، واعتبار الاشتراك في أيها جريمة يعاقب عليها القانون.
(ج) عدم السماح للسلطات العامة أو المؤسسات العامة، القومية أو المحلية، بالترويج للتمييز العنصري أو التحريض عليه".
الممارسات الإيرانية العنصرية واضحة ولا يمكن أن تخفيها أبداً، حيث إن العرب والبلوش والأكراد وغيرهم يعانون من تمييز عنصري كبير، وقد تجلت العنصرية الفارسية الإيرانية بوضوح في عدة مناطق، نذكر منها على سبيل المثل دولة الأحواز العربية المحتلة.
لقد قامت إيران بالقضاء على إمارة بني كعب العربية بعد أسر الشيخ خزعل الكعبي في 25 أبريل/نيسان 1925 من قبل الفرس، ومنذ سيطرة إيران على الأحواز اتبعت سياسة تمييزية ضد العرب في التوظيف والثقافة، ومنعتهم من تعلم اللغة العربية، وحتى استعمالها في المناسبات.
نقلت تقارير حقوقية أن العرب يعانون من صعوبة الحصول على فرص لدخول الجامعات الإيرانية، كما يعانون من التمييز في فرص العمل والرتب الوظيفية والرواتب مقارنة بنظرائهم من غير العرب.
"علاوة على ذلك، اتبعت السلطات سياسة تفريس الإقليم لتغيير طابعه السكاني، فجلبت آلاف العائلات من المزارعين الفرس إلى الإقليم منذ عام 1928، وكانت سرعة تكاثر هؤلاء أعلى من سرعة تكاثر العرب".
من جهة أخرى، نجد نائباً برلمانياً يمثل الأحواز وعضو الهيئة الرئاسية في البرلمان الإيراني، شريف الحسيني، قد اتهم السلطات الإيرانية بممارسة العنصرية والتمييز ضد السكان الأصليين للإقليم.
لقد ثبت من خلال التقارير الكثيرة أن إيران تمارس العنصرية على العرب في الأحواز، تجلت في:
- تمنع على العرب الأحواز دراسة لغتهم وثقافتهم العربية.
- تحظر إيران على الأحوازيين استعمال تقاليدهم العربية وتعاقب إلى حد الإعدام كل من يرفض الثقافة الفارسية التي تفرض بالقوة العسكرية.
- الأولوية لدى إيران هي للعرق الفارسي قبل الدين، حيث إن الشيعة العرب في الأحواز الذين يرفضون الاحتلال الإيراني أو يريدون ثقافتهم العربية يتعرضون للإعدامات والملاحقات.
لم يقتصر شأن العنصرية الإيرانية على الأحواز المحتلة فقط، بل تعدت إلى دول أخرى، وهي تمارسها في العراق وسوريا واليمن ولبنان، حيث تلاحق كل من يختلفون مع إيران، سواء دينياً أو عرقياً، فهي تعمل على إبادة الجنس العربي، كما تخوض حروباً على أهل السنة في عدة دول، وتقترف مجازر جماعية، وحتى إبادة كاملة الأركان، خصوصاً في سوريا، وقد تجلت هذه الإبادة في مجزرة الغوطة الكيماوية التي جرت في 2013/8/21.
ازدواجية إيران مع الثورات العربية:
لم يقتصر شأن إيران على ممارسة العنصرية والتمييز والكيل بمكيالين وملاحقة الأعراق الأخرى من غير الفرس، بل إنها تمارس الازدواجية أيضاً في التعامل مع ثورات الشعوب العربية، وعملت ما في وسعها كي تحولها من "ربيع عربي" إلى آخر فارسي يخدم مشروعها التوسعي في المنطقة العربية والعالم الإسلامي.
1- ثورة تونس:
تحفظت إيران في التعليق على الثورة التونسية عند بدئها، حيث إنها فاجأت الكثيرين، ومن بينهم طهران، غير أن الموقف الإيراني تحوّل إلى تأييد معلن عقب فرار زين العابدين بن علي إلى السعودية، وعبّر غالبية النواب في مجلس الشورى الإيراني (البرلمان) عن دعمهم لثورة الشعب التونسي.
وجاء في بيان وقعه 228 من النواب الـ290 أن "برلمان الأمة الإيرانية يدعم بثبات الحركة الثورية للشعب التونسي الشجاع ويتمنى له التوفيق"، وأضاف البيان أن "صرخة الحرية التي أطلقها الشعب التونسي أنهت مرحلة الطغيان ووضعت ابتسامة على وجه هذا الشعب المضطهد".
وقال النواب إن سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي جاء "نتيجة النضال التاريخي للشعب ضد الاضطهاد من جهة، وعدم اكتراث النظام لحاجات الشعب من جهة أخرى".
لقد كان التحوّل في موقف إيران، والطعن الذي جاء منها في الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، يرجع أساساً لسبب استقبال السعودية له، حيث ركز الإعلام الإيراني حينها على أن بن علي كان معادياً للإسلام، وبلغ الأمر حد وصف ثورة تونس أنها استمرار لثورة الخميني، وتهاطلت مقالات تتحدث عن وجه الشبه بين ثورة إيران وثورة تونس.
الهجوم على الرئيس التونسي المخلوع كان مفاجئاً أيضاً، فقد كان نشاط التشيّع في عهده لا يجد مضايقات، حتى صارت تونس تصدر التشيّع إلى دول الجوار، وعلى رأسها الجزائر، حيث نشهد أن الولايات الحدودية هي أكبر ولايات تشهد حضوراً شيعياً.
2- ثورة مصر:
أيدت إيران بحذر الثورة المصرية في بدايتها، حيث قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية رامين مهمانبراست، أوائل فبراير/شباط 2011، إن بلاده تتابع عن كثب الأحداث الجارية في مصر.
واكتفى بالقول إن بلاده تتوقع من السلطات هناك الإصغاء لصوت الشعب، وتلبية مطالبه المشروعة وعدم لجوء قوات الأمن والشرطة إلى العنف في التعامل مع الانتفاضة الشعبية التي تحولت إلى ثورة.
ومع اشتداد حدة الاحتجاجات المصرية قال الرئيس الإيراني حينها محمود أحمدي نجاد إن الثورة التونسية والانتفاضة في مصر ضد حكم الرئيس حسني مبارك تمثلان "صحوة إسلامية" تشبه ثورة إيران.
وحذر في كلمة بذكرى انتصارات الثورة الإيرانية في الحادي عشر من فبراير/شباط 2011 من سماها "قوى الاستكبار" من التدخل في شؤون مصر وتونس، ودعا نجاد هذه القوى لترك شعوب المنطقة تختار ما تقرره بنفسها.
ومع تواصل مظاهرات المصريين اعتبر المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية أن انتفاضة مصر وتونس ستكون إيذاناً بهزيمة منكرة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وأكد أن أمريكا هي أول من سيدير ظهره لحلفائها أمثال الرئيس المصري حسني مبارك.
وقال خامنئي في خطبة الجمعة بطهران: "إذا تمكن المحتجون من المضي قدماً فإن السياسات الأمريكية في المنطقة ستمنى بهزيمة منكرة"، ودعا شعبي مصر وتونس إلى الالتفاف حول دينهم والتصدي للغرب.
وقال: إن "الشعب المصري الحكيم وذا الخلفية المسلمة المشرقة موجود في الساحة حالياً، وينبغي توخي الحذر كي لا يحرف العدو الحركة الشعبية هناك، ويوصل فرداً منتمياً للنظام الفرعوني المصري إلى السلطة".
الموقف الإيراني من ثورة مصر يعود أساساً إلى طبيعة العلاقة بين القاهرة وطهران، حيث إنها كانت سيئة للغاية، فضلاً عن أن الحكومة المصرية آنذاك قد ألقت القبض على خلية المدعو "أبوشهاب" التابعة لتنظيم "حزب الله"، وهو الذي دفع حسن نصر الله إلى الهجوم على نظام مبارك، وبعدها أيد الثورة الشعبية ضده.
يتبع...
الخليج اونلاين
مزمجر الشام
فيصل القاسم
جمال سلطان
علي حسين باكير
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة