باسل العودات
تصدير المادة
المشاهدات : 5005
شـــــارك المادة
لم تخل سورية طوال العقود الخمسة الأخيرة من المعارضة الوطنية، سواء على مستوى المعارضة المُنظّمة أم الشخصيات المستقلة، أم المفكرين والمثقفين الثوريين، من مختلف الخلفيات الطبقية والإيديولوجية والفكرية، ولم تتوقف يوماً عن المطالبة بالتغيير والديمقراطية والحرية ووقف الفساد والتمييز، واستخدم النظام كل الوسائل للتخلص منها وكبت أنفاسها، وانتهج معها أعلى درجات القسوة عبر أجهزة أمنية استبدادية لا ترحم، ما جعل غالبيتها العظمى تنشط بالسر أو تهرب للخارج أو تخفض سقفها لضرورة السلامة والبقاء في الداخل.
مع انطلاق الانتفاضة، ظهر المعارضون من تحت الرماد، من كل الأجيال والأفكار، تظاهروا وغنّوا وألّبوا الرأي العام وحشدوا للثورة ونظّروا لها، وصمدوا رغم عنف النظام وآلته الأمنية والعسكرية والحربية، ونشطت تلك المعارضات التقليدية القديمة، وظهرت تيارات وقوى وكتل سياسية معارضة جديدة، يسارية ويمينية وإسلامية وليبرالية وغيرها، في الداخل والخارج، وفي كل المدن والبلدات والقرى والحواري.
مع ظهور التيارات والكتل السياسية المعارضة وبدء نشاطها على الصعيد المحلي ولاحقاً على الصعيد العربي والدولي، بدأت تلك الكتل والتيارات تسعى لتوسيع قاعدتها الجماهيرية وزيادة عديد أنصارها، وصار هناك تنافس بينها في محاولة كل طرف للتفوق الكمي على الآخر.
خلال أربع سنوات، ظهر المجلس الوطني، ثم هيئة التنسيق، فالمنبر وبناء الدولة والائتلاف الوطني وأخيراً الهيئة العليا، كما ظهرت مجالس ذات صبغة قومية وأحزاب ذات صبغة إثنية، وتجمعات أهلية وثورية، وصار في سورية مئات القياديين السياسيين المعارضين المعروفين لوسائل الإعلام العربية والدولية، ومثلهم من الحقوقيين وناشطي المجتمع المدني والثوريين، ولكلٍ منابره للتسويق لرؤاه.
لم يكن لدى هذه التيارات والكتل السورية المعارضة آلية واضحة للتنسيب أو لضم الأفراد أو لفرز القياديين والتحقق من خلفياتهم، فتسارع الأحداث ورغبة هذه الكتل بتضخيم حجمها لتكون الأجدر بتمثيل الثورة دفعها لفتح الباب واسعاً أمام الجميع وخاصة لأصحاب الأصوات العالية.
كان السوريون أصحاب الثورة ذوي صدور رحبة منذ الأيام الأولى للانتفاضة، وحتى خلال تطور مسارات الثورة، حيث اعتبروا أن كل سوري يقف معهم ضد النظام هو شريكهم بالوطن والحاضر والمستقبل والمصير، ولم يُميّزوا بين منطقة أو دين أو طائفة، وعاملوا كل من قال كلمة حق في النظام وكأنه معارض، ولم يأخذوا بالحسبان مهارة النظام واحترافه بزرع رجاله ومُخرّبيه في كل مكان.
لم يكن مفاجئاً اكتشاف السوريين وجود شخصيات بين معارضتهم تعمل للنظام أكثر مما تعمل للثورة، تدعو للقبول بالفتات بحجة ضعف المعارضة، وتُلحّ على ضرورة التنازل عن جزء أساسي من مطالب الثورة بحجة عدم اكتراث المجتمع الدولي بها، وتدعو للتساهل مع القتلة من زبانية النظام بحجة التسامح الطائفي وحقوق الأقليات، ولا ترى ضيراً بمشاركة النظام الآن وبالمستقبل تحت مسمّى التشاركية، وتشتم المعارضة أكثر من النظام بكثير بحجة فسادها وفرديتها، وتنسى أن مهمتها دعم الثورة وتصويب أخطائها لتحقيق أهدافها بتغيير النظام لنظام تعددي ديمقراطي غير طائفي يحتوي كل السوريين ويُساوي بينهم.
يصف أصحاب الثورة بعض الشخصيات المعارضة بأنها "رخوة" أو "مترددة"، ويصفونها أحياناً بأنها "معتدلة" أو "هادئة"، ولا يجدون مشكلة مع مثل هؤلاء، فالاختلاف بالوسائل والتكتيكات لا يُفسد العمل المشترك، لكنهم لم يبرروا يوماً لـ "المشكوك بهم" أو "المقربين من النظام"، وبدأ بعضهم مؤخراً يضع خطوطاً إطارية معيارية لتقييم المعارضين، قد تكون بداية لتصويب ما فات.
متابعة دقيقة لمواقف وآراء الطيف السوري المعارض الواسع تُشير إلى أنه يقوم الآن بعملية فرز ضرورية لم تقم بها التيارات والكتل السياسية المعارضة، وأنه بات حاسماً بأنه ليس معارضاً كل من يدعو للتسامح مع النظام ومصالحته، ومن يدعو لمد اليد لزبانية النظام ولو تكتيكياً، أو يدعو لبقاء نصفه أو ربعه، ومن يطالب بالتساهل مع القتلة من النظام، ومن يُطالب أيضاً بحل الكتائب الثورية المسلحة قبل أن يجد وسيلة لوضع حد لعنف النظام.
بات الطيف السوري المعارض الواسع مقتنعاً بأنه ليس معارضاً كل من يدّعي أنه يدافع عن الأقليات خوفاً عليها من الأكثرية، وكل من يُصوّر هذه الأكثرية على أنها باطشة هدفها الانتقام، وكل من يقول إن المدن الثائرة انتفضت لأسباب دينية (سنّية)، ومن يدّعي أن الميليشيات القاتلة التي أفلتها النظام ليست طائفية، ومن لا يرى أن التدخل الإيراني جذره فارسي وأداته طائفية، وكل من يُدافع عن تاريخ النظام ويقول إنه لم يكن طائفياً تمييزياً طوال خمسة عقود ولم يستخدم طائفته ويُقحمها بحربه.
هذا الطيف المعارض، يشدد أيضاً على أن كل من يُميّز بين المعارضين المقيمين بالداخل أو بالخارج ليس معارضاً، وكذلك الأمر كل من يشتم المعارضة دون تمييز ليل نهار، ويؤكد على أن كل من يُطالب بفصل جزء أو الاستئثار بحكم جزء من سورية ليس معارضاً، وكذلك الأمر كل من يُخزّن السلاح ولا يُعطيه لمن يحاول أن يحمي المدنيين، وكل من يُبرر أعمال تنظيمات مُصنّفة كتنظيمات إرهابية.
قد تبدو عملية (غربلة) المعارضين متأخرة، لكنها مع ذلك ضرورية للغاية، خاصة إن أراد أصحاب الثورة أن يُصوّبوا أخطائها، ويُعدّلوا مساراتها، ويحموها من الدخلاء، ويُحصّنوها من الاختراقات، ويُبعدوا عنها أصحاب الطابور الخامس.
أورينت نت
ياسر محجوب الحسين
فاطمة ياسين
بريل ديدي أوغلو
عمر قدور
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة