نبيل العتوم
تصدير المادة
المشاهدات : 2996
شـــــارك المادة
أعلن الجيش الإيراني أن قوات خاصة تابعة للواء 65 تخوض المعارك حاليًا بسوريا، كما سيتم إرسال عناصر من وحدات جديدة أخرى لتعزيز الوجود الإيراني هناك والدفاع عن أمن إيران القومي، في حين يعلن الإعلام الإيراني يومياً عن سقوط المزيد من ضحاياه، مع التعتيم طبعاً على حجم الخسائر إلى جانب المليشيات المدعومة منها. لكن ما مغزى هذا الإعلان الإيراني اللافت للنظر وتوقيته، إلى جانب التساؤل عن أسبابه ودوافعه؟!!!.
المسؤولون الإيرانيون كانوا يرفضون في السابق الاعتراف الرسمي بوجودهم العسكري في سوريا، ويطلقون على قتلاهم اسم “المتطوعين المؤمنين“، و”المجاهدين المؤمنين” كما لا يتوانون عن الادعاء بأن قوات البسيج ”التعبئة”، وضباط ”الباسدران” الحرس الثوري -الذين قتلوا في المعارك السورية- أغلبهم من المتقاعدين أو عسكريين قدامى أو مستشارين.
في حين يكرر المسؤولون العسكريون والسياسيون الإيرانيون القول أن القوات المتواجدة في سوريا تؤدي دورًا استشاريًا فقط؛ بمعنى أنها غير منخرطة في العمليات العسكرية على الأرض، وهذا يشكل بحد ذاته إخفاء واضح لنوايا إيران الحقيقية المتورطة بذبح الشعب السوري الأعزل.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقد أكد قائد الحرس الثوري الإيراني بالأمس أن بلاده سترسل المزيد من القوات البرية ذات المهام الخاصة بشكل عاجل إلى سوريا لدعم النظام السوري.
وهذا بحد دوره يكشف النقاب عن الزيادة التي تقوم بها طهران لعدد قواتها، الموجودة حاليا في سوريا، لتكون أكبر قوة أجنبية موجودة في سورية وذلك لأهداف عديدة.
فمما لا شك فيه أن إرسال قوات إيرانية إلى سوريا يتزامن مع استئناف مفاوضات جنيف، مما سيسهم في تقويض الحل السياسي، وإفشال عملية التفاوض، على اعتبار أن فشل الهدنة سيؤدي تلقائياً إلى توقّف هذه المحادثات التي ولدت ميتة أصلاً. وهو ما تريده طهران فعلاً، لأنه يتوافق مع مصالحها وأهدافها، وهو بعض من أهداف ولاية الفقيه. وإلى جانب ذلك فهو يهدف إلى تثبيت أكبر قدر ممكن من السيطرة على الأراضي السورية، وتعزيز فكرة الاحتلال بمضمونها الجيوستراتيجي، لتعزيز فرص إشراكها بشكل رئيسي في أية حلول حول مستقبل سوريا؛ حيث تتطلع طهران للتعجيل بالحصول على مكاسبها في الآونة الأخيرة على ضوء التوافق الأميركي–الروسي.
ومن البديهي التنويه كذلك إلى أن طهران تحاول الترويج إلى الهدف الرئيس من إرسال قواتها الخاصة إلى سوريا للتركيز على هدف أساس وهو ليس فقط دعم نظام بشار الأسد، بل قتال تنظيم الدولة، والتمهيد لإستراتيجية إدماج طهران ضمن التحالف الغربي لتحقيق أهدافها في المنطقة، وفضلا عن ذلك فهو بالنسبة لها يعزز فرصها في تطبيع علاقاتها مع الغرب عموماً، والولايات المتحدة على وجه الخصوص وهو ما تتطلع إليه إيران دائما.
إن كل ما تشهده إدارة النزاع في سورية ومنها المفاوضات التي تحاول طهران توظيفها لتحقيق أكبر قدر من المكاسب الممكنة من خلالها، على أساس أنّ العملية السياسية في نهاية المطاف تُدار بتنسيق كامل بين واشنطن وموسكو.
لهذا بادرت طهران -علناً هذه المرة- إلى التأكيد على إرسال القوات الخاصة إلى سورية، ليتحول الدور الإيراني في سورية إلى واحدة من المتغيرات المهمة لتحديد أفق التفاهم الأميركي– الروسي الذي سيكون الحل السياسي على أساسه، وبهذا تتمكن طهران من زيادة مكاسبها الفعلية، بعد أن ترسخ قدمها هناك.
أما موضوع بقاء الأسد في السلطة فقد حدثت انعطافه كبيره في السلوك الإيراني تجاه هذا الموضوع، الذي لم يعد يمثل أولوية بالنسبة لطهران، على افتراض أنها تسعى إلى إحياء معاهدة الدفاع المشترك مع النظام السوري، ما دام البحث في مصير الأسد بات بحكم المؤجل بتفاهم الروس مع الأميركيين مع.
لا شك بأن خطة زيادة إيران عدد قواتها الخاصة التي أُرسلت إلى سوريا، يعكس وجود تفاهم أميركي روسي بشأن هذا الوجود؛ إذ لا يمكن أن يتم ذلك بأي شكل دون ضوء أخضر من واشنطن وموسكو.
وهذا يضمن عدم تورط القوات الأميركية والروسية بما يجري في سوريا بشكل مباشر، وترك طهران تقاتل نيابة عنهم، وبهذا تصير طهران بمثابة الشريك المؤثر والفاعل في رسم مستقبل النظام، وتحديد شكل الحكم على حد اعتقاد دولة ولي الفقيه.
المثير هذه المرة، أن إدارة أوباما لم تنتقد لا إرسال القوات الخاصة الإيرانية ولا «فيلق القدس» ولا «قوات البسيج» فعناصر القوات الخاصة التابعة للجيش الإيراني، ستنفّذ مهمتها بالوكالة ونيابة عنهم.
ويبدو أن الزيادة في عدد القوات الإيرانية ستكون كبيرة، بحسب ما ذكره المسئولون الإيرانيون، وثمة أسباب عدة وراء ذلك، يمكن إجمالها بالتالي:
1- الهدنة العسكرية المؤقتة التي حددت معادلة الصراع حسب الرؤية الإيرانية، وأهمية توظيفها بشكل صحيح، والتي حددت معها طهران والنظام السوري أولوية قتال العدو المتمثل في تيارات المعارضة المعتدلة، وهو ما تحاول طهران استغلاله حسب مفهومها لتعريف العدو، ومصادر التهديد.
2- السعي لوقف الانتصارات التي حققتها الحركات المسلحة المعارضة المدعومة من جانب السعودية وقطر وتركيا، تحت غطاء محاربة التيارات التكفيرية.
3- تكثيف المهمات القتالية للقوات الإيرانية لتحقيق مكاسب إستراتيجية على الأرض السورية مع الاستعدادات لخوض معركة حلب الكبرى وغيرها؛ خاصة أن هذه المعارك تتطلب وجود قوات خاصة، متعددة المهام بسبب خصوصية المنطقة، وطبيعتها الجغرافية.
4- الرغبة الإيرانية بالتظاهر في إثبات جدية طهران في الحرب على الإرهاب، فعلى الرغم من وجود تفاهمات عسكرية وأمنية كبيرة مع النظام السوري فيما يتعلق بمناطق النفوذ والسيطرة في سورية، فإنه سيجري إعادة رسم الجغرافيا والنفوذ من جديد وهذا اتضح بصورة جلية بعد مسرحية سيطرة جيش النظام السوري على تدمر، والترويج الإعلامي السوري الإيراني لمحاولات التجهيز للتوسع شمالا نحو دير الزور والحسكة.
5- الاستعداد لاحتمالات السيناريوهات الأسوأ لحماية النظام السوري، والتي قد تلجأ فيه طهران إلى عمليات كوماندوس خاصة لحمايته، ومنع تكرار حادث تفجير خلية الأزمة في دمشق الذي راح فيه أعمدة النظام السوري.
6- ثمة إستراتيجية جديدة في أن تكون زيادة عدد القوات الإيرانية تهدف إلى إنشاء نواة لقواعد عسكرية إيرانية دائمة على غرار القواعد الروسية، خصوصًا مع دخول الأزمة السورية منعطف خطير، حيث تعكس مرحلة جديدة بدأت القيادات الإيرانية الترويج لها، و هي تركز على موضوع إيجاد نقاط ارتكاز ونفوذ على الأرض السورية لحماية المجال الحيوي الإيراني، وحماية المصالح الإقليمية لإيران؛ إذ تسعى طهران لتثبيت تواجدها في سورية مع دخول العملية السياسية والعسكرية مرحلتها الأصعب.
7- لاشك أن التطورات الميدانية الأخيرة تشير إلى نيّة إيرانية بشكل أكبر لكسر الهدنة. لأهداف كثيرة، حيث ترفض طهران تقدّم قوات المعارضة المعتدلة المدعومة عربياً وتركياً، والخوف من استثمار هذه القوات لمرحلة الهدنة لإعادة بناء قدراتها البشرية والتسليحية؛ ما دفعها لدعم ميلشياتها وأدواتها الدموية بغية تنفيذ الكثير من الخروقات التي تستنفزها للرد. وتتعزز هذه الرؤية مع معلومات من الميدان عن التحضير لعملية كبرى في أرياف حلب واللاذقية وحماه، تأتي في الإطار الخاص لجيش النظام وإيران وميليشاتها، حيث تفيد القراءة المعمقّة للمشهد السوري نيّة طهران لإشعال الأزمة السورية من جديد تحت ذريعة مواجهة تنظيم داعش، واختلاط نفوذ التيارات المعارضة على الأرض بين داعش والنصرة والتنظيمات العسكرية المعارضة الأخرى على حسب زعم طهران وموسكو.
8- لا شك بأن القوات الإيرانية ومليشياتها إلى جانب قوات النظام السوري لقتال داعش في الرقّة سيُسقط من أيادي طهران وقوات بشار الأسد ورقّة قويّة تسعى لاستثمارها بقوة في الأزمة السورية، ورقةً كانت أحد أبرز الأسباب لزيادة عدد جنودها ومرتزقتها بشكل كثيف في سوريا. لكن بالمقابل كيف ستستثمر طهران الأزمة السورية في حال تم القضاء على داعش وأخواتها؟
وما هي الذريعة التي ستقدّمها دولة ولي الفقيه لاستمرار بقائها ووجودها في سوريا، وتحت أية حجة؟
وما هي المبررات الجديدة التي ستختلقها للتقارب مع الغرب في حال زوال توظيف القاسم المشترك المتمثل بمكافحة الإرهاب؛ وفي مقدمته طبعاً محاربة داعش؟
مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية
عمر قدور
زياد الشامي
أحمد موفق زيدان
لبيب النحاس
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة