عبد المنعم زين الدين
تصدير المادة
المشاهدات : 5808
شـــــارك المادة
في الأصل لم تكن الفصائل في الساحل تمتلك خزاناً بشرياً كباقي المحافظات، لأسباب عدة:
منها هجرة الشباب، وتناثر القرى، وطبيعة الجبال قليلة السكان، وتقاسم الساحل مع حاضنة النظام المجرم. كما لم تكن جبهة الساحل من الجبهات المدعومة عسكرياً لأسباب عدة أيضاً: منها التضييق الخارجي، خوفاً على الأقليات المدللة، وانشغال الفصائل بجبهات أخرى محتدمة في إدلب وحلب وغيرها.
...
جاءت الهجمة الأخيرة للنظام على مناطق الساحل، مدعومة بآلة البطش الروسية، المتمثلة بالطيران والراجمات والدبابات، مع عدد كبير من وحدات المليشيات الطائفية من حزب اللات والبحرية وصقور الصحراء وغيرها.
اتبع العدو سياسة الأرض المحروقة، فدمر الحجر وأحرق الشجر، وأحال الغابات الجميلة إلى حرائق مشتعلة، وبقايا فحم أسود، وهجر السكان من القرى، وأجبر أصحاب المخيمات على النزوح من النزوح، حتى اضطروا لمغادرة سورية.
لم تكن الفصائل قد استعدت لمثل هذه المعركة، التي تحتاج أعداداً ضخمة من المقاتلين، ذات تدريب خاص، يتناسب مع القتال في الجبال، وسط طبيعة جبلية صعبة، وطرق وعرة، ومناخ غير مستقر.
كما أن طبيعة المناطق الجبلية، سهلت على العدو السيطرة النارية على كثير من المناطق فراح يسيطر على القمم والجبال، ويضع ثقله فيها، كي يسقط كل المناطق الأخرى التي تشرف عليها تلك القمم نارياً بالمدافع والصواريخ.
قدمت الفصائل الموجودة في الساحل تضحيات كبيرة، بخلاف ما يشاع عن بيعها للساحل أو خيانتها لواجب الدفاع عنه، مئات الشهداء والجرحى، من المقاتلين الشرفاء، مع خسارة في الآليات والمعدات.
في ذات الوقت فإنها لم تقم بواجبها كاملاً، كان هناك تقصير في استيعاب الموقف، وتنسيق العمل، والقيام بواجب التحصين الهندسي، الذي أضر انعدامه بالمرابطين وأجبرهم على التخلي عن أماكن عدة دون أن يكون لديهم خط دفاعي متأخر.
كانت شدة الهجمة فوق قدرة الفصائل، ولم تفلح المؤازرات التي وصلت متأخرة من مناطق أخرى كإدلب وحماة، في وقف تقدم العدو، وإن كانت قد أجبرته على الإبطاء في التقدم وكبدته خسائر فادحة.
كان من ضمن السياسة التي اتبعها النظام في الساحل، إخفاء الخسائر الفادحة التي يتكبدها، خوفاً على معنويات عناصره وميليشياته من الانهيار، ولقد عاينت مجازر عدة أوقعها المجاهدون بقواته لم يكن يصرح عنها أبداً.
بل إن المجاهدين تمكنوا من أسر عدد من أفراد العدو، ناهيك عن تدمير عشرات الآليات، والاحتفاظ بجثث العشرات من مرتزقته، دون أن يفصح النظام عن أي خسائر تكبدها، فقد كان كل تقدم يكلفه عشرات من جنوده ضباطاً وأفراداً.
يبدو أن الروس قد أصروا على تسليمه الساحل كاملاً قبل أن يبدأ وقف إطلاق النار المتفق عليه في الهدنة المزعومة، لذا فقد كثفوا من هجماتهم، واتخذوا أسلوب التهديد للميليشيات الاسدية والإيرانية بالتخلي عنهم ما لم يبذلوا جهوداً أكبر.
كل ذلك أدى إلى تراجع الثوار عن مناطق استراتيجية وهامة، مثل (زاهية – ربيعة – سلمى ) مما كان له أثر سلبي على معنويات الثوار، التي تأثرت بهذه الخسائر، مما جعلها تتراجع عن التمسك بمناطق تراها أقل أهمية من التي فقدتها.
في النهاية دقت ساعة الهدنة المزعومة، وللأسف فقد نجح النظام وحلفاؤه في احتلال أغلب مناطق الساحل، ولم يتبق لدى المجاهدين، سوى بعض القرى والبلدات الحدودية الصغيرة، في جبال التركمان، أما جبال الأكراد فقد تمت السيطرة عليها.
لم تكن المعارك سهلة أبداً، ومن سمع ليس كمن رأى، فقد كانت القذائف والصواريخ تنهال بالآلاف على المنطقة المستهدفة، بعد أن تحدد طائرات الاستطلاع أماكن المرابطين، والمجاهدين، فتحيل الصخر إلى رماد.
ومع ذلك فقد استبسل الثوار وقدموا نماذج رائعة أدهشت الروس، وجعلتهم يوبخون حلفاءهم ويصفونهم بالجبناء أمام ما عاينوه من شجاعة المجاهدين، الذين يفتقدون لكل وسائل التمهيد المدفعي والصاروخي والطيران التي لا يتقدم العدو بدونها.
استطاع الثوار أن يحافظوا على فصائلهم رغم ما تعرضت له هذه الفصائل من ضعضعة، وقد كان العدو يراهن على فرطها بالكامل، كما كان يراهن على أن لا تبدأ الهدنة إلا والساحل كاملاً تحت سيطرته، ولذا فقد أغاظه بقاء بلدات بيد الثوار.
جاء الانسحاب الروسي ليشكل دعماً معنوياً للثوار، الذين بدؤوا بالفعل يرتبون أوراقهم، وبنسقون للمعارك بشكل أفضل، ويبدو أنهم قد استفادوا من أخطائهم، وتحسن أداؤهم الدفاعي، وأدركوا أهمية التحصين فبدؤوا في تطبيقه.
تمكن الثوار من تعديل موقفهم، والتقطوا أنفاسهم، وأدركوا أن عليهم واجباً كبيراً في استرجاع ما خسروه، فراحوا يعدون العدة لذلك، كما أدرك العدو أن ما قام بسرقته واختلاسه من الأراضي لن يدوم له، وأن عليه أن يدفع ضريبة فعلته النكراء.
لعل الثوار الآن بحالة معنوية أفضل، فهم الآن يفكرون بالانتقال من الدفاع إلى الهجوم، بعد انهيار كبير سابق في صفوفهم كان قد صرف أنظارهم عن الهجوم مطلقاً، وحصر تفكيرهم في الدفاع عن مناطقهم.
بخلاف العدو فهو يعيش الآن حالة تخبط وخوف بعد مغادرة الروس، وما خلفه غياب طيرانهم من حالة ذعر وجبن بين العناصر، وبعد أن أدرك أنه تعجل في احتلال مناطق واسعة، ليس لديه القدرة على الاحتفاظ بها.
وبعد أن أجرى مراجعة لخسائره الفادحة، رغم محاولته أن ينقل أنظار أهالي ضحاياه إلى مناطق أخرى، ويوهمهم أن الضحايا قد فقدوا أرواحهم في مناطق غير الساحل، وأن معارك الساحل كانت بيضاء دون ضريبة مكلفة.
الرؤية الآن: أن يستلم الثوار زمام المبادرة، ويقوموا بضرب العدو، وإجلائه عن كل المناطق التي اغتصبها، وهذا سهل عليهم إن أحسنوا التنسيق والتحصين، والتعاون والتخطيط.
كما أن استرجاع المناطق لن يكون مكلفاً إذا اتبع المجاهدون ذات الخطة، وركزوا على إسقاط مناطق عالية، تسهل عليهم مهمة إسقاط ما حولها من المناطق الأخرى التي ستسقط نارياً دون حاجة لاقتحامها.
نور سورية
حمزة آل فتحي
مجاهد مأمون ديرانية
أبو لجين إبراهيم
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة