..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

أكراد سورية ما بين مطالب محقة ومظلومية زائفة

خليل المقداد

٢٢ ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2531

أكراد سورية ما بين مطالب محقة ومظلومية زائفة
المقداد09.png

شـــــارك المادة

لا يكاد يخلو مجتمع من المجتمعات من المشاكل والصراعات على اختلاف أنواعها وأشكالها، فسواء كانت المجتمعات "مركبة" متعددة إثنيا وطائفيا، أو "بسيطة" متجانسة ذات لون ديني وعرقي واحد، فلا بد من وجود ما يؤرق عيشها، فالصراع على السلطة والمال والنفوذ قائم، وإن بأشكال وأنواع متعددة، قد تأخذ الطابع الإثني أو الطائفي أحياناً، وقد تكون حزبية أو عشائرية في أحيان أخرى، لكنها وبكل تأكيد باقية بقاء الجنس البشري.

ليس بالضرورة أن تعيش المجتمعات المركبة اثنيا وطائفيا حالة صراع وتنافس، لكن أحد أهم أسباب نشوء الصراعات في القرن الماضي وبدايات القرن الحالي تكمن في عاملين إثنين:

الأول: هو الطريقة التي تم بموجبها رسم حدود دول المنطقة بعد أن قامت الدول الاستعمارية بتقسيم تركة الخلافة العثمانية.

أما العامل الثاني: الذي نشأ بدوره اعتماداً على العامل الأول فيتمثل أساساً في غياب العدالة الاجتماعية وحرية التعبير كنتيجة طبيعية لوجود أنظمة ديكتاتورية شمولية مستبدة حكمت هذه الدول لعقود.

أكراد سورية مطالب محقة ومظلومية زائفة:
بداية لابد من التأكيد على المطالب المحقة للأكراد كمكون سوري أصيل، وبغض النظر عن كونهم أقلية من عدمه، مع التأكيد على ضرورة العمل الجاد والحقيقي لإيجاد حل يلبي تطلعات شريحة مهمة من شرائح المجتمع السوري، ولكن في إطار الحل الشامل الذي يضمن وحدة سورية أرضاً وشعباً، فمطالب الأكراد في النهاية تبقى مطالب إنسانية محقة لا تخرج عن إطار مطالب كافة السوريين في الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
عند الحديث عن مشكلة الأكراد في سورية، فإن أول ما يواجهك هو الخطاب الذي صاغته النخب السياسية الكردية، واختلاقها لما يمكن تسميته "مظلومية الأكراد في سورية"، حيث يجد المرء نفسه أمام خطاب متناقض يخفي بين طياته مشروعاً انفصالياً لا علاقة له بالحديث عن حقوق منقوصة لأحد مكونات المجتمع السوري، فالأكراد في سورية يقدمون قضيتهم على أنها قضية "شعب وأرض" حيث الشعب هو الأكراد والأرض هي كردستان التي استولى عليها العرب السوريون، ما شجعهم على اختلاق هذه الرواية هو النجاح الذي حققه أكراد العراق من خلال اقتطاع كانتون خاص بهم وتحت مسمى فدرالية وحكم ذاتي، لينتهي الأمر بانفصال ينتظرون فرصة إشهاره. فهل حقاً هناك مشكلة شعب كردي سوري؟ وهل هناك أرض كردية استولى عليها العرب؟

مما لا شك فيه أننا أمام واقع بات فيه الكذب وتزييف الحقائق هو السمة السائدة فيه، ولا أدل على ذلك مما يمارس بحق الشعب السوري من جرائم يندى لها جبين البشرية، ليس على يد نظام الأسد فقط بل إيران وميليشياتها وروسيا والتحالف الدولي، وتحت شعارات زائفة كاذبة تنوعت بين محاربة الإرهاب، والثأر لآل البيت وحماية مراقدهم، ليضاف إليها لاحقاً مظلومية الأكراد الجديدة.
لقد دفع العرب ولايزالون ثمن ثلاث مظلوميات مفتريات لم يكن لهم يد فيهن، فمن مظلومية اليهود على يد هتلر وإقامة وطن لهم على "أرض الميعاد" فلسطين، إلى حرب الفرس على العرب باسم "مظلومية آل البيت" والثأر لهم من أحفاد بني أمية، وصولاً إلى "مظلومية الأكراد" ووطنهم الموعود على أرض سورية والعراق.

في سورية لم يكن هناك مشكلة أقليات يوماً، ولم يكن هناك بالطبع مشكلة "كردو – عربية"، بل كان هناك ولايزال مشكلة "كردو – تركية" تسبب بها الصراع التركي الكردي لسورية منذ عشرينيات القرن الماضي، وانعكست آثارها على سورية، فالوجود الكردي في سورية كان دائماً الأقل بين دول الجوار، ففي حين أن عدد الأكراد (الأرقام تقريبية) في تركيا بحدود (16 مليون)، وفي إيران (5 مليون)، وفي العراق (4 مليون) ، فإنه في سورية لم يكن يتجاوز بضع عشرات من الألوف قبل العام 1925، ليقفز الرقم اليوم إلى (1.6 مليون) لايزال حوالي مليون منهم لا يحملون وثائق سورية، فكيف تحول الأكراد من أقلية تسكن في جيوب متناثرة موزعة على ثلاث مناطق رئيسية إلى كتلة سكانية تعادل حوالي 8% من سكان سورية؟

الأكراد وهجراتهم الأولى إلى المنطقة:
الأكراد في الأساس شعوب تعيش في غرب آسيا بمحاذاة جبال زاغروس وجبال طوروس، شمال شرق العراق وشمال غرب إيران وشمال شرق سوريا وجنوب شرق تركيا، حيث يعتبر الأكراد كعرقٍ جزءًا من العرقيات الإيرانية، يوجد الأكراد أيضاً وإن بأعداد قليلة في جنوب غرب أرمينيا وبعض مناطق أذربيجان ولبنان.

لعل الأكراد من أكثر الشعوب إثارة للجدل وفي كل ما يتعلق بهم من النشأة، إلى اللغة، فالتسمية، وحتى تاريخهم السياسي، إذ يعتبر الأكراد إحدى أكبر القوميات التي لا تملك دولة مستقلة أو كياناً سياسياً موحداً معترفاً به عالمياً، ربما بسبب طبيعتهم التي غلب عليها البداوة والترحال إضافة لانعزالهم في مناطق جبلية نائية، حيث ينقسم الأكراد إلى أربعة مجموعات رئيسية هي (الكرمانجي، والكلهود، والكوران، واللور) ولكل مجموعة من هذه المجموعات لغتها الخاصة بها، ويطلق مصطلح الأكراد تاريخياً على جميع البدو الرحل والقبائل البدوية في إيران على اختلاف اعراقهم ولغاتهم بما في ذلك البلوش والفرس واللور.

بعض المؤلفات العربية تعرف الأكراد على أنهم "بدو الفرس"، كما أورد الطبري وابن خلدون في "المقدمة"، ولكن هناك من يقول بعربية الأكراد، وهو ما ذهب إليه ابن عبد البر في كتابه "القصد والأمم" حيث ذكر أن الأكراد من نسل عمرو مزيقيا بن عامر بن ماء السماء وأنهم وقعوا إلى أرض العجم فتناسلوا بها وكثر ولدهم فسموا الأكراد.
وفي هذ يقول الشاعر: "ولا تحسب الأكراد أبناء فارس *** ولكنهم أبناء عمرو ابن عامر".

المؤرخ الكردي محمد أمين زكي يقول في كتابه ’خلاصة تاريخ الكرد وكردستان’ بأن الميديين وإن لم يكونوا النواة الأساسية للشعب الكردي فإنهم انضموا إلى الأكراد وشكلوا الأمة الكردية. "النشيد الوطني الكردي الحالي يشير بوضوح إلى أن الأكراد هم أبناء الميديين".

أكراد سورية:
الأكراد في سورية معظمهم من المسلمين السنة، إضافة إلى أعداد قليلة من اليزيدين والمسيحيين والعلويين، يغلب على الأكراد الانتماء الحزبي الشيوعي، السمة المميزة للأكراد في سورية هي أن معظمهم من الذين هاجروا من تركيا نتيجة الحروب والاضطرابات هناك، أو لأسباب سياسية واقتصادية كما سيتم شرحها.

تأسس أول حزب كردي في عام 1957 تحت اسم "الحزب الديموقراطي الكردستاني في سوريا"، ما يميز الحالة الكردية السياسية هو التشرذم وغياب التوافق والرؤية الواضحة حول مصير الأكراد في سورية وطبيعة الحل الذي ينبغي التوصل إليه، اليوم سنجد أن هناك حوالي 30 حزباً تشكل الخارطة الحزبية الكردية في سورية مع وجود أربعة أحزاب رئيسية تفرع ثلاثة منها عن الحزب الأم الذي شكل في العام 1957، في حين أن هناك حزب رابع تفرع عن حزب العمال في تركيا، حيث هو فعلياً أقوى هذه الأحزاب.

الحزب الأم هو "الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا (البارتي) أول حزب كردي سوري، ويعتبر امتداداً للحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق بقيادة مسعود البارزاني، حيث تعرض الحزب لانشقاقات عديدة وتفرع عنه 3 أحزاب. 

1- الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا (مشارك في إعلان دمشق والمجلس الوطني الكردي يتبع جلال طالباني في العراق)
2- حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا يكيتي (مشارك في إعلان دمشق والمجلس الوطني الكردي يتبع البارزاني في العراق)
3- حزب يكيتي الكردي في سوريا (يساري من أكثر الأحزاب الكردية عنصرية وتطرفاً وكرهاً للعرب)
4- حزب الاتحاد الديمقراطي (ماركسي شيوعي فرع حزب العمال الكردستاني التركي وتتبع له وحدات حماية الشعب الكردية في سورية).
يعيش معظم الأكراد في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا في القامشلي وراس العين، وفي بلدتين صغيرتين في محافظة حلب شمال سوريا هما عين العرب (كوباني) وعفرين (جبل الأكراد) والمناطق المحيطة بهما.

شهادة الأستاذ الدكتور عمر ميران التاريخية:
يقول الأستاذ الدكتور عمر ميران الكردي العراقي الحاصل على بكالوريوس حقوق من جامعة بغداد وشهادة الدكتوراه من جامعة السوربون تخصص تاريخ شعوب الشرق الأوسط، والذي اغتاله البارزاني على إثر شهادة تاريخية حملت عنوان " الركون إلى الحقائق التاريخية تـُهمة " وأنا هنا أقتبس بعضاً مما قاله: "إن هؤلاء الذين يسمون أنفسهم قادة للشعب الكردي إنما هم يمثلون أنفسهم وأتباعهم فقط وهم قله في المجتمع الكردي ولا يمكن القياس عليهم ولكنهم وللأسف أقول، يستغلون نقطة الضعف في شعبنا ويلعبون على وتر حساس ليجنوا من وراء ذلك أرباحاً سياسية".

"إن الشعب الكردي كله شعب بسيط وبدائي في كل ما في الكلمة من معنى حقيقي وهذا ينطبق على أخلاقه وتعاملاته وتراثه وتاريخه وثقافته وما إلى آخره، وإن البعض يحاول أن يقنع نفسه بحضارة كردية وهمية كانت في زمن من الأزمان وأقصد هنا الدولة الأيوبية وهنا أقول إنها لم تكن كردية ولكنها إسلامية، ولكن قادتها ومؤسسيها من الأكراد، ولكنهم عملوا كمسلمين وليس باسم قوميتهم الكردية، وكان هذا عامل يضاف ويحسب للإسلام لأنه كان لا يفرق بين العرب وباقي القوميات الأخرى"... (انتهى الاقتباس).

موجات المد الكردي في المنطقة (المد الأيوبي ومد ما بعد معركة جالديران)

الموجة الأولى (المد الأيوبي):
لم يكن وعلى مر التاريخ أي وجود كردي يعتد به في المنطقة العربية وخاصة بلاد الشام، إذ إن الوجود الكردي الكثيف اقتصر على المنطقة المسماة "شرق كردستان" والواقعة في شمال وشمال غرب إيران، وكذلك شمال العراق ولاحقاً شرق وجنوب شرق تركيا، ولكن يمكننا اعتبار القرن الحادي عشر الميلادي نقطة بداية الانتشار الكردي الحقيقي الكثيف، وخاصة في المدن الداخلية والمناطق الساحلية الشامية، حيث يُعَدُّ الأكراد الأيوبيون أهم عناصر هذا الانتشار وينتسبون في أصولهم وفروعهم إلى نجم الدين أيوب بن شادي بن مروان الكردي، فكان قدومهم من شمال العراق، ليستقروا أول الأمر في بعلبك ثم في دمشق، ليكونوا في خدمة الأتابكة الزنكيين وخاصة عماد الدين الزنكي وابنه نور الدين الشهيد، حيث استقروا في مناطق الحصون الساحلية الشامية، ومن أشهرها حصن الأكراد الذي بني عام 1031 للميلاد، "قلعة الحصن" وذلك في مواجهة الإمارات الصليبية على الطريق الرئيسية بين حماه والمرافئ على سواحل طرطوس وطرابلس.

الموجة الثانية (بعد معركة جالديران):
لقد شكلت معركة جالديران التي وقعت بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية بتاريخ 13 اوغسطس \\ آب من العام 1513 حدثاً مفصلياً هاماً في تاريخ الأكراد والمنطقة، إذ إن الانتصار الساحق للجيش العثماني بقيادة السلطان سليم الأول على الجيش الصفوي بقيادة الشاه إسماعيل، قد أعاد رسم خارطة المنطقة وكتب فصلاً جديداً من تاريخ الأكراد، حيث تعود أسباب المعركة بشكل رئيسي إلى التغول الذي مارسته الدولة الصفوية في دماء المسلمين السنة وفرضها للتشيع بالقوة وقتلها زهاء مليون من المسلمين السنة.

تحرك السلطان سليم لمواجهة الصفويين دفعه لمخاطبة عدة جهات وعقد تحالفات وصفقات معها، ومن ضمنهم مماليك الشام وأوزبك أذربيجان وأكراد إيران، وبالفعل سانده الأوزبك من الشمال، في حين قام الأكراد بترك الجيش الصفوي والانحياز للجيش العثماني الذي ألحق بالجيش الصفوي هزيمة نكراء أسهمت في وقف المد الصفوي لنصف قرن من الزمان.

معركة جالديران كانت هي الحدث الأبرز والأهم في تاريخ الأكراد منذ القرن السادس عشر وحتى الآن، وذلك لسببين:
الأول: قبل المعركة كانت السمة المميزة للأكراد هي تقوقعهم وانغلاقهم على أنفسهم، كقبائل بدوية متنافرة لكل منها لغتها ولهجتها المحكية الخاصة بها، حيث كانت كل قبيلة أو إمارة تدير شؤونها الخاصة ضمن مناطق سكناها في "كردستان إيران" لكن مشاركتهم إلى جانب الجيش العثماني جعلت السلطان سليم يطلق يد أمرائهم في المنطقة، وهو ما سمح للأكراد بالتوسع غرباً واستيطان مناطق جديد في شمال العراق كأربيل ودهوك، وشرق تركيا في كاري وديار بكر وغيرها، وهو ما مكن القبائل الكردية من شن سلسلة من الحروب على مدى العقود الخمسة اللاحقة، أسهمت جميعها في عمليات تهجير وتطهير عرقي بحق الأرمن والسريان والأشوريين، وتماماً على غرار ما تقوم به وحدات حماية الشعب الكردية اليوم من تطهير عرقي ممنهج بحق سكان عشرات القرى العربية في شمال سورية حيث باتت تسيطر على معظم الشريط الحدودي مع تركيا.

الثاني: أسهمت معركة جالديران وما تلاها من اتفاقيات في رسم حدود الدولتين العثمانية والصفوية ولكن ليس على حساب الأكراد كما تدعي نخبهم بل على حساب قوميات أخرى كالعرب والتركمان والأشوريين والسريان والأرمن، لأنه لم يكن هناك وجود لشيء اسمه دولة كردية تم تقسيمها، في حين أن هذا التقسيم قد شجع هجرة القبائل الكردية من إيران إلى أراضي الدولة العثمانية وهو ما سبب خللاً ديموغرافياً على حساب قوميات أخرى وليس العكس.

الهجرات الكردية إلى الجزيرة السورية:
موجة الهجرة الأولى (1925 – 1939):
لعل أحد أهم أسباب الزيادة السكانية للأكراد في سورية هو الهجرة والنزوح من تركيا والتي كان لها العديد من الأسباب، إذ يكفي أن نعلم أن الأكراد في تركيا قد قاموا ما بين عامي 1925 – 1938 بسبع عشرة ثورة، بدأت في العام 1925 بثورة الشيخ سعيد بيران لتنتهي في العام 1938 بثورة سيد رضا، حيث كان ينتج على إثر كل من هذه الثورات موجة نزوح جديدة باتجاه الأراضي السورية، ما ساعد في ذلك هو عمليات القمع التي مارسها أتاتورك بحق الأكراد ومن ضمنها عمليات إعادة توطين أكثر من مليون كردي في العام 1925 لوحده، عوامل كثيرة ساهمت في تشجيع الأكراد على الهجرة إلى سورية أهمها:
1-سياسة التهجير التي اتبعها أتاتورك بحق الأكراد، وفرارهم من التجنيد والخدمة العسكرية القاسية في الجيش التركي.
2- طول الحدود بين تركيا وسورية وسهولة الحركة التنقل، إضافة للتداخل العائلي بين الأسر والقبائل على جانبي الحدود.
3- قانون الإصلاح الزراعي وتوزيع الأراضي على الفلاحين، والطفرة الزراعية السورية التي صاحبها التوسع في زراعة القطن والحاجة إلى اليد العاملة، ويقابلها مكننة الزراعة في تركيا، إضافة إلى سياسة إفقار وتهميش المناطق الكردية.
4- سياسة فرنسا الاستعمارية التي شجعت على هجرة الأكراد والأرمن إلى سورية، وبالتالي عملها على منحهم الجنسية السورية.
تماماً مثلما يحصل مع السوريين اليوم، فقد فضل عشرات بل مئات الآلاف من أكراد تركيا خسارة ممتلكاتهم في تركيا على العودة غير الآمنة إلى تركيا، ليستقر بهم المطاف كمواطنين سوريين خاصة وأن فرنسا قد توسعت كثيراً في منح الجنسية السورية للأكراد والأرمن قبل جلائها عن سورية وهو ما مكن 75 ألف كردي في بدايات أربعينيات القرن الماضي من تملك أكثر من نصف مليون دونم من أراضي الجزيرة السورية، في حين أن الحصول على بطاقة هوية سورية لم يكن يكلف أكثر من 200 ليرة سورية.

موجة الهجرة الثانية (1945 – 1963):
هجرات الأكراد والأرمن لسورية أدت إلى مضاعفة كبيرة في عدد السكان، حيث كان للجزيرة السورية الحصة الأكبر من هذه الزيادة السكانية التي وصلت في بعض مراحلها إلى أكثر من 6.3% سنوياً، ويكفي أن نعرف أن عدد سكان الجزيرة قد تضاعف خلال 16 عاماً فقط (1947 – 1963)، أكثر مما تضاعف خلال 42 عاما (1905 – 1947)، إذ سيتضاعف عدد سكانها من حوالي 162 ألف نسمة في العام 1952 الى 293 ألف نسمة في العام 1959، ليقفز الرقم إلى 316 ألف نسمة في العام 1963

لقد كان لقانون الإصلاح الزراعي الذي طبقته الجمهورية العربية المتحدة بين عامي (1958 – 1961) أبلغ الأثر في موجة الهجرة الثانية التي جلبت عشرات الآلاف من أكراد تركيا إلى الجزيرة السورية وذلك أملا في الحصول على قطعة أرض، حيث كان يتم توزيع الأراضي على الفلاحين دون تمييز قومي، ولم يكن الفلاح مكتوم الهوية يحتاج لكثر من شهادة من المختار مع معرفين اثنين. 

فرنسا وبذور المشروع الانفصالي الكردي في سورية:
لطالما كانت فرنسا هي اللاعب الأكبر في منطقتنا، كيف لا وهي صاحبة مشروع التقسيم الأشهر "سايكس – بيكو" وقد يستغرب القارئ كيف أن مشروع التقسيم لم يقتصر فقط على تقسيم دولة الخلافة الإسلامية إلى ما هو متعارف عليه اليوم من دول، بل إن فرنسا قد سعت وبشكل جدي حتى إلى تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، فقد كان مشروع الترانسفير الكردي الأرمني من تركيا إلى سورية مشروعاً مزدوجاً هدفت من خلاله إلى جعل الجزيرة السورية وطناً متعدد الإثنيات يضاف إليه لاحقاً من سيتم ترحيلهم من عرب فلسطين، الفكرة كانت تقضي بإنشاء كيان كردي – كلدو – أشوري مستقل ذاتياً وخاضع للانتداب الفرنسي بين عامي 1937 – 1939 بقيادة الكردي حاجو آغا الذي مثل رأس حربة المشروع الانفصالي الفرنسي في الجزيرة السورية. تكاتف السوريين على اختلاف مشاربهم وأد الفكرة في حينها.  

غابت فرنسا عن الساحة لكن مشاريعها لازالت حاضرة وبقوة وإن بمسميات مختلفة، فمشاريع التقسيم واضحة لا تخطئها العين ولا يحتاج فهمها إلى كبير عناء، وسواء كان العنوان صريحاً أو مستتراً تحت مسميات أخرى كالفيديرالية والكونفدرالية فإن الهدف في النهاية واحد، وما خطوة إعلان الفدرالية الكردية من جانب واحد إلا بداية لمشروع جديد لتقسيم سورية، حيث لن يقتصر الأمر على الأكراد لأنه سيشجع بقية مكونات المجتمع السوري الإثنية والطائفية على إعلان ما كانت تخبئه من مشاريع.

مظلومية الأكراد اليوم تعتمد في أساسها على أمران مهمان:
1- تقسيم الحدود بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية قد قسم "كردستان". وهذا كلام لا أساس له من الصحة لأنه لم يكن هناك دولة قائمة اسمها كردستان وتم تقسيمها، بل قبائل وإمارات كردية تستوطن الجبال لا يجمع بينها حتى لغة مكتوبة، ولا شواهد على حضارة.

2- إن سايكس بيكو قد قسمت العائلات الكردية على طرفي خط الحدود بين تركيا وسورية، وهذا كلام موجه للبسطاء وعامة القوم إذ كيف يمكن لمن نزح بعد تمرد الشيخ سعيد في تركيا عام 1925 طلباً للأمن عند سلطات الانتداب الفرنسي في سورية، أن يعتبر نفسه متضرراً من اتفاقية سايكس بيكو التي أقرت عام 1916.

لقد كنت ولا زلت أحد المؤمنين بأن ما يجمعنا مع الأكراد كشعب مسلم أكثر مما يفرقنا، ولكن ليس أكراد صالح مسلم وحزب العمال الكردستاني ومن يدور في فلكهم من الذين تستخدمهم روسيا أداة ضد تركيا والشعب السوري، الذين جعلوا من قضية الشعب الكردي البسيط مطية لتحقيق أطماعهم الحزبية والشخصية الضيقة على حساب دماء أبناء شعبهم وآلامه، فصدق فيهم قول الأستاذ عمر ميران.

إن ما قامت به الأحزاب الكردية من إعلان فدرالية كانتونها في ذكرى ثورة الشعب السوري الخامسة لا يمثل صفعة فحسب بل هو طعنة في ظهر الشعب السوري، حيث كشف هذا الإعلان عن النوايا الحقيقية لهذه الأحزاب التي لطالما كانت مطية للقوى الخارجية تستخدمها وتستغني عنها وقت تشاء.

حتى مع وجود أصحاب المصالح والساعين للسلطة على حساب الوطن والدماء من أمثال أحمد الجربا وتياره الجديد "سوريا الغد" وابن عمه حميدي دهام الجربا، وبعض الفصائل المسلحة المحسوبة على الجيش الحر كلواء ثوار الرقة، وجيش الثوار وغيرهم، وحتى مع اعتراف رئيس الإئتلاف الجديد "العبدة"، فإن هذا لا يعني أن الأمور قد دانت للأحزاب الكردية، وان دولتها الموعودة قد باتت أمرا واقعاً، فدولة الكرد المزعومة في العراق ورغم الثروات الهائلة لا تدفع حتى ثمن قمح المزارعين ولا رواتب البيشمركه، والصراع بين الساسة على أشده، والفساد ينخر المكون الكردي حتى النخاع، وقد كان وحتى وقت قريب مهددا بالسقوط، ولولا أن تداركه التحالف الدولي لما صمدت لأيام أمام الهجوم المباغت الذي شنه تنظيم الدولة الإسلامية عقب استيلائه على الموصل.

الحكم الذاتي أو إعلان الفيدرالية وحتى إقامة الدولة لا يكون بتهجير الناس وحرق قراهم، واسترداد الحق المزعوم ورفع الظلم لا يكون بظلم أكبر، بل بالحوار والوسائل الحضارية التي تدعون حيازتها، فظلم النظام للأكراد لم يكن استثنائياً بل شمل كافة مكونات الشعب السوري، وقد كان من الخير لو أن الأكراد وقفوا مع محيطهم العربي ودعموه في معركة إسقاط نظام ظلم الجميع بدل أن يكونوا عوناً للظالم على المظلوم، وهو ما سيرتب على الأكراد فاتورة كبيرة سيتوجب دفعها لاحقاً مالم يتم تصحيح الخطأ عاجلاً غير آجل.

اليوم يبدو أننا أمام موجة جديدة من الهجرات الكردية إلى سورية تحديداً، وذلك لتكريس واقع إقامة الكانتون الكردي وقد نفاجأ بعد عدة أشهر أن عدد الأكراد في سورية قد بلغ وبقدرة قادر أكثر من 3 أو 4 ملايين كردي تكاثروا بالهجرة، إضافة إلى عدد غير محدد من الإيرانيين والأفغان وغيرهم من شذاذ الآفاق، ومن يدري فقد يكتشف العرب السوريون لاحقاً أنهم قد أصبحوا غرباء في وطن كان اسمه ذات يوم سورية.

أبرز المشاريع الانفصالية الكردية الفاشلة في العصر الحديث:
مملكة كردستان شمال العراق (1922-1924) أسسها الشيخ محمود الحفيد زادة البرزنجي في شمال العراق، وأدت إلى موجات نزوح كبيرة للأكراد باتجاه سورية إضافة لقيام أتاتورك بإعادة توطين أكثر من مليون كردي في بر الأناضول.
جمهورية كردستان الحمراء في أذربيجان (1922-1929) بإيعاز من فلاديمير لينين، لكنها لم تستمر كثيراً بسبب معارضة بعض الرموز السوفيتية لأي تحرك كردي قد يؤدي إلى ضرر بكل من الجارة تركيا وإيران. وكانت نهايتها في 1929، بعد أن تم ترحيل الأكراد من هناك.
جمهورية آرارات الكردية في تركيا (1927) وتم القضاء عليها في العام 1930 على يد الجيش التركي.
جمهورية مهاباد في إيران (1946) انهارت بعد حوالي 10 أشهر.
إقليم كردستان العراق (1970) في العام 1970، قامت الحكومة العراقية والأحزاب الكردية بالتوافق على معاهدة سلام تمنح الحكم الذاتي للأكراد، وفي العام 2005، تحولت منطقة الحكم الذاتي الكردية إلى الاسم الحالي إقليم كردستان العراق، الذي أصبح له علمٌ ودستور ونشيد قومي وحكومة وبرلمان، خاصة به.
جمهورية لاجين الكردية في أذربيجان (1992) هي دولة نصبت نفسها في 20 أيار 1992 في لاجين بأذربيجان.
إقليم روج آفا سورية (2012) أعلن الأكراد إقامة إدارة ذاتية مؤقتة بالمقاطعات الثلاث التي أطلق عليها "روج آفا" أي غرب كردستان.

 

 

أورينت نت

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع