..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

في التشويش على دور الهيئة العليا للمفاوضات

وائل مرزا

٢٢ فبراير ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2935

في التشويش على دور الهيئة العليا للمفاوضات
Capture60-561x330.jpg

شـــــارك المادة

في التشويش على دور الهيئة العليا للمفاوضات ثمة (موجةٌ)، غريبةٌ ومتصاعدة، يزداد ركوبها من قبل بعض السوريين، في الآونة الأخيرة، تتمثل في ممارسة الغمز والهمز واللمز فيما يتعلق بدور الهيئة العليا للمفاوضات حينًا، وبأصل وجودها أحيانًا.
لا جدلَ بأن انتقاد الهيئة والرقابة عليها، بشكلٍ موضوعي، ليس حقًا للسوريين فقط، وإنما هو واجبٌ عليهم، بل سيكون من المحبذ ظهور جهدٍ شعبي/ مؤسسي يؤدي هذه المهمة بطريقةٍ علمية ودورية (قد يبدأ العمل عليه قريبًا)، بحيثُ تكون هذه الممارسة إحدى مظاهر النقلة في التفكير السياسي للمعارضة السورية.
لكن هذا كله شيء، وما يجري في الآونة الأخيرة شيءٌ آخر.
لا يهدف هذا التحليل إلى الدخول في النوايا، لأن هذا، ببساطة، يُخرج الموضوع كله من أطر التفكير المنهجي الذي يحاول الالتزام به.
السياسة فنﱠ الممكن، هذا التعريف البسيط (والمختزل) للسياسة بات معروفًا لدى السوريين جميعًا، ورغم شيوع استعماله إلى حد الابتذال، لكن العمل وفق دلالاته في ساحة الواقع لازال -لدى كثيرٍ من المنخرطين في الشأن السياسي السوري- أصغرَ بكثير من آفاقه الحقيقية، فحدود (الممكن) الوارد في العبارة الصغيرة محكومةٌ بدرجة المعرفة النظرية بحقل السياسة، وتاريخها، ومداخل العمل فيها، وإبصارِ فسحة البدائل والخيارات المتعلقة بها، ومدى القدرة على رصد متغيراتها المتسارعة والكثيرة، والتوازنات الدقيقة بين (مصالح) و(سقوف) القوى الإقليمية والعالمية، ومعادلات التداخل الموجودة دائمًا بين تلك المصالح، والإرادات الممكنة دائمًا في رفع القرارات لتلامس تلك السقوف.. وما يمكن أن ينتج عن إدراك هذا كله من أفكار ومشروعات وقرارات سياسية يمكن أن تكون خلاقةً وجديدة وخارجةً على المألوف.. إلى غير ذلك من العناصر.
من هنا يُصبح (الممكن) في نظر البعض محصورًا في خيارٍ واحد، لأن الواقع في نظرهم (يفرض علينا) أصلًا خيارين لا ثالث لهما، ونتيجة مزجٍ، غير مقصود، بين الإخلاص من ناحية، وخبرةٍ عمليةٍ محدودة من ناحية ثانية، ورصيدٍ علمي قليل من ناحية ثالثة، تأتي الطروحات، رغم حرارتها أحيانًا، أضيقَ بكثير من أن تُحيط بدائرة الواقع العملي على مستوى التحليل، ومن أن توفر بالتالي، أي فسحةٍ للتعامل معه بما يحقق مصلحةً حقيقية على المستوى العملي.
لكن الأخطر من هذا يكمن في التشويش الذي ينتج عن مثل هذه الظواهر في أذهان السوريين فيما يتعلق بدور الهيكل السياسي الفاعل للمعارضة السورية في هذه المرحلة، والمتمثل في الهيئة العليا للمفاوضات، فبغضﱢ النظر عن أدائها الذي ذكرنا أنه متقدمٌ، لكنه يحتاج إلى تطوير، وبغض النظر عما أحدثه وجودُها من بعض تغييرٍ في المواقع والأدوار، على مستوى الأشخاص والهياكل.. إلا أنها تبقى حاليًا الجهة السياسية الفاعلة في المسار السياسي المتعلق بالموضوع السوري، وبإجماعٍ إقليمي ودولي.
وبحدٍ أدنى من المنطق، السياسي والواقعي وحتى الأخلاقي، يغدو العمل لدعم، وترشيد، الحركة من خلال الهيئة هو الأمر الطبيعي لمن يصر على الوجود في الساحة السياسية على الأقل، وهذا يُلغي مشروعية المناورة بطريقة الاحتفاظ بقدمٍ فيها من ناحية، ثم تقديم طروحات تتناقض جذريًا مع رؤيتها وتوجهها وسياساتها من ناحيةٍ ثانية.
يلفت الانتباه أيضًا في مجال التشويش الذي نتحدث عنه تصاعدُ بعض الطروحات من هنا وهناك، وبأساليب مختلفة، وتناغمٍ غريب، عن الحاجة لتغيير كل الطاقم السياسي الحالي للمعارضة السورية بدعوى انتهاء صلاحيتهم تحت مقولة (لكل دهرٍ دولةٌ ورجال)، والمفارقة أن أصحاب هذه المقولات يبحثون عن هذه الشريحة (الفريدة) و(الجديدة)، متناسين دورهم (القديم) والتاريخي المعروف والموثق في التجارب الماضية..
ثمة جديةٌ في المواقف وطرق التفكير كانت تقتضيها الثورة السورية دائمًا، وهي تقتضيها اليوم أكثر من أي وقتٍ آخر، وثمة تشويشٌ على عمل الهيئة العليا للمفاوضات المُكلفة اليوم بتصدر المسؤولية، وهو تشويشٌ يأتي من خارجها لأسباب متنوعة تبدأ بقلة الرؤية النظرية والخبرة العملية ولا تنتهي ببحث البعض عن دورٍ جديدٍ أو مفقود.. لهذا، تُصبح الهيئة نفسها مُطالبةً بالمراجعة الدائمة وتطوير آليات عملها الداخلية التنظيمية والإدارية والبحثية، بما يضمن أداء دورها الذي يهدف لعدم ضياع تضحيات السوريين، عمليًا، وليس فقط بالمواقف والتصريحات الإعلامية.. فالخلط في هذه القضية بسبب القراءة الخاطئة لبعض الوقائع والأحداث هو الذي سيهدد دورها ووجودها إلى حدٍ كبير. 

 

 

الشرق القطرية 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع