..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الأسد إذ يلوّح بهجمات «داعش» لرفض «خريطة» فيينا

عبد الوهاب بدرخان

٢٧ ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2486

الأسد إذ يلوّح بهجمات «داعش» لرفض «خريطة» فيينا
الوهاب بدر خان+0.jpg

شـــــارك المادة

أمام واشنطن فرصة لن تتكرّر، من أجل صدقيّتها، لتعلن شيئاً مما تعرفه ومما هو مؤكّد عن دور النظامين السوري والإيراني في نشأة تنظيم «داعش» وتسمينه واجتذابه إلى سورية وتوظيفه في إفساد انتفاضة الشعب السوري ومن ثمَّ استخدامه مع «جبهة النصرة»، وهي فرع انشقّ «داعش» عنه، لطرح المسألة السورية وكأن النظام كان راعياً صالحاً ووجد نفسه بغتةً في مواجهة مع مجموعات متطرفة همجية تسعى إلى تحطيم النموذج الذي بناه للرقي والاعتدال والتقدّم.

ولتتخلَّ واشنطن عن أسلوب البرقيات الذي دأبت عليه لتقول بوضوح تام لماذا تعتبر أن بشار الأسد «لا يمكن أن يكون جزءاً من أي حل» ولماذا «لن يكون له دور» في مستقبل سورية.

وإذا لم تفعل فإنها ستبقى متهمة بالمشاركة في ظلم الشعب السوري إسوة بمشاركتها الموثّقة في ظلم الشعب الفلسطيني، ومتهمة بالخضوع لابتزاز إيران وبإخفاء الحقائق لحماية صفقات ومصالح متوقعة معها، بل ستتأكّد اتهامات أبواق طهران لها بالكذب والمناورة وبأنها هي التي «ترعى التكفيريين»، والدليل أنها استهلكت عاماً ونصف العام في تمكين «داعش» من التوسّع إلى حدّ أن فرنسا تتقارب اليوم مع روسيا لأنها تريد حرباً «جدّية» على «داعش».

وأمام روسيا حالياً فرصة لن تتكرر لتظهير الصورة التي تريد ترسيخها لدى شعوب المنطقة، وإثبات أنها فعلاً دولة كبرى ذات قيم وليست «دولة مافيات» كما يُنظَر اليها، وأنها تريد حقاً -كما تقول- تصحيح النظام العالمي وتنظيفه من الأوبئة والأمراض التي زرعتها فيه سياسات الولايات المتحدة وأخطاؤها.

ولكن، كيف لها أن تفعل ذلك، وهي تعلم، مثل أميركا، ظروف نشأة «داعش» وتوحّشه حتى صار تهديداً للسلم العالمي، وكيف تطالب بإشراك نظام الأسد وهي تعلم، مثل أميركا، بأنه وحليفه الإيراني استدعياها لمساعدتهما -بإسم محاربة الإرهاب- بعدما فشلا في إخضاع سورية والاستيلاء عليها خلافاً لإرادة شعبها. واستطراداً، كيف تكون روسيا دولة كبرى إذا كانت مهمتها في سورية مقيّدة بشروط نظام منبوذ يسخّرها في تصفية معارضيه وتوفير حصانة لبقائه في السلطة، أو تجنّد إيران في خدمة مشروعها المذهبي، حتى أن الأسد وحليفه يعملان علناً على إفشال سعي روسيا إلى إعادة الاعتبار للجيش، كما أحبطا ميدانياً جهدها لتحقيق هدنة في الغوطة الشرقية لدمشق بين قوات النظام و«الجيش السوري الحرّ».

على قاعدة تفاهماتهما غير المعلنة، تتبادل أميركا وروسيا الضغوط حالياً تحت عنوان «مصير الأسد»، وتتوقع كلٌّ منهما أن تتنازل الأخرى أولاً بحكم الإحراج والضرورة.

تتظاهر أميركا بأنها أكثر مسؤولية حين يقول باراك أوباما أنه لا يتصوّر نهاية للأزمة السورية «مع بقاء الأسد في السلطة»، وتردّ روسيا بأن المسؤولية الدولية تنحصر الآن بالقضاء على تنظيم «داعش» وأن هذه الأولوية تتطلّب التعاون مع الأسد ونظامه.

كانت أميركا عبّرت أكثر من مرّة عن استعدادها لقبول بقاء الأسد في بداية عملية انتقالية لكن وفقاً لشروط تضمن قبوله هذه العملية وتسهيلها، وخاضت نقاشاً مع حلفائها لإقناعهم بأن هذه هي الصيغة الوحيدة لحمل روسيا على تحريك موقفها، ولم يوافق الأوروبيون إلا بعد اشتداد موجات الهجرة واجتياحها بلدانهم، ولم يعط العرب والأتراك سوى موافقة مشروطة بضمانات. وبناء على ذلك تقبّلت واشنطن التدخل الروسي، أولاً لأن الحاجة مسّت إلى تدخل خارجي قادر على التأثير في خيارات النظام، لأن هذه الوسيلة تتيح اختبار نيات روسيا وقدراتها، والأهم ثالثاً لأن الولايات المتحدة نفسها استبعدت منذ البداية كل احتمال للتدخل المباشر في سورية...

لعل اختبار قدرات روسيا بلغ ذروته عندما استُدعي الأسد إلى الكرملين، وبعد يومين جاء سيرغي لافروف إلى فيينا لإبلاغ نظرائه الأميركي والسعودي والتركي بأن لدى موسكو معطيات جديدة تصلح لإطلاق تشاور دولي ووضع خريطة طريق لحلّ الأزمة، لكن ينبغي أن تُدعى إيران، فكان الإجتماعان الموسّعان في فيينا، ثم كانت «الخريطة» غداة الهجمات الإرهابية في باريس.

وفي مقابل صياغة غامضة أصرّت عليها روسيا في ما يتعلّق بـ «مصير الأسد» وكذلك بالنسبة إلى تفسير بيان «جنيف 1» (رغم النص على أنه ركيزة الحلّ)، عُهد إلى السعودية عقد مؤتمر في الرياض لتشكيل وفد يمثّل كل أطياف المعارضة (مع أخذ الآراء الأميركية والروسية في الاعتبار) ليتولّى التفاوض مع النظام، وطُلب من الأردن إجراء مشاورات استخباراتية لإعداد قائمة بالتنظيمات الإرهابية التي ستُصنّف بأنها خارج العملية السياسية، وبالتالي ستعتبرها الأطراف الدولية أهدافاً في «الحرب الشاملة» المرتقبة على الإرهاب.

لم تكن هذه «الخريطة» والترتيبات المرافقة لها لترضي إيران، حتى لو كان عدد من «عملائها» المعروفين مرشحين على لوائح واشنطن وموسكو للانضمام إلى وفد المعارضة.

كما أن الدخول في فرز الفصائل المقاتلة للتمييز بين الإرهابي والمعارض من شأنه أن ينسف استراتيجية الأسد وطهران التي قامت أساساً على تصنيف كل من يقاتلهما كـ «إرهابي» أو «تكفيري»، أي أنهما أصبحا في طريقهما إلى خسارة «ورقة الإرهاب» التي لعباها طويلاً في مقارعة الأميركيين في العراق ثم في إدارة الأزمة السورية، فضلاً عن أن إيران استخدمتها في توجيه تعامل نوري المالكي مع سنّة العراق.

أكثر من ذلك، لم يكن خافياً أن الصياغة العامة لـ «الخريطة» بنيت على مفهوم «الانتقال» بالحكم السوري من حال إلى حال، وهو أمر يرفضه الأسد تمسّكاً بالسلطة ويرفضه الإيرانيون تشبّثاً بمشروعهم.

كانت طهران أحيطت علماً بما سمعه الأسد من فلاديمير بوتين، ثم استشعرت منذ مشاركتها في الاجتماع الأول في فيينا أن هذا الحشد من الدول يعرقل مناوراتها وينذر بمسار غير مريح لها، وهي الموجودة في عمق الأزمة التي يتداول بها الآخرون، بل هي التي صنعتها وأجّجت نارها وتنتظر قطف ثمارها. والواقع أن إيران اصطدمت بجوٍّ سياسي سائد في فيينا، قوامه الإصرار على مواصلة العمل مع كثرة الخلافات على أكثر من جانب في الملف.

لذلك راحت تكثر النقد من خارج الاجتماع، بغية تغيير منهجه، سواء بلسان المرشد علي خامنئي أو عبر قادة في «الحرس الثوري»، تارة بالجهر بخيبة الأمل من روسيا وتارةً اخرى بمهاجمة «التدخلات الخارجية» في التسوية السياسية في سورية، باعتبار أن تدخلها وروسيا داخليٌ وليس خارجياً. المهم أن طهران كانت ترغب في حدثٍ ما يمكن أن يقلب الطاولة.

هنا حصلت هجمات «داعش» في باريس... هي مصادفةٌ أم تدبير؟ لا فرق، إذ كادت تطيح اجتماع فيينا أو تعرقل إقرار «خريطة» الحل، لكن هذين التوقّعَين خابا. وعندما أكّدت موسكو أن ما أسقط الطائرة في سيناء كان عملاً إرهابياً استُخدمت الهجمات لإعادة الأزمة السورية إلى «المربّع الارهابي» الذي وضعها فيه الأسد. وها هو رئيس النظام نفسه يعلن في مقابلة تلفزيونية أنه «لا يمكن تحديد جدول زمني للمرحلة الانتقالية قبل إلحاق الهزيمة بالإرهاب»، وتبعه فوراً ممثل «الحرس» في الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان معتبراً أن الحل السياسي «لن يفضي إلى نتيجة من دون التصدّي الجاد للإرهاب».

كان واضحاً أن الأسد استند إلى هجمات باريس ليخاطب الدول الغربية المشاركة في فيينا بمنحى ابتزازي، مفاده أنه يرفض «الخريطة»، وأن الأولوية يجب أن تتجه إلى القضاء على الإرهاب. لم يكن لهجمات «داعش» أي مغزى آخر غير القتل والإجرام، لكن التنظيم قدّم خدمة أخرى للأسد ونظامه وكذلك لإيران.

لا شك في أن ثنائية الأسد - «داعش» باتت أقرب إلى «طالبان» - «القاعدة» منها إلى وضع نيجيريا إزاء «بوكو حرام».

 

 

الحياة اللندنية

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع