..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

بين إسلامنا وإسلامهم

رابطة خطباء الشام

٢٨ يناير ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 7368

بين إسلامنا وإسلامهم
اسلامنا و00.jpg

شـــــارك المادة

مقدمة:
"ليس الإسلام طلقة فارغة تحدث دوياً ولا تصيب هدفاً، إنه نور في الفكر، وكمال في النفس، ونظافة في الجسم، وصلاح في العمل، ونظام يرفض الفوضى، ونشاط يحارب الكسل، وحياة فوارة في كل ميدان"
(الشيخ محمد الغزالي)
1- فهم الصحابة للدين وفهمنا نحن
سعد أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام بالإسلام أيما سعادة، استخلفهم الله في الأرض، ومكَّن الله لهم دينهم، وأبدلهم من بعد خوفهم أمنا، ولقد قطفوا الثمار اليانعة للإسلام، اهتدوا وهدوا، وأسعدوا العالم بدينهم..
والمسلمون اليوم يزيدون عن ألف مليون، فما هو السر الذي فقدناه؟ لماذا نحن -كما يقول بعضهم- كلمتنا ليست هي العليا؟
ربما كان فهمنا للدين خاطئاً، بيد أن أصحاب النبي عليهم رضوان الله, فهموا الدين فهماً صحيحاً.
إنهم أخذوا الدين كاملاً وأدوه كاملاً متوازناً لا يطغى أحد جوانبه وتشريعاته على الآخر، ونحن نضخم جانباً من جوانبه ونقصر في آخر، نؤمن ببعضٍ ونكفر ببعض؛ فبدا ديننا مشوهاً غير مقبولٍ لكثير من أبنائه فضلاً عن أعدائه..      
ربما فهمنا الدين صلاةً وصياماً وحجاً وزكاةً، أما عندما نسمع قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾ (الأحزاب:41). وقوله في المنافقين: ﴿وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً﴾ (النساء:142).
قليلاً ما نهتم بذلك، وعندما نسمع قوله تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (الإسراء:53).
وقوله: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ) (المؤمنون: 96).
وقوله: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) (الأعراف: 199).
قليلٌ منا من يمتثل، ويتنازل عن شيء من كبرياءه في سبيل وحدة الكلمة واجتماع القلوب.
ومثلها كثير، كقوله سبحانه: ( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) (البقرة: 188).
وقوله: ( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) (المرسلات: 15).
وقوله: ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) (الأنفال: 46).
وقوله: ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) (النساء:93-94).
عندما نسمع مثل هذه الآيات لا نهتم بها كثيراً؛ لأنها لا تتفق مع أهوائنا، ولا مع جاهنا، ولا سلطاننا..
لقد فهم أصحاب النبي عليهم رضوان الله أن الدين كلٌّ متكامل يحافظون على السنة كما يحافظون على الفرض, عملوا السنة لأنها سنة، ونحن تركناها لأنها سنة، ( لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) (الأنبياء: 10).
2- النصيحة من أنواع المحبة
المؤمن الحق يهدي لإخوانه عيوبَهم، ويقبل منهم النصح بعيبه، فلو رأيت في كلام أخيك زللاً، وفي معاملته خللا، حبك الشديد له يدفعك أن تنصحه، لكن بآداب النصيحة وضوابطها.
عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه, اختار أحد كبار العلماء، وقال له: كن إلى جانبي وراقبني، فإذا رأيتني ضللت فأمسكني من تلابيبي، وهزني هزاً شديداً، وقل لي: اتقِ الله يا عمر فإنك ستموت..
فحبذا لو أن كل واحدٍ منا, اتخذ له أخاً في الله يذكِّرُه إذا نسي، ويعينه إذا ذكر، ويُهدي إليه عيوبه.
المؤمنون بعضهم لبعضٍ كالبنيان يشد بعضه بعضاً، المؤمنون يدٌ واحدة، فهذا المسلم أخاٌ لك في الله و عبدٌ من عباد الله، وخلقٌ من خلق الله, وأحب الناس إلى الله أنفعهم.
أتظن أن الله يرضى عنك, وأنت تخاصم فلاناً، وتشاحن فلاناً، وتغضب من فلان، وتكيد لفلان، وتحسد فلانا، وتسيء إلى فلان، وتصلي وتصوم, أهذا هو الدين؟ لا والله .
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر من أسلم بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه! لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم يتتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله) (صحيح الجامع: 7985 - 3079).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَحَاسَدُوا, وَلَا تَنَاجَشُوا, وَلَا تَبَاغَضُوا, وَلَا تَدَابَرُوا, وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ, وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ أخْوَانًا, الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ, لَا يَظْلِمُهُ, وَلَا يَخْذُلُهُ, وَلَا يَحْقِرُهُ, التَّقْوَى هَاهُنَا, -وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ, أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ, كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ؛ دَمُهُ, وَمَالُهُ, وَعِرْضُهُ ) (مسلم/ 2564).
والمؤمن الحق يأخذ على يدي أخيه الظالم رحمة به من أن يستمر في ظلمه، كما أنه ينصر المظلوم ليخلصه من رق الذل والاستضعاف؛ فيكون المجتمع بذلك قوياً.
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: «تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ» ) (البخاري: 2444).
أما العرب كانوا في الجاهلية مع إخوانهم على الحق وعلى الباطل، هذه الجاهلية:
وما أنا إلا من غَزِيَّةَ إن غوت غويت *** وإن ترشـــــــــــد غَزِيَّـــــــــــــــةُ أرشدِ
ومبدأ الجاهلية هذا منتشر اليوم أيَّما انتشار، الانتصار للعصبية وللحزب وللقومية وللعشائرية، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( يَجِيءُ الرَّجُلُ آخِذًا بِيَدِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، هَذَا قَتَلَنِي، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: لِمَ قَتَلْتَهُ؟ فَيَقُولُ: قَتَلْتُهُ لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لَكَ، فَيَقُولُ: فَإِنَّهَا لِي. وَيَجِيءُ الرَّجُلُ آخِذًا بِيَدِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: إِنَّ هَذَا قَتَلَنِي، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: لِمَ قَتَلْتَهُ؟ فَيَقُولُ: لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لِفُلَانٍ، فَيَقُولُ: إِنَّهَا لَيْسَتْ لِفُلَانٍ فَيَبُوءُ بِإِثْمِه ) النسائي/3997، وصححه الألباني.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها لا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهدها فليس مني، ومن قاتل تحت راية عمية، يدعو إلى عصبية، أو يغضب لعصبية فقُتِلَ فقتلةٌ جاهلية ) (النسائي: 4114، وصححه الألباني).
إن الإسلام بذل وتضحية وعبادة ومعاملة ورحمة بالمؤمنين وقوة على الكافرين وليس فقط صلاةً, وصياماً، وحجاً, وزكاةً, وما تخلف المسلمون عن ركب الأمم، وما أصبحت كلمتهم ليست هي العليا, إلا حينما فهموا الإسلام ركعاتٍ جوفاء تؤدى، وتركاً للطعام والشراب في رمضان، وذهاباً إلى بيت الله الحرام، ودفعاً لجزءٍ من الأموال ليس غير..
هكذا يكون الإسلام مشوهاً مبتور الأطراف غير متوازن ولا يجلب السعادة للعباد.
3- أجهل الناس الحسود
لقد طابت نفوس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على بعضهم، فإذا رأوا أحدهم تقدم في ميدان من الميادين باركوا له، وشدوا من أزره، وأعانوه..
لم يحسدوا بعضهم، ولم يجعلوا لحظِّ الشيطان في البغضاء طريقاً إلى قلوبهم؛ لأنهم فهموا قول الله: ( وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ) (النساء: 32).
وفهموا قول الله: ( وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ) (النحل: 71).
أي رزقٍ كان، سواء في المال أو الولد أو الزوجة أو العلم أو القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم،
( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) (الزخرف: 32).
لم يحسدوا لأنهم كانوا أعقل الناس وأعلم الناس، أما الحاسد فهو الجاهل..
قل لمـن بات لي حاسداً *** أتدري علـى من أسأت الأدب؟
أسأت إلى الله في فـعله *** إذ لـم ترض لي ما قد وهــب

الحاسد لا يرضى بحكم الله عزَّ وجل، يقول الله عزَّ وجل: ﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ) (الطور: 48).
فلو شاء الله لك أن تكون ذريتك من البنات فقط، فاحمد الله ولا تسخط فقد يكون كل الخير في ذلك، فهذا حكم الله عزَّ وجل، فامرأة عمران عليها السلام لما ولدت مريم عليها السلام ﴿ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى ﴾ (آل عمران: 36). قال الله: ﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ﴾.
فجاء من هذه البنت, السيد المسيح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام, قال تعالى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ والله هذه الآية وحدها تكفي لأن تفوض كلَّ أمرك له، وهذا هو حقيقة الاستسلام لله عزَّ وجل.
الله اختار لك هذا الشكل، وبهذا اللون، واختار لك هذه الزوجة، وهذا البيت، وهؤلاء الأولاد، فاعبد الله وارض بحكمه ( وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾(الزمر: 66).
فالحسد سببه الجهل، فلا يحسد إلا جاهل، وكأن الحسود يشك في حكمة الله عزَّ وجل، وكأن الحسود يشك في عدالة الله عزَّ وجل ، وكأن الحسود يرى أن الأمور تجري جزافاً.
إن الدنيا ليست كل شيء، الحظوظ في الدنيا توزع توزيع ابتلاء، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء، فمَن قال أن الدنيا هي كل شيء؟
عنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ, مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ ) (أخرجه الترمذي/2320 وغيره، وصححه الألباني).
وعَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: ( إِنِّي لَفِي الرَّكْبِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, إِذْ أَتَى عَلَى سَخْلَةٍ مَنْبُوذَةٍ قَالَ: فَقَالَ: أَتُرَوْنَ هَذِهِ هَانَتْ عَلَى أَهْلِهَا؟ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, مِنْ هَوَانِهَا أَلْقَوْهَا -أَوْ كَمَا قَالَ- قَالَ: فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى أَهْلِهَا ) (ابن ماجه: 4111، وصححه الألباني).
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا ... -تَعْنِي قَصِيرَةً- فَقَالَ: لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً, لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ، قَالَتْ: وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسَانًا فَقَالَ: مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ إِنْسَانًا، وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا )(ابو داود: ٤٨٧٥، وغيره، وصححه الألباني).
كم يلقى في البحر من قاذورات ومخلفات ومع ذلك لم ينجس فهو  ( طَهُورٌ، لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ ) كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك كلمة قصيرة تفسد مياهه؛ لأنها انتقاص من إنسان كريم على الله، بل قد يكون فيها اعتراض على حكم وحكمة الله في خلقه أو تقديره.
4- الإسلام منهج حياة، وليس حدوداً وتعزيرات
إن دين الإسلام دين متكامل، جاء ليَشغل كل مناحي الحياة، وليس كما يصوره البعض اليوم بأنه حدود وتعزيرات وحسب.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ - شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ ) (مسلم: 35).
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ، وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِي أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ، لَا تُدْفَنُ ) (مسلم: 553).
بل إن الإسلام اهتم بأكثر من ذلك، فعَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: قِيلَ لَهُ: ( قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ قَالَ: فَقَالَ: أَجَلْ «لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ، أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ ) (مسلم: 262).
فالإسلام اهتم بأصغر عمل كما اهتم بأكبر عمل، ومعنى الإسلام واسع وعميق، فهو كما يقول الداعية الأستاذ فتحي يَكَن: ( يجمع إلى رقة التوجيه دقة التشريع، وإلى جلال العقيدة جمال العبادة، وإلى إمامة المحراب قيادة الحرب، وبذلك يكون منهج حياة بكل ما في هذه الكلمة من معنى ).
وكما يقول الإمام حسن البنا: ( الإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف ).
وكما يقول الشيخ محمد الغزالي: (ليس الإسلام طلقة فارغة تحدث دوياً ولا تصيب هدفاً، إنه نور في الفكر، وكمال في النفس، ونظافة في الجسم، وصلاح في العمل، ونظام يرفض الفوضى، ونشاط يحارب الكسل، وحياة فوارة في كل ميدان).
لقد وعى الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ هذه المعاني كلها، وعاشوا الإسلام حياة واقعية، فقد صنع النبي الكريم منهم صوراً حية من الإيمان، وجعل من كل فرد منهم نموذجاً مجسَّماً للإسلام، يراه الناس فيرون الإسلام، ففتحوا البلاد، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، عندما رأوا هذه السلوكيات الراقية.
سائلوا التاريخ عنا ما وعى *** من حمى حقَّ فقيرٍ ضُيِّعا؟
من بنى للعلم صرحاً أرفعا؟ *** من أقام الدين والدنيا معا؟

يقول سيد قطب: ( ومن ثم جعل محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ هدفه الأول أن يصنع رجالاً لا أن يلقي مواعظ، وأن يصوغ ضمائر لا أن يدبج خطباً، وأن يبني أمة لا أن يقيم فلسفة، ولقد انتصر عليه الصلاة والسلام يوم صاغ من فكرة الإسلام شخوصاً، وحول إيمانهم بالإسلام عملاً، وطبع من المصحف عشرات من النسخ ثم مئات وألوفاً، ولكنه لم يطبعها بالمداد على صحائف الورق، إنما طبعها بالنور على صحائف من القلوب، وأطلقها تعامل الناس وتأخذ منهم وتعطي، وتقول بالفعل والعمل ما هو الإسلام ).
خلفت جيلاً من الأصحاب سيرتهم *** تضوع بين الورى رَوْحاً وريحانـــا
كانت فُتُوحُهُمُو بِـــــرَّاً ومَرْحَمَــــةً *** كانت سياستهم عدلاً وإحسانا
لم يعرفوا الدين أوراداً ومسبحة *** بل أُشْبِعوا الدين محراباً وميدانـا

فإلى أولئك الذين شوهوا صورة الإسلام نقول: إن نبيكم صلى الله عليه وسلم هو نبي المرحمة والملحمة، وما جاء بالملحمة إلا ليُدخِل الناس في دين الله فتشملهم رحمة الله..
فالله سيأجركم على من أدخلتموهم الإسلام، لا على من أخرجتموه منه.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع