حسام سلامة
تصدير المادة
المشاهدات : 3534
شـــــارك المادة
يلاحظ البعض حالة الجذب التي يحققها خطاب الغلاة والجماعات الغالية خاصة في الوسط الشبابي فيحتار الحليم كيف تحصل هذه الحالة رغم السلوكيات التي يمارسها هؤلاء المتطرفون والتي من أعظمها استباحة الدماء المعصومة والجرائم الشنيعة.
والأسباب في ذلك تعود -والله أعلم- إلى الفروق بين خطاب الغلاة وخطاب الهداة ونوع الصوت الإعلامي لكل منها.
فخطاب الغلاة يحاكي العاطفة ويلامس المشاعر ويحرك الحماس ويتجاوز الواقع بظروفه ومعطياته، فيكون أصحابه متقوقعين مستضعفين مثلًا ويبشرون بفتح شرق الأرض وغربها فيعلق الناس بالآمال ويجيش ويلهب عواطفهم.
والعاطفة عند كافة البشر أمر فطري يولد مع الإنسان؛ فلذلك عامة الناس يتأثرون بهذا النوع من الخطاب ويشدون إلى صاحبه شدًّا.
فأناشيد داعش مثلًا تركز على هذا الجانب. فالنشيد العاطفي والتهييجي الإيقاعي دأب كل الفرق المبتدعة من حضرات المتصوفة إلى لطميات الشيعة إلى بكائيات الغلاة، فصارت تربية الأتباع عندهم تربية المهرجانات والإصدارات وليست تربية العلماء الربانيين.
وأما خطاب الهداة فينطلق من الواقع ولا يتجاوزه مهما ساءت ظروفه ومعطياته ويرنو إلى المأمول من دون انفصال عن واقعه ولا انقطاع في أمله يحاكي العقل والقلب، ويوازن بينهما فتجده يوجه لأصحاب الوعي وهذا أمر مكتسب عند الناس يحدده المستوى العلمي الذي يأتي بعد جهد وتعب فالعلم بالتعلم؛ فلذلك خطاب الهداة لا يؤثر بالذات إلا بجزء من البشر المتعلمين منهم وأصحاب الفهم والثقافة.
خطاب الغلاة يعتمد على المزايدات التي تعتمد على تضخيم الشعار على الحقيقة والانتصار الإعلامي على حساب هزيمة الميدان وتضخيم الشكل على حساب المضمون والذي يسفه الآخرين ويتهمهم بدينهم ويحتكر الحق، فالغلاة أصحاب كبر.
يغمطون جهد غيرهم من الجماعات ويبطرون الحق إن جاء على غير لسانهم ومنظريهم ومناهجهم لسان حالهم يقول: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} ويقول {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}.
وسياسة المزايدات والكبر هذه سياسة شيطانية ابتدأها من قال {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} فإبليس زايد وتكبر على آدم بأصل خلقته {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} والغلاة اليوم يزايدون على الناس بإيمانهم وعقيدتهم فيقول: أنا المؤمن وهو الكافر، أنا الحق وهو الباطل، ورفض الحق إن جاء من شخص لا يؤبه له دأب الجاهلية الأولى؛ إذ قالوا {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}.
وبهذه السياسة يكون خطاب الغلاة خطابًا صاخبًا يملأ الدنيا ضجيجًا فيلفت الانتباه ويجذب الأنظار ويشعر الآخرين بالدونية والانكماش أمام هذا الخطاب العالي الصاخب.
أما خطاب الهداة فخطاب عادل منصف للآخرين. تعلموه من كتاب الله؛ حيث أنصف أهل الكتاب فوصف بعضهم بأداء الأمانة {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ}.
وصدق كلام بلقيس حين قالت: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} فقال {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}.
ووصف النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي قبل إسلامه فقال "إن فيها ملكًا لا يُظلم عنده أحد". ويقول أصحاب هذا الخطاب نتعاون مع بعضنا فيما اتفقنا عليه، ونعذر بعضنا فيما اختلفنا فيه؛ فنجده خطابًا عاقلًا هادئًا لا يعتمد على مبدأ خالف تُعرف فلا يشكل صخبًا ولا ضجيجًا لجلب الأنظار. الخلاصة:
إن خطاب الغلاة قد يحقق نجاحات جزئية لمرحلة معينة، لكن الفشل حليف أصحابه في النهاية كونهم يخالفون السنن الشرعية والكونية بعكس خطاب الهداة الذي سيُكلل بالنجاح كونه خطاب شرعي واقعي منطقي.
الدرر الشامية
ريما فليحان
زياد الشامي
حذيفة عبد الله عزام
مجاهد مأمون ديرانية
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة