..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

بوتين، وخطاب نصر (صوري) لا (سوري).. تكتبه له أمريكا

يحيى العريضي

١٧ ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2757

بوتين، وخطاب نصر (صوري) لا (سوري).. تكتبه له أمريكا
-العريضي1.jpg

شـــــارك المادة

لا يختلف اثنان على النفوذ الأمريكي في العالم وخاصة في الدول العربية غربا وشرقا وخليجاً. والنفوذ فيه المصلحة الأمريكية فوق كل اعتبار بما في ذلك حقوق الإنسان والحرية.

ويبقى هاجس مراكز البحوث ومنتجاتها إلى صناع القرارات السياسية إيجاد أنجع السبل لاستمرار النفوذ والهيمنة. بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانجذاب معسكر الشرق بما فيه روسيا إلى الفلك الأمريكي، بقي التابعون في المنطقة العربية بحاجة إلى تحديد مصير بعد فشل الأنظمة الموكّلة بسياقة “قطعانها الشعبية” في حالة تبعية وتجويع وإذلال وكتم للأنفاس. “كونداليزا رايس” رأت ضرورة إحداث اصطفاف مدوٍ آليته “فوضى خلاقة” لتحديد أنماط جديدة تغير النهج السابق الذي لم يعد مجدياً في تحقيق الهيمنة والتبعية بالنسبة لعالم العم سام.

كانت انطلاقة ماسمي “الربيع العربي” من تونس ومصر وليبيا واليمن ثم سورية؛ وبدأ كل من تخلف بدور الشرطي المحلي القمعي لضبط إيقاع من وُلِّي عليهم من مواطني المنطقة العربية؛ يتلمس عنقه بأن مصيره النهاية، والإطاحة به محتمة.

قُضي الأمر في المناطق الأربعة بمنسوب مقبول من الدم؛ ولكن المنطقة الأكثر تعقيداً كانت سورية؛ وحصراً لقربها من إسرائيل، التي لا تزال تحتل جزءاً من أرض سورية.

كان “بنغوريون” مؤسس إسرائيل، قد كتب يوماً في مذكراته: “إن الخطر على الكيان اليهودي يأتي من الشمال”، وكان قصده من لبنان وسورية؛ فتكفل حافظ الأسد من منتصف الستينيات من القرن الماضي بإبعاد هذا الخطر عبر لبنان بتكليف أمريكي، وعبر إخراس النار والأرواح السورية.

ميز الحالة السورية في “الربيع العربي” شعار/أحكمها أو أحرقها/ الذي تم تنفيذه بمباركة أمريكية إسرائيلية؛ لأن زوال حكم الأسد يشكل تهديداً مباشراً للكيان؛ لتصل الأمور إلى استخدامه الأسلحة المحرمة دولياً، والنجاة بفعلته عبر مكَّلف جديدٍ مؤهلٍ للعب دور حامي النظام “روسيا”.

وكنت قد كتبت إثر استخدام بوتين للفيتو الروسي في مجلس الأمن- لمنع معاقبة جريمة الحرب تلك- أنه لو لم يستخدم الروس الفيتو، لكان الأمريكيون قد وجدوا أنفسهم مضطرين لاستخدامه، رغم كل ذلك الخطاب الذي كان في ظاهره معادٍ لنظام الإجرام في دمشق.

لم تتم مقابلة شعار النظام “احكمها أو أحرقها” أي “الكل أو لا شيء” بأقل منه من جانب من يعارض النظام الذين أُجبروا أو تصرفوا على أساس إزالة النظام الذي حوّل نفسه إلى سورية وحوّل سورية إلى النظام، بحيث أضحى زوال سورية بالميزان.

تم إدخال حزب الله ثم إيران مباشرة؛ وتم تجنيد قتلة العالم من ميليشيات، وتم خَلقُ داعش، وتشكيل تحالف دولي ليقاتلها. رغم كل ذلك وصل النظام إلى حالة تهالك بحيث بدأ عد أيامه المتبقية.

وهنا كان لابد من استخدام روسيا ثانية بعد فيتو الحماية. أتى تدخلهم العسكري الاحتلالي و أضحت اليد العليا في سورية لروسيا ليُتَكشف مؤخراً عن أتفاق أُريد له أن يكون سرياً، لكنَّ موسكو أعلنته لتبرير تمدد المائة يوم من التدخل للحسم الذي تحدث عنه بوتين.

كانت المائة يوم الممتدة على الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2015 إلى 2016 العشرة الأول من 2016 مؤشراً فشل على التدخل الروسي؛ وكانت أمريكا تعرف ذلك. اتبع بوتن في حملته الجوية سياسة الأرض المحروقة في سورية مستهدفاً كل من يقف في وجه “الأسد”، ولم تكن حصة داعش أكثر من 10% من الحمم المسكوبة. ولم تتوفر القوة العسكرية اللازمة التي تمسك بالأماكن التي يخليها من السوريين.

رغم تصوير إعلام موسكو لبوتن كبطل منقذ للعالم المتمدن من الإرهاب الإسلامي، إلا أن الكثيرين رأوا في تدخله لإنقاذ نظام متهالك كالنفخ في قربة مثقوبة.

الشهرية الأمريكية ذي أتلنتك طرحت السؤال الأمَرّ والأدهى: “ماذا لو خسر بوتن في سورية؟” 

يتضح أن مايحققه بوتين على الأرض قابل للتحوّل إلى عكسه، وبسرعة، وبمجرد تزويد من يقاوم النظام بالقليل من ذخيرة الأرض – جو؛  وهنا يأتي اندحاره المحتم.

في وضع كهذا يُخشى من ردة فعل بوتين الحمقاء، بحكم”مقت الخسارة” عند هكذا قادة موتورين. ففي فيتنام، ومع خسارة أمريكا في فترة من الفترات  كان المزيد من حمم النار والكوارث؛ وكانت زيادة غرق أمريكا في المستنقع الفيتنامي؛ وهذا أمر تعرفه أمريكا عن ظهر قلب. ولا يستبعد أن يتخذ بوتن القرار الكارثي نفسه. وواضح أن ملامحه تتبدى على الأرض بالمزيد من زج أدوات القتل في الساحة السورية.

إن كان هدف بوتين، كما تروج التصريحات السياسية، أن ينجز عملية سلام بين النظام وخصومه؛ وإن هو استمر بالسعي لتحقيق نصر للنظام، فمن ذا الذي يتوقع أن يأتي النظام إلى عملية سلمية وهو منتصر؟!

ولكن نظراً لعدم تيقن بوتين من أن النصر أو الحسم مؤكد؛ وبما أن مفعول التوابيت – التي حتماً ستبدأ بالتدفق إلى موسكو ناسفة كل بطولاته الإعلامية- سيفوق تصوراته الرعناء؛  فلابد من وجود جهة ما توازن له بين نصر خلبي إعلامي يحفظ به ماء وجهه، وهزيمة نكراء تدفعه باتجاه المزيد من ارتكاب جرائم حرب.

والمرشح الأساس لهذه المهمة هو أمريكا العارفة بخطواته المتعثرة الفاشلة. وهنا عليها أن لا تدفع بوتن باتجاه المزيد من الغرق في الكارثة. الحل الوحيد هو أن توصل بوتن إلى قناعة بأن النصر المبين في سوريا غير ممكن وعليه أن يحد من خسائره، وألا يذهب باتجاه الكارثة المحتمة.

وإنه إن أراد أن يحفظ ماء وجهه، بإمكانه أن يقلب النتائج على الأقل إعلامياً إلى نجاح.

عليه أن يقدم للجمهور الروسي رواية ليست بالضرورة صحيحة، ولكن معقولة .

وهنا، على أمريكا أن تتماشى مع ادعاءاته بتحقيق “نجاح” كي تخرجه من سورية ببعض ماء الوجه، وعليها أن تتوقى التبجح بإظهار فشله وهزيمته؛ وهذا الانضباط مارسه جورج بوش الأب عندما حافظ على ميخائيل غوربتشوف إثر سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1989.

“بوتن بحاجة إلى خطاب نصر وعلى أمريكا مساعدته في كتابته” هكذا يرى جهابذة السياسة.

هناك من يقول حتى ولو تكللت مغامرة بوتن بكسب سورية كاملة، إلا أنه لن يكون قد كسب إلا قنبلة موقوتة ستنفجر في وجهه عاجلاً أم آجلاً. ومن هنا فعلى بوتين أن يترك سورية بخطاب صوري لا سوري؛ خطاب تكتبه له أمريكا.  

 

 

كلنا شركاء

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع