نبيل العتوم
تصدير المادة
المشاهدات : 3364
شـــــارك المادة
تنشغل دولة ولي الفقيه حالياً وتجهد نفسها دون كلل أو ملل في محاولة بلورة رؤية لكيفية التعاطي مع حادثة إسقاط تركيا للطائرة الحربية الروسية، وتلاه إسقاط مروحية روسية كانت في مهمة للبحث عن الطيار الروسي في ذلك اليوم، وتضع المقاربات لكيفية تصرف روسيا في أعقاب إسقاط تركيا لطائرتها، وما هو طبيعة هذا الرد، وهل سيقتصر رد بوتين عند حدود ضبط النفس وتوجيه التحذيرات، واصدار قرارات منع السياح من التوجه إلى تركيا، وفرض الفيزا على الأتراك الراغبين لزيارة روسيا، أم أنه سيكون عسكرياً ومدمراً، وهو ما تتمناه دولة ولي الفقيه، لتدفن معه مشروع أردوغان في إعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية من جديد، والتي حذر منها آيات الله العظام القابعين في كهوف قم وخراسان؟
فمن جهة تعتبر طهران السكوت الروسي بمثابة ضوء أخضر لتركيا أردوغان للاستمرار في التهديدات والتحرشات والانتهاكات المستمرة لسماء سوريا وبحرها وحدودها، ومن جهة ثانية كيف ستضمن موسكو أولاً أن لايؤدي ذلك إلى تدخل الناتو و تعقيد الأمور أكثر وبالتالي خشية ولي الفقيه على ضرورة استمرار الدور الروسي حتى يؤدي دوره على أكمل وجه، وحتى النهاية.
تعتبر دولة الفقيه الذي أشبعنا بشعاراته الجوفاء في مقارعة قوى الاستكبار ودول الإلحاد وفي مقدمتها الشيوعية وأنقاضها، أن تركيا تطاولت وتحركت أكثر من حجمها وخارج الأطرالقانونية والأعراف الدولية، بوقوفها بوجه الدب الروسي الذي لن يوقفه أحد هذه المرة حسب ما لديها من معلومات مؤكدة، عندما حاولت ومن خلال إسقاطها الطائرة الروسية أن توجه الرسالة إلى موسكو بعدم التدخل في الجغرافيا السورية المتاخمة للحدود التركية بذريعة دعم التركمان في تلك المناطق من جهة، ومن جهة ثانية حاولت أنقرة أن توجد ذريعة لتتدخل على أثره في تلك المناطق التي تعتبرها مجالها الحيوي في شمال سوريا وتنشئ منطقة آمنه ليمارس أردوغان سياسته في دعم الإرهاب التكفيري.
تعتقد دولة ولي الفقيه، أنه ومنذ اليوم الأول لدخول روسيا على الخط في سوريا لمحاربة عصابات "داعش" الإرهابية المدعومة من واشنطن وتل أبيب وأنقره وما اصطلحت على تسميته بقوى الرجعية العربية، كانت توقعات طهران تدور حول احتمال بروز مواجهات بين تركيا وروسيا، لدعم نفوذ الجماعات الإرهابية، وأنها أبلغت بوتين بذلك بشكل مباشر، وكانت النتيجة ما تحقق بالضبط، بإسقاط تركيا الطائرة الروسية فوق الأراضي السورية القريبة من الحدود التركية.
وما يؤكد صحة ودقة التوقعات الإيرانية هو سقوط الطائرة داخل الأراضي السورية، هو قيام عصابات تابعة لـ"داعش" بقتل الطيار قرب إحدى القرى السورية بعد نقل إحداثيات سقوط الطائرة لهم من خلال الجانب التركي.
وأما بشأن الأهداف الكامنة وراء إسقاط طائرة السوخوی الروسیة، فترى طهران، أن هذه هي المرة الأولى التي یسقط فیها دولة من حلف الناتو طائرة مقاتلة روسیة منذ خمسینیات القرن الماضي، وأن جمیع القرائن تؤکد أن الطائرة الروسیة أسقطت داخل الأراضي السوریة، کما أن أحد الطیارین الروسیین قتل على ید المقاتلین الترکمان المدعومین من ترکیا، بالقرب من قریة بامادي السوریة، الأمر الذي يؤكد الفرضية السابقة.
تزعم دولة ولي الفقيه أن أهم أسباب إسقاط الطائرة التركية جاءت مباشرة بسبب زیارة الرئیس الروسي فلادیمیر بوتین، إلى طهران ولقائه المرشد علي خامنئي، للتأثير على التحالف الإيراني الروسي، واعتبار إسقاط الطائرة الروسية يعتبر بمثابة رد فعل عاجل ومتهور، مرده غضب واشنطن، وإحباط ترکي خليجي، من نتائج هذه الزيارة التاريخية، ولقائه المهم مع الولي الفقيه والتي بحثا فيها سبل التعاون الاستراتيجي بين الدولتين، ومشاركته في القمة الثالثة لمنتدى الدول المصدرة للغاز وتأكيداته على الاستمرار في محاربة الإرهاب التكفيري الذي عاث فساداً ودماراً في سوريه والاقليم، مما أزعج الغرب الذي تأكد لديه مدى دور إيران الحيوي لتعزيز الأمن الإقليمي والدولي لمحاربة الإرهاب فضلاً عن قوة الاقتصاد الإيراني والصناعة العسكرية الآخذة بالنمو والتطور؛ لذا فإن من الأهداف التي كان الغرب يتوخاها من خلال دفع أردوغان لإسقاط السوخوي الروسية حرف الأنظار عن قمة طهران الاقتصادية، وإنجازات القوات السورية ومليشيات إيران والقوات الروسية في مقابل الإرهاب التكفيري.
تعتبر دولة ولي الفقيه أن تركيا أردوغان ليست بمستوى القوة الروسية، لذا ترى أن إسقاط تركيا للطائرة الروسية داخل الأراضي السوريه، جاء بتحريض غربي؛ أي أن تركيا قامت بهذه الخطوة الجنونية نيابة عن الغرب، وحسب الرؤية الإيرانية فإن حادث إسقاط الطائرة الروسیة لم یکن لیقع لولا ضوء أخضر أمریکي، فمثل هذا الإجراء لن يقدم علیه أردوغان بمفرده، بعد الهستیریا التي أصابت تركيا نتيجة الهزائم المتوالیة للمجموعات المسلحة الإرهابية التي تحظى بدعم ترکي سعودي.
من الواضح أن تركيا ومن خلفها السعودية تحاولان من خلال سياساتها المتهورة أن تنوب عن الإدارة الأميركية بإرسال رسالة إلى موسكو تؤكد خشية الغرب من العمليات الروسية ضد مواقع عصابات "داعش" الإرهابية، ووجهت رسالة تحذيرية مفادها أنه وإذا ما تدخل الناتو للوقوف مع أردوغان ضد روسيا وحلفائها بعد هذه التطورات، فإنه سيدفع الثمن غالياً خصوصاً إذا ما استمر في دعم "داعش" والوقوف بوجه جبهة روسيا وإيران، وأن حلف الناتو يعلم جيداً أبعاد خطورة الخطوة التركية، وأنه لا يمكن له أن يورط نفسه في مغامرة لا طائل من ورائها، لذلك تنصل فوراً من الخطوة التركية، وأعلن مباشرة أنه لا معلومات مسبقة لديه حول ملابسات إسقاط الطائرة الروسية.
وقد نصبت دولة ولي الفقيه نفسها مدافعاً عن روسيا في انتهاكها للأجواء التركية، وافترضت أنه حتى لو دخلت الطائرة الروسیة عن طريق الخطأ کیلومترا أو کیلومترین داخل الأجواء الترکیة لبعض ثوان، فلا یستوجب ذلك إسقاطها من قبل بلد یفترض أنه یُقاتل الإرهاب تحت لواء التحالف الأمریکي، وکان یجب على ترکیا أن تدرك مثل هذا الإختراق جاء نظرا للطبیعة الجغرافیة المعقدة والمتداخلة على الحدود بین ترکیا وسوریا.
وفي إطار سوق دولة ولي الفقيه للأسباب الكامنة وراء إسقاط هذه الطائرة، فقد أتهمت الرئيس أردوغان بالتعاون مع العصابات الإرهابية التي راهنت تركيا والسعودية عليها كثيراً، لتجني خيبة أملهما، بعد الهزائم التي لحقت بها من قبل الطائرات الروسية، ففكر أردوغان في إستراتيجية لإيقاف الهجوم الروسي الفعال والناجع على مواقع العصابات الإرهابية، ولم يجد أفضل من إسقاط الطائرة الروسية للحد من تأثير ذلك، دون أن يفكر في عواقب الأمور، لذا عليه وحلفائه وفي مقدمتها السعودية أن يدفعا الثمن غالياً.
فتركيا والغرب أرادوا توجيه رسالة انتقام إلى موسكو بسبب علاقاتها مع المتدهورة مع مصر، بسبب دعمهم للإخوان المسلمين وللتنظيمات التكفيرية، وحربها على عصابات "داعش" وقوة علاقاتها مع إيران، فضلاً عن أن أردوغان والغرب وبعض الدول الخليجية وفي مقدمتها السعودية أرادوا أن يغطوا على فضيحة مد العصابات الإرهابية بالسلاح من خلال توجيه الضربة لروسيا التي شاهد العالم كيف أنها تحارب العصابات الإرهابية في سوريا، ومن المحتمل أن توسع نطاق عملياتها لتشمل العراق أيضا.
كذلك جاء إسقاط تركيا للطائرة الروسية بعد أن تعرضت فرنسا لهجوم إرهابي، وتنسيقها مع روسيا كي تحارب تنظيم "داعش" على اعتبار أنه بات يُشكل تهديداً مباشراً لها، وبنفس الوقت وضعت خطة لهذا الأمر مفادها أن يقوم الجيش السوري لمحاربة "داعش" على الأرض، على أن تتولى كلا من فرنسا وروسيا الأمر من الجو. فجاء إسقاط أردوغان للطائرة الروسية للحد من التعاون مع الروس، وتسويف الأمر من أجل أن لا تستثمر موسكو وباريس قوتهما وقدرتهما لضرب الإرهاب.
بشرتنا طهران أن الرد الروسی على تركيا وحلفائها العرب سيكون متأنیا ومدروسا وناجعاً، وأن أردوغان بفعلته هذه قد قبر وإلى الأبد حلم إعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية التي تعتبر مصدر تهديد لإيران ودول المنطقة حتى المتحالفة معه.
فالاحتمال الأقوى هو أن الأوضاع لن تبقى في إطار التحذيرات والقرارات المحدودة، فروسيا قامت بنشر منظومة صواريخ إس٤۰۰، في قاعدة حميميم الجوية باللاذقية، وإرسال مقاتلات حماية للطائرات الروسية القاصفة ومدمرات تحمل صواريخ ذكية إلى سواحل اللاذقية مصحوبة برزمة تحذيرات صارمة من قبل روسيا لتركي والسعودية وقطر. بوتين الآن حسب التوقع والمعلومات الإيرانية المؤكدة -التي تتوقع أيضا عملية تخريبية ستقوم بها داعش بدعم تركي سعودي قطري داخل روسيا- تُخطط لأكبر من الرد العسكري المحدود، بعد نجاح زيارته إلى فرنسا التي نجح فيها بوتين من اللعب على وتر الخلافات داخل الناتو عبر إقناع فرنسا بضرورة محاربة "داعش" والإبقاء على الأسد في الحكم في أن واحد. ما يعني أن "داعش" أصبحت في فخ السياسات الإقليمية والدولية، وأن أكبر حماتها كتركيا والسعودية ستدفعان الثمن غالياً.
تعتبر طهران أن الإجراءات الروسية اتخذت لسد الطريق أمام أية قرارات متهورة قد تتخذها تركيا من جديد، والدفع باتجاه تحرك الجيش التركي ضد أردوغان وعصابته، والتشجيع للانقلاب عليه. فموسكو ومن أجل أن لا تطعن من جديد من الخلف أعلنت أنها ستضرب بقبضة حديدية، فضلاً عن سلسلة إجراءات اقتصادية اتخذتها روسيا من قبيل منع السياح من التوجه إلى تركيا ووقف عمل الشركات التركية في روسيا؛ خصوصاً العاملة في قطاع الإنشاءات، هذا بالإضافة إلى إعلانها إعادة النظر في قضية تصدير الغاز إلى تركيا. وهذا ما سينعكس سلبياً على مكانة تركيا الإقليمية والدولية، وجعل أردوغان ومن شايعه يدفع ثمن سياساته الهوجاء.
مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية
أحمد أبو مطر
فايز سارة
أحمد أبو دقة
مصطفى علوش
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة