..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

حرب العصابات الفكرية

عباس شريفة

٢٧ نوفمبر ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 8569

حرب العصابات الفكرية
814714699_27853_16738313556539428589.jpg

شـــــارك المادة

في مرحلة عدم تكافؤ القوة العسكرية تلجأ التنظيمات المسلحة إلى ما يسمى حرب العصابات، التي تعتمد على الكمين المحكم والغارة الخاطفة والانسحاب السريع  تتحرك في الأرض دونما الاحتفاظ بها لتفرض قواعد جديدة في الحرب، تحقق النكاية في العدو وتخلق ظروف تتيح حالة من التوازن الآني والاستمرار في المواجهة.
هذا النوع من الحروب ممكن أن ينتقل إلى ساحة العمل السياسي والحرب الفكرية التي لا تسمع فيها دوي القنابل وصليل السيوف الحرب الناعمة التي تستهدف الثقافة والهوية.
الغزو الفكري من أخطر أنواع الحروب فإن كانت الحروب العسكرية تستهدف استئصال الشأفة فإن الحروب الفكرية تستهدف استئصال الهوية والانتماء وتشويه المفاهيم وتهجينها وتدجينها وهي كذلك تخضع لموازين القوة والضعف لذلك تحتاج منا لإيجاد استراتيجية ناجعة في مواجهتها.
إن الدخول في حرب معلنة مع المصطلحات السياسية الوافدة سيكشف الكثير من أوراق المسلمين في عصر الاستضعاف وسيهدر كثير من الأوقات والجهود في تحطيم مسميات وإثبات أخرى.
لذلك كان علينا أن نتعامل مع هذه المصطلحات من خلال إفراغها من مضمونها المتناقض مع ثقافتنا، والعمل على تعبئتها بمضامين من ثقافتنا أو الاختباء وراءها للوصول إلى المبتغى، هكذا تكون الاستراتيجية الناجعة  لأجل سرعة الدخول في حيز التنفيذ للمشروع ولا نراوح في معوقات الفكر والمصطلحات المحتملة.
نمثل هنا ولا نحصر في قضية الخطاب الوطني الذي تأباه كثير من الجماعات الإسلامية وتحاربه بحجة عالمية الإسلام والمسلمون أخوة، فلا هم حافظوا على الوطن والأرض ولا حققوا عالمية الإسلام في حراكهم.

لا يمكن أن نتصور تعارضاً بين الإسلام كهوية وبين الوطن كظرف مكاني يجمع الأمة وينفذ عليه مشروعها الحضاري.
إن غياب الخطاب الوطني ببعده الإسلامي من شأنه أن يجعل الاقليات كلها تنقلب كقوة مضافة للأعداء في الوقت الذي نحتاج فيه إلى تحييد أكبر عدد من الخصوم المحتملين وكسب أكبر عدد من الحلفاء.
إن إيلاء الاهتمام للبعد الوطني ليس قضية تعلق بسايكس بيكو كما يحب البعض أن يصور الأمر وإنما هي مسألة شرعية، فقد شرع جهاد الدفع لأجلها.

وتجريد المجاهد من حب الوطن يقتل الغيرة في نفسه على عرضه ووطنه ويجعله وقوداً للمشاريع الحزبية، ولاؤه المطلق للإيديولوجيا والتنظيم العابر للحدود يسهل تنقيله من ساحة إلى ساحة جاريا وراء التنظيم  وكأنه هو الغاية والإسلام بعينه.
حتى الفقهاء لم يغب عنهم البعد القطري في الجهاد فجعلوا من جهاد الدفع واجباً على أهل البلد الذين يقع عليهم الصيال ابتداءً.

إن قطع العلاقة بين المجاهد ووطنه وضعف تشبثه بالأرض وإلحاقه بالتنظيمات والأحزاب يجعله عرضة للاستعمال والاستغلال والزج به في كل أرض قد لا تكون المصلحة في إشعالها ولكنها ضرورة للحفاظ على التنظيم.

ولا يعني ذلك بالضرورة أن لا يتنصر المسلمون فيما بينهم. ولكنه من باب البناء على الموجود والميسور إلى أن يتيسر المفقود والمعسور.
لذلك لا بد من الالتفاف على كثير من المصطلحات الحيادية كالوطنية والحرية والعدالة الاجتماعية والدعوات القومية لتأطيرها ضمن الحدود الشرعية، وهي التي عناها العلماء بقولهم لا مشاحة في الاصطلاح والعبرة بالمعاني لا بالألفاظ والمباني، ولا يجب أن نجد غضاضة في رفعها كشعارات إنسانية وربما نضطر أن نلتف حتى على المصطلحات المتخاصمة معنا ونعمل على تطويعها وتفريغها وتفكيكها إلى ما هو مقبول منها وما هو مرفوض لنحسن مواجهتها بأيسر السبل.
وأحسب أن الاخوة في ليبيا قد أخذوا بهذا الطرح مبكرا فهم يستخدمون نفس العبارات المتداولة في الخطاب الدبلوماسي (مدنية الدولة، دولة المؤسسات، وطنية، محاربة الإرهاب‘ حرية‘ المشاركة السياسية‘ حقوق الإنسان‘ وغيره) لكن لا بمفهوم الغرب وإنما بمفهومنا الإسلامي.
وبنفس الوقت هم مستمرون في وضع أسس النظام الإسلامي في شتى النواحي القانونية وهذا ما جعل لهم ثقلاً ومرونة في تخطي أزمات الداخل ومؤامرات الجوار وخبث الخارج بأقل الخسائر وأوفر المكاسب

ولا يجب أن نقف منها موقفاً نفسياً لأن الماسون تاجروا بها فهم ألد الأعداء للوطن والإنسان،
والأنظمة العلمانية استعملتها في إذلال الشعوب وتواروا مستترين بها وكم رفعوا من شعارات الإخاء الإنساني والحرية والعدالة الاجتماعية ومارسوا تحتها كل أنواع الظلم والتمييز العنصري والقهر والاستبداد.
قد يكون للقضية أبعادها النفسية لكن حرفية الخطاب يجب أن تتجاوز هذه القضية دون إسقاط للحقوق في خطاب العالم يجب أن نوصل رسالتنا على أننا نخوض حرب ظالم ومظلوم وساعة نخاطب العالم أننا نخوض حرباً عقدية سنخسر الكثير في عصر الضعف.
صحيح أن أكثر من استخدم هذه المصطلحات هم القتلة والمجرمون ليس فقط بالمستوى المحلي بل المستوى العالمي وحتى من حذر من فتنة الحرب الطائفية أو العقدية منهم أراد استخدامها لتزوير حقيقة الحرب أنها اختلاف عقدي أو منهجي فيلقي ضبابية على المشهد وقد نجح هذا الخطاب في جر المسلمين بعيداً عن حقوقهم خوفاً من الاتهام بالفتنة والحقيقة هو صراع بين ظالم مغتصب للحق ومظلوم.
التشبث بالهوية ضروري لمخاطبة الأتباع والأمة ولكنها مشكلة في مخاطبة العالم المخالف وأنت تبحث عن نصير لتحفظ وجودك في حال الاستضعاف.
نحتاج إلى عمق في النظر والتميز بين المصطلحات السياسية التي يتواضع عليها مجموعة من البشر لتدخل على معنى محدد ثم تروج في عالم الخطاب السياسي العالمي وبين المصطلحات الشرعية التي وضعها الشارع والتي لا يجوز الخروج عنها بحال، فالتورية في الحروب السياسية والإختباء وراء الكلمات الغائمة  مطلوبة كما هو الحال في الحروب العسكرية وفي الحروب الفكرية وهي الأخطر (وإن في المعاريض لمندوحة عن الكذب) رواه البخاري في الأدب المفرد.
وهذا يشبه التفرق بين الحقيقة الشرعية وضعها المشرع والحقيقة اللغوية التي تواضع عليها أهل اللغة  والحقيقة العرفية التي تعارف عليها الناس نحن هنا نتكلم عن المصطلحات الحيادية العرفية منها واللغوية التي تقبل العلمنة والأسلمة ولا نأتي على الحقائق الشرعية للمصطلحات الوقفية.
لماذا لا نفعل كما يفعل الخصم حينما يأتي لمصطلحاتنا الإسلامية ويفرغها من مضمونها ثم يعمل على تعبئتها بمضامين من صميم الهوية الغربية؟
هذه الحرب أحيانا تنفذ بأيدي أبنائنا وتمارس علينا ونكون نحن ضحيتها في تفكيك مصطلحاتنا الصلبة ليتم إفراغها من مضمونها فتصبح كالغذاء الهرموني الذي يعطيك شكل الغذاء منزوعة منه القيمة الغذائية فتغدو أقنعة مزيفة على وجوه قبيحة.
ثم نبذل الجهد الطويل من أجل إعادة الصورة والحقيقة المشرقة لما شوهه الغلاة من معاني سامية تمس نخاع هويتنا.
يقوم الغلاة بنفس عمل العلمانية المتأسلمة وهو إفراغ المفاهيم الإسلامية من مضامينها ثم إعادة تعبئة هذه المفاهيم بمضامين القتل والسلب والسبي والسرقة ثم تقدم إلينا على أنها من صلب ديننا وهويتنا، وهذا ما يحصل اليوم لمفهوم الدولة الإسلامية والخلافة الإسلامية والجهاد والشريعة فقد تعرضت لأقسى درجات التشويه على أيادي الغلاة المارقين حتى حمل البعض أن يعرض عن استعمال هذه المصطلحات ويستعيض عنها لما يحضر في ذاكرته من عمل المارقة في تشويه هذه المسميات الصلبة في مشروعنا الحضاري.
الخلاصة:
إن لم ننهض لهذا الأمر ونمارس حرب العصابات الفكرية على المصطلحات الحيادية والالتفاف على المصطلحات المناوئة فستروج هذه المصطلحات إلى شعوبنا تحت تأثير الضخ الإعلامي وبنفس المضامين والمفاهيم الغربية لهذه المصطلحات، إما من عجزنا عن فرض مصطلحاتنا شكلا ومضمونا على سوق السياسة والثقافة العالمي، فعلى قدر ما نحسن استعمال التمويه في الحرب نستطيع أن نشتت نيران العدو ونضلل أهدافه ونشاغله  للالتفاف عليه وتحقيق الهدف الاستراتيجي.
 

 

نور سورية

تعليقات الزوار

..

ابو عمر الشامي - العالم العربي

٢٨ نوفمبر ٢٠١٥ م

هذه المصطلحات ليست حيادية كما ذكر الكاتب و لها مضمونها و الغرب ليس ساذجا يمكن أن نضحك عليه بافراغ المضمون و اعادة تعبئته بما يرفضه ..

 

..

سالم - السعودية

٢٩ نوفمبر ٢٠١٥ م

عندما نبحث عن عقار لداء متفش، نقوم بجرد حالات أصيبت بذلك الداء، ومن ثم نسعى جاهدا باستخراج هذا العقار الذي يكون نفعه أكثر من ضرره ولابد، ثم نقيم عليه التجارب.
من تجارب أقيمت حول هذا العقار"الالتفاف حول المصطلحات الحيادية" قد باءت بالفشل، بل أثبتت أنها من قبيل سكب الوقود على النيران الملتهبه، وأثبتت التجارب لهذا العقار أن له آثار أقوى من علاجه منها: -تشتيت الأمة، فالأمة طبقات منهم الجاهل(وهذا الغالب) والصغير والكبير، وغيرهم من الذين قد يتعاملون مع ذاك سلبياً.
- وجود شريحة من المنافقين، الذين يستغلون مثل هذه الحيادية في تمرير المشاريع الغربية.

وأخيراً، فالشرع قد أمرنا بالاتفاف حول جمع الكلمة لا بمصلطلح الوطن ولا التآلف ولا غير ذلك من المصطلحات الحيادية و"حقوق الإنسان" نموذجاً.
بل أتى بعكش ذلك، من المباينة مع الأعداء والوضوح في العداء، بل حتى في المباحات كالملبس والمظهر، فضلاً عن مصطلحات وضعية لها مابعدها وأكبر من ذلك أنها أستبدلت بمصطلحات شرعية للإلتفات عليها.
وأختم بالآية المحكمة التي لابد أن تكون أحد الشعارات الثابتة يقول الله سبحانه وتعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملته)، فأخبر الحق سبحانه الذي يعلم ماسيكون وماكان ومالم يكن لو كان كيف يكون، أن رضى الأعداء عنك، ليس في الالتفاف حول مصطلحات حيادية، أو الكف عن القتال، أو التقارب أو غيره، بل هو: (حتى تتبع دينهم)
(ولئن اتبعت أهوائهم من بعد ماجاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير).

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع