..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

ليالي الأمس في فيينا

أحمد أبازيد

٣١ ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3114

ليالي الأمس في فيينا
ابازيد 00.jpg

شـــــارك المادة

أهمية وخطورة اجتماع فيينا أمس في كونه يعيد ترسيم أطراف معادلة الصراع حول سوريا، والتفاهمات العريضة التي يُبحث في إطارها الحل السياسي، روسيا وإيران الآن طرفٌ معترف به دوليّاً لبحث أي حل حول سوريا، بعدما كانت جامعة الدول العربية ثم مجموعة أصدقاء سوريا المسؤولين عن هذا الحل.
فيما قبل كان التدخل العسكري احتمالاً ضعيفاً، وإن لم تظهر جدية من أي من حلفاء الثورة (السعودية، قطر، تركيا) بشأنه مقارنة بجدية حلفاء النظام، لكنه الآن شبه مستحيل بعد روسيا، من لم يحارب الأسد لأجلك سابقاً على ضعفه ولا شرعيته شعبيّاً وعالميّاً، لن يحارب اليوم روسيا.

لم يكن هناك أي تمثيل سياسي للثورة في اجتماع فيينا، وهذا هو الفشل الأكبر، واستمرار تعطيل الإجماع على واجهة سياسية للثورة خدمة للنظام لا أكثر.
قد تتدخل دول بمنع الدعم أو الضغط لمنع توحد الفصائل الكبرى، ولكن قبل الوصول إلى هذه المرحلة فإن ما عطل وما زال يعطل التوافق على واجهة سياسية للثورة (سواء الائتلاف أو جسم جديد) هو إرادة قادة الفصائل الكبرى أولاً، ليسوا جميعاً، بل أوهام الظن أن فصيلاً أو منطقة وحدها بإمكانها تمثيل المشروع الثوري كاملاً، أو أن الثورة تابعة لمشاريعنا بدلاً من أن مشاريعنا كلها (وهي أوهام مشاريع) تابعة للثورة، وأن تهميش بعضنا أولى من تهميش الأعداء.
هذا طبعاً بالنسبة للفصائل، باعتباري منتمياً إلى هذا الوسط، أما الائتلاف فلم تظهر منه بادرة تصالح جدي لدمح الفصائل في بنيته (يجب أن تبدأ باستقالة نصفه ربما)، حتى لا يُفهم الأمر كجلد ذاتي فقط.
إن كان بعضنا ما زال يعترض حتى الساعة على علم الثورة ويقول إنه لم يحنْ وقته، فإن قطيعتنا مع داعش لم تكتمل، الرضوخ لمزايدات المناهجة استمرار في شرعنة فكر الغلو وشق صف الثورة.
توافق الثوار الليبيون على واجهة سياسية وعسكرية أولاً خلال أقل من شهر أمام القذافي، وتوافقوا من جديد في أقل من ذلك (في فجر ليبيا) حين ظهر حفتر، وبعدما تدخل في حربنا حزب الله والميليشيات العراقية والأفغانية والحرس الثوري الإيراني والطيران الروسي، ربما ننتظر تدخل يأجوج ومأجوج في الثورة حتى يحين وقت الحسم تجاه توافقنا ولو على الشعارات فقط.

تناول موضوع اجتماع فيينا وكأن المسألة هي العلمانية مقابل تحكيم الشريعة تحريف لجوهر المشكلة، وهي عدم وجود الثورة كطرف سياسي حتى الآن، الإلغاء السياسي للثورة هو إلغاء قانوني ونظري لشرعيتها في السلطة.
ونحن لم ننتج كياناً سياسياً أو هيئة أركان عسكرية (هدمناها واحتفلنا بذلك بالأحرى) لنفاوض على شرعيتنا المؤسسية في نقاشات المرحلة الانتقالية (يمكننا وقتها القول إن هيئة أركان الجيش الحر هي المؤسسة العسكرية الشرعية التي ندمج فيها من لم تتلطخ أيديهم بالدماء بدلاً من الحديث الخجول عن إعادة هيكلة مؤسسة الجيش والأمن لدى النظام).

ما يحصل خطير، وفشل، والأخطر أننا لا ندرك ذلك، ونكابر، بل نعتبره نجاحاً ونتفاخر بقدرتنا على التعطيل لا على البناء، والإعذار بالجهل قد يصح في مسائل العقيدة أكثر مما يصح في مسائل الدماء وحرية الشعوب التي تُهدر على أبواب المزايدات والأوهام، وبطولة السلاح لا تجدي مع طفولة الوعي، والقوة التي لا تُترجم مؤسسياً وسياسيّاً تتحول إلى عبث ذاتي أو إلى سلطة الآخرين.

ولكننا سنطبق الشريعة ولن نعطي الدنية في ديننا وسنقطف ثمرات الجهاد ولو على شبر من الأرض، هذا المهم فقط، وسندخل مرة أخرى في مهاترات رفض القانون والدولة والوطن والسياسة والثورة والحرية (...الخ)، في النهاية هذا رفض لغير سلطتنا نحن، حتى تكون الأمور واضحة يعني.
هل ثمة بدهية أوضح من ألا شريعة الآن أوجب ولا أجل من بذل كل سبيل لانتصار الثورة وتحقيق المكاسب العسكرية والسياسية لمشروعها ؟!، أو لئلا تُهزم تماماً على الأقل، ولكنني لن أناقش الأمر الآن، لأنني انشغلتُ سنتين بتكرار هذه الفكرة نفسها فقط، والأمر ممل، وكل هذه النقاشات يُفترض أنْ قد آنَ أنْ تصيبنا بالسأم (شخصياً أضحت تصيبني بالقرف) بعد هذه السنين (وكل سنة بعقود) والتي مرّت علينا أنهاراً من الدم والنكسات، كان للمزايدات وتحريف المفاهيم وتزييف الوعي وتغييب الثورة كِفْلٌ ثقيلٌ منها.

يعاتبني البعض أنني تغيَرتُ، ولماذا لا أرد على أي نقاش يتعلق بداعش سوى بشتيمة ووعيدٍ بالقتل، أو أنني لم أعد أتكلم في مواضيع الدولة والدين والإسلاميين والحلول الوسط (...الخ)، ولماذا أنا منحاز للفصائل الثورية كثيراً (وكأن عليّ أن ألعن نفسي وأهلي لأرضي الموضوعية)... الخ (مرة أخرى).

الزمن يسير، ودماؤنا تسيل معه، أنك لا ترى ذلك، هي المشكلة.

 

 

نور سورية

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع