مجاهد مأمون ديرانية
تصدير المادة
المشاهدات : 3070
شـــــارك المادة
سألني أخٌ فاضل بعد نشر مقالتي الأخيرة قبل يومين: أيّ أجهزة أمنية هذه التي تقول إن المجتمع الدولي يصرّ على إبقائها في أيدي العلويين؟ أمَا انهارت مؤسسات الدولة ولم يَبْقَ منها شيءٌ يُذكَر؟
الجواب محزنٌ يا أخا الإسلام، فبعد خمس سنوات من الثورة وأربع سنوات من القتال تهاوت أكثرُ مؤسسات النظام وأصيبت بأضرار جسيمة، بما فيها المؤسسة العسكرية التي تجاهلتُ الإشارةَ إليها في مقالتي المذكورة، لكنْ بعد ذلك كله بقيت إحدى مؤسسات النظام سليمةً بالكامل تقريباً ولم تُصَبْ بأضرار ذات شأن. ما هي؟ للأسف، للأسف الشديد، هي المؤسسة الأمنية بكل ما يتبعها من فروع المخابرات ومراكز الاعتقال والتحقيق والتعذيب.
* * *
حين بدأت الثورة كانت المؤسستان متقاربتَين في الحجم، فقد بلغ عدد عناصر القوات المسلحة بفروعها الأربعة (الجيش البري والقوات الجوية والقوات البحرية وسلاح الصواريخ أو الدفاع الجوي) نحو ثلث مليون حسب الإحصاءات التي دأبت المراجعُ العسكرية العالمية على نشرها خلال السنوات العشر الماضية. ورغم أن أي إحصائية رسمية لم تتوفر لحجم الأجهزة الأمنية، إلا أن التقديرات المختلفة تتفق على أنها تضمّ مجتمعةً نحوَ ثلاثمئة ألف شخص. فما هي الحالة التي آلت إليها المؤسستان أخيراً؟
في نهاية عام 2014 قدّرَت مراكزُ أبحاث ودراسات مستقلّة غربية أن الجيش السوري النظامي فقدَ ما يتراواح بين 178 ألفاً و225 ألفاً من الضباط والجنود نتيجةً للانشقاق والهروب والتخلّف عن الخدمة والقتل والإصابات، أما أهمّ مرجع في الدراسات العسكرية والإستراتيجية في العالم، "المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية" في لندن (IISS)، فقد كانت أرقامُه أكثرَ تحفظاً بكثير، حيث يعتقد أن عدد القوات التي يستطيع الأسد حشدها في جبهات القتال المختلفة لا تتجاوز خمسين ألفاً في أحسن الأحوال.
إذن يمكننا أن نقول إن المؤسسة العسكرية التي بناها الطاغية البائد حافظ الأسد لحماية نظامه وطائفته وعائلته قد تفككت بشكل كبير وفقدت الجزء الأكبر من قوّتها، فقد كانت هي درعَ النظام وتلقت الضربات كلها على مدى أربع سنوات، أما المؤسسة الأمنية -التي صُمِّمَت لإخضاع المجتمع والسيطرة على الشعب السوري الأعزل- فقد نَجَتْ من الضرب ولم تتعرض لضغط يُذكَر، ومن ثَمّ فإنها ما تزال محتفظة بهيكلها الصُّلب وقوتها الكاملة (تقريباً) حتى اليوم، وفي أكثر التقديرات تفاؤلاً يمكننا القول إنها فقدت خُمس قوتها الأصلية وبقيت لها أربعة أخماس.
من أجل ذلك جاء التدخل الإيراني الواسع في سوريا، لأن المؤسسة الأمنية تستطيع الصمود إلى ما لانهاية إذا بقي خصمُها هو الشعب الأعزل، ولكنها لا تستطيع الصمود إذا انهارت المؤسسة العسكرية للنظام وغدت وجهاً لوجه أمام القوة العسكرية الضاربة للثورة. لم يعد جيش النظام قادراً على توفير الحماية لأجهزة الأمن التي تهيمن على الحياة العامة في سوريا، فاضطر النظام إلى الاستعانة "بقوات عسكرية أجنبية" للقيام بهذه المهمة.
إنّ الانهيارَ الجزئي للمؤسسة العسكرية للنظام يفسّر انحسار سيطرته عن مناطق واسعة في سوريا، وصمودَ مؤسسته الأمنية يفسر قدرته على فرض جبروته وسيطرته المُحْكمة على المناطق المحتلة، التي ما يزال يعيش فيها نصف سكان سوريا في حالة أسوأ من أي احتلال عرفته أمم الأرض في تاريخها الطويل.
إن النظام في سوريا هو نظام أمني بالأساس، فكل السوريين، حتى الأطفال في الحضانات، يعلمون أن الحكومة مجموعة من الدُّمى ومجلس الشعب ثلّة من المهرّجين وحزب البعث خدم وعبيد وشبيبته حطب ووقود. في سوريا الدولةُ كلها هي الرئيس والأجهزة والأمنية، ولن يبقى الرئيس على كرسيّه يوماً ولا نصفَ يوم دون تلك الأجهزة، فإذن هي الدولة والدولة هي أجهزة الأمن.
في حالة ثورة عسكرية تقليدية على نظام مستبد تنهار جدران الحماية والدفاع العسكرية النظامية نتيجةً للصراع المسلح الطويل، فتنهار بانهيارها مؤسسات الحكم، بما فيها المؤسسة الأمنية التي يعتمد عليها النظام القمعي البوليسي. كان يمكن أن نصل إلى هذه الحالة منذ وقت طويل لو لم تتدفق على سوريا قوات الدعم الخارجية لمساندة الجيش المنهار، ولو لم تُصنَع داعش للتنسيق مع النظام وتبادل الأدوار وطعن الثوار في الظهر وسلوك مسالك الغدر والمكر والإجرام.
ما يهمنا من كل ما سبق هو النتيجة التالية: ما لم يتم اختراق الدرع والوصول إلى تلك المؤسسة القذرة وضربها في العمق -قبل أن تضع الحرب أوزارها ويُفرَض على سوريا حل سياسي- فإننا سنخرج من تحت الدلف لتحت المزراب. أما كيف يكون ذلك فسؤال ليس مثلي من يجيب عنه، إنما يجيب عنه قادة الثورة الذين تفرقوا عن حبل الله واعتصم عدوهم بحبل الشيطان، فأنّى يُنصَرون؟
الزلزال السوري
أبو الهُمام البرقاوي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة