..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

بوتن التيس المستعار

منذر الأسعد

٧ ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3277

بوتن التيس المستعار
000 متردد.jpg

شـــــارك المادة

منذ أسابيع، أصبح الحديث عن التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا محور الاهتمام والمتابعة سياسياً وإعلامياً، فازداد سخط أكثرية السوريين على الدعم المطلق الذي تقدمه موسكو بوتين لنظام بشار الأسد، بينما أبدت واشنطن قلقها، وتركت للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لعب الدور الآخر، عبر دعوتها إلى محاورة موسكو للتوصل إلى حل لأزمة اللاجئين السوريين المتدفقين على أوربا! وأتاح البيت الأبيض لجهات خفية مهمة تضخيم الخطوة الروسية، من خلال إثارة سؤال تضليلي بامتياز يقول: هل يؤدي التصعيد الروسي إلى حرب دولية؟
إذا حاول المراقب الموضوعي النفاذ من سطح الإثارة الإعلامية هنا، إلى ما وراءها وما بين سطورها، فقد ينتهي إلى ترديد مثل شعبي سوري شائع يقول: الطبل في دوما والعرس في حرستا!!ويُضرَب هذا المثل للسخرية من أي حدثٍ يتسم بالمفارقة بين الفعل الواقعي والفعل المصطنع.
تاريخ مريب:
قبل أن نتفحص الموقف الروسي الراهن من الثورة السورية التي انطلقت سلمياً قبل أربع سنوات ونصف سنة، ينبغي الإلمام بتاريخ العلاقة بين موسكو والنظام الأسدي الممتد نحو نصف قرن من الزمان.
منذ هزيمة 5 حزيران/يونيو 1967 بدأ الصراع بين حافظ الأسد –وزير الدفاع يومذاك- وقيادة البعث الحاكم بزعامة الرجل القوي : صلاح جديد..
وكان من المثير للعجب، أن روسيا الشيوعية انحازت إلى جانب الأسد المتهم بأنه يميني وميّال إلى الغرب، على حساب حلفائها من رفاقه اليساريين المتطرفين..
وقد خذل الكرملين سوريا البعث عسكرياً مرتين، أولاهما في كارثة 1967 ثم في حرب 1973 عندما انتهت بخسارة الأسد أراضي إضافية بدلاً من تحرير الجولان المحتل!!
ولم تنجده موسكو ولو بقوات رمزية، مع أنها كانت في ذروة الحرب الباردة مع المعسكر الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية!
في سنة 1976 تدخل الأسد الأب عسكرياً في لبنان عشية اندلاع حربه الأهلية، لنصرة اليمين المسيحي الانعزالي، إذ كان ميزان القوى على الأرض يميل لمصلحة منظمة التحرير الفلسطينية والقوى الوطنية واليسارية اللبنانية المتحالفة معها، فأثار تذمر الروس، الذين اتهموه بالتدخل لحساب واشنطن وبالتنسيق مع إسرائيل!!
هذه الوقائع التاريخية ذات أهمية كبرى لفهم سياسات حافظ الأسد، الذي كان يتبنى شعارات قومية ويسارية ويمارس نقيضها في الداخل والخارج، فقد أقام نظاماً طائفياً أمنياً وعسكرياً، وفي الحرب العراقية/الإيرانية ساند إيران الفارسية ضد البعث العراقي الذي يرفع الشعارات نفسها..
وعندما غزا صدام حسين الكويت في صيف 1990، انخرط "الجيش السوري العقائدي" في المعركة تحت الراية الأمريكية!!
فتِّشْ عن الأمريكان:
الدور الروسي منذ اندلاع الثورة السورية بحسب ما نراه في وسائل الإعلام دور قوي وحاسم ، فموسكو تستخدم حق النقض "الفيتو" أربع مرات في مجس الأمن الدولي لحماية نظام بشار الأسد، وتعزيزاتها العسكرية عليه صباح مساء علانية وعلى رؤوس الأشهاد، من أسلحة وذخائر وقطع غيار وخدمات استخبارية من صور أقمارها الصناعية.. وأخيراً : ها هي تبدأ الاشتراك الفعلي في الحرب التي يشنها على السوريين، وإن اتخذت من شعاره نفسه: مواجهة الإرهاب ذريعة لتدخلها السافر.
تلك هي الصورة السائدة، والتي يتم تسويقها بإلحاح لا تخطئه العين البصيرة، وربما كانت المبالغة في استعمال المكياج هي الباعث الأكبر على تمحيصها والتشكيك فيها.
فروسيا اليوم لا تقاس – في أي مجال إستراتيجي- بسلفها السوفياتي، الذي لم يقف موقفاً واحداً بهذه النِّدِّية في وجه العم سام، ابتداء من الحرب في شبه الجزيرة الكورية ( 1950- 1953 )مروراً بأزمة الصواريخ الكوبية 1962 إلى حروب الشرق الأوسط 1956، 1967، 1973....
وروسيا نفسها بعد انهيار الستار الحديدي، عجزت عن حماية حلفائها الصرب- شركاء العرق والثقافة والديانة- من بطش طيران الناتو في محنة البوسنة 1995، وفي أزمة كوسوفا 1998 – 1999.
إن تسويق الدور الروسي بالصورة المصطنعة الراهنة، نجح في البداية، لأن السياسة الأمريكية تلاعبت بمشاعر السوريين، عندما قدمت نفسها كصديق لهم، ودعا البيت الأبيض بشار الأسد إلى التنحي. وتطوع بوتين لدوره السيئ لحسابات ضيقة تخدم الهدف الحقيقي لأمريكا، وهو الحفاظ على نظام بشار الأسد بكل السبل الممكنة.
ففي ولاية الرئيس أوباما الأولى, طلب منه أربعة من كبار مساعديه تسليح المعارضة السورية وهم: وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون- وزير الدفاع ليون بانيتا - مدير الـCIA : ديفيد بتروساند- رئيس هيئة الأركان: مارتن ديمبسي.
وأصر أوباما على رفض توصياتهم، ثم رسم خطوطه الحمراء إذا أقدم بشار على استخدام السلاح الكيميائي، فإذا به يستخدمه في استخفاف مذهل بتهديد رئيس أقوى دولة في العالم!! فهل كان بشار مراهقاً لا يدرك معنى ازدراء أمريكا وإهانة رئيسها؟ أم أنه كان على ثقة من أن خطوط أوباما خضراء لا حمراء؟
إن من يستحضر صورة الخروج المخزي لجيش الأسد من لبنان خلال أيام عقب اغتيال رفيق الحريري 2005 ، يستطيع الجزم بأن خطوط أوباما الحمراء لم تكن حمراء أبداً.. فالأسد غادر بمجرد همسة صغيرة من واشنطن في عهد بوش الابن: نحن أدخلنا أباك إلى هنا لمهمة، والآن عليك الخروج لأن مهمتكم انتهت!! فالجبان الذي يهرب من لبنان مرغماً من دون تلكؤ، لن يصبح عنترة زمانه لو كان يعلم أن أوباما جاد في رسم خطوطه الحمر!!
وهنا تتضح حدود الدور الحقيقي لروسيا، الذي لا يعدو كونه دوراً وظيفياً لتمرير رؤية أمريكا وخدمة مصالحها الكبرى، لقاء مكاسب محدودة تلائم الحدود الفعلية لحجم روسيا وقدراتها في منظار واشنطن.
فأمريكا لم تفكر يوماً بسوريا كبلد يشتري أسلحتها، ولم تطمع بأن يكون شريكاً اقتصادياً لها، وإنما يتركز اهتمامها على حماية الدولة العبرية لا أكثر ولا أقل.ولذلك فهي لا تمانع في صفقات التسليح الروسية لعائلة الأسد، ولا تعنيها قاعدة طرطوس الكاريكاتورية..
ومن شك في ذلك فليرجع إلى تدشينها مبدأ الانقلابات على النظم الديموقراطية، يوم دفعت حسني الزعيم سنة 1949 ليطيح النظام الديموقراطي في سوريا، وليقرأ خفايا علاقاتها بالنظام الأسدي من عهد الأب إلى عهد الابن..
إن بوتن ليس سوى تيس مستعار، بدليل تنسيقه التام مع السفاح نتنياهو، في مسرحية تثير ضحك الثكالى، عندما يأتي المحتل الروسي بعد إخفاق الاحتلال المجوسي، لحماية نيرون العصر "بطل الممانعة"بالتفاهم مع الصهاينة!!

 

 

 

المسلم

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع