..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

خلافة أم تمكين أم نهضة؟

عبد الله يوسف

٢٤ أغسطس ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 7044

خلافة أم تمكين أم نهضة؟
ام 000.jpg

شـــــارك المادة

تزدحم الساحة الإسلامية اليوم بالأفكار والبرامج التي تسعى للخروج بالأمة والمجتمعات مما وصلت إليه، وقد نشأ جزء من هذه الأطروحات ردة فعل لما يحدث، وأخرى نشأت استجابة حقيقية لمتطلبات الواجب الزماني والمكاني، فأي المناهج المطروحة أقدر على معالجة الفجوة المتسعة؟ وما هي النهاية المرجو الوصول إليها؟ ومدى انسجامها مع المنهج الإسلامي؟ وما الممكن الواقعي منها في ظل التعقيدات الميدانية والعجز الداخلي والعقبات الخارجية؟

وأمام البرامج المتعددة المطروحة يحاول المرء تلمس الطريق الأقرب إلى الصراط المستقيم، غير أن اكتشاف صوابية هذه المناهج أضحى عسيراً في ظل تبني معظمها شعارات تستند إلى مرجعية شرعية، ورفعها لواء السعي إلى إعادة الحياة الإسلامية كما أرادها الله عز وجل، فظهرت أصوات تنادي بالخلافة الإسلامية، وأخرى ترقب تمكيناً، وثالثة تسعى لنهضة إسلامية شاملة.

فهل تعد الخلافة والنهضة والتمكين أسماء مختلفة لشيء واحد، أو هي مراحل داخل نفس المشروع، أو أطروحات متباينة واجتهادات مختلفة، قد تتناقض فتتصارع، أو تتكامل فتتنافس وتتعاون؟

وقفة حول المفاهيم:

لا شك أن الوقوف على مفهوم هذه الألفاظ يسهم في تحديد ماهيتها وطبيعة العلاقة بينها، ويجيب على كثير من الأسئلة التي ترد عليها، غير أن ثلاثتها تشترك في وقوعها داخل دوائر الخلاف المفاهيمي المتشعب، فمسمى الخلافة مثلاً أطلق في التاريخ الإسلامي على عدة نماذج منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الدولة العثمانية، وبالرغم من اختلاف الصور إلا أنها أخذت اسماً واحداً، حتى أصبح مطلب الخلافة اليوم متفق عليه بين كثير من العاملين للإسلام، لكن الاختلاف في المسمى ومعالمه وهل المراد به شكل خاص أو مضمون؟، فكل جماعة تفسر الخلافة بطريقة مختلفة عن الأخرى، فبعضهم يراها مبادئ كلية قابلة للتكيف مع أشكال الدولة الحديثة مهما اختلفت، وآخر يعدها شكلاً واضح المعالم يستوحيه من الصورة التراثية المثالية لها.

وكذلك التمكين، فمفهومه القرآني ورد مع المسلم وغيره، كما في تمكين يوسف عليه السلام وتمكين ذي القرنين والأقوام السابقة، أما اليوم فبعض الجماعات الإسلامية تفسره بوصولها إلى مستوى من القوة، يتيح لها تطبيق رؤيتها ونظامها واجتهاداتها في جوانب الحياة المختلفة، حتى تطور الاسم وغدا له فقه ينظم أحكامه وشؤونه.

أما النهضة فبالرغم من وجود محاولات لتقديم تصور حول مفهومها وملامح مشروعها، فلا يزال هناك كثير من الأسئلة حولها، وهل هي مشروع واحد في العالم الإسلامي أو مشاريع عديدة تتفق في الاسم وتختلف في المسميات والمضامين؟، ووقع الخلاف في مرجعيتها، ومدى علاقتها بالنهضة الأوروبية التي كان مصطلح النهضة علماً عليها ابتداءً، قبل أن يتم تدويله واستعماله في "النهضة العربية"، وماذا عن علاقتها بالمصطلحات الأخرى مثل "التنمية"، و "التجديد الديني"، و "الخلافة".

وأمام هذه الحالة الضبابية في ضبط المصطلح، بقى باب الاختلاف في تفسيرها مفتوحاً، وأصبح التقسيم لها مجرد تقسيم منهجي لا يعني وجوده في الواقع، مما يجعل تحديد العلاقة بين هذه المفاهيم غائباً، فقد يكون التمكين هو مرحلة ختامية توازي الخلافة عند مدرسة، ومرحلة تسبق الخلافة عند مدرسة أخرى أو ثمرة لها، والنهضة كذلك يراها البعض هي بديل معاصر يحقق مضمون التمكين، وآخر يعدها مشروعاً مختلفاً عن الخلافة والتمكين.

النجاح في تجاوز المفهوم ينتظره اختبار تحقيق المناط:

إن النجاح في تجاوز إشكالية الاتفاق على مفهوم هذه المصطلحات لا يحل الإشكال الأهم، والمتمثل بمعرفة مناطاتها المناسبة، وتنزيل الأحكام الشرعية عليها، وتفعيلها في ظل متغيرات النظام العالمي الجديد، وصولاً للثمرة المرجوة منها.

إن الحديث الذي جاء فيه مصطلح الخلافة والمراحل التي تمر بها الأمة: "ثم تكون خلافة على منهاج النبوة[1]"، قد وقع الشراح في خلاف كثير عند تنزيله على الواقع على مدار التاريخ، بل إن بعضهم جعل حكم الخليفة عمر بن عبد العزيز –رحمه الله- هو الخلافة التي تلت الحكم الجبري زمن بني أمية[2]، ومنذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا نجد تنزيلات متباينة له على الواقع، مما جعل الخلافة تعلن مرات عديدة قديماً وحديثاً.

وكذلك حدث عند مطالبة الإسلاميين بتطبيق الشريعة بعد فوزهم في الانتخابات في بلدان مختلفة خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي، والأولين من القرن الحالي، على اعتبار أن الفوز في الانتخابات تمكين يتطلب تنزيلاً لفقهه وأحكامه، وحدث تنازع في المنهج الذي ينبغي أن يقدم الأثري أم المقاصدي، وتدافعت أولويات البدء بالمفاهيم العقدية أو التربية التزكوية أو التنمية الاقتصادية؟، وهل مجرد استلام السلطة يعد تمكيناً أو يشترط تمام القدرة على تطبيق الأحكام؟، وهل التمكين صناعة بشرية مرتبطة بالأسباب والمسببات والمقومات من تقوى وعلم وخبرة أو هو محض هبة إلهية؟

أما النهضة فنالها ما نال أخواتها، فهل هي دينية أو علمية أو سياسية أو اقتصادية؟، وما هي متطلباتها ومراحلها وعوائقها؟، ومن يقوم بها الأفراد أو المؤسسات أو الدول؟، وهل النهضة منتهى الطريق أو هي مرحلة في السير الحضاري، وأين وصلت المشاريع التي سلكت طريقها في القرن الماضي، وكم القدر الذي حققته من مأمولاتها، وهل ما زالت تمتلك رؤية وهمة للمواصلة أو انقطع سيرها وفقدت ثقتها بمشروعها؟!

وبعد عرض موجز لأهم ثلاث غايات تتوق لها مساحات العمل الإسلامية أجد معظم الأطروحات تركز جهدها على الإقناع بالمحصلة النهائية دون إعطاء ملامح واضحة، وآليات عملية قابلة للتطبيق، وإذا وجدت فإنهالم تنل حظها المناسب من العناية والاهتمام، وعليه فإني أخلص إلى ضرورة الآتي:

أولاً: إن فكرة الفرد المخلص والجماعة المخلصة التي تأخذ من كل المناهج أحسن ما عندها بدت مدخلاً غير فعال في الإصلاح، وحاجتنا اليوم للمجموع المخلص بدل البعض، والاستكمال بدل الاستقلال، لذلك نحتاج إنشاء علاقة جديدة بين كل المكونات القائمة والمشاريع المتنافسة، لتشكل بمجملها تكاملية الإسلام، لا أن ننشيء جماعة واحدة جديدة تدعو للشمول؛ لأنها قد تصبح بعد فترة قريبة نتيجة التغيرات والتطورات الطبيعية وعجز التطبيق مظلة قديمة تتطلب استبدالاً بأخرى، أما عندما يبقى المجموع فإنه يحدِّث نفسه ويطورها باستمرار على الأسس القائمة.

ثانياً: ينبغي الاستنهاض الداخلي للعاملين في الفضاءات الإسلامية، وتعزيز فكرة ديمومة المراجعة، وتحديد التقاطعات المشتركة بين المشاريع القائمة، واعتماد الإصغاء أساس للعلاقة، والتعاون في تشكيل ملامح النهاية المطموح الوصول إليها، والآليات التكتيكية العملية.

ثالثاً: يلزم مراعاة عوامل التأثير على المشاريع الإسلامية، سواء من داخلها، أو المنافسين لها من خارجها، أو المخالفين الذين لا يرفعون السيف في وجهها، أو أعدائها المناوئين، وكذلك إحسان التعامل مع سنن التدافع والبناء والاستمرار الآني والمستقبلي، وسنن التجدد وتغير الزمن التي قد تجعل ما يكون ملهماً في وقت مقعداً في وقت آخر، ومتطلبات النطاق المكاني، والأنظمة الحاكمة وطبيعة مشروعها، ونظرتك لمشروعها، ونظرتها لمشروعك، وهل وصلها مشروعك كما تريد أن يصل، أو وصلها بطريقة مختلفة عن حقيقته؟.

رابعاً: تفعيل الدراسات المقارنة بين المناهج الإصلاحية والفكرية، على أسس موضوعية منصفة مبتغاها الفهم والاستيعاب والاستفادة، قبل النقد والمخالفة والمعارضة، تراعي الجهد المبذول ولا تهدره، وتبين العجز بين الواقع والمنشود، وتسعى لسده، وتقليل الفجوة بين العاملين.

والله ولي التوفيق

 

------------------------------

[1]  أخرجه الإمام أحمد في مسنده (ح: 18406) (30/355).

[2] انظر: ابن رجب، جامع العلوم والحكم، ت الأرنؤوط (2/ 122).

 

 

مجلة البيان

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع