فايز الصلاح
تصدير المادة
المشاهدات : 7291
شـــــارك المادة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله - في [مجموع الفتاوى 28/ 390]: "يَجِبُ أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ وِلَايَةَ أَمْرِ النَّاسِ مِنْ أَعْظَمِ وَاجِبَاتِ الدِّينِ؛ بَلْ لَا قِيَامَ لِلدِّينِ وَلَا لِلدُّنْيَا إلَّا بِهَا. فَإِنَّ بَنِي آدَمَ لَا تَتِمُّ مَصْلَحَتُهُمْ إلَّا بِالِاجْتِمَاعِ لِحَاجَةِ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ وَلَا بُدَّ لَهُمْ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ مِنْ رَأْسٍ حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((إذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ)). رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ...
فَأَوْجَبَ - صلى الله عليه وسلم - تَأْمِيرَ الْوَاحِدِ فِي الِاجْتِمَاعِ الْقَلِيلِ الْعَارِضِ فِي السَّفَرِ تَنْبِيهًا بِذَلِكَ عَلَى سَائِرِ أَنْوَاعِ الِاجْتِمَاعِ. وَلِأَنَّ اللَّهَ - تعالى - أَوْجَبَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِقُوَّةِ وَإِمَارَةٍ. وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا أَوْجَبَهُ مِنْ الْجِهَادِ وَالْعَدْلِ وَإِقَامَةِ الْحَجِّ وَالْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ. وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقُوَّةِ وَالْإِمَارَةِ. فَالْوَاجِبُ اتِّخَاذُ الْإمَارَةِ دِينًا وَقُرْبَةً يَتَقَرَّبُ بِهَا إلَى اللَّهِ؛ فَإِنَّ التَّقَرُّبَ إلَيْهِ فِيهَا بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ. وَإِنَّمَا يَفْسُدُ فِيهَا حَالُ أَكْثَرِ النَّاسِ لِابْتِغَاءِ الرِّيَاسَةِ أَوْ الْمَالِ بِهَا. فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي ذَلِكَ بِحَسَبِ وُسْعِهِ؛ فَمَنْ وَلِيَ وِلَايَةً يَقْصِدُ بِهَا طَاعَةَ اللَّهِ وَإِقَامَةَ مَا يُمَكِّنُهُ مِنْ دِينِهِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَأَقَامَ فِيهَا مَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابِ مَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ: لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا يَعْجِزُ عَنْهُ؛ فَإِنَّ تَوْلِيَةَ الْأَبْرَارِ خَيْرٌ لِلْأُمَّةِ مِنْ تَوْلِيَةِ الْفُجَّارِ. وَمَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ إقَامَةِ الدِّينِ بِالسُّلْطَانِ وَالْجِهَادِ فَفَعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ النَّصِيحَةِ بِقَلْبِهِ وَالدُّعَاءِ لِلْأُمَّةِ وَمَحَبَّةِ الْخَيْرِ وَفَعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْخَيْرِ: لَمْ يُكَلَّفْ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ؛ فَإِنَّ قِوَامَ الدِّينِ بِالْكِتَابِ الْهَادِي وَالْحَدِيدِ النَّاصِرِ، كَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ - تعالى -. فَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ الِاجْتِهَادُ فِي اتِّفَاقِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيدُ لِلَّهِ - تعالى -، وَلِطَلَبِ مَا عِنْدَهُ مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ فِي ذَلِكَ" انتهى. ونقف مع كلام شيخ الإسلام وقفات: الأولى: سياسة الناس بالدين من أعظم الواجبات وأفضل القربات التي يتدين بها العبد إلى الله إخلاصاً ومتابعة. الثانية: هذه السياسة تكون بحسب الوسع والاستطاعة، والعبد ليس مكلفاً إلا بالمقدور، والواجب يسقط بالعجز، ولا لوم على العبد في ذلك. الثالثة: السياسة الشرعية هي التعامل مع الممكن للوصول إلى ما يجب، وليس الفرار من الواقع لأنه يخالف ما يجب. وتفصيل ذلك: الناس في التعامل مع الواقع طرفان ووسط: 1- طرف يتعامل مع الواقع بما يجب، فيقول يجب أن يكون الإعلام نظيفاً من المنكرات، والاقتصاد خالياً من الربا، والإدارة خالية من الفساد، وهذا لا شك أنه حق وواجب على الجميع، بل هو الغاية من السياسة الشرعية، ولكن المذموم في هذا الطرف هو الهروب من الواقع والانكفاء على الذات ولزوم البيت، وهذا قد خالف في جهتين ذكرهما شيخ الإسلام: أ- أنه لم يفعل ما في وسعه لمحاربة الفساد إلا التنظير. ب- تولى من الزحف فاستولى الفجار على الأمور دون الأبرار. 2- طرف يتعامل مع الواقع بحلاله وحرامه مستأنساً لذلك غير ناظر ولا داع إلى ما يجب بل يقول: نحن لن نمنع الخمور، ولن نمنع الفساد، يقنن للفساد بحجة الحرية والديمقراطية. 3- ووسط تعاملوا الممكن المقدور عليه بحسب الوسع والاستطاعة ساعياً إلى تطبيق ما يجب ناظراً إلى السنن الكونية والشرعية، مراعياً تكثير المصالح وتقليل المفاسد بقدر الإمكان. وهذا كان منهج النبي –صلى الله عليه وسلم- فقد كان يصلي في الكعبة وحوله الأصنام. فالسياسة الشرعية أن تتعامل مع ما يمكن للوصول إلى ما يجب بحسب الوسع والقدرة. وإن كلام شيخ الإسلام يجب أن نجعله منطلقاً لنا في عملنا الدعوي والسياسي في المرحلة الآتية التي تحتاج إلى كثير من العمل وقبل ذلك إلى كثير من التأصيل.
محمد حافظ
عماد الدين خيتي
صلاح الخالدي
عباس شريفة
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة