أحمد راشد سعيّد
تصدير المادة
المشاهدات : 2924
شـــــارك المادة
تسارعت في السنوات الثلاث الأخيرة، ومنذ تفجّر ثورات «الربيع العربي» وتيرة التغول الإيراني في المنطقة العربية، وكأن ساسة إيران أدركوا أن رياح هذا «الربيع» لن تجري بما تشتهي سفنهم. قبل هذه الثورات كانت إيران تشعر بكثير من الأمن، فقد أحكمت قبضتها على العراق، وأسدت يداً بيضاء للمحتلين الأميركيين عندما أرسلت ميليشياتها لتقمع أهل السنة (المهمَّشين والمسلوبين) معبّدة بذلك الطريق لتثبيت أركان الاحتلال (وقد شاركت واشنطن من قبل في غزو أفغانستان فيما كان الغوغاء في طهران يصرخون: الموت لأميركا!). وعندما اشتعلت الثورة السورية دخلت إيران بقضها وقضيضها لتقمع أهل الشام بكل وحشية بمباركة أميركية وأوروبية وإسرائيلية. واستباح الحوثيون (حلفاء إيران) صنعاء في 21 أيلول/سبتمبر هاتفين: الموت لأميركا. وبعد ذلك بـ 48 ساعة (23 أيلول/سبتمبر) بدأ الأميركيون وحلفاؤهم حرباً على تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) بقصف مدينة الرقة السورية. ولما طال أمد الحرب، وشعرت إدارة أوباما أنها في مأزِق (لاسيما في ظل إصرار تركيا على رفض مساعدتها مشترطة أن يكون الهدف إسقاط بشار الأسد وعصابته المدعومة من إيران) لم تجد من مغيث سوى عمائم طهران؛ صديقها الأفضل على الدوام، فشنّت المقاتلات الإيرانية غارات على مواقع تنظيم الدولة من الفضاء الجوي ذاته الذي تتحرك فيه طائرات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، بحسب ما أدلى به مسؤول في البنتاغون لصحيفة الهفنغتِن بوست الذي قال إن بلاده «على علم» بالغارات الإيرانية مضيفاً أنها لن تتوقف على الأرجح «مادامت الأمة التي يسيطر عليها الشيعة تشعر بتهديد الجماعة السنية المتطرفة...(داعش)» (1 كانون الأول/ديسمبر 2014). بعد ذلك بأيام، أعلن جون كيري، وزير الخارجية الأميركي، أن أي عمل إيراني ضد داعش سيكون «إيجابياً» (بي بي سي 3 كانون الأول/ديسمبر 2014). وهكذا، لا يحتاج «نهار» العلاقات الحميمية بين واشنطن وطهران إلى دليل. منذ هجمات 9/11 أدركت القيادة الإيرانية حاجة واشنطن إليها، فانخرطت، من أجل تحقيق مصالحها بالمنطقة، في مجهود تعاوني مع واشنطن مشوب بالابتزاز والضغط، منتزعة منها في نهاية المطاف ما كانت تطمح إليه عبر السنين: الاعتراف بدورها الإقليمي. أميركا، من جانبها، وجدت أن السياسة الإيرانية تلتقي معها حد التماهي في ملفات ذات أهمية إستراتيجية كثورات «الربيع العربي». انتفخت إيران كثيراً وهي تتمدد في عواصم عربية عدة، الأمر الذي منحها قدرة أكبر على التفاوض في برنامجها النووي، لكنه أيضاً أصابها بالغرور. صمد الأسد في وجه الثورة الشعبية، واستمرت الحكومة الشيعية في العراق في قمع السنّة، وسيطر ما يُسمى «حزب الله» على الدولة اللبنانية، ونجحت التدخلات الإيرانية في زعزعة أمن دول خليجية، ثم تهاوت مدن اليمن (مهد الأمة العربية) الواحدة تلو الأخرى بيد «أنصار الله»، فثمل حكام طهران بخمرة النصر. لكن هذا الغرور قد يكون السلاح الأمضى الذي يصيب الدب الإيراني في مقتل. في 18 أيلول (سبتمبر) 2014 (قبل سقوط صنعاء بثلاثة أيام) ألقى النائب في البرلمان الإيراني، علي رضا كازاني، خطاباً أمام حشد من طلاب قوات الباسيج في مدينة مشهد شمال شرق إيران، قال فيه: «ثلاث عواصم عربية أصبحت اليوم بيد إيران...وصنعاء أصبحت في طريقها للالتحاق بالثورة الإيرانية الإسلامية، وحتماً لن تقتصر الثورة اليمنية على اليمن وحدها، إذ ستمتد بعد نجاحها إلى داخل السعودية». بعد ثلاثة أيام من هذا الخطاب (في 21 أيلول/سبتمبر) سقطت صنعاء بيد الحوثيين. كان لافتاً لقاء قناة الميادين الشيعية (في 25 أيلول/سبتمبر 2014) بالمحلل الإيراني، محمد صادق الحسيني، الذي كان شديد الزهو بدخول الحوثيين صنعاء، وابتعد، على غير عادته، عن اللغة السياسية. قال الحسيني إن ما حدث في اليمن كان نتيجة «التحقير الوهابي للشخصية اليمنية»، والذي صنع «يمنياً جديداً»، مضيفاً بعنجهية لا يخطئها المشاهد: «اليمن كلها أصبحت في دمشق وطهران والضاحية الجنوبية وبغداد... باب المندب أصبح إلى جانب مضيق هرمز يضيّق الخناق على البحر الأحمر وعلى الإسرائيلي في قناة السويس... نحن سلاطين البحر الأبيض المتوسط الجدد، نحن سلاطين الخليج الجدد... نحن سلاطين البحر الأحمر.. نحن سنصنع خرائط المنطقة». ينقل الحسيني عن كيري قوله إن حكومته لا ترى أن تفويض الكونغرس بالحرب على داعش «ينبغي أن يتضمن تحديداً جغرافياً» معلقاً بالقول: «من حقنا نحن أيضاً ألا نستأذن أحداً في دعم العراق الذي يهمنا من زاويتين: الأماكن المقدسة، وهذا حق ديني شرعي، تكليف إلهي لن نتوقف عنه...الأمر الثاني أنه جزء من المجال الحيوي الإيراني». الحسيني ليس مجرد «محلل». هو مقرّب من دوائر صنع القرار في طهران. وما قاله في «الميادين» ردّد صداه علي أكبر ولايتي، أحد أبرز مستشاري الزعيم الشيعي خامنئي، في 15 كانون الأول (ديسمبر)2014 : «إن مجال نفوذ إيران يمتد من اليمن إلى لبنان... قوتنا الحالية لم يتخيلها أحد في العالم لأن اليمن ولبنان واقعتان تحت نفوذنا» (طهران تايمز، 16 كانون الأول/ديسمبر 2014). كان ولايتي يتحدث هو الآخر بغطرسة رافعاً يديه إلى السماء بطريقة توحي بالثقة المفرطة. سكرة النصر لا بد أن تدير الرؤوس. في 31 كانون الأول/ديسمبر نقلت وكالة أنباء فارس عن حسين سلامي، نائب قائد الحرس الثوري ، قوله إن في العراق وسوريا واليمن جيوشاً شعبية مرتبطة بإيران؛ يبلغ حجمها أضعاف «حزب الله» في لبنان. لماذا تفعل إيران كل هذا؟ منذ نشأة الإمبراطوية الفارسية اتسمّت سياساتها الجغسياسية (الجيوبوليتكية) بنزعة إلى الهيمنة مدفوعة بالشعور بالتفوق على الشعوب الأخرى. ويخبرنا التاريخ عن شغف الفرس بالتدخلات والاغتيالات، كما يخبرنا عن كراهية كثير منهم للعرب الذين، بحسب اعتقادهم، سلبوا الإمبراطورية الساسانية عزها بالفتح الإسلامي. ومنذ مجيء الدولة الخمينية/الصفوية عام 1979 عملت (من خلال إرثها القومي والمذهبي) على تطويق العرب رافعة شعارات دعائية عن مقاومة أميركا وإسرائيل، مروّجة أساطير شيعية قائمة على تخوين أهل السنة (النواصب)، وناظرة إلى المشرق العربي كله بوصفه فضاءً حيوياً لها سيشهد ذات يوم وقائع معركة المهدي المنتظر مع أعدائه (العرب). كنت في مؤتمر نصرة الأحواز والذي احتضنته مصر (إبان عهد الرئيس مرسي)، في 11 كانون الثاني (يناير) 2013، عندما شاهدت عبد الله النفيسي، الأكاديمي والخبير بالشؤون الإيرانية، وهو يستعرض الموقف الفارسي من العرب والإسلام قائلاً: «زرت إيران مرات خلال ربع قرن، فوجدت القوم يحتقرون العرب، ويكرهونهم، ويرون في ثورتهم (الخمينية) فرصة للانتقام من الفتح الإسلامي. ولهذا، من السذاجة القول: «دعوها فإنها طائفية»؛ لأن الفرس يضمرون الشر للعرب، ويريدون هدم الإسلام». تحدث النفيسي عن كتاب (الشاهنامة) الذي ألّفه أبو قاسم الفردوسي (935-1020) بوصفه إنجيل الصفويين، ونقل عنه قوله: «كيف سمحنا للعربي آكل الجراد أن يحتل بلاد فارس ويسميها فتحاً؟...لقد أتانا العربي وهو يشرب أبوال الإبل، بينما كان الكلب في أصفهان يشرب الماء البارد من النهر العذب». إيران، بحسب النفيسي، خططت لالتهام اليمن من خلال إقامتها معسكرات تدريب للحوثيين في جزر دهلك بالبحر الأحمر، في الوقت الذي استأجرت إسرائيل مزارع في هذه الجزر وحوّلتها إلى مراعي أبقار تنتج لها اللحم. هل يتسم خطاب إيران بالحماقة؟ نعم، وينبىء أيضاً بمزيج من غطرسة وبارانويا. هل يتعرض مشروعها للفشل؟ نعم. وهو يتعثر بقوة في سوريا والعراق واليمن، وحتى في لبنان. لكن إيران تعطينا درساً تعلمناه وما وعيناه: من يزرع يحصد!
العرب القطرية
ياسر الزعاترة
سلامة كيلة
عيسى الشعيبي
برهان غليون
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة