..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

خيار العرب بين تركيا وإيران وإسرائيل

فواز تللو

٤ ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3035

خيار العرب بين تركيا وإيران وإسرائيل
تللو000.jpg

شـــــارك المادة

منذ ظهر الإسلام وقضى على فارس المجوسية وممالك روما والقسطنطينية المسيحية، منذ ذلك الوقت نظر الغرب المسيحي إلى المسلمين السنة (عربا، ثم أتراكا) على أنهم أعداء.

وخلال القرنين الماضيين مثلت الأقليات الدينية والطائفية وعلى رأسها الأقليات المسيحية والمذاهب والطوائف الإسلامية غير السنية إحدى أدواتهم للتدخل في شؤون هذه المنطقة تذرعا بحماية هذه الأقليات.

ونتيجة لذلك الأمر بات عدد من القادة الاجتماعيين والسياسيين من هذه الأقليات حلفاء لهذا الغرب المسيحي الذي ترأسه اليوم أميركا (لاحظوا أن مشكلة تركيا المعلنة في انضمامها للاتحاد الأوروبي هو إسلامها مقابل مسيحية أوروبا).

هي سياسة اتبعها المستعمر الأوروبي وقادتها الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بأسلوب "العصر الحالي" تمثل باعتماد الدكتاتوريات، فاعتمدت في مناطق السنة العرب دكتاتوريات قبلية أو اجتماعية، عسكرية وأحيانا برداء مدني رقيق، على أن تأتي غالبا تحت صفة أقلوية.

وكانت قمة نجاح هذه السياسة مولود اسمه نظام البعث العربي عام 1963 في العراق وسوريا موطني الأقليات الأكبر في المنطقة، بينما وضعت للبنان تركيبة خاصة ووضعت فلسطين في عهدة أقلية يهودية مستجدة مستوردة.

لقد تُرك "البعث" في سوريا ليكون واجهة تحالف أقليات أنتج خلال سنوات قليلة (1970) نظام حافظ أسد الطائفي العلوي (فرنسا المستعمرة هي من سمى النصيريين بالعلويين) الذي تحول إلى شريك خدماتي كامل للغرب في المنطقة بغض النظر عن واجهته الشعاراتية، شريكا يعمل الغرب على حمايته كنظام علوي أقلوي يقود تحالف أقليات عبر محاصرة الثورة السورية بطرق مباشرة وغير مباشرة. وبالمقابل تحول نظام "البعث" السني في العراق إلى عدو مفترض وتم التخلص منه بطرق عسكرية مباشرة.

طور الفرس بعد مائتي عام من انهيار دولتهم على يد العرب المسلمين المذهب الشيعي الذي لم يكن موجودا قبلها كمذهب ديني بل كتيار سياسي محض بين بعض العرب ينادي بحق أحفاد الإمام علي رضي الله عنه بالسلطة، لكن لاحقا ظهرت "الشيعية" كمذهب ديني مستقل عبر فرس بدؤوا بمأسسته عبر نشر تعاليم وفتاوي وفقه جديد اعتمد على روايات تاريخية "مبتدعة" كما يرى باحثو التاريخ.

لقد نال الشيعة الجعفرية في المنطقة النصيب الأقل من الاهتمام أو بشكل أدق من "الرعاية" الخارجية، وكانوا مندمجين إلى حد كبير في مجتمعاتهم وقضاياها السياسية والاقتصادية والاجتماعية (غير الطائفية) وتركيبتها المدنية أو القبلية، لكن كل ذلك تغير بظهور إيران الخميني (1978) التي تبنت هذا الخط كمدخل للتدخل في كل دول الإقليم لبسط سيطرتها المباشرة وفق مشروع مذهبي لم يعد يخفى على أحد أعلنته إيران الخميني باسم "تصدير الثورة".

ورغم أن الغرب رفض هذا المشروع بداية، ولكن الانقلاب في الموقف الغربي بدأ تدريجيا، عبر التعايش فالتعاون في نقاط محددة معه كإسقاط نظام صدام حسين السني العلماني وحركة طالبان السنية الأصولية في أفغانستان، وصولا إلى تنسيق وتعاون وتكامل مصالح الطرفين في المنطقة بشكل كامل تقريبا في مواجهة "السنة" عربا وأتراكا وعبر مظاهر عديدة.

يبدو اليوم وبشكل واضح انقلاب الموقف الغربي وميل كثيرين في الغرب بساسته وباحثيه الاجتماعيين والسياسيين والاقتصاديين، لرؤية إيران الخمينية الحالية (الشيعية الفارسية) حليفا لهم كما نظروا لها قبل حكم الخميني، ولا يخفي هؤلاء ميلهم للتعاون معها ومراعاة المصالح المشتركة بين الطرفين في المنطقة وصولا إلى تكاملها انسجاما مع تفضيلهم للتعاون مع الأقليات أو استخدامها في وجه الخصم السني المفترض متمثلا بالعرب والأتراك.

ومنذ عام 2008 بات الرئيس الأميركي الحالي باراك حسين أوباما القائد العملي والفعال للسياسات الغربية في هذا الإطار، فقد وضع سياسة جديدة تجاه إيران بدءا من طريقة التعامل مع ملفها النووي ورفع العقوبات الاقتصادية واللقاءات الدبلوماسية الدافئة على هامش هذه المفاوضات في سابقة تتناقض مع ما تطرحه إيران الملالي مع من تسميه "الشيطان الأكبر"، لكن الأخطر من كل ذلك كان الملفات السياسية في المنطقة.

فقد تم أولا "إهداء" العراق إلى إيران على يد إدارة بوش التي حاولت إعادة التوازن لمحاربة تنظيم القاعدة فساعدت في ظهور الصحوات السنية على أن يتم دمجها بأجهزة الدولة العراقية العسكرية والأمنية الطائفية شبه الخالصة التي صنعتها إيران عمليا، لكن وبعد التخلص من القاعدة عام 2007 سمحت إدارة أوباما الجديدة عام 2008 للمالكي بالغدر بالصحوات وزج عشرات الآلاف في السجون، واستبقى نسخة مشوهة منها فقدت كل قاعدتها الشعبية، ثم تغاضت إدارة أوباما عن حرمان الكتلة السنية البرلمانية للعلماني الشيعي "إياد علاوي" من المشاركة في الحكومة عام 2010 ليفقد السنة أيضا حقهم في المشاركة بالأجهزة المدنية للدولة العراقية.

وقد أدى هذا لاحقا إلى عودة نسخة مطورة من تنظيم القاعدة ممثلة بدولة البغدادي كرد فعل عالجته إدارة أوباما بصب الزيت على النار عبر تعزيز تحالفها مع نظام "العبادي" التابع لإيران ومن خلاله مع إيران التي باتت تشارك تدريجيا في المعارك هناك مع رفض أوباما لأي شراكة حقيقية للسنة عبر تسليحهم وسيطرتهم على محافظاتهم لطرد التنظيم.

أما في سوريا فقد جرت شرعنة السيطرة الإيرانية عليها عبر غض البصر عن سيطرتها بشكل تدريجي على قرار النظام السوري وغض الطرف عن إدخالها مليشيا حزب الله والعشرات من المليشيات العراقية والأفغانية واليمنية (وتصريحات دي ميستورا المشرعنة لهذا الوجود لا زالت ساخنة)، بحيث باتت الإدارة الإيرانية تحكم مناطق النظام السوري مباشرة تقريبا في تفويض واضح لها، سيؤدي حتما إلى وضع سوريا الجديدة تحت الوصاية الإيرانية إن تم الأمر فيها وفق هوى أوباما وحلفائه الغربيين على حساب الثورة السورية وأهدافها كما يخططون في حلهم السياسي الحالي.

كما أن هذه السياسة ساهمت عمليا في انتشار متزايد لتنظيم القاعدة في سوريا كرد فعل، وكنتيجة للفوضى التي ظهرت نتيجة حصار الثورة من قبل أوباما وحلفائه الغربيين.

وفي لبنان جرت عمليا شرعنة سيطرة حزب الله على الدولة بكل مؤسساتها وبات شريكا عمليا للغرب هناك بعد اغتيال الرئيس الحريري وتسلمه القيادة من النظام السوري بعد خروجه المذل من لبنان، ولاحقا وعبر التدخل المباشر لحزب الله في سوريا والإذلال الممنهج لسنة لبنان أدى كل ذلك إلى تهيئة الظروف لحرب أهلية شيعية سنية مع ازدياد نفوذ تنظيم القاعدة بأشكاله المختلفة كرد فعل.

أما اليمن فإن سيطرة إيران المباشرة عليه عبر الحوثيين باتت واضحة وهو ما سيعطي دفعا جديدا لتنظيم القاعدة هناك، يضاف إلى ذلك ما تثيره إيران في البحرين وما تحاوله في الكويت والسعودية بل وصل بها الأمر إلى الجزائر دون أن ننسى دورها المباشر في السيطرة مباشرة على أجزاء من أفغانستان حيث يتواجد "الهزارة" وتغلغلها في القرار الأفغاني الرسمي وهو ما شكل عاملا إضافيا لتأجيج الصراع هناك واقتراب حركة طالبان من تنظيم القاعدة التابع للبغدادي.
أما تركيا "العدالة والتنمية" فقد كانت دائما في قلب الصراع خاصة في الملفين السوري والعراقي بالإضافة إلى الحملة التي لم تعد خافية عليها في الغرب، فقد تم توجيه اتهامات كاذبة لها بدعم تنظيم الدولة في سوريا وجرى تشجيع الاضطرابات داخلها، وتجري شرعنة سيطرة عدوها المتمثل بحزب العمال الكردي الانفصالي، وشرعنة سيطرة أداته السورية متمثلة في الاتحاد الديمقراطي الذي يعمل أيضا كأداة مباشرة بيد إيران وحليفها النظام السوري.

    "تحمل تركيا مشروعا "سنيا" حضاريا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ينظر للعرب كشركاء في المنطقة لا كخصوم وتتشارك معهم في تاريخ واحد وتتطلع لمستقبل تعاون مشترك تأمل أن يكون شبيها بتجربة الاتحاد الأوروبي"

وأخيرا تم رفض رؤيتها المتعلقة بالملفين السوري والعراقي، حيث تتمثل في الملف السوري بالتعاون مع قوى الثورة (التي هي قوى سنية عمليا) للإطاحة بتنظيم البغدادي والنظام السوري معا، وهو ما سيعطيها دورا كبيرا مؤثرا في الملف السوري على حساب إيران، ورؤيتها المتعلقة بالعراق التي تقول بإعطاء السنة حقوقهم في بغداد والثروة العراقية ضمن دولة فدرالية يسيطرون فيها على مناطقهم كما هو الحال لدى الشيعة والكرد اليوم لينهوا سيطرة البغدادي والقاعدة على تلك المناطق، بما يمثل في النهاية إضعافا لتأثير إيران على الملفين السوري والعراقي لصالح تركيا.

في النهاية، هناك ثلاث قوى رئيسية في المنطقة يمكن للعرب التعاون معها أو مواجهتها ولا خيار في ذلك أمامهم، إيران وبات مشروعها واضحا في تفجير المنطقة طائفيا ويتجه الغرب للتحالف معها، وإسرائيل بمشروعها المدعوم غربيا والذي بات يلتقي بشكل كبير مع المشروع الإيراني وينظر الطرفان للعرب بكل أنظمتهم وبكل شعوبهم (السنية بغالبيتها المطلقة)، كخصوم ومجال حيوي لتحقيق مصالهم ومشاريعهم الاقتصادية والسياسية على حسابهم.

وأخيرا تركيا "العدالة والتنمية" التي تحمل مشروعا "سنيا" حضاريا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ينظر للعرب كشركاء في المنطقة لا كخصوم وتتشارك معهم في تاريخ واحد وتتطلع لمستقبل تعاون مشترك تأمل أن يكون شبيها بتجربة الاتحاد الأوروبي، مشروعا هو المخرج الوحيد للعالم للتخلص مرة واحدة وأخيرة من إرهاب القاعدة وتفريعاتها ليس بمواجهته العسكرية فقط بل بتجفيف منابعه المتمثلة في رفع الظلم الذي تعرض له سنة المنطقة على يد التحالف "الغربي الإيراني الإسرائيلي" غير المعلن على مدى عقود.

فهل بعد ذلك من خيار وأولويات لدى العرب أنظمة وشعوبا، لوضع الخلافات السياسية بين بعضهم البعض، وبين بعضهم وتركيا، لمواجهة ما يجري من محاولات لابتلاع المنطقة على يد إيران وإسرائيل برعاية إدارة أوباما في إطار تحالف الأقليات الأوسع والأخطر في الشرق الأوسط؟

 

 

الجزيرة

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع