مهدي علي قاضي
تصدير المادة
المشاهدات : 3042
شـــــارك المادة
على الرغم من أن نص السؤال فيه شدة إلا أنه مفيد من حيث إشعاره لنا بعبارته القوية بالمأساة الضخمة وبالتحدي الكبير الذي نعيشه في عصرنا الحاضر, ويحضرني هنا اسم الكتاب الشهير للعلامة أبي الحسن الندوي رحمه الله (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟).
** أما من أسقطه؟
فبشكل عام أسقطه الفـــــرد المسلم عندما غفل وأُغْفِلَ عن حقيقة الإسلام وصدق التمسك به والتزام أوامره في كل الأمور وجعله الهدف الذي يعيش من أجله.
قال تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} [سورة محمد: 7], وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن ابن عمر: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم» [رواه أبو داود وصححه الألباني].
وبـــــــدون تحقيق صدق التمسك بأوامر الدين والتطبيق الحقيقي الكامل للشرع والذي يبدأ حصوله كما يبدأ انحرافه من أفراد الأمة لا تنتصر أمة الإسلام حتى وإن اتحدت وتوحدت وتقدمت علمياً وعسكرياً لأن سنة الله الحكيم اقتضت ذلك.
* نعم بعض الأفراد مسؤوليتهم أكبــــر, فالحاكم الذي يؤثر على الملايين يتحمل مسؤولية بقدر وعدد هؤلاء المسؤول عنهم, والذين يضيعهم إن قصر في مسؤوليته الفردية كحاكم واجبه أن يطبق فيهم شرع الله ويربيهم على حبه والتمسك بتعاليمه وأوامره والحرص عليها ومنع ما يخالفها. وهكــــــذا تكبر المسؤولية أو تصغر بقدر حجم المسؤول.
* وممن مسؤوليتهم كبيــــــرة جداً لعظم قدرهم علماء الأمة فهم من أكبر المؤثرين فيها إذا تحركوا وتجردوا وقاموا بدورهم المأمول حق القيام؛ فأخذوا بيد الأمة وشعوبها بكل فعالية يستطيعون عليها إلى طريق الهدى والرشاد, وضحوا في سبيل ذلك, وواجهوا بالحق وبالطرق السليمة من ضيع الأمة ويضيعها من المتنفدين أوالمسؤولين أو الحكام, ولم يجاملوهم ويسكتوا عن منكراتهم ويمدحوهم بطريقة تجعل الأمة تنخدع بهم وتسمرئ أوضاعهم والمنكرات والمخالفات الشرعية التي ربوا الأمة عليها.
** وإذا أردنا تفصيلاً وأمثلة أخرى عن أسباب سقوط الأمة ومن أسقطها فيمكن أن نقول:
- أسقط عالمنا الإسلامي مسؤول الإعلام (الذي أصبح أقوى وأهم وسائل التأثير في الأمم والشعوب) وأي عامل في أي وسيلة منه عندما لم يتق الله في مشاركته وتمريره ومساعدته ومساهمته في عرض وإنتاج أي شيء يخالف الشرع في أي جزئية من جزئياته أو يضر الأمة ويلهيها عن واجباتها.
- أسقطته انحرافات خطيرة وقعت فيها الأمة في جانب العقيدة والفكر والتصورات وأصول الحكم والسياسة.
- أسقطه المسؤول المسلم الذي رضي بترك المنكرات وما يخالف الشرع يمضي ويُعْمَلْ فيما تشمله مسؤوليته ويسأله الله عنه, ولم يقف وقفة قوية لإصلاح ما تحت يديه وتوجيهه ليكون كله مصدر خير للأمة لا مصدر إثم وضرر عليها.
- أسقطه الفرد المسلم عندما ترك التمسك بأمور دينه وأصر على أخطاء ومعاص في أي جانب من جوانب الدين...الأخلاق, المعاملات, والسلوكيات الظاهرية والقلبية (التي كثيراً ما تنسى),.... وغير ذلك.
- أسقطه الفرد المسلم عندما رضــي بأن يعمـــل أو يشــارك في أي مكان أو أي عمل أو أي جزئية يكون فيها مساعداً ومعيناً ومشجعاً لما لا يرضاه الله ومن ثم يؤخر النصر على أمتنا.
- أسقطه الفرد المسلم عندما استمرأ الذل والهوان وجبن عن قول الحق ومقارعة أصحاب الهوى والإضلال والإفساد, بل نافقهم فأضلهم هم أنفسهم وأضل الأمة بهم,... خاصة إن كان ممن وهبه الله قدرات في الأدب أو الفكر أو غير ذلك.
- أسقطه التاجر المسلم الذي أصبح في العديد من تجارته ومعاملاته لا يحرص الحرص اللازم على الابتعاد عن التعامل أو دعم أي أمر فيه مخالفة ولو جزئية لأوامر الدين أو أي قيمة من قيمة.
- أسقطه الفرد المسلم عندما قصر في وسائل النهضة المادية لأمته, فأهمل دراسته وعمله ولم يجد في العمل القوي لإخراج الأمة من التخلف التقني والعلمي الكبير الذي تعيشه.
- أسقطه الفرد المسلم عندما قصر في بذل الجهد للواجب الكبير الهام -خاصة في عصرنا الحاضر الذي بعدت فيه الأمة - واجــب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح مجتمعاتنا, خاصة وهو يرى الذبح والذل والهوان الكبير الذي تعيشه الأمة والذي لا حل جدري حقيقي له إلا دعوة الأمة لتعود إلى التمسك الكامل الحق بدينها لتعود كل أمور الخيرية لها, وكما ذكر الشيخ محمد جميل عقاد رحمه الله في عبارته الذهبية عن القدس ولكنها تشمل كل أمور عزتنا: "لن تعود حتى نعود".
- أسقطه الفرد المسلم عندما قصر في تعلم أمور دينه التعلم الكافي, مع أنه يعرف أنه لم يخلق إلا من أجل الدين والعبودية للجليل وتحقيق خلافة الله في الأرض.
- أسقطه الفرد المسلم (رجلاً كان أو إمرأة) عندما انشغل وتعلق تعلقاً كبيراً بالدنيا وألبستها ومساكنها وبهرجها وزخرفها ومفاخرها والذي فــاق في بعض مظاهره اهتمام الكافرين بزخرف دنياهم, حتى وهو يرى إخواناً له يموتون ويتضورون جوعاً أو ينهكون قتلاً وتشريداً يدمي القلوب ويبكي الحجر.
- أسقطه الشاب المسلم والفتاة المسلمة عندما استسلموا لتضليل أعداء الدين لهم...فانقادوا لما يحثونهم عليه ويخدعونهم به بأنه مظهر الرقي وطريق الحرية، وكانوا بذلك مطية لأعداء الدين في تحقيق مخططاتهم ومآربهم في إلهاء الأمة وإفسادها ليضيعوها ويتمكنوا منها.
- أسقطته الأمة التي تلهو وترقص على الجراح وخاصة من يرقصونها على الرغم من أن الأمة تذبح ذبح النعاج وتغتصب نساؤها وييتم أطفالها وتنتهك حرماتها ويستهزأ بقيمها وتذل وتهان.
- أسقطه الشاب المسلم والفتاة المسلمة والكاتب والمفكر والأديب عندما تأثروا واستسلموا لتضليل وتأثير أعداء الدين فانقادوا لما يحثونهم عليه ويخدعونهم به بأنه الحرية ومظهر الرقي فكان بعضهم بذلك مطيةً لأعداء الدين لتحقيق ما يريدونه بالأمة.
- أسقطه كــل من ربوا الأمة على المعاصي وعلى التساهل في البعد عما لا يرضاه الشرع في الإعلام وغيره فقتلوها بذلك شـر قتلة, إذ أن المجتمعات التي تُعَوَّدْ على عصيان الخالق العظيم في أمور محرمة حسب ما يقتضيه دينها وعقيدتها يسهل عليها مخالفة أي نظام وتصبح غير منضبطة وغير مكترثة وغير جادة في كثير من الأمور بما فيها الأمور المباشرة المؤدية إلى الرقي والتقدم والسلوك المطلوب في أمور دنياها,... والأمم التي لا تضبطها مقتضيات ولوازم عقيدتها لا يضبطها ضابط.
- أسقطه التاجر المسلم المقتدر والموهوب المتمكن والذكي الحاذق عندما لم يوجهوا ما حباهم الله به بفعالية لنصرة الدين والأمة.
- أسقطته الأمة بشتى فئات أفرادها عندما تخلت عن البدء أو على الأقل التجهز الحق (بكل ما تحمله كلمة تجهز من خلفيات ومتطلبات تربوية ومادية) للجهاد الذي هو أحد أسس هذا الدين الهامة واحد أسباب هوان الأمة الرئيسة عندما تتركه في وقت مناسبة الحاجة والظروف له,...وما أشدها في وقتنا الحاضر.
- أخر نصره العديد من الدعاة إلى الله عندما لم يحقق العديد منهم (فضلاً عن أفراد الأمة الآخرين) صدق الإخلاص والتجرد وسلامة أعمال القلوب وتحقيق قوتها والارتقاء بها لتنضبط وتفلح وتتم البركة في أمورهم وجهودهم, ويصلوا بالأمة إلى شاطئ النصر الذي لا نصل إليه إلا عندما نخلص ونتجرد من أهواء الدنيا وما يشوب الإخلاص.
** نعم لا شك أن لمكائد أعداء الدين دور, ولكـن لم يكن مكرهم وكيدهم ليتحقق علينا لولا أننا قصرنا في تمسكنا الحق وفي أداء واجباتنا وفي تقوانا لله التي هي أساس نصرنا وعزنا ورد كيد الأعداء عنا,...قال تعالى: {وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [سورة آل عمران: 120].
**ولقد أصبحت الأمة تعيش في حلقة مفرغة في هذا السقوط ما بين مسؤولين وحكام لا يربون الأمة على التمسك الحق بالدين؛ وبين أفراد أثر عليهم ما يفعله هؤلاء المسؤولين والحكام فأصبحوا لا يصلحون ولا يؤثرون إيجاباً على الحاكم, وهكذا تستمر هذه الحلقة المفرغة التي لا بد أن تكسر ولكن بالحكمة والطريقة الصحيحة التي أساسها إصلاح الفرد حاكماً كان أو محكوماً فبصلاح أحدهما الصلاح الحق يصلح الآخر بإذن الله, أو يزاح إن كان ممن طمس الشيطان والهوى على بصيرته وأصبح من أتباع أعداء الدين فلم يتقبل الحق وما يصلح ويفلح حاله هو قبل حال أمته.
** ولا يعني ما ذكر قلة الخير في الأمة, بل أمتنا أمة الخير العظيم الكامن في أبنائها على كافة مستوياتهم, والذي ينتظر تحركه لتغيير هذا الواقع المؤلم الذي الأهم فيه أنه لا يرضي الله رب العالمين.
قال تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [سورة الحج: 40].
وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [سورة النور: 55].
وقال سبحانه ووعده الحق: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} [الأنبياء: 105-106].
عودة ودعوة
مانيا الخطيب
حذيفة عبد الله عزام
أسامة اليتيم
أحمد موفق زيدان
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة