..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

المأتم السوري لم يبدأ بعد.. والقادم أسوأ؟

هشام بن عبد العزيز الغنام

٢٢ فبراير ٢٠١٤ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 5431

المأتم السوري لم يبدأ بعد.. والقادم أسوأ؟

شـــــارك المادة

انتفاضة سلمية ومتفائلة تحولت بسرعة وبوحشية إلى حرب أهلية بمحصلة صفرية، هذا ما حدث في سوريا في جملة واحدة.
يقف المحللون السياسيون حيارى أمام فك خيوط معضلة ثبات النظام السوري وعدم انهياره إلى الآن أمام رياح ما يُسمى بالثورة رغم هبوبها العنيف على الديار الشامية.


فمنذ بداية الانتفاضة السورية وأفراد المعارضة السورية، يسارعون في توقعات ووضع تواريخ هي أقرب للأماني، منها للتحليل الموضوعي المنضبط، فلسان الوقائع والحقائق على الأرض دائما أبلغ في أي تنظير علمي من التخرصات والأوهام والأمنيات.
لذلك لا مفر من محاولة رصد الواقع السوري كما هو، وإن كان ذلك علقما مرا لا يستسيغه عطشى الحرية.
لعل العجلة في توقع سقوط النظام تنبع من حقيقة أن النظام في دمشق لا يملك أموال القذافي الذي سقط ولا يملك حلفاء النظام المصري السابق، نظام مبارك، ولا يملك حتى الرضى الدولي (الغربي) الذي كان بحوزة زين العابدين بن علي عند هروبه من تونس.
تماسك النظام:
فلماذا إذن يبدو النظام الأسدي متماسكا على الأقل حتى الآن؟ طبعا الإجابة لا تكمن في سفسطة إعلام ما يسمى بالمقاومة، ولا في مشاريع التصدي والصمود التي تدعيها دمشق، ولا في المسرحيات الهزلية التي لم يتقنها النظام حتى الآن تجاه القابع في تل أبيب.
بالمثل، الإجابة تتعدى التنظير السطحي الذي لكثير من كارهي النظام، حيث تغلب المشاعر والتعاطف مع الجماهير السورية المسحوقة تحت أحذية الجيش السوري وشبيحة النظام على إدراك الوقائع كما هي.
كنت قد كتبت قبل عامين أن النظام السوري لن ينهار، ولن تحدث فيه انشقاقات ذات أهمية، بعكس ما كان يقول به أغلبية من يتعاطى مع الشأن السوري في ذلك الوقت، وبعكس ما كان يأتي به الخبر اليومي السوري، محيلا السبب إلى بنية الدولة نفسها، والتي كثيرا ما يتم تجاهلها كلاعب رئيس في أي عملية تغيير جذري في دول الشرق الأوسط، إذ دائما ما تنعت بأنها دول ورقية تم اختراعها، ورسم حدودها من المستعمر الأوروبي.
وهذا كما يعتقد "قريقوري قاس" و"ثيدا سكوتشبول"، تسطيح وتجاهل لدور الدولة الشرق أوسطية الحديثة الذي هو أساس في أي عملية تغيير فعلي في هذه المنطقة المشتعلة في العالم، كما كان دور الدولة عاملا رئيسا وحاسما في شرق العالم وغربه منذ ظهور مفهوم الدولة الوطنية الحديثة.
فشخوص النظام المصري، ولا أقول النظام، مثلا لم تكن لتتغير لو لم يحيد الجيش نفسه حتى لو تجمع سكان الوجه القبلي، والبحري عن بكرة أبيهم في ميدان التحرير.
ولاء العلويين:
السؤال هنا: ما هو المختلف في سوريا؟ وما الذي يجعل النظام فيها متمنعا من أي عملية تغيير حتى لو كانت عملية تغيير لأفراد متنفذين من النظام؟
الإجابة كما يعتقد "بونو دي مسكيتو" سيد نظرية الخيار العقلاني، على الأقل بالنسبة لجهاز المخابرات الأمريكية، تكمن في ثنايا إجابة الأسد على سؤال باربرا والترز في ديسمبر 2011، بالتحديد عند سؤال "والترز" للأسد إن كان يعتقد أن قواته تعاملت بعنف مع المتظاهرين؟، فكان رد الأسد: "أنا رئيس لست مالك البلاد، هذه قوات الحكومة، إذن هي ليست قواتي".
يعلق "دي مسكيتو" قائلا: "في الديمقراطيات الغربية من الصعب تخيل كيف يمكن لزعيم أن ينفي بشكل صارخ مسؤوليته عن أفعال حكومته"، ويتساءل "ديمسكيتو": "ولكن هل هو الأسد الذي يعيش منفصلا عن الواقع؟ أم نحن؟"، وفقا لمجلة «فورين بوليسي».
الأسد كما وصفه صحفي ألماني قابله في منتصف 2012، رجل هادئ لا يحب وظيفته، ويريد مخرجا منها بأي طريقة ممكنة، لكنه في ذات الوقت يريد أن يظهر أمام عائلته والعالم بمظهر القوي الذي لا يقل عن أخيه الأكبر (المرشح الأول للخلافة قبل موته في حادث السيارة).
والأكيد أن الأسد رغم دمويته لا يعيش منفصلا عن الواقع وإلا لما بقي حتى هذه اللحظة الراهنة، فالأسد يعلم إنه لا بقاء له في السلطة بدون دعم الطائفة العلوية، وهي الطائفة التي تمثل على الأقل 70 في المائة من الجيش، وتقريبا مائة في المائة من الحرس الجمهوري.
وليس غريبا أن الأسد يعتمد في مملكته على 4000 فرد يخلصون له أشد الإخلاص في دولة يتجاوز عدد سكانها 20 مليونا، ومثل هذا النظام الذي يعتمد على نسبة صغيرة من السكان للبقاء في السلطة، لابد وأن يكون نظاما فاسدا قائما على الرشاوي والامتيازات وشراء الولاءات، لذلك عندما يقول: الأسد إن الجيش ليس جيشه، فهو لم يجاوز الحق، فالجيش هو جيش المستفيدين من الطائفة العلوية وبعض الأفراد من الطوائف الأخرى.

لذلك لا يجب أن يتوقع عاقل أن الأسد قادر على تقديم أي تنازلات ذات معنى في أي مفاوضات قادمة، فأي تنازل يقدمه الأسد هو اقتطاع من حصة من يتحكم فعليا في مفاصل البلاد، وقد يعجل بإسقاط النظام وخسارة الحلفاء، وهذا دونه خرط القتاد.
طبعا فهم بنية النظام السوري بهذه الطريقة يسهل أيضا للكثير فهم لماذا لم يستطع الأسد القيام بأي إصلاحات حقيقية طيلة فترة وجوده في الحكم رغم خلفيته التعليمية كطبيب ومعيشته في الغرب، وفقا لمجلة «فورين بوليسي».
كعكة الثروة والسلطة:
في نظام مثل هذا، والعبرة لبقية الأنظمة التقدمية، ليس غريبا أن ينتفض الناس، وليس غريبا أيضا أن يتم مقاومة هذه الانتفاضة من القلة المسيطرة المستفيدة بوحشية وشراسة.
وهذه قاعدة قابلة للتطبيق على أي نظام آخر يستأثر بكعكة الثروة و السلطة فيه قلة قليلة، فكلما قسمت الكعكة أكثر قلت احتمالية حدوث انتفاضة حتى مع وجود مظالم حقيقية، ولعل هذا ينطبق على الأنظمة الخليجية الغنية التي كان بإمكانها امتصاص موجة الربيع العربي.
ناهيك أن النظام الأسدي لازال قادرا على إسناد جبهته الداخلية بالدعم المتواصل القادم من أصدقائه الخارجيين، تحديدا روسيا، وإيران اللتان تعتبران نظام الأسد بمثابة الرئة لجسد نفوذهما في الشرق الأوسط، وحتى فنزويلا وبالتأكيد عراق المالكي.
لكن أساس بقاء النظام هو هذه الشبكة الداخلية المتماسكة التي تعتمد بشكل كبير على بعضها البعض.
المعادلة باختصار، الأسد يوفر المال والسلطة لشبكته الداخلية، وهم يضمنون له البقاء كرمز للنظام، في نظام مثل هذا لا يستطيع رمز النظام أن يتنازل ولا أن ينفتح على معارضيه، وإلا لخسر من يبقيه في السلطة، وهم الأهم بالنسبة له.
وكلما كانت هذه الشبكة أصغر كما في الحالة السورية حيث الاعتماد الرئيس على نخبة علوية، كلما كان كسر الرابطة أصعب، لذلك لا يهم إن انعقد 100 مؤتمر جنيف فالأسد كرمز للنظام فعلا لا يملك قراره، ولا العصبة التي يحتمي بها تملك أن تفرط فيه، وإلا لخسرت كل مكتسباتها، هذا أيضا يفسر عدم رؤيتنا لانشقاقات ذات بال عن النظام، منذ بداية الانتفاضة السورية، فحتى انشقاق رئيس الوزراء السوري السابق رياض حجاب ليس انشقاقا من عصبة النظام وقلبه، ولا يعدو كونه هروبا لأحد مستخدمي النظام وأدواته غير المهمة، وبالمثل انشقاق مناف طلاس ليس نقطة تحول، ومن المعيب اعتباره آنذاك نقطة تحول في مسيرة الثورة السورية.
لكن في الجانب الآخر، وكما ذكر لي "د. مارك كاتز"، خبير العلاقات الروسية السورية في لقاء بعد سنتين من بدء الانتفاضة السورية: "النظام السوري يعاني من ضعف حقيقي على الصعيد الداخلي لأول مرة خلال عقود، كون النظام لم يستطع حتى الآن سحق المقاومة وجلب الاستقرار يطرح مخاوف حقيقية على داعميه الأساسيين، على الأخص روسيا".
كيف تنتهي مثل هذه الحالة؟
بطبيعة الحال أن ينتصر أحد الأطراف، إما المعارضة أو الأسد، وتاريخ الحروب الأهلية يخبرنا أن الانتصار في مثل هذه الحالة لا مناص أن يكون دمويا ووحشيا، وللأسف، ستكون أرقام الضحايا الحالية من الماضي سريعا، وسنرى صعودا مذهلا في أرقام الضحايا.
كما قلت في الماضي، عند بدء الثورة، إن عدد الضحايا في ذلك الوقت سيكون من الماضي البعيد، فإني أقول الآن: إن الأمر سيكون أشد وأنكى وسنرى تصاعدا في أرقام الضحايا ينسينا ما حدث في العراق. أما نصر الثوار، فلن يأت بدون فاتورة باهظة، هذه حقيقة لا يجب إخفاؤها، ولن تكون عملية تطهير سوريا من الفصائل المقاتلة عملية سهلة أو سريعة.
هل هناك بديل لهذا المسار الدامي؟ للأسف لا (سيناقش الكاتب لماذا لا بديل ممكن للمسار السابق في الجزء الثاني من هذه المقالة)، باختصار الطريق الآخر هو تدخل غربي أو تسليح غربي للثوار بسلاح ثقيل.
هذا على الأغلب غير ممكن ولن يحدث، الغرب وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية، يتخوف من تسليح المعارضة بسلاح ثقيل مؤثر لأسباب منطقية، على رأسها خوفهم من تكرار ما حدث في أفغانستان.
واكتفت إدارة أوباما حتى الآن بتقديم أجهز اتصال مؤثرة للثوار ولا شيء غير ذلك، طبعا هناك دعم غير مباشر بالسلاح الخفيف عبر وسطاء، لكن حتى هذا ليس مؤثرا في سير المعركة على الأرض، ولا يمكن مقارنته بدعم الأفغان بقاذفات صواريخ ستينغر التي زودت بها الولايات المتحدة المجاهدين في حربهم مع الجيش الأحمر السوفيتي.
للأسف الصراع سيستمر في سوريا لأمد غير منظور من دون تدخل غربي، وهذا سيؤدي إلى حالة لا غالب ولا مغلوب وزيادة عدد القتلى، وتقسيم سوريا قد يحدث إذا استمر الصراع لأمد طويل، بحيث تستقل العصبة الحاكمة بدولتها الخاصة على الساحل لحماية الأقلية العلوية من الانتقام المتوقع.
ما هو التدخل المطلوب؟
لا يوجد عاقل يؤيد تدخل غربي في سوريا على نمط ما حدث في العراق، فهذا غير ممكن أصلا، ولا يجب حصر الحل في سوريا بتدخل وعدم تدخل، بل أساس الحل هو تقسيم التدخل إلى تدخل جيد وآخر سيء.
الناس في أوهامهم سجناء إذا لم يتم الانفكاك عن الوهم الذي لازم الثورة منذ بدايتها بإمكانية القضاء على الأسد بمجرد وجود فئام مقاتلة على الأرض مسلحة بتسليح خفيف فلن يتم تسوية نظام الأسد وزمرة الشر في دمشق بالتراب.
لذلك، فإن الشر الذي لا بد منه هو الدفع تجاه نزول قوات نوعية غربية على الأرض، لكي يطمئن الغرب على من يستلم أسلحته وليمكن السوريين  من تشكيل دولة.
لا يكفي إرسال أسلحة بسيطة، وفقط، والغرب، تحديدا الولايات المتحدة الأمريكية، لن يعطي سلاحا نوعيا إلا بوجود ولو كان طفيفا على الأرض السورية، لا أحد يريد اجتياحا كاملا، ولا الأمريكيين أنفسهم لكن لابد من وجود قوات نوعية، أسلحة مضادة للطائرات وقوات أمريكية خاصة تدعم القوى العاقلة في سوريا وتدرب قادتها ميدانيا.
يجب أن تصل رسالة للغرب مفادها أن ما سيحصل في سوريا في قادم الأيام سيمتد إلى خارج سوريا، وسيفجر الوضع في المنطقة بأسرها، وأن مسار الأحداث في هذا البلد الهش مهم إستراتيجيا في تشكيل مستقبل المنطقة برمتها.
إن لم يحصل تدخل دولي نوعي، فإن ما حدث في العراق سيكون بمثابة نزهة مقارنة بما سيحدث في سوريا في قابل الأيام، وعدم ترك الشعب السوري في مثل هذه الحال المزرية هو مسئولية تقع على عاتق الجميع، وليس فقط بعض الدول الخليجية.
وتدخل غربي نوعي قد يكون أفضل سيناريو للأحداث لكنه مستبعد لعدة اعتبارات. للأسف ما قد نراه هو الأسوأ، أرقام الضحايا الحالية ستتضاعف بتسارع حتى لو سقط الأسد، والغرب لا يهمه إطالة أمد المعاناة، نحن لازلنا في البداية، فالمأتم السوري الحقيقي لم يبدأ بعد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العصر.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع